” الوساطة الأسرية و هاجس الاستقرار الأسري بالمغرب “
حمزة التريد
طالب باحث بماستر الوسائل البديلة لفض النزاعات
بكلية الحقوق بفاس
” سادسا : جعل الطلاق حلا لميثاق الزوجية ….، وبتعزيز آليات التوفيق والوساطة.. “
نطق ملكي سامي اعتلى عتبات ديباجة مدونة الأسرة يحمل بين طياته دلالة ومؤشر قوي على التوجه الذي تحدو نحوه معالم التشريع الأسري ببلادنا، والذي أصبحت معه اليوم ملامح الرؤيا بخصوص اعتماد مقاربة الوساطة الأسرية أكثر وضوحا، خصوصا في ظل الفشل الذريع الذي أبانت عنه الممارسة العملية أمام القضاء الأسري لآلية الصلح بمؤسساتها المرصدة للجمود والخمود، لأنها في الأصل تراوحت بين مؤسسة (مجلس العائلة) ولدت ميتة بنص القانون وأخرى (مؤسسة الحكمين) ظلت حبيسة مشاكل وصعوبات أثناء قيامها بمهامها.
ليكون بذلك مسلسل تحقيق هاجس الاستقرار الأسري ببلادنا في أفق كسب رهان تجربة الوساطة الأسرية، قد مر عبر محطات أخذت بعدا تشاركيا بحيث لم تكن حبيسة المواكبة والمجهودات العملية لوزارة العدل التي همت بالأساس الاستجابة لأحد أهم الأهداف الاصلاحية الكبرى التي أبان عنها الاهتمام الملكي بمناسبة إبداء النظر في مشروع مدونة الأسرة و التي ترجمت إلى أوراش للغوص في تجارب الدول المقارنة والانفتاح أيضا على مشاريع تعاون هادفة بالأساس إلى بلورة مؤسساتية لنظام الوساطة الأسرية، بل تعدتها لتشمل الجهود المتظافرة لفعاليات المجتمع المدني قصد اتخاذ مبادرة تطوير الوساطة الأسرية ولا ننسى أيضا بالذكر محاولاتها التطوعية لحل المشاكل الأسرية عبر المفهوم الجديد الذي حملته مدونة الأسرة إلى حيز الوجود، ألا وهو المساعدة الاجتماعية وتقمصها لدور الوسيط العائلي من خلال التجربة التي شهدها قسم قضاء الأسرة بسلا.
في ظل هذه المقاربة التشاركية التي طبعها هاجس الاستقرار الأسري والذي ما فتئت أن عرفت بعدا أكاديميا انطلاقا من الدراسات والكتابات ولقاءات للعديد من المهتمين من أساتذة جامعيين وباحثين وكذا جمعويين، وأصحاب المهن القانونية والقضائية خلال الندوات التي يحضرونها أو يشاركون فيها وتتويجها بتوصيات أتت كنتيجة لمعايشتهم للمشاكل الأسرية بحكم تخصصهم.
ثم إن المتتبع للنقاش الذي طال كسب رهان الوساطة الأسرية بالمغرب، سيلاحظ أنها بالفعل خلال السنوات الأخيرة قد استطاعت أن تأخد نصيبها ضمن التوجهات الإصلاحية الكبرى التي عرفتها الساحة القانونية ببلادنا بدءا من التوجه الذي أبان عنه واضعي ميثاق إصلاح منظومة العدالة فيما يخص مأسسة الوساطة الأسرية بقضاء الأسرة بناءا على مخطط إجرائي يهدف إلى تفعيل آلياتها في المنازعات المرتبطة بالأسرة والعمل على توفير الفضاءات اللازمة لإجرائها، مرورا بأشغال المؤتمر الدولي الذي احتضنه قصر المؤتمرات بالصخيرات مؤخرا في الفترة الممتدة مابين 7 و8 دجنبر 2015، والذي حمل تنظيم وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية وبشراكة مع المنتدى المغربي للأسرة والطفل، حيث طالت نقاشاته الغوص في السبيل والبديل الوحيد لإنقاذ كيان الأسرة من الشتات والضياع خصوصا بعد الاستنتاج الذي خلص إليه المشاركين في هذا اللقاء الدولي والذين أكدوا من خلاله على فشل نظام الصلح القضائي في تسوية النزاعات الأسرية في كثير من الحالات، ليفتح الباب على مصراعيه لرهان آخر وتجربة أخرى كتب لها الانتقال من مرحلة النقاش حول مشروعية اللجوء إليها بناءا على مدونة الأسرة كنص تشريعي أعطى دلالات ومؤشرات على اعتماد الوساطة الأسرية ومشروعيتها سواء من خلال نص الخطاب الملكي الذي اعتلى ديباجة مدونة الأسرة ودعوته إلى تكريس آليات التوفيق والوساطة، أو من خلال الطرح الذي حددته المادة 82 من المدونة من خلال منح الصلاحية للمحكمة لاختيار من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين الذي قد يكون وسيطا، إلى مرحلة حسم هذا النقاش، والنهوض بالتدابير اللازمة لتفعيلها وفق مقاربة تشاركية تضم مختلف الفاعلين في ميدان الوساطة الأسرية.
وهذا بالفعل ما تبناه اختتام المؤتمر الدولي حول الوساطة الأسرية ودورها في تدعيم الاستقرار الأسري، بحيث خرج هذا الورش بالعديد من التوصيات الذي ينبغي الوقوف على بعض النقاط الأساسية منها، كالآتي :
بالنسبة للمجتمع المدني ومبادراته في تحسين وجهة الوساطة الأسرية إلى الأفضل أصبحت في ظل التوصيات التي توصل لها المشاركين في قمة المؤتمر الدولي أكثر أهمية، فبالإضافة إلى مساهمة الجمعيات المهتمة بالأسرة في التمهيد للوساطة من خلال الدعوة إلى ممارسة الوساطة الأسرية خارج فضاء المحاكم وبمؤازرة فريق متعدد الاختصاصات، باعتبار أهميتها في استمرار الاستقرار الأسري، وتعدد علاقاتها، وأيضا دورها التوعوي والتحسيسي بأهمية الوساطة الأسرية بشتى وسائل الإعلام المتاحة سواء عن طريق البرامج المتعلقة بالأسرة أو غيرها لكن شريطة مراعاة المستوى الثقافي للمجتمع المغربي من خلال تبني أسلوب التبسيط.
أما فيما يخص مرجعية الوساطة الأسرية وإطارها المفاهيمي والتاريخي، بالفعل كانت رؤية واضعي توصيات المؤتمر صائبة لماذا ؟ لأن واقع النزاعات الأسرية في ظل المنظومة القانونية بالمغرب لم يعد بحاجة إلى جهاز بعيد كل البعد عن الوسط الاجتماعي أو لا يراعي خصوصية مجتمعنا ولا تركيبة الأسرة التي تشكله، وإنما أصبح بحاجة ملحة إلى جهاز يأخد بعين الاعتبار خصوصية الأسرة المغربية باعتبارها أسرة مسلمة لها عادات وثقافة، وهذا بالفعل ما تجسد في التوصيات من خلال السماح لمؤسسة المجالس العلمية بالمشاركة في عملية الوساطة الأسرية وأيضا الاعتراف باجتماعية الوساطة ودورها الوقائي.
وإذا كان من مقومات نجاح الوساطة الأسرية وجود وسيط جيد وذو تكوين عالي في مجال الوساطة الأسرية، فهذا بالمقابل ماستجاب له واضعي توصيات المؤتمر من خلال دعوتهم إلى إحداث مراكز ومؤسسات لتكوين الوسطاء الأسريين مع إحاطة هذه الممارسة بمجموعة من الضمانات والضوابط، ناهيك أيضا عن الانفتاح على تجارب الدول التي كانت سباقة إلى الأخذ بنظام الوساطة الأسرية والاقتضاء بها في سبيل تحسين وجهتها إلى الأفضل.
وإجمالا يمكن القول على أن هاجس الاستقرار الأسري ببلادنا قد طغى بالفعل على مضامين المجهودات المبذولة في أفق كسب رهان الوساطة كتجربة ستجنب لا محالة القضاء الأسري أزمة ارتفاع قضايا إنهاء العلاقة الزوجية نظرا لطابعها الوقائي من جهة وإصلاحها لذات البين حفاظا على التماسك الأسري من جهة أخرى، لكن مع ذلك يبقى الإشكال المطروح وبالموازاة مع التوصيات التي خلصت لها أشغال المؤتمر الدولي بالصخيرات، أن هذه التوصيات وحدها ليست كافية إن كانت ستظل حبرا على ورق وبالمقابل ستصطدم بجملة من الصعوبات، لذا أصبحنا بحاجة إلى الاعتناء والوقوف عند الجوانب التنفيذية أكثر، لأن تفعيل هاته التوصيات والاستجابة لها وتنزيلها يبقى رهينا بإيجاد التدابير التطبيقية لها والتي هي الأخرى بدورها تبقى رهينة التغلب على مجموعة من الصعوبات القانونية والواقعية التي تعترض تطبيقها بالشكل المطلوب .
المراجع المعتمدة :
ظهيرشريف رقم 1.04.22 صادر في 12 من ذي الحجة 1424(3 فبراير 2004)، بتنفيذ القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة.
ميثاق إصلاح منظومة العدالة ، يوليوز 2013 .
أهم خلاصات المؤتمر الدولي حول “الوساطة الأسرية ودورها في الاستقرار الأسري” ، مجلة العلوم القانونية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً