التنظيم القانوني لوكالات التشغيل الخصوصية بالمغرب
من إنجاز الباحث عبد الله القاسمي
[email protected]
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اهتمت منظمة العمل الدولية بمواكبة التغيرات التي تطرأ على سوق الشغل حيث انتقل موقفها من تأييد الاستئثار القانوني بالوساطة في التشغيل إلى موقف تحرير الوساطة في التشغيل، ولعل ما يؤكد ذلك ما تم تنظيمه بموجب الاتفاقية رقم 181 المنظمة لوكالات الاستخدام الخاصة.
ووكالات التشغيل الخصوصية في المغرب ليست وليدة اللحظة فهي كانت تزاول عملها قبل إحداث مكاتب التشغيل العمومية، إلى أن تم منعها وذلك نظرا للتجاوزات التي سجلت عليها خاصة ما يتعلق باستنزاف طالبي الشغل.
ولعل مصادقة المغرب في سنة 1999 على الاتفاقية رقم 181 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بوكالات التشغيل الخصوصية جاء ليكرس الواقع الذي تعرفه عملية الوساطة في التشغيل لفائدة المبادرات والقنوات الخاصة.
ونجد أن هذه المصادقة ترجمت على مستوى الواقع بأن ضمن المشرع المغربي معظم بنود هذه الاتفاقية في نصوص مدونة الشغل، التي أعطت إمكانية المساهمة في إنعاش التشغيل للوسطاء الخواص.
وتعرف مدونة الشغل وكالات التشغيل الخصوصية بأنها ” كل شخص اعتباري يقوم بالأعمال التالية أو بإحداها:
– التقريب بين طلبات وعروض الشغل دون أن يكون القائم بالوساطة طرفا في علاقة الشغل التي قد تنشأ عن ذلك.
– تقديم أي خدمة أخرى تتعلق بالبحث عن شغل أو ترمي إلى الإدماج المهني لطالبي الشغل.
– تشغيل أجراء بهدف وضعهم مؤقتا رهن إشارة شخص ثالث يسمى المستعمل يحدد مهامهم ويراقب تنفيذها”.
و سعيا من المشرع لضبط عمل ووظيفة وكالات التشغيل الخصوصية حتى لا تحيد عما سمح بإنشائها من أجله، عمل على وضع العديد من المقتضيات تبين كيفية إنشائها وكذلك مختلف التزاماتها.
المطلب الأول: شروط إنشاء وكالات التشغيل الخصوصية.
تنشأ المشاكل المتعلقة بحماية الأجراء في وكالات التشغيل الخصوصية بالدرجة الرئيسية في البلدان التي تفتقر إلى التشريعات الملائمة المنظمة لها، لذلك تتخد بعض النظم القانونية أحكاما تنظم وكالات التشغيل الخصوصية وغالبا ما يكون ذلك على غرار معايير منظمة العمل الدولية.
من جهته نظم المشرع المغربي ما يتعلق بوكالات التشغيل الخصوصية من خلال المواد من 477 إلى 491 من مدونة الشغل ضمنها عدة شروط لإنشاء هذه الوكالات تتجلى في
أولا:الإلزام باتخاذ شكل شخص اعتباري.
يستشف هذا الشرط صراحة من المادة 477 من مدونة الشغل،إذ بذلك يمكن أن تتخذ وكالة التشغيل الخصوصية شكل شركة مدنية أو مهنية، مهمتها الوساطة في التشغيل بشكل أساسي.
ولعل السبب في منع إنشاء وكالات التشغيل الخصوصية على الأشخاص الذاتيين يعود إلى رغبة المشرع في توسيع مجال التشغيل لأكبر عدد ممكن في إطار الشخص الاعتباري عوض احتكاره من قبل شخص واحد.
وان فضل المشرع المغربي اقتصار إنشاء هذه الوكالات على الأشخاص الاعتبارية فإن المشرع اللبناني آثر أن يمنح كذلك الحق للأشخاص الذاتيين وذلك بموجب المادة 110 من قانون العمل المعدلة بالقانون رقم 39 لسنة 1971.
نجد كذلك المشرع المصري قصر إنشاء هده الوكالات على بعض الشركات منها شركات المساهمة أو شركات التوصية بالأسهم أو ذات المسؤولية المحدودة بعد الحصول على ترخيص بذلك من الوزارة المختصة.
ثانيا: إيداع الكفالة المالية.
يجب على من يريد أن ينشئ وكالة تشغيل خصوصية أن يضع كفالة مالية لدى صندوق الإيداع والتدبير يساوي مبلغها 50 مرة القيمة الإجمالية السنوية للحد الأدنى للأجر.
ما يلاحظ على هذه القيمة أن المشرع قرن حسابها بقيمة الحد الأدنى الأجر، فهي إذن غير ثابتة تزداد و تنقص بحسب الحد الأدنى للأجر.
ويكمن الهدف الأساس من إقرار هذه الكفالة، أنه في حالة إعسار وكالة التشغيل الخصوصية أو عند سحب الترخيص منها دون الوفاء بالتزاماتها إزاء أجرائها يمكن
للمحكمة أن تأمر باستعمال مبلغ الكفالة لأداء ما ترتب في ذمتها من مستحقات سواء لفائدة الأجراء أو للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
ثالثا: تقديم طلب الإذن بالممارسة .
تُضمن الشهادة المسلمة من صندوق الإيداع والتدبير والتي تثبت إيداع الكفالة المنصوص عليها في المادة 182 من مدونة الشغل، في طلب الإذن بالممارسة الذي يجب أن يتضمن معلومات خاصة بالوكالة ولاسيما عنوانها وجنسية مديرها وطبيعة النشاط المزمع مزاولته ونماذج العقود التي ستستعملها، ورقم تقييدها في السجل التجاري، وقانونها الأساسي ومبلغ رأسمالها ورقم حسابها البنكي.
كما يبلغ كل تغيير يرد على البيانات السابقة إلى السلطة الحكومية (وزارة التشغيل والتكوين المهني) التي رخصت للوكالة بممارسة نشاطها.
رابعا: رأسمال وكالة التشغيل الخصوصية الأدنى.
حتى يتم تسليم الإذن بالممارسة إن استوفى الشروط السابق ذكرها فإنه يتعين أن لا يقل رأسمال الوكالة المزمع إنشاؤها على 100000 درهم، هذا المبلغ الذي يعتبره البعض حاجزا أمامهم لارتفاع قيمته.
يبقى شرط أخير يتمثل في أنه يتعين على طالبي الترخيص بالممارسة أن لا يكون محكوما عليهم نهائيا بعقوبة مخلة بالشرف أو بعقوبة حبس تتعدى مدتها ثلاثة أشهر، وهذا ليس شرط إنشاء فحسب وإنما كذلك شرط إبقاء على الترخيص بالممارسة حيث انه إذا ما تم الحكم بعقوبة مخلة بالشرف أو عقوبة تتعدى مدتها ثلاثة أشهر حبسا على المأذون لهم بالممارسة فان ذلك الإذن يسحب منهم .
وإذا ما استوفى طلب الترخيص بالممارسة شروطه وكذلك توفرت الشروط الأخرى المذكورة فإن السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تخول لهم ا نشاء وكالة خصوصية للتشغيل، إلا أن هذا الترخيص يمكن أن يقتصر على أنشطة محددة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.
ولإشارة فإنه بإمكان السلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل سحب الإذن بالممارسة بقرار معلل ودون تعويض، هذا التعليل الذي ينبغي أن يقتصر على الأسباب التي تخرق بها وكالة التشغيل الخصوصية ما ألزمها بها المشرع، وليس تلك الهادفة إلى الحد من نشاطها أو لكثرتها.
المطلب الثاني: التزامات وكالات التشغيل الخصوصية.
وقد ألزم المشرع كذلك هذه الوكالات بعدة التزامات تجاه المتعاملين معها خاصة طالبي الشغل وكذلك التزامات تجاه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، حتى لا تحيد عن الأهداف التي خصصت لها.
أولا: التزامات وكالة التشغيل الخصوصية تجاه طالبي الشغل.
يعتبر أهم ما تلتزم به وكالات التشغيل الخصوصية تجاه طالبي الشغل هو
:
1: عدم التمييز بين الأجراء طالبي الشغل.
بخصوص هذا الالتزام نجد المادة 478 من مدونة الشغل تمنع كل تمييز يقوم على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي، ولعل الغرض من هذا المنع هو الحفاظ على مبدأ تكافؤ الفرص والمعاملة في ميدان التشغيل.
كما يمنع على هذه الوكالات التمييز من منطلق الانتقاء الرامي إلى الحرمان من الحرية النقابية أو المفاوضة الجماعية ولعل هذا المقتضى من أهم المبادئ التي أقرتها الاتفاقية رقم181 بشأن وكالات الاستخدام الخاصة.
إلا أنه لا يعتبر إجراءا تمييزيا الأنشطة التي تقوم بها وكالات التشغيل الخصوصية في مساعدة بعض طالبي الشغل على الاندماج المهني، وهو ما تسميه منظمة العمل الدولية بالتمييز الإيجابي.
2:عدم تلقي مقابل الخدمات من لطالبي الشغل .
تعتبر مجانية الخدمات المقدمة لطالبي الشغل من أهم المبادئ التي تبنتها منظمة العمل الدولية، وهذا ما أقره المشرع المغربي وذلك بنصه في المادة 480 أنه ”يمنع على وكالات التشغيل الخصوصية أن تتقاضى من طالبي الشغل بصورة مباشرة أو غير مباشرة جزئيا أو كليا أية أتعاب أو مصاريف”.
وكما يظهر من نص المادة 480 أن المنع يقتصر على طالبي الشغل، أما في ما يخص المشغلين فلا يطال المنع وكالة التشغيل الخصوصية تجاههم، لأنهم هم الذين يؤدون مقابل الخدمات التي تقوم بها الوكالة، بهذا يبعد المشرع الآثار السلبية التي ظهرت في القرن التاسع عشر في فرنسا من جراء وجود مكاتب وساطة بمقابل والتي بدت فيها مظاهر التلاعب بين الوسيط والمشغل وأحيانا دون علم هذا الأخير ليتم استغلال طالب الشغل بأبشع الصور.
إلا أننا نجد أن من التشريعات التي سمحت بإنشاء مكاتب خصوصية للتشغيل سمحت كذلك بتقاضي مقابل يلتزم بدفعه الأجير مقابل خدمات هذه المكاتب، ويحدد البدل بقرار من الوزير المختص وهذا شأن المشرع الأردني ، أما المشرع المصري فإنه يسمح للشركات التي تقوم بمزاولة الوساطة في التشغيل أن تتقاضى مبلغ لايتجاوز2٪ من أجر الأجير الذي يتم إلحاقه بالشغل عن السنة الأولى فقط، كمصروفات إدارية ويحظر تقاضي أي مبالغ من الأجير تحت أي مسمى آخر.
3:حماية البيانات الشخصية لطالبي الشغل.
تبين منظمة العمل الدولية أن تكون معالجة البيانات الشخصية للأجراء من قبل وكالات الاستخدام (التشغيل)الخاصة بطريقة تحمي هذه البيانات وتضمن احترام الحياة الخاصة للأجراء (طالبي العمل) بما يتفق مع القوانين والممارسات الوطنية، وأن تقتصر على المسائل المتصلة بالمؤهلات والخبرة المهنية للأجراء المعنيين وأي معلومات أخرى ذات صلة مباشرة، كما ينبغي أن تتخذ تدابير لضمان وصول العمال إلى جميع البيانات الشخصية المعالجة بالنظم الإلكترونية أو الآلية أو المحفوظة في ملف يدوي للحصول على نسخة منها أو طلب حذف أو تصحيح البيانات غير الصحيحة أو غير الكاملة.
من جانبه نص المشرع المغربي على نفس المقتضيات ولو بشكل عام وذلك في المادة 479 من مدونة الشغل على أنه ”يجب أن تتم معالجة البيانات الشخصية لطالبي الشغل من قبل وكالات التشغيل الخصوصية بكيفية تراعي احترام الحياة الخاصة للمعنيين بالأمر مع اقتصارها على المسائل التي ترتبط بمؤهلاتهم وخبراتهم المهنية ”.
وللإشارة فإن هذا الالتزام يشبه الالتزام الذي فرضه المشرع على المشغل في أسلوب التشغيل المباشر حيث ينبغي التركيز على المسائل التي ترتبط بمؤهلات وخبرات طالبي الشغل
.
4 :عدم تلقي ودائع وكفالات.
منع المشرع على وكالات التشغيل الخصوصية أن تتسلم أو تتلقى عند قيامها بعمليات التشغيل ودائع أو كفالات أيا كان نوعها من طالبي الشغل و كذلك من المشغلين لتفادي استغلالها لهم.
والظاهر من عموم النص أن المنع يسفيد منه كل من طالبي الشغل وكذا المشغلين وبالتالي ينبغي على الوكالة أن تلتزم بالأتعاب المتفق عليها طبقا للقانون وأن تتذكر بأن مهمتها بالإضافة إلى الربح المادي المشروع أنها تساهم في التشغيل وتنشيط الإدماج المهني.
ثانيا:التزامات الوكالة تجاه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل .
لمراقبة سير ومدى مساهمة وكالات التشغيل الخصوصية في إنعاش عملية التشغيل والوساطة فيها، ألزمها المشرع ببعض الالتزامات تجاه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل نجد من بينها:
1 – مسك سجل:
ألزم المشرع وكالات التشغيل الخصوصية بأن تمسك سجلا يحدد نموذجه من قبل السلطة الحكومية، قصد إجراء المراقبة الضرورية للتحقق من مدى احترام المقتضيات المنظمة لها، وقد صدر قرار لوزير التشغيل والتكوين المهني تحت رقم 348.05 في 9 فبراير2005 تم بموجبه تحديد نموذج السجل الذي تمسكه وكالات التشغيل الخصوصية، هذا السجل الذي يجب أن يشمل على صفحات مرقمة و مؤرخة وخالية من كل فراغ أو تشطيب ومؤشر عليها من قبل العون المكلف بتفتيش الشغل وأن تكون كل هذه الصفحات مختومة بخاتم المندوبية المكلفة بالشغل.
ويتضمن هذا السجل مجموعة من البيانات من أهمها الاسم الشخصي والعائلي للأجير واسم المقاولة أو المشغل وكذلك السبب الموجب للجوء للوساطة، ونوعية العقد، وتاريخ ومدة العمل، ونوع المنصب….
2: بعث كشف مفصل عن الخدمات التي تقدمها .
أوجب المشرع على وكالات التشغيل الخصوصية أن تبعث في متم كل ستة أشهر إلى المصالح المكلفة بالتشغيل الواقعة في المكان الذي تباشر فيه أنشطتها كشفا مفصلا عن الخدمات التي تقدمها.
ويتضمن هذا الكشف على وجه الخصوص أسماء وعناوين المشغلين الذين طلبوا منها التدخل لفائدتهم، وكذا الأسماء الكاملة لطالبي الشغل المسجلين لديها وعناوينهم وشهاداتهم ومهنهم والأسماء الكاملة لطالبي الشغل الذين تم تشغيلهم عن طريقها.
ولعل المشرع يرمي من خلال فرضه لهذا المقتضى، من جهة، لتحسيس وكالات التشغيل الخصوصية بمراقبتها من قبل السلطة الحكومية لتنضبط لمهامها بالشروط التي حددت لها، ومن جهة أخرى لإحصاء مدى تدخل الوكالات الخصوصية في عملية الوساطة في التشغيل وإنعاشه
.
3: تقديم المعلومات التكميلية المطلوبة عن الوضعية القانونية للوكالة
حتى تسوى وضعية الوكالة الخصوصية للتشغيل ينبغي أن تستجيب لكل طلب مقدم لها من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بهدف التوصل لبعض المعلومات خاصة ما يتعلق بوضعيتها القانونية كرقم انخراطها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
4:عرض عقود التشغيل بالخارج للتأشير عليها من السلطة الحكومية المكلفة بالشغل .
فرض المشرع المغربي على وكالات التشغيل الخصوصية عرض عقود التشغيل للعمل بالخارج على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل للتأشير عليها، كما فرض عليها احترام دفتر التحملات للتشغيل بالخارج، المتضمن للشروط الخاصة بتحديد المصاريف التي يمكن أن يتحملها الأجير المستفيد من عقد الشغل بالخارج .
كما تضمن الوكالة التي تتوسط في إبرام عقد الشغل بالخارج نفقات إرجاع الأجير لوطنه وكذا كل المصاريف التي تحملها في حالة عدم تنفيذ العقد لأسباب خارجة عن إرادته، وحتى تلتزم وكالات التشغيل الخصوصية بذلك فرض عليها المشرع عقوبة في شكل غرامة تتراوح بين 10000 إلى 20000 درهم إذا ما خالفت ذلك.
وأخيرا وحتى تؤدي وكالات التشغيل الخصوصية مهامها على أحسن ما يرام وتساهم في إنعاش التشغيل فإنه يتعين أن يحصل بينها وبين باقي الفاعلين في هذا الميدان تناسق وتعاون خاصة أجهزة الوساطة العمومية المتمثلة في الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات.
ومنظمة العمل الدولية تشجع التعاون بين إدارات التوظيف – التشغيل– العامة ووكالات الاستخدام – التشغيل- الخاصة فيما يتعلق بتنفيذ سياسة وطنية لتنظيم سوق الشغل وقد حددت بعض المجالات والتدابير التي يمكن اتخاذها لتحقيق ذلك.
وهذا التعاون يكون على أساس تبادل المعلومات عن أماكن الشغل الشاغرة كما أن هذا التعاون يتم بالتواصل المستمر لمسؤولي كل من وكالات التشغيل الخصوصية ومصالح التشغيل العمومية من خلال تنظيم لقاءات وندوات على المستوى الجهوي أو الوطني.
اترك تعليقاً