هل الضرائب جديدة علينا؟
محمد العمران
مع قرب تطبيق الضريبة الانتقائية اعتباراً من بداية شهر أبريل القادم، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة اعتباراً من يناير 2018م ضمن برنامج التحول الوطني حيث من المتوقع تطبيق هاتين الضريبتين من قِبل الهيئة العامة للزكاة والدخل كضرائب غير مباشرة على المستهلكين الأفراد عموماً (من مواطنين ومقيمين) من خلال آلية محددة للتسعير مع المورّدين والمصنّعين داخل المملكة وبالتنسيق مع جهات حكومية مثل مصلحة الجمارك العامة ووزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، قد يدور تساؤل مهم لدى البعض منا: هل الضرائب جديدة علينا فعلاً؟ أم ماذا؟
في الحقيقة، للضرائب تاريخ قديم في جميع مناطق جزيرة العرب دون استثناء قبل تأسيس الدولة السعودية الثالثة في بداية القرن التاسع عشر وقبل طفرة النفط في الثلاثينيات الميلادية، وهذا واقع كان آباؤنا وأجدادنا يعرفونه جيداً برغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشوها وبرغم دفعهم للزكاة الشرعية، ولعل أبرز هذه الضرائب على الإطلاق هي الضرائب التي فرضتها الدولة العثمانية في الحجاز والأحساء والقطيف ونجد وعسير وغيرها من مناطق جزيرة العرب في ظل الاعتماد عليها كمصدر رئيس للدخل كما هو الحال مع بقية دول العالم حتى يومنا هذا.
ففي الحجاز مثلاً، كانت الدولة العثمانية والأشراف يفرضون ضرائب على تصديق جوازات سفر الحجاج وعلى الحجر الصحي (الكرنتينة) وعلى عبور الجمال من مكة إلى المدينة وبالعكس وعلى نقل الحجاج من وإلى جدة وعلى الطوافة، وعندما ساءت الأوضاع الاقتصادية خلال الحرب العالمية الأولى تفاقم الوضع ليتوسع نشاط تحصيل الضرائب ويشمل تجار الماشية وبائعي الماء (الزمزمية) دون النظر إلى عمر المستفيد أو مستوى دخله، مما يدل على أن تحصيل الضرائب في الحجاز كان شاملاً، ويعتمد بشكل شبه كلي على موسم الحج في ظل عدم وجود مصادر بديلة للدخل.
وفي الأحساء والقطيف، كانت الدولة العثمانية تفرض ضريبة الجهاد (تُسمى بالروسية لأنها كانت تفرض على كل رأس) كبديل للخدمة العسكرية وضريبة صيد اللؤلؤ وضريبة خدمات المأمورين الحكوميين وضريبة على المحاصيل الزراعية من التمور.
وفي نجد، كانت الدولة العثمانية تفرض ضرائب على سكان المدن والقرى من محاصيلهم الزراعية على شكل «أتاوات» تدفع سنوياً.. وبشكل عام، نستطيع القول إنه خلال أكثر من 1000 عام كان حكام المدن والقرى على اختلافهم في مناطق الجزيرة العربية يفرضون الضرائب أو (الأتاوات) لأنها كانت المصدر الوحيد لتمويل حكوماتهم طوال تلك الفترات، وهذه حقيقة يجب أن ندركها جيداً.
وقبل طفرة النفط التي شهدتها المملكة وكحال جميع دول العالم، كانت الدولة تفرض ضريبة متواضعة ولكن مع بروز الإيرادات النفطية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم إلغاء هذه الضريبة عام 1370هـ واقتصارها فقط على الاستثمارات الأجنبية حتى يومنا هذا.. لذلك بعيداً عن التحليلات قصيرة المدى وعن فرضية استمرار الإيرادات النفطية للأبد كمصدر رئيس للدخل، من الواضح أن للضرائب تاريخاً قديماً جداً في جزيرة العرب باختلاف الظروف السياسية، والأهم أن نعي جيداً أنه لا توجد دولة في العالم (قديماً أو حديثاً) لا تعتمد على الضرائب كمصدر للدخل باختلاف الظروف الاقتصادية.
مع إقرار حكومة المملكة (رعاها الله) مؤخراً تطبيق ضريبة السلع الانتقائية (الضارة) اعتبارا من شهر إبريل القادم بنسب تتراوح بين 50 في المئة على المشروبات الغازية و100 في المئة على التبغ ومشروبات الطاقة، إلى جانب تطبيق ضريبة القيمة المضافة اعتبارا من بداية العام القادم 2018م بنسبة تبلغ 5 في المئة على عدد من السلع الكمالية، يجب أن نتفق أولاً على أن فرض هاتين الضريبتين يهدف إلى تقليل الأضرار الصحية على المجتمع وإلى ترشيد الإنفاق في السلع الكمالية وهي أهداف مهمة تأخرت كثيراً ستستفيد منها الأجيال القادمة بلا شك، لكن قبل ذلك يحق لنا أن نتساءل: هل لدينا نظام ضريبي يسمح بتطبيق هاتين الضريبتين؟ وماذا عن فعالية هذا النظام؟ وهل سيكون مناسباً لنا الآن؟
في الحقيقة نعم يوجد لدينا نظام ضريبي مطبق منذ سنوات طويلة جداً ويمثل مصدر دخل مهم للدولة (كحال بقية دول العالم)، لكنه مع الأسف الشديد نظام قائم على ضريبة الدخل فقط وموجه لغير السعوديين فقط (سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أم اعتبارين وسواء كانوا مقيمين أم غير مقيمين)، وبالتأكيد أنه نظام لا يتماشى إطلاقاً مع التغيرات الجوهرية التي شهدها الاقتصاد السعودي مؤخرا بعد بدء العمل ببرنامج التحول الوطني 2020م والرؤية السعودية 2030م، خصوصاً ما يتعلق بتطبيق ضريبة السلع الانتقائية (الضارة) وضريبة القيمة المضافة في ظل غياب الأنظمة واللوائح والإجراءات والإدارات المتخصصة والتدريب والكوادر البشرية التي ستتولى الإشراف على هذه الضرائب مجتمعة داخل الهيئة العامة للزكاة والدخل التي لا نعلم عن مدى استعداداتها قبل أسابيع قليلة من تطبيق أولى هاتين الضريبتين.
من وجهة نظر شخصية، أرى أن النظام الضريبي يجب ألا يكون مقصوراً فقط على ضريبة الدخل كما هو الحال الآن (على الرغم من تضمن ضريبة الدخل لضريبة المكاسب الرأسمالية وضريبة الاقتطاع على الرغم من أنه كان من الواجب فصلهما عنها تماماً)، بل يجب أن يكون نظاماً ضريبياً شاملاً ومرناً يتماشى مع المعايير الدولية للأنظمة الضريبية حول العالم ليشمل جميع أنواع الضرائب المطبقة حالياً أو تلك المتوقع تطبيقها قريباً أو تلك التي تحت الدراسة في ظل التحديات الصعبة التي حتماً ستواجه النظام الضريبي السعودي مستقبلاً، ومن أهمها تطبيق آليات للرقابة والمتابعة مع الأجهزة الحكومية الأخرى (مثل مصلحة الجمارك العامة) وتجار الجملة للتأكد من تطبيق الضرائب الجديدة وتحصيلها إلى خزانة الدولة دون أي محاولات للتهرب الضريبي والتي تعاني منه جميع الأنظمة الضريبية عالمياً دون استثناء !!!
بشكل عام، أرى أن النظام الضريبي في المملكة بوضعه الحالي دون نظام شامل ولوائح تفصيلية وإجراءات محددة وإدارات متخصصة وتدريب للكوادر البشرية هو بكل صراحة نظام بدائي جداً، مقارنة مع أنظمة ضريبية لدول عالم ثالث فما بالكم لو تمت المقارنة مع أنظمة ضريبة لدول متقدمة أو لمناطق الاوفشور تملك خبرات متراكمة ومتنوعة !! ولا شك أنه يحتاج إلى غربلة كاملة ليتماشى مع متطلبات المرحلة الاقتصادية القادمة والتي تتطلب احترافية في آليات التنفيذ والرقابة من قبل الهيئة العامة للزكاة والدخل التي بدورها تحتاج إلى الدعم، خصوصاً أن غالبية المتعاملين مع الهيئة يواجهون مصاعب مختلفة في إنهاء الإقرارات الضريبية والزكوية والتي قد تمتد فيها الإجراءات لسنوات طويلة مع بعض الشركات الكبرى (سواء كانت أجنبية أم سعودية) وهو أمر مؤلم لنا جميعاً.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً