تعريف القانون الدولي الخاص :
يختلف تعريف القانون الدولي الخاص باختلاف المذاهب الفقهية، فمن الفقهاء من يدخل ضمن نطاقه مسائل الجنسية والموطن وتنفيذ الأحكام الأجنبية، ومنهم يخرج من نطاقه إحدى هذه المسائل أو أكثر من واحدة منها. وبما أن أغلبية الفقه وأكثر المؤلفين يدرسون في نطاق القانون الدولي الخاص ستة مواضيع، هي تنازع القوانين، وتنازع الاختصاص، وحالة الأجانب، والجنسية، والموطن، وتنفيذ الأحكام، والأوامر الأجنبية.
من هنا نستطيع أن نعرف هذا القانون طبقاً لرأي الأغلبية، بأنه “مجموعة القواعد التي تتعلق بتنظيم علاقات الأفراد المالية أو الشخصية، إذا اقترن بها عنصر أجنبي، والتي تعالج مسألة الاختصاص القضائي الدولي، وحالة الأجانب، والجنسية، والموطن، وتبين كيف يمكن تنفيذ الأحكام، والأوامر الأجنبية”.
موضوعات القانون الدولي الخاص :
أ – هناك موضوع متفق بالإجماع على أنه من مسائل القانون الدولي الخاص، بل أن قواعد القانون الدولي الخاص :
لم توضع في بادئ الأمر إلا من أجل التصدي لمعالجته، وهو موضوع تنازع القوانين، أو البحث عن القانون الواجب التطبيق، حينما يكون النزاع المعروض مشتملاً على عنصر أجنبي. فلو اشترى مصري عقاراً أو منقولاً موجوداً بإيطاليا، ورفع عن هذا العقد نزاع، فعلى القاضي الذي عرض عليه أن يبحث ما هو القانون الواجب التطبيق على هذا العقد، أهو القانون المصري أم القانون الإيطالي؟ ولو توفى إيطالي بمصر، وقد ترك وصية رفع عنها نزاع أمام القضاء المصري، فعلى هذا القضاء أن يبحث عن القانون الواجب التطبيق سواء من حيث الشروط الشكلية أو من حيث الشروط الموضوعية لهذه الوصية؟ أهو القانون الإيطالي أم هو القانون المصري. وعلى ذلك فمعنى تنازع القوانين، أن يكون هناك قانونان أو أكثر، يمكن أن تحكم النزاع المعروض على القضاء، فجيري البحث عن أي القوانين يجب تطبيقه عليه.
قد يقال : ولماذا لا نطبق على مثل هذا النزاع القانون المصري، ونكفي أنفسنا مؤنة البحث عن القانون الأجنبي، ولو كان الأمر بهذه البساطة لهان الخطب، ولكن الحل سوف يترتب عليه كثير من التعقيد. فلنتصور أن مصرياً مسلماً متزوجاً باثنين، ذهب إلى إيطاليا وقام نزاع بينه وبين إحدى زوجتيه، ووجب أن يطبق عليه حكم القانون الإيطالي الداخلي الذي يعتبر الزواج بأكثر من واحدة جريمة. أو لنتصور إيطاليا يتوفى في مصر، وتطبق أحكام الشريعة الإسلامية على الميراث في تركته، وهي تجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، بينما القانون الإيطالي يساوي بينهما في الميراث. أو لنتصور مصرياً طلق زوجته، وأراد أن يتزوج في بلد كإيطاليا يحرم قانونه الطلاق؟ لاشك في أنه سوف يترتب أضرار بليغة، إذا ما أريد في هذه الأمثلة تطبيق قواعد القانون الداخلي، وصرف النظر عن القانون الأجنبي الواجب التطبيق. ولاتقاء هذه الأضرار، نشأت مسألة تنازع القوانين التي هي أهم المسائل التي يدرسها القانون الدولي الخاص.
ب- تنازع الاختصاص :
والموضوع الثاني الذي تتفق أغلبية الفقه على إدخاله في نطاق القانون الدولي الخاص، هو موضوع تنازع الاختصاص، أو البحث عن المحكمة المختصة دولياً بالنظر في النزاع. والواقع هو أن هذه المسألة يجب أن تعرض قبل مسألة تنازع القوانين، فلكي يحدد القاضي المعروض عليه النزاع ما هو القانون الواجب التطبيق على هذا النزاع، يجب عليه أولاً أن يبحث عما إذا كان هو نفسه مختصاً أو غير مختص بالنظر في هذا النزاع، فإذا كانت محكمته مختصة بالنظر فيه، انتقل بحثه إلى القانون الواجب التطبيق على هذا النزاع. فموضوع تنازع الاختصاص إذن مسألة أولي، ومسألة تحديد اختصاص المحاكم داخل كل دولة مسألة يستأثر المشرع الداخلي وحده بحلها، فكل دولة تحدد في قانون المرافعات متى تكون محاكمها مختصة بالنظر في نزاع يشتمل على عنصر أجنبي، دون أن تتعرض لاختصاص المحاكم الأجنبية. ومسألة تنازع الاختصاص، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة تنازع القوانين، وتؤثر كل منهما في الأخرى، إذ أن مسألة تنازع القوانين لا تنشأ إلا إذا رأى القضاء تطبيق القانون الأجنبي، كما أن القضاء يستطيع إذا عرض عليه نزاع مشتمل على عنصر أجنبي، أن يستبعد القانون الأجنبي عن طريق الدفع بالنظام العام أو بالغش نحو القانون كماس وف نرى. وفضلاً عن ذلك، فإن تكييف موضوع النزاع، وإدخاله في باب معين من النظم القانونية يخضع لقانون القاضي، فهو إذن يستطيع بواسطة التكييف، أن يدخل الموضوع في نظام يخضع لقانون بلده أو للقانون الأجنبي حسب تكييفه، فيستطيع أن يكيف كتابة الوصية بأنها شرط شكلي ويخضعها للقانون الواجب التطبيق على الشكل، بينما يعتبرها البعض شرطاً موضوعياً. ولهذا الاعتبار، فإن أغلبية الفقهاء تجعل موضوع تنازع الاختصاص من بين موضوعات القانون الدولي الخاص، وإن كانت هناك أقلية ترى استبعاده من نطاق هذا القانون، وتقول أنه ليس هناك تنازع في الاختصاص القضائي، لأن القاضي حيث تعرض عليه مسألة تشتمل على عنصر أجنبي، يقضي إما باختصاصه أو بعدم اختصاصه، دون أن يكون هناك تنازع. وإلى جانب ذلك، فبينما مسألة تنازع القوانين تتضمن قواعد شكلية، تقتصر على بيان القانون الموضوعي الواجب التطبيق، فإن قواعد تنازع الاختصاص قواعد موضوعية تعالج اختصاص المحاكم أو عدم اختصاصها مباشرة، فهي جزء من قانون المرافعات. ولكن الرأي السائد، هو عدم الفصل بين المسألتين، لارتباطهما ارتباطاً وثيقاً ، وإدماجهما معاً في القانون الدولي الخاص.
ج- تنفيذ الأحكام والأوامر الأجنبية :
وهذا موضوع ثالث يدخل في نطاق القانون الدولي الخاص، لاتصاله بمسألة الاختصاص القضائي، ولسوف نرى فيما بعد، أن من بين المسائل الهامة التي يدرسها القانون الدولي الخاص، مسألة إعمال الحق الخاص أو إنتاج الحق أثره في غير الإقليم الذي نشأ فيه، وبما أن الأحكام القضائية تكون إما منشئة أو كاشفة للحقوق، فقد أجازت قواعد القانون الدولي الخاص تنفيذ الأحكام والأوامر الأجنبية ببعض الشروط …، إعمالاً لما تكشفه الأحكام أو تنشئه من الحقوق الخاصة، ولذلك أدخل هذا الموضوع في نطاق القانون الدولي الخاص.
د- مركز الأجانب :
وهذا موضوع رابع تدخله أغلبية الفقه ضمن موضوعات القانون الدولي الخاص، بل تعتبر هذه المسألة مسألة أولية تعرض للبحث قبل البحث عن مسألة تنازع القوانين، لأنه إذا رفع نزاع أمام المحاكم، يتمسك فيه أجنبي بحق، فيجب على القاضي أن يبحث أولا، عما إذا كان الأجنبي يتمتع بالحق محل النزاع أو لا يتمتع به.
ذلك أن الدول لا تمنح للأجانب نفس الحقوق التي يتمتع بها مواطنوها، فتحرم بعضها على الأجانب تملك العقارات في إقليمها، وقد تحرم بعضها على الاجانب ممارسة بعض المهن الهامة كالمحاماة أو الطب، كما أن الأجانب محرومون من ممارسة الحقوق السياسية. وتختلف سياسة الدول اختلافاً بيناً في مدى ما يمنح للأجانب من حقوق، فبينما الدول المتقدمة الغنية بكثرة سكانها، لا تشجع الأجانب على الهجرة إليها، وبالتالي تضيق كثيراً من نطاق الحقوق التي يمكن أن يتمتعوا بها، إذ بالدول النامية والفقيرة في عدد سكانها أو في العنصر الفني فيها، تشجع هجرة الأجانب إليها، لا سيما الأجانب الفنيين، وبالتالي توسع في دائرة الحقوق التي يمكن أن يتمتعوا بها. لذلك كان البحث عما كان الأجنبي يتمتع أو لا يتمتع في إقليم الدولة التي يقيم بها ببعض الحقوق وثيق الصلة بمسائل القانون الدولي الخاص، لأنه لا يتصور البحث عن القانون الواجب التطبيق على النزاع المعروض، إلا بعد البحث عما إذا كان الأجنبي الذي هو طرف في النزاع يتمتع أو لا يتمتع بالحق محل النزاع، وإذا قضى بعدم تمتعه بها الحق فإن مسألة تنازع القوانين لا تعرض على الإطلاق.
ه- مسألة الجنسية:
وهذا موضوع خامس يدخله الفقهاء ذوو النزعة اللاتينية في نطاق موضوعات القانون الدولي الخاص، ويبررون وجهة نظرهم هذه، بأن الجنسية، وهي الرابطة التي تربط الفرد بدولة معينة هي التي تميز بين الوطني والأجنبي، وهذا التمييز مسألة أولية يجب الفصل فيها قبل النظر في النزاع المعروض، فإذا رفعت دعوى أمام القاضي يتمسك فيها أجنبي بحق، فيجب على القاضي أن يبحث أولاً عما إذا كان هذا الشخص أجنبياً أو وطنياً، أي أن يفصل في مسألة الجنسية الخاصة بهذا الشخص.
وفضلاً عن ذلك فلسوف نرى فيما بعد أن المذهب اللاتيني يربط بين جنسية الشخص وبين حالته وأهليته، فطبقاً لهذا المذهب ينبغي من أجل الوصول إلى حل في مسألة تنازع القوانين في نطاق الحالة الشخصية والأهلية الرجوع إلى قانون جنسية الشخص الذي هو طرف في النزاع، وبالتالي يكون الفصل في مسألة الجنسي سابقاً ولازماً للفصل في مسألة تنازع القوانين إذا تعلق المر بحالة الشخص أو أهليته، بل وفي الدول الأنجلوسكسونية التي تسند حالة الشخص وأهليته إلى قانون موطنه بدلاً من قانون جنسيته، تظهر أهمية الجنسية أيضاً إذ أن هذه الدول تميز في تحديد الموطن بين الوطني والأجنبي.
ويؤيد الفقهاء اللاتينيون وجهة نظرهم هذه فوق ذلك بقولهم أن الاختصاص القضائي لمحاكم الدولة بالنظر في الدعاوى التي تشتمل على عنصر أجنبي يتحدد في أغلب الأحوال بجنسية الخصوم، وكثير من الدول لا تكتفي بشرط أن يكون المدعي وحده وطنياً حتى يكون الاختصاص لمحاكم الدولة، بل تشترط فوق ذلك أن يتصل النزاع بالدولة سوءا بالنسبة إلى المدعي عليه أو بالنسبة إلى عناصر النزاع الأخرى، أما القانون الفرنسي فيكاد ينفرد بالاكتفاء بشرط أن يكون المدعي وحده فرنسياً حتى يكون الاختصاص للمحاكم الفرنسية. لكل هذه الاعتبارات يرى الفقهاء اللاتينيون أن هناك صلة وثيقة بين مسألة الجنسية ومسألة تنازع القوانين وتنازع الاختصاص، وأن المسألة تعتبر أحد موضوعات القانون الدولي الخاص.
بيد أن هناك فريقاً آخر من الفقهاء يرى أن مسألة الجنسية باعتبارها متصلة اتصالاً وثيقاً بسيادة الدول، وبالنظر إلى استقلال كل مشرع بتنظيم قواعدها دون النظر إلى أي اعتبار دولي، مسألة داخلية محضة بعيدة عن مسائل القانون الدولي الخاص، والتشريع الخاص بالجنسية تشريع ذو صفة وطنية صرفة لا صلة له بمسائل القانون الدولي الخاص.
و- الموطن :
… أن الدول الانجلوسكسونية تعتبر الموطن دون الجنسية مناطاً للأحوال الشخصي، وترجع إليه لحل مسألة تنازع القوانين في نطاق الحالة والأهلية، ولذلك فإذا كان الرأي السائد هو إدماج مسألة الجنسية ضمن موضوعات القانون الدولي الخاص، فيجب أن يدرس الموطن إلى جانب الجنسية. هذه هي المسائل الست التي يعتبرها أغلب الفقهاء مكونة موضوعات القانون الدولي الخاص، ولو شئنا أن نلخص هذه المسائل لقلنا أنها تنحصر في موضوعات ثلاثة :
أ – أشخاص الحق. ب- واستعماله ج- ونفاذه
فأشخاص الحق هي موضوع الجنسية والموطن ومركز الأجانب، واستعمال الحق يدرس في تنازع القوانين، ونفاذ الحق يدرس في تنازع الاختصاص القضائي وفي تنفيذ الأحكام والأوامر الأجنبية.
المؤلف : احمد عبد الحميد عشوش
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي الخاص
الجزء والصفحة : ص216-222
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً