نظام الشهر العقاري في الجزائر : السجل العقاري
الشهر العقاري هو مجموع القواعد التي موضوعها إعلام الغير بكل التصرفات التي تقع على العقارات .هدف الشهر العقاري هو ضمان المعاملات العقارية. يميز عادة بين الشهر العقاري و السجل العقاري غير أن النظامين لهما نفس الهدف. في نظام الشهر العقاري المطبق في فرنسا و الذي ورثته الجزائر إبان الاستقلال و المطبق إلى غاية صدور الأمر رقم 75-74 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري ، فان مبدأ التراضي هو الذي يحكم صحة العقود. أهمية الشهر العقاري في هذا النظام يقتصر على إمكانية الاحتجاج بهذه العقود المشهرة ضد الغير.في هذه الحالة يتعلق الأمر بالشهر الشخصي . و إما في نظام السجل العقاري الذي أخذ به المشرع الجزائري فإن الترقيم في السجل العقاري يكون منشئا للحق و ما دام العقد لم يتم ترقيمه فلا يترتب عليه أي أثر سواء ضد الغير أو حتى بين الأطراف.
الشهر العقاري يعتبر عنصر أساسي لصحة العقد فيتعلق الأمر هنا بنظام الشهر العيني .على خلاف بعض الدول التي أخذت بنظام مماثل، فإن السجل العقاري في الجزائر يمسك لا من طرف قاض و لكي من طرف مصلحة إدارية تابعة لوزارة المالية و هي المحافظة العقارية.
إن التأخير في عمليات مسح الأراضي خلق وضعية جعلت نظام الشهر العقاري نظام مختلط كون في المناطق التي لم تخضع بعد للمسح فإن النظام القديم أي نظام الشهر الشخصي ما زال يحكم المعاملات العقارية.
1- نظام السجل العقاري
الأمر رقم 75-74 المؤرخ في 12/11/1975 هو الذي أسس السجل العقاري. قبل هذا التاريخ فإن المشرع الجزائر أبدى خياره لنظام السجل العقاري ، فالأمر رقم 71-73 المؤرخ في 08/11/1971 المتضمن الثورة الزراعية نص في المادة 25 أنه : “ عند انتهاء العمليات المشروع فيها برسم الثورة الزراعية في بلدية ما ،يباشر في وضع الوثائق المساحية لهذه البلدية بالاستناد لمجموعة البطاقات العقارية و يوضع السجل المساحي العام للبلاد وفقا للشروط و الكيفيات التي ستحدد فيما بعد “. من جهته فإن المرسوم رقم 73-32 المؤرخ في 05/01/1973 المتعلق بإثبات حق الملكية ينص في المادة 32 بأنه : ” تستبدل شهادات الملكية بدفاتر عقارية بمجرد إحداث المسح العام لأراضي البلاد “.
هدف السجل العقاري هو إعداد الوضعية القانونية للعقارات و يبين تداول الحقوق العينية. يمسك في كل بلدية على شكل مجموعة البطاقات العقارية. كون الأمر يتعلق بإنشاء نظام جديد خلفا للنظام القديم ، فإن السجل العقاري يتم إعداده أولا بأول بتأسيس مسح الأراضي على إقليم بلدية ما فعملية المسح يجب إذا أن تسبق إنشاء السجل العقاري.
مجموعة البطاقات العقارية التي تشكل السجل العقاري تؤسس حسب إجراءات خاصة حددها الأمر رقم 75-74 السالف الذكر. النصوص التطبيقية لهذا الأمر تتمثل في المرسوم رقم 76-62 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام المعدل و المتمم بموجب المرسومين رقم 84-400 المؤرخ في 24/12/1984 و رقم 92-134 المؤرخ في 07/04/1992 و كذا المرسوم رقم 76- 63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري المعدل و المتمم بالمرسومين رقم 80-210 المؤرخ في 13/09/1980 و رقم 93-123 المؤرخ في 19/05/1983 .تبدأ هذه الإجراءات بأعمال مادية لإعداد مسح الأراضي العام أي تحديد الملكيات التي ستشكل الأساس المادي للسجل العقاري و تنتهي بأعمال قانونية بإيداع الوثائق المساحية ، و بترقيم العقارات الممسوحة و بإنشاء البطاقات العقارية و أخيرا بإعداد الدفتر العقاري الذي سيسلم للمالك.
1-1 – الإجراءات المتعلقة بالشكليات الأولية لإشهار حقوق الملكية و الحقوق الأخرى العينية في السجل العقاري
ما دام المشرع الجزائري اختار نظام جديد و هو نظام الشهر العيني و السجل العقاري فكان عليه بالضرورة تحديد إجراءات ترقيم الحقوق العينية في السجل العقاري.الإجراء الأول يتمثل في إيداع الوثائق المساحية لدى المحافظة العقارية. يثبت هذا الإيداع عن طريق محضر تسليم يحرره المحافظ العقاري. تتضمن الوثائق المساحية عن كل بلدية ، بالإضافة إلى جدول للأقسام و سجل لقطع الأرض تبين فيها العقارات حسب الترتيب الطبوغرافي، دفتر مسح الأراضي الذي تسجل فيه العقارات المتجمعة من قبل كل مالك أو مستغل حسب الترتيب الأبجدي لهؤلاء الأخيرين و مخططات مسح الأراضي ( المادة 8 من الأمر رقم 75-74).
بعد إيداع الوثائق المساحية لدى المحافظة العقارية ، و من أجل تأسيس مجموعة البطاقات العقارية ، يجب على كل مالك أن يودع لدى المحافظة العقارية جدولا محررا من قبل موثق أو كاتب عقود إدارية أو كاتب ضبط . يتضمن هذا الجدول وصف العقارات بالاستناد إلى مخطط مسح الأراضي ،هوية و أهلية أصحاب الحقوق و الأعباء المثقلة بها هذه العقارات . و يكون هذا الجدول مرفقا بجميع السندات و عقود الملكية ( المادة 10 من المرسوم رقم 76-63). بعد الانتهاء من هذه الشكليات وفي غياب أي اعتراض أو منازعة ، فإن البيانات الموجودة في الجدول تكون أساس الترقيم العقاري و بعدها يسلم الدفتر العقاري لصاحبه.
يسلم إلى مالك العقار بمناسبة الإجراء الأول دفتر عقاري تنسخ فيه البيانات الموجودة في مجموعة البطاقات العقارية و يشكل هذا الدفتر سند ملكية ( المادتين 18 و 19 من الأمر رقم 75-74).يجب أن يرفق الدفتر العقاري بأي طلب يرمي إلى عملية إشهار إلا إذا تعلق الأمر بإشهار حكم قضائي أو تسجيل امتياز أو رهن. يجب إذا أن يكون السجل العقاري و الدفتر العقاري متطابقين . و عملا بالمادة 72 من المرسوم رقم 76-63 فإنه :” لا يمكن لأي تعديل للوضعية القانونية لعقار أن يكون موضوع نقل لمسح الأراضي إذا كان العقد أو القرار القضائي المثبت لهذا التعديل لم يتم إشهاره مسبقا في مجموعة البطاقات العقارية “.
إجراء إيداع الجدول للحصول على الدفتر العقاري و الذي كان منصوص عليه في المادة 10 من المرسوم رقم 76- 63 قد ألغي بموجب المادة 66 من قانون المالية لسنة 2015 ، فالحصول على الدفتر العقاري يستوجب حاليا فقط تقديم عقد الملكية أو أي سند المثبت للحيازة و كذا مستخرج لحالة القسم ( 12CC).
1-2- الدفتر العقاري
الدفتر العقاري هو إذا آخر إجراء في اجرءات تأسيس السجل العقاري ، و يسلم إلى المالك الذي يكون حقه قائما بمناسبة إنشاء بطاقة عقارية مطابقة .و لكن إذا تعلق الأمر بنقل حق الملكية ( مثلا بيع عقار) من طرف مالك حائز على دفتر عقاري أي الذي لا يستوجب إنشاء بطاقة عقارية جديدة ، فإن تحويل هذا الحق يتطلب فقط ضبط الدفتر العقاري الذي يحوزه البائع ( المادة 46 من المرسوم 76-63).رقم
يكون الدفتر العقاري مطابقا للنموذج المحدد في المقرر المؤرخ في 27/05/1976 الصادر عن وزير المالية. يعد و يؤشر عليه بكيفية واضحة و مقروءة بالحبر الأسود الذي لا يمحى ، و البياض يشطب عليه بخط و الجداول تكون مرقمة و موقعة .و تكتب الأسماء العائلية للأطراف بأحرف كبيرة و الأسماء الشخصية بأحرف صغيرة.و يمنع التحشير و الكشط ، و الأغلاط و السهو تصحح عن طريق الإحالات.الكلمات و الأرقام المشطوب عليها و كذلك الإحالات تكون مرقمة و مسجلة بعد التأشير الذي يعنيها و موافق عليها من قبل المحافظ العقاري.و يسطر بالحبر بعد كل إجراء كما يوضح المحافظ العقاري تاريخ التسليم و النص الذي بمقتضاه تم هذا التسليم و كذا يشهد بصحة كل إشارة أو تأشير عن طريق توقيعه و وضع خاتم المحافظة.
قد يكون العقار المشمول بالدفتر العقاري ملك في الشياع بين عدة أشخاص. في هذه الحالة فإن الدفتر العقاري يودع لدى المحافظة العقارية إلا إذا اتفق الشركاء في الشيوع على تعيين وكيلا من بينهم لحيازة هذا الدفتر ، و في هذه حالة يشار في البطاقة العقارية المطابقة إلى الشخص الذي تسلم الدفتر العقاري. قد يتعرض الدفتر العقاري للتلف أو للضياع ، ففي هذه الحالة يمكن للمالك أن يقدم للمحافظ العقاري طلبا مسببا للحصول على دفتر عقاري آخر ( المادة 52 من المرسوم 76-63).
لا يتم أي إجراء عندما تكون الوثائق المودعة بالمحافظة العقارية غير مصحوبة بالدفتر العقاري.غير أن المحافظ العقاري يقوم بعملية الإشهار من دون أن يطلب الدفتر العقاري إذا كان الأمر يتعلق بأحد العقود المودعة أثناء تأسيس السجل العقاري ، أو بعقد محرر أو بقرار قضائي صدر بدون مساعدة المالك أو ضده ، أو كذلك بتسجيل امتياز أو رهن قانوني أو قضائي .
في المناطق التي مستها عمليات مسح الأراضي فإن الدفتر العقاري هو الذي يشكل دون غيره سند الملكية و لهذه القاعدة عدة آثار. أولا ففي غياب الدفتر العقاري لا يمكن إجراء أي تحويل للملكية ( بيع ، هبة…). الدعاوى القضائية الرامية إلى النطق بفسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم شهرها لا تكون مقبولة إلا إذا تم إشهار عريضة افتتاح الدعوى لدى المحافظة العقارية ( المادة 85 من المرسوم رقم 76-63). يثبت إجراء إشهار عريضة افتتاح الدعوى بتقديم نسخة من العريضة المشهرة إلى المحكمة المطروح أمامها الدعوى . فإذا تعلق الأمر بدعوى قسمة عقار مشاع مسجل في السجل العقاري فلا تقبل الدعوى أمام المحكمة ما لم يقدم الدفتر العقاري. وكل دعوى ترمي إلى إبطال أو تعديل دفتر عقاري يجب رفعها أمام المحكمة الإدارية و ليس أمام القسم العقاري للمحكمة.
1-3 – شهادة الترقيم العقاري المؤقت
في حالة ما قدمت اعتراضات أثناء عمليات مسح الأراضي أو أمام المحافظ العقاري بعد إيداع الوثائق المساحية فإن ترقيم العقار أو الحق العيني يكون ترقيم مؤقت . في هذه الحالة فإن المحافظ العقاري لن يسلم للمالك دفتر عقاري و لكن يسلمه فقط وثيقة تسمى ” شهادة الترقيم العقاري المؤقت”.هذه الشهادة و حسب المادة 352-2 من الأمر رقم 76-105 المؤرخ في 09/12/1976 المعدل و المتمم المتضمن قانون التسجيل لها نفس الآثار القانونية المنصوص عليها في مجال شهادة الحيازة المنشأة بموجب المواد من 42 إلى 46 من القانون رقم 90-25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن التوجيه العقاري. و تبعا لذلك فإنه يجوز لحائز شهادة الترقيم العقاري المؤقت التصرف في العقار تصرف المالك الحقيقي غير أنه لا يجوز له تحويل هذا العقار مجانا أو بمقابل مالي و هذا ما يميز شهادة الترقيم العقاري المؤقت بالدفتر العقاري الذي يسمح لحائزه التصرف المطلق في العقار أو الحق العيني.
2- منازعات الترقيم
سنتطرق بالتوالي إلى المنازعات المتصلة بإجراءات إعداد مسح الأراضي ، و منازعات الترقيم المؤقت و منازعات الترقيم النهائي و أخير منازعات إبطال أو تعديل الدفتر العقاري.
2-1- منازعات إعداد مسح الأراضي
رغم أن القانون المتضمن إعداد مسح الأراضي و تأسيس السجل العقاري صدر في سنة 1975 فإن عملية المسح أخذت تأخير هام كون جزء صغير فقط من التراب الوطني لا يتعدى 30℅ قد تم مسحه.عمليات المسح إذا ستتواصل مما سيترتب عليه استمرار المنازعات المتصلة بهذه العمليات.
تصميم مسح الأراضي يكون موضوع إعداد في كل بلدية لما يلي:
أ- جدول للأقسام و سجل لقطع الأرض حيث ترتب فيهما مختلف العقارات حسب الترتيب الطبوغرافي،
ب- سجل مسح الأراضي تسجل فيه العقارات المتجمعة من قبل المالكين أو المستغلين و ذلك حسب الترتيب الأبجدي لهؤلاء
ج- المخططات المساحية المطابقة للوضعية الحالية لقطعة الأرض.
الوالي هو الذي يحدد في قرار و لكل بلدية تاريخ افتتاح عمليات مسح الأراضي .فور افتتاح العمليات تنشأ لجنة مسح الأراضي في كل بلدية.يترأس هذه اللجنة قاض يعينه رئيس المجلس القضائي.يرجع لهذه اللجنة متابعة و مراقبة عمليات المسح. عند الانتهاء من العمليات التقنية فإن مخطط مسح الأراضي و الوثائق الملحقة تودع بمقر البلدية ، و يمكن حينئذ لكل شخص الاطلاع عليها و عند الاقتضاء تقديم شكوى في أجل شهر من تاريخ هذا الإيداع.
الشكاوى أو الاعتراضات التي تقدم في هذه المرحلة من طرف المالكين أو الغير تعرض على لجنة مسح الأراضي السالفة الذكر التي تقوم بفحصا و إعطاء رأيها . دور هذه اللجنة هو محاولة الصلح بين المعنيين و في حالة عدم التوصل إلى التوفيق بينهم فإنها تحدد الحدود المؤقتة للعقارات كما يجب أن تكون عليه في المخطط مع الأخذ بعين الاعتبار للحيازة ، و تمنح للمالكين أجل 3 أشهر من أجل الاتفاق على حدودهم أو من أجل رفع دعوى أمام الجهات القضائية المختصة ( المادة 14 من المرسوم 76-62).
اللجوء إلى القضاء في مرحلة إعداد مسح الأراضي يقع إذا عندما لا يتفق المالكين على حدود ملكيتهم و أخفقت لجنة مسح الأراضي في التوصل إلى التوفيق بينهم.يرجع حينئذ للمالك الذي له مصلحة أي المالك الذي يعتبر نفسه متضررا من عملية تحديد الحدود رفع دعوى قضائية لتثبيت ملكيته على الجزء من العقار المتنازع عليه.عدم احترام أجل الثلاثة أشهر المحدد في المادة 14 من المرسوم رقم 76-62 لرفع الدعوى ليس أجلا مسقطا للدعوى و لكن أثره الوحيد هو جعل الحدود نهائية و هذه الحدود ستؤخذ بعين الاعتبار من قبل المحافظ العقاري أثناء ترقيم العقار.و يمكن في كل الأحوال للمالك الذي يعتبر نفسه متضررا منازعة الحدود التي ثبتت أثناء عملية المسح و لو انقضى أجل 3 أشهر ، و لكن في هذه الحالة فإن الدعوى ستخص ملكية الحق العيني المتنازع عليه و توجه ضد الترقيم في السجل العقاري الذي قيده المحافظ العقاري.سيتعلق حينئذ الأمر بمنازعة في الترقيم العقاري التي تخضع لأحكام خاصة و لإجراءات متميزة.
الفرق بين رفع دعوى أمام الجهة القضائية أثناء إيداع مخطط مسح الاراض بمقر البلدية و رفعها أثناء إجراء الترقيم العقاري الذي قام به المحافظ العقاري، هو أنه في الحالة الأخيرة لا سيما دعوى إلغاء أو تعديل الترقيم النهائي فإن الدعوى تدخل في اختصاص المحكمة الإدارية أي أمام القضاء الإداري الذي يعرف بثقل إجراءاته و تحفظه الشديد في إلغاء أو تعديل قرار المحافظ العقاري الذي في كل الأحوال لم يتخذ إلا بعد تحقيق عقاري معمق و فحص دقيق للوثائق المقدمة.من جهة أخرى، كون الأمر يتعلق أكثر بنزاع عقاري و ليس بنزاع إداري ففي كثير من الأحيان فإن المتقاضي قد يلجأ إلى وسائل تسويفية لوقف الفصل في الدعوى المطروحة أمام المحكمة الإدارية عن طريق الاحتجاج بمسألة أولية مأخوذة من الملكية العقارية.
في كل الأحوال فإذا قرر المالك المعترض رفع دعواه أثناء إيداع مخطط مسح الأراضي فإن هذه الدعوى ترفع أمام القسم العقاري للمحكمة الواقع في دائرة اختصاصها العقار المتنازع عليه. يتعلق الأمر إذا بدعوى عقارية.أطراف الدعوى هم من جهة المالك المتضرر بصفة مدعي و من جهة أخري مالك العقار موضوع التحديد المتنازع عليه بصفة مدعى عليه.كون الأمر يتعلق بعقار لم يتم ترقيمه بعد في السجل العقاري فلا مجال لإشهار عريضة افتتاح الدعوى.يجب على الطرفين تقديم عقودهما ، و إذا تعلق الأمر بعقار اكتسب بالتقادم يجب تقديم الدليل على الحيازة لمدة 15 سنة.القاضي سيفصل في الدعوى ارتكازا على هذه الوثائق و الأدلة.بالنظر إلى طبيعة النزاع فإن القاضي سيعين خبيرا أو سيأمر بإجراء تحقيق بسماع الشهود لتحديد صاحب الملكية أو جزء من الملكية المتنازع عليها و على أساس نتائج الخبرة أو التحقيق سيصدر القاضي حكمه.
قد ترفض دعوى المدعي بسبب أنه لم يثبت ملكيته للحق العيني المتنازع عليه كما قد تقبل دعواه بالحكم على خصمه. يرجع لكلا الطرفين حسب الحالات المطالبة بالحقوق المثبتة في الحكم الصادر. حسب منطوق الحكم الصادر فإن الحدود التي كانت مؤقتة قد تصبح نهائية أو قد تعدل.يرجع للطرف المحكوم له تسليم الحكم إلى المحافظ العقاري من أجل تنفيذه . يجب أن يكون الحكم المسلم للمحافظ العقاري نهائيا أي غير قابل للاستئناف و ممهور بالصيغة التنفيذية. كون الأمر يتعلق بنزاع متصل بإجراءات إعداد الدفتر العقاري فقد يشترط المحافظ العقاري أن يكون الحكم بات أي غير قابل لأي طعن من الطعون عاديا كان أم غير عادي.
2-1-2 – منازعات الترقيم المؤقت
2-1-2-1- الترقيم المؤقت لمدة 5 سنوات
عندما تودع وثائق مسح الأراضي لدى المحافظة العقارية و يثبت هذا الإيداع بمحضر تسليم يحرره المحافظ العقاري ، فإنه يشرع في إعلام الجمهور بهذا المحضر و ذلك عن طريق نشره في الجرائد اليومية الوطنية و لصق الإعلانات في مقر المحافظة العقارية و المجلس الشعبي البلدي و الأماكن السكنية التي يوجد بها العقار. غرض هذا الإشهار الواسع هو السماح للمالكين استخراج الوثائق المثبتة لملكيتهم للعقارات الممسوحة من المحافظة العقارية. المدة التي يجب احترامها بين تاريخ إيداع وثائق مسح الأراضي و تاريخ عملية تسليم العقود المثبة للملكية هي 4 أشهر ( المادة 9 من المرسوم 76-63). بعد انقضاء أجل 4 أشهر و لاستخراج عقد الملكية ( الدفتر العقاري أو شهادة الترقيم العقاري المؤقت حسب الحالات) يجب على المالك إيداع ملف يحتوي على جدول يستخرج من المحافظة العقارية يتضمن بعض المعلومات و البيانات و كذا وصف العقار مرفق عند الحاجة بعقود الملكية.
إذا امتنع المالكين عن تقديم الجدول خلال مهلة 4 أشهر و كان المحافظ العقاري في وضع لا يمكنه من إبداء رأيه بشكل مناسب في تحديد حقوق ملكية هؤلاء نظرا لانعدام سندات الإثبات أو عدم كفايتها ، فإنه يشرع في تسجيل العقارات المعنية مؤقتا في السجل العقاري على أساس العناصر المتوفرة في وثائق مسح الأراضي. الطابع المؤقت لهذا التسجيل أو الترقيم يبقى قائما لمدة 5 سنوات تسري من تاريخ محضر تسليم وثائق مسح الأراضي إلى المحافظ العقاري. عند انقضاء مهلة 5 سنوات فإن الترقيم في السجل العقاري يصبح نهائيا.و لكن إذا طرأت وقائع قانونية جديدة أبلغ بها المحافظ العقاري و كان من شأنها تثبيت الحقوق الواجب شهرها في السجل العقاري ، فإنه يمكن لهذا الأخير تعديل أو إبطال الترقيم المؤقت و قيد ترقيم جديد متطابق مع هذه الوقائع القانونية الجديدية ( المادة 18 من المرسوم رقم 76-63).
يمكن لكل شخص معني خلال هذه المدة التي يبقى فيها الترقيم العقاري مؤقتا رفع دعوى أمام الجهة القضائية المختصة لطلب إبطال أو تعديل هذا الترقيم إذا كان هذا الشخص مؤسس في المطالبة بالعقار أو بالحق العيني المتصل بهذا الترقيم.و لكن قبل اللجوء إلى القضاء فإن القانون أقر بعض الإجراءات الأولية تسبق النزاع القضائي. يجب أولا على الطرف المحتج على الترقيم المؤقت في السجل العقاري أن يبلغ خصمه و المحافظ العقاري بهذا الاحتجاج بموجب رسالة موصى عليها و يكون للمحافظ العقاري حينئذ سلطة مصالحة الأطراف و تحرير محضر عن هذه المصالحة. إذا توصل الأطراف إلى اتفاق فإن المحافظ العقاري يحرر محضر صلح يكون له قوة الإلزام ( المادة 15-2 من المرسوم رقم 76-63. و في الحالة العكسية فإن المحافظ العقاري يحرر محضر عدم المصالحة يبلغه للأطراف و عندئذ فإن الطرف المحتج له مهلة 6 أشهر من تاريخ تبليغه بهذا المحضر لرفع دعواه أمام الجهة القضائية و ذلك تحت طائلة عدم قبول الدعوى ( المادة 15-4 من المرسوم رقم 76-63).
إذا تعلق الأمر بترقيم مؤقت في السجل العقاري بين أشخاص خاضعين للقانون الخاص فإن الجهة القضائية المختصة للفصل في هذا النزاع هو القسم العقاري التابع للمحكمة و هذا طبقا لأحكام المادة 516 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.وقضاء المحكمة العليا و مجلس الدولة مستقر فيما يخص اختصاص القسم العقاري عندما يتعلق الأمر بنزاع حول ترقيم مؤقت في السجل العقاري ( المحكمة العليا، 25/02/2004،ملف رقم 246259، مجلة المحكمة العليا ،سنة 2007،عدد1،ص.383 ؛ المحكمة العليا، 12/04/2012، ، مجلة المحكمة العليا ،سنة 2012، عدد 2 ،ص.390 ؛ مجلس الدولة، 29/10/2009،قرار رقم 49444 ،مجلة مجلس الدولة ، 2012 ، ص.146 ). بالعكس إذا كان أحد أطراف الخصومة شخص معنوي من القانون العام (الدولة،الولاية،البلدية،مؤسسة عمومية ذات طابع إداري) فإن المحكمة الإدارية هي التي تكون مختصة ( محكمة التنازع ، 16/05/2011،قرار رقم 102، مجلة مجلس الدولة،2012،ص.177).
يفصل القاضي في المعارضة على الترقيم المؤقت بالنظر إلى قانونية و حجية الوثائق و السندات المحتج بها من قبل الطرفين المتخاصمين و عند الضرورة سيطبق أحكام المادة 818 من القانون المدني التي تنص على أن : ” الحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة القائمة على سند قانوني ، فإذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادلت سنداتهما كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ ( قرار المحكمة العليا المؤرخ في 25/02/2004 السالف الذكر).
2-1-2-2- الترقيم المؤقت لمدة سنتين
ترقيم عقار أو حق عيني يبقى مؤقتا و لا يحوز طابع الترقيم النهائي إلا بعد انقضاء أجل سنتين من يوم إتمام هذا الترقيم و ذلك بالنسبة للعقارات التي ليس لملاكها الظاهرين سندات إثبات كافية ، و عندما لا يمكن للمحافظ العقاري أن يبدي رأيه في تحديد حقوق الملكية ( المادة 14 من المرسوم رقم 76-63).يمكن إلغاء أو تعديل هذا الترقيم المؤقت من طرف المحافظ العقاري إذا أبلغ هذا الأخير بوقائع قانونية تسمح له بصفة مؤكدة تثبيت الحقوق العينية الواجب شهرها في السجل العقاري .
الإجراءات أمام الجهة القضائية في حالة الاعتراض على الترقيم المؤقت لمدة سنتين هي نفسها الإجراءات السالفة الذكر المطبقة على الاعتراض على الترقيم المؤقت لمدة 5 سنوات.
2-1-2-3- الترقيم المؤقت لمدة 4 أشهر
المدة التي يبقى فيها الترقيم مؤقتا تكون فقط 4 أشهر و ذلك بالنسبة للعقارات التي ليس لمالكيها سندات ملكية قانونية و الذين يمارسون حسب المعلومات الناتجة عن وثائق مسح الأراضي حيازة تسمح لهم باكتساب الملكية عن طريق التقادم لمكسب .و يصبح هذا الترقيم المؤقت نهائيا عند انقضاء مدة 4 أشهر و لكن على شرط أن لا يقع أي اعتراض يتعلق بحق الملكية أو إذا سحبت أو رفضت الاعتراضات التي تكون قد حدثت ( المادة 13 من المرسوم رقم 76-63).
الاعتراضات على الترقيم المؤقت لمدة 4 أشهر تخضع لنفس الإجراءات المذكورة أعلاه.
2-1-3- منازعات الدفتر العقاري أو الترقيم النهائي
بانقضاء مختلف الآجال المحددة للترقيم المؤقت في السجل العقاري فإن الترقيم يصبح نهائيا فيسلم حينئذ الدفتر العقاري لصاحبه. طبقا للمادة 19 من الأمر رقم 75-74 و المادة 19 من المرسوم رقم 73-32 المؤرخ في 05/01/1973 المتعلق بإثبات حق الملكية الخاصة فإن الدفتر العقاري يشكل سند الملكية ( المحكمة العليا،02/06/2000،ملف رقم 197920،المجلة القضائية،سنة 2001،عدد1،ص.249 ؛ المحكمة العليا،21/04/2004،ملف رقم 259635 ، مجلة المحكمة العليا،سنة 2010،عدد3،ص.257).
باعتباره سندا للملكية فإنه يجوز الطعن في الدفتر العقاري بغرض إبطاله أو تعديله. ككل الدعاوى القضائية فإن دعوى الطعن في الدفتر العقاري يجب أن ترفع قبل انقضاء أجل سقوطها و هو 15 سنة يسري من تاريخ إعداد الدفتر. كون الدفتر العقاري هو بمثابة نسخة للبيانات الموجودة في مجموعة البطاقات العقارية فإنه يمكن توجيه الدعوى دون تمييز إما ضد الدفتر العقاري نفسه أو ضد إجراء الترقيم النهائي .قضت محكمة التنازع بأن دعوى إبطال الدفتر العقاري تعتبر كدعوى إبطال الترقيم النهائي في السجل العقاري ( 15/10/2012،قرار رقم 133،مجلة المحكمة العليا،سنة 2013،عدد2، ص.463).
إذا كانت الجهة القضائية المختصة في دعاوى الاعتراضات على الترقيم المؤقت بين الأشخاص الخاضعين للقانون الخاص هو القسم العقاري للمحكمة فإن المحكمة الإدارية هي التي تكون مختصة بالنسبة للاعتراضات على الترقيم النهائي أو بالنسبة للدعاوى الرامية إلى إبطال أو تعديل الدفتر العقاري. قضاء كل من المحكمة العليا و مجلس الدولة مستقر في هذا المجال.تفصل المحكمة الإدارية في الدعوى الرامية إلى إبطال أو تعديل الترقيم النهائي أو الدفتر العقاري بالنظر إلى حجية و نفاذ السندات و الحجج المقدمة من المتخاصمين.يمكن للحكم الصادر في حالة ما استجاب لطلب الإبطال أو التعديل أن يأمر المحافظ العقاري بتنفيذ الإجراء المحكوم به.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً