الشركات المتعثرة .. مسؤولية من؟
أ. د. رشود بن محمد الخريف
الشركات المساهمة فكرة ممتازة لتسهيل تداول الملكية في الشركات، إلى جانب قيامها بتوزيع الثروة بين الناس، من خلال تمكينهم من امتلاك أسهم في الشركات المساهمة، علاوة على إمكانية تأسيس شركات برؤوس أموال كبيرة تستطيع النجاح في تحقيق ربح للمساهمين، لكن الأهم من ذلك كله لا بد أن تكون هذه الشركات إضافة نوعية إلى الاقتصاد، لكي تحصل على الموافقة على التأسيس أو الطرح للاكتتاب العام! وهذا دور الجهات الرقابية للتأكد من جدوى طرح الشركة للاكتتاب العام، لكن هذا الكلام يبدو جميلا من الناحية النظرية فقط، خاصة عندما ننظر بدقة إلى الشركات التي طُرحت للاكتتاب العام بأضعاف قيمتها الحقيقية خلال الأعوام الماضية! في كل الأحوال، هذا الموضوع خارج اهتمام هذه المقالة، خاصة أنني سبق أن كتبت عن ذلك في أكثر من مقالة خلال السنوات الماضية، لذلك تركز مقالة اليوم على الشركات المتعثرة وحقوق المساهمين فيها.
كما هو معتاد، يتطلب الترخيص للشركات المساهمة تقديم بعض الوثائق، من أهمها النظام الأساسي للشركة، والجدوى الاقتصادية، إلى جانب نشرة الاكتتاب. لكن الغريب في الأمر أن هناك شركات مساهمة تعمل في مجالات مهمة اقتصاديا وواعدة استثماريا، لكنها لم تكتف بعدم تحقيق أرباح، بل يتعرض رأسمالها للتآكل عاما بعد آخر، أي أن حقوق المساهمين – أقصد أموال الناس – تنقرض دون اكتراث من قبل مجالس الإدارة، وربما يكمن السبب في أن بعض المؤسسين قد وضعوا قيمة الشركات في جيبوهم من خلال الاكتتاب العام، والغريب أن الجهات المسؤولة لا تقوم بواجباتها بما يتناسب مع الثقة التي وضعها الناس بها، فاكتتابهم – في المقام الأول – كان بناء على ثقتهم بهذه الجهات، وفي المقابل من المفترض أن تقوم تلك بحماية حقوق هؤلاء المساهمين “أموال الناس”! بصرف النظر عن الظروف التي يمر بها الاقتصاد، هناك شركات تخسر منذ سنوات دون سبب واضح سوى سوء الإدارة، ومع ذلك يستمر أعضاء مجالس الإدارة وكبار التنفيذيين يمارسون أعمالهم في هذه الشركات دون تغيير لسنوات طويلة، ويستمر الصرف عليهم وعلى رحلاتهم واجتماعاتهم علاوة على التوظيف النفعي والمصاريف الأخرى المرتفعة، إلى أن تأتي مرحلة الإيقاف من قبل هيئة سوق المال.
السؤال المهم، لماذا لا تكون هناك إجراءات وقائية سابقة للإيقاف، ثم لا أدري كيف يرضى أن يستمر إنسان “فاشل” إداريا، وغير مكترث في مجلس إدارة شركة ويتحمل مسؤولية إدارة أموال الناس؟ ألا يوجد لدى هؤلاء ضمير؟ أو خوف من الله؟ فعلى سبيل المثال، لماذا تخسر شركة معنية بالغذاء رغم وجود أسواق كبيرة ومفتوحة على طول المملكة وعرضها؟ ولماذا تخسر شركة في منطقة ذات بيئة استثمارية من إيجاد مجالات في اختصاصها؟ ولماذا تخسر شركة للمواشي مع وجود سوق جاذبة حتى لغير السعوديين، على الرغم أنها كانت رابحة قبل التحول إلى شركة مساهمة؟ ولماذا تؤسس شركة في قطاع الاتصالات إذا كانت غير قادرة على الصمود والمنافسة كما يبدو منذ تأسيسها؟ ولماذا لا تحقق شركات كثيرة أرباحا سنوية؟ ولماذا يسمح لشركات عائلية بالطرح للاكتتاب العام على الرغم أنها لا تضيف شيئا يذكر إلى الاقتصاد الوطني؟ ولتعزيز التنافسية للاقتصاد السعودي الذي تسعى إلى تحقيقه “رؤية 2030″، أعتقد أن الوضع يحتاج إلى مزيد من الشفافية والحوكمة للشركات المساهمة بجدية، مع ضرورة إجراء دراسة شاملة لتقييم الوضع تضع النقاط على الحروف، من أجل حماية حقوق المساهمين من جهة، وطمأنة المستثمرين الأجانب للدخول في السوق السعودية من جهة أخرى، وأخيرا، إذا كانت هيئة المال ووزارة التجارة والاستثمار غير قادرتين على ضبط الأمور وحماية حقوق المساهمين وأموال الناس، فلا بد من إنشاء هيئة تشرف على هيئة المال!
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً