نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد
م. عبدالخالق بن شبرين القرني
جاء نظام المشتريات الحكومية الجديد متوافقا مع أهم ما تضمنته رؤية المملكة 2030 في رفع كفاءة الإنفاق العام والحصول على مستوى عال مقابل للتكلفة ، بإعتبار المشتريات الحكومية من أكبر أبواب الإنفاق ، والعبء الأكبر ضمن قائمة الميزانية العامة. النظام أدخل تعديلات جوهرية شملت مراحل الشراء من الطرح المبدئي للتنفيذ النهائي ، مما ينعكس إيجابا على القيمة الهندسية للمشاريع الحكومية في الإنفاق وجودة المخرجات والعامل الزمني للحصول عليها.
النظام الجديد – من وجهة نظري – لم يكن مجرد تعديلات ، بل بمثابة تشريع جديد يعيد هيكلة إستراتيجية الشراء و يسمح بالاستفادة من أفضل الممارسات . يلاحظ أن النظام ينشئ جهة متخصصة تدير عملية الشراء الموحد بإستراتيجية الجملة . توحيد الشراء يحقق للأجهزة الحكومية إمكانية الحصول على أسعار منخفضة لمشاريعها وأعمالها ، فضلا عن أن هذه الجهة ستعزز ثقافة الشراء وتطور الأساليب والإجراءات التجارية . رغم أن النظام تناول جوانبا عدة إلا أن أهميته تبرز في أربعة أبواب جوهرية ومفصلية في العملية الشرائية. تناولت التحديثات الأساسية عملية الطرح وإدارة المنافسة والعروض وأساليب التعاقد وإدارة وتنفيذ العقود.
في مرحلة الطرح أتاح النظام للجهة الطالبة تقييم المتقدمين والتأكد من تأهيلهم كحالة بحالة بدلا من الاعتماد على التصنيف المسبق كما هو الحال في النظام السابق. كما أعطى الأولوية للمنشآت الصغيرة والمدرجة في سوق المال ، وهذا دعم مباشر للشركات المملوكة للمواطنين، سواء ما كانت ذات ملكية مباشرة أو عن طريق المساهمات في الشركات المدرجة بالسوق المالية. النظام أيضا يطلب من الجهات الحكومية التخطيط المسبق لمشترياتها بحسب ميزانيتها وخططها العملية ، مما يعني فك الإرتباط بوزارة المالية وإعطاء مرونة للطرح وسرعة الحصول على الخدمات. على جانب الشفافية أتاح النظام المنصة الالكترونية للطرح مما يوفر قدرا كبيرا من الشفافية والدقة في عملية الاختيار والحد من فرص الفساد والإخفاقات التنظيمية لعملية الشراء. لضمان المنافسة العادلة يحظر النظام تحديد العلامات التجارية أو المواصفات أو منتجات محددة والتي لا تنطبق إلا على شركات معينة مما يحد من العملية التنافسية، كما يحظر المبالغة بالمواصفات خارج حاجة المشروع، وهذا يسهم في خفض التكلفة النهائية للمشروع وفق الحاجة الفعلية.
على مستوى أساليب التعاقد سمح النظام بالمنافسة على مرحلتين إذا تعذر طرح كامل المشروع بسبب تباين المواصفات أو تنوعها. كما سمح بالمنافسة المحدودة للاعمال ذات الاحجام الصغيرة ، وهذا من شأنه توفير الوقت والجهد للحصول على الخدمة ضمن مجموعات صغيرة من الموردين. ولأول مرة يدخل النظام انموذج المزايدة بين المتنافسين عن طريق وسيلة إلكترونية دقيقة ، وهذا بلا شك ينعكس بشكل فعال وايجابي على التكلفة المالية . كما توسع النظام في الشراء المباشر عندما تكون التكلفة منخفضة مما يعطي المرونة اللازمة للجهات الحكومية للحصول على متطلباتها خارج أطر المنافسة العامة. والأهم أن النظام سمح للجهة الحكومية بتوقيع الإتفاقية الإطارية ذات البنود الشاملة التي تعطي مرونة كبيرة للتنفيذ وتغيير الكميات والتعامل مع الحالات الطارئة على سير العمل والتغيرات العملية.
على مستوى العروض تم خفض قيمة الضمان المالي لـ 1-2 % ، مع إعفاء المنشآت المحلية الصغيرة والمتوسطة ، مما يوسع دائرة المنافسة وبالتالي الحصول على أكبر قدر ممكن من العروض. لتعزيز الشفافية فصل النظام بين صلاحية فتح العروض وصلاحية فحص العروض وصلاحية الترسية مما يوجب إشراك أطراف متعددة كتعزيز للشفافية ودقة الإدارة للعملية التنافسية. أعطى النظام رئيس الدائرة الحكومية صلاحيات تصل لعشرة ملايين لقبول العروض والترسية والتعديل والإنهاء دون الرجوع لوزارة المالية.
في إدارة وتنفيذ العقود يضيف النظام شروطا تتعلق بالأداء وتقييم المنفذين مع ربطها بالدفعات والإنهاء ، مما يمكن الجهة الحكومية من الإدارة الفعالة لتنفيذ العقد من خلال وجود أدوات ضغط على المقاولين المنفذين. أهم أدوات الضغط التي يوفرها النظام إنهاء العقد وغرامات جزائية تصل 20% من قيمة العقد إضافة إلى حجب الدفعات مقابل التأخير والإخفاق في تنفيذ العقود . يمنح النظام التفويض للجهات الحكومية بإعداد عقودها مع مراجعة وزارة المالية بمدة زمنية محددة. يضع النظام حدا للأسعار بإعتبار قيمة العقد شاملة التنفيذ الكلي وفق شروط العقد ، كما يعطي المرونة للتعامل مع المتغيرات على أسعار المواد والتعرفة الجمركية ونحو ذلك . يتيح النظام – ولأول مرة – تقييم المقاولين المنفذين للأعمال ، وهذا الإجراء يمكن الجهة الحكومية من إدارة سلسلة الإمداد وكذلك يحفز المقاولين على التنفيذ وفق شروط العقود بجودة عالية تمنحهم فرصة الدخول في منافسات مستقبلية.
أخيرا يظل هذا التنظيم جميلا وقويا على الورق ما لم يعززه وجود إدارات وفرق عمل متخصصة تستطيع ترجمته لمنجز حقيقي تظهر نتائجه على مخرجات الأعمال الحكومية وتنعكس على التكلفة الإجمالية. بنفس أبعاد التغيير في النظام نحتاج لتغيرات هيكلية كبيرة تستهدف الإدارات المترهلة لتستبدلها بإدارات مهنية متخصصة وإجراءات إدارية ونماذج عمل تستوعب هذه المتغيرات وتحولها لواقع ملموس.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً