القانون الوضعي
هناك الكثير من المفردات التي تم (تسميمها) خلال العقود الماضية عن طريق ضخ متواصل لمعلومات مضلّلة من قبل تيارات الاسلام السياسي بغية السيطرة على العقل الاجتماعي، وملئه بأفكار حزبهم وعشيرتهم، وذلك في وقتٍ مبكر حيث لا يتوفر للناس يومها خيارات متنوعة من مصادر المعلومة والمعرفة غير شيخٍ منزوٍ في زاويته لديه القدرة للتصدي لأي قضية تعرض عليه، واصدر فتوى فيها دون ان يحمل نفسه جهد البحث والتأمل لأنه لن يسأله ولن يعاتبه أحد اذا حرّم لكنه سيكون في مرمى السهام اذا حلّل، مع أن تلك المعادلة تخالف المعادلة الشرعية حيث إن الأصل هو الإباحة وليس العكس.
من بين تلك المصطلحات المُسمّمة؛ مصطلح (القوانين الوضعية) والذي سيتبادر لأذهان الكثير منكم بأنني اقصد القوانين المخالفة للشريعة والتي تشربنا بأنها محادة لله ورسوله، وأن التحاكم لها كفرٌ مخرجٌ من الملة هكذا تم بناء مفهوم الحاكمية بشكل مشوّه ورسخوه بشكل مكثف وأصبح في نهاية المطاف هو العلامة الفارقة بين الدولة الإسلامية، والدولة غير الإسلامية وتستطيع أن تلحظ هذا ببساطة بمراجعة نتاج الصحوة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين وما تبعه من تلويث لمصطلح القانون وتحريم تعلمه وبيع وشراء كتبه انطلاقاً من تحريم القوانين الوضعية وهي التي يضعها البشر لتنظيم حياتهم بغض النظر هل هي مخالفة للشريعة أو مخالفة له، وتناقل الناس هذه الفكرة عبر الاجيال دون تمحيص لمؤداها ومآلاتها؛ حيث إن معظم القوانين التي تحكم الناس الآن هي بشرية لم يكن لها اصل في العصور المتقدمة فهل يوجد قانون ينظم حركة المرور وإلزام ركاب الدواب التوقف عند الاشارة الحمراء، أو ربط حزام الأمان عند ركوب الجمل؟
وهل يوجد قانون ينظم التعامل مع المتهم بحيث لا يجوز سجنه لمدة معينة بلا محاكمه؟
أو ان عمال الدواوين يجب ان يؤدوا البصمة في الساعة الثامنة والانصراف الساعة الثانية ظهرا (بعد الزوال)، وانه لا يجوز للعامل ان يتغيب خمسة عشر يوما متصلة أو ثلاثين يوما منفصلة وإلا جاز فصله من العمل، وإن تم فصله تعسفا فيجوز له التظلم أمام ديوان المظالم خلال ستين يوما من علمه بالقرار وإلاّ تحصن من الإلغاء؟
كل تلك القواعد بما فيها القواعد الخاصة بعمل الهيئات الدينية التي تنظم عملها هي قوانين وضعية تم وضعها لتنظيم وضبط حياة الناس لكنها لا تخالف أياً من القطعيات الشرعية وإنما هي تتحرك في منطقة العفو التي تركها الشارع لتغير الزمان والمكان والناس الذين هم أعلم بأمور دنياهم.
هذا مثال بسيط على المصطلحات المُضلّلة التي خلقها دهاقنة تيارات الاسلام السياسي والهدف أنهم يريدون من خلاله أن يسيطروا على التشريع فكل قانون يمر من خلالهم ويمهر بخاتمهم المقدس (موافق للشريعة) فهو شرعي، ومن لم يتجاوز القنطرة فهو قانون وضعي غير شرعي، وإذا نجحوا بهذه المعادلة فقد أمسكوا بتلابيب الدولة وأعلنوا إقامة ولاية الفقية المُشرّع.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً