نظام المطبوعات السعودي الجديد
أثارت بعض مواد نظام المطبوعات السعودي الجديد، الذي جاء في 49 مادة، الجدل بين القانونيين والمختصين بالشأن الإعلامي، ومنها المادة (37) التي تسمح للجان إدارية تابعة للسلطة التنفيذية، تكون ذات اختصاص قضائي، بعقاب شخص أو جهة ما.
ويرى بعض القانونيين أن هذه المادة غير قانونية لأنها لا تقوم على المباديء التي يقوم عليها القضاء مثل الحياد والاستقلالية، ويبرز الخلل القانوني من أن الخصم قد يكون هو الحكم في بعض الحالات وربما غالبيتها، والحكم هنا للوزير دون سواه حصرًا.
والمحاكم التابعة للقضاء تختص بتحديد العقوبة، على أساس أن المحكمة برئاسة قاضٍ لا يخضع في أعماله لأي شخص أو سلطة أخرى إلا الشرع، ويرأس اللجنة المنصوص عليها في المادة (37)، وكيل الوزارة المختص فإنها تعتبر تابعة للسلطة التنفيذية، وحيث لا يملك قضاة هذه اللجان الضمانات المخصصة لحمايتهم واستقلاليتهم؛ فإن ذلك يدعو لعدم مشروعية أحكامها لمخالفتها مبدأ الفصل بين السلطات بشكل صريح.
وتعتبر المادة الأربعون ضمانة جيدة ومعقولة؛ حيث منحت الحق لمن يصدر بشأنه عقوبة، بمقتضى أحكام هذا النظام، بالتظلم أمام ديوان المظالم خلال 60 يوماً من تاريخ إبلاغه بالقرار الصادر بذلك.
أما الملاحظات الإعلامية الفنية فتنقسم إلى ثلاثة أقسام:-
أ- عدم دقة بعض المصطلحات الإعلامية؛ فمن الوارد انتشار تسميات خاطئة بسبب خصوصية بعض المصطلحات وهو ما لا يساعد على فهمها بالشكل الصحيح، فمثلًا جاء في نشاط “الخدمات الصحفية” ضمن النشاطات الخاضعة للنظام، وقد يكون المقصود هنا “الخدمات الإعلامية” لأنها الأكثر شمولاً.
ب- عدم دقة المحددات المهنية؛ فقد لوحظ عدم دقة محددات وردت في النظام مما يضفي الضبابية على المقصود منها ومعانيها الحقيقية، ونستعرض الآن بعض المواد التي اشتملت على بعض من هذه المفردات مثلما جاء في المادة الخامسة (5) التي نصّت على أن (يشترط فيمن يعطى الترخيص أن يكون حاصلاً على مؤهل مناسب…) وبذلك لم يشترط النظام مؤهلاً محدداً للحصول على الترخيص، واكتفى بعبارة “مؤهل مناسب”، وهو ما لا يخدم تقنين الممارسة الإعلامية، وكان الأجدر تحديد حد أدنى للمؤهل العلمي.
والمثال الثاني جاء في المادة الثامنة (8)، التي نصّت على أن (حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية) وفيها قد لا يكون الاجتهاد مأمون العواقب فلا يوجد إطار محدد للأحكام النظامية وهو قد يهدد حرية التعبير بدعوى أنها ليست في نطاق الأحكام النظامية.
والمثال الثالث هو نصّ المادة التاسعة (9) الذي جاء كالتالي (يراعى عند إجازة المطبوعة … أن تلتزم بالنقد الموضوعي البناء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع صحيحة)، فقرار إجازة المطبوعة يعتمد على تفسير الرقيب للنقد البنّاء وهو ما يجعل المجال مفتوحاً للتأويل على عكس ما يجب أن يحدث لتقنين الممارسة الإعلامية.
والمثال الرابع هو المادة الثلاثون (30) التي تحظر على الصحف وعلى العاملين فيها قبول أيّة منفعة من جهات داخلية أو خارجية، إلا بعد موافقة الوزارة، وهنا كان لابد وضع إطار عام لقبول المنافع دون أن يربط القبول من عدمه بقرار الوزارة.
المثال الخامس جاء في نصّ المادة الخامسة والثلاثون (35) وهو (على كل صحيفة نسبت إلى الغير تصريحاً غير صحيح، أو نشرت خبراً خاطئاً أن تصحح ذلك بنشره مجاناً بناءً على طلب صاحب الشأن في أول عدد يصدر بعد طلب التصحيح، ويكون ذلك في المكان الذي سبق أن نشر الخبر أو التصريح فيه، أو في مكان بارز منها…) وعدم وجود تعريف محدد لما يمكن اعتباره “مكاناً بارزاً” يظل التساؤل عن المسؤول عن تحديد بروز المكان من عدمه.
والمثال السادس هو المادة السادسة والثلاثون (36) التي نصّت على أنه (للوزارة عند الضرورة سحب أي عدد من أعداد الصحيفة دون تعويض، إذا تضمن ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، بناءً على قرار من اللجنة المنصوص عليها في المادة السابعة والثلاثين).
ولا تساعد عبارة “عند الضرورة” الواسعة المعنى تنظيم العمل الإعلامي، وسحب أي عدد من أعداد الصحيفة يجب ألا يكون محكوماً بتقدير “ضرورة” ذلك الإجراء من قِبل شخص أو لجنة بقدر ما يجب أن يكون نابعًا من نصوص نظامية واضحة.
والمثال السابع هو المادة الثامنة والثلاثون (38)، والتي نصّت على أنه (يعاقب المخالف بغرامة مالية…أو بإغلاق محله أو مؤسسته نهائياً) ولأن هناك فرق بين “المحل” و”المؤسسة”، ولأن المخالف قد يكون لديه محل يتبع لمؤسسة في الوقت ذاته؛ فإنه من الممكن وفقًا لهذه المادة إغلاق مؤسسة بأكملها؛ لأن المحل المخالف يتبع لها وذلك بدلًا من إغلاق المحل فقط.
وفي نصّ المادة الحادية والأربعون (41) يكمن المثال الثامن، وقد أوردت أنه (إذا أجازت الوزارة المطبوعة ثم طرأ مايوجب سحبها، فعليها تعويض صاحب الشأن)،والقول بإمكانية سحب الوزارة مطبوعة ما بعد إجازتها، لأنه فقط طرأ ما يوجب سحبها يعد أمرًا غير منطقي.
والمثال التاسع في نصّ المادة الرابعة والأربعون (44) وهو (يجوز بقرار من الوزير إنشاء جمعيات لنشاطات مما هو منصوص عليه في المادة الثانية) ومن الملاحظ أن المادة أجازت فقط لنشاطات منصوص عليها، مما يعني أنه لا يجوز حتمًا إنشاء جمعيات لكل النشاطات بل لبعض النشاطات وفقط المنصوص عليها في النظام.
والقسم الثالث من الملاحظات الفنية يتضمن عدم توحيد صياغة المصطلحات، إذ ضمّت المادة (1) تعريفات المصطلحات ومعانيها، وورد مصطلح “التداول” في فقراتها أكثر من مرة عبر الكثير من الصياغات، كما الآتي:-
* المطبوعة: كل وسيلة للتعبير، مما يطبع للتداول…
* المؤلف: من يقوم بإعداد مادة علمية أو ثقافية أو فنية بهدف تداولها.
* الناشر: من يتولى إصدار أي نتاج علمي أو ثقافي أو فني بغرض التداول.
ومفهوم “تداول” المطبوعات مفهوم رئيسي في عالم النشر مما يستلزم توحيد سبل الإشارة لفظًا إليه لاسيما عند صياغة الأنظمة، وورد المصطلح بأكثر من صيغة، مثل “مما يطبع للتداول” و”بهدف تداولها” و”بغرض التداول”، لذلك كان من الأجدر توحيدها في مصطلح واحد؛ لأن عدم التوحيد يضعف تماسك أيّة وثيقة.
اترك تعليقاً