لما كان عقد الزواج رابطة مقدسة بين الزوجين ومن أخطر العقود وأهمها في الحياة العائلية ، حيث تنشأ عنه تبعات وتترتب عليه آثار مادية وأدبية ومعنوية وشرعية (كالمهر ، والنفقة والتوارث ، والحقوق المتبادلة بين الزوجين ، وثبوت نسب الأولاد وحرمة المصاهرة ووجوب العدة وغيرها) ، فإنه يجب الاحتياط في إثباته . أو تثبيته وتسجيله ، ولا بد من قواعد ونصوص تحمل الناس على الدقة والنظام في اتباعها . ويأتي التوجيه القرآني الكريم على توثيق المعاملات والمداينات بين الناس بالكتابة فإن توثيق عقد الزواج وتسجيله بحجة رسمية يكون من باب أولى . الأصل أن الزوجية أن تنشأ بالعقد فإنها تثبت بإثباته وأظهر دليل لإثبات الزوجية هو حجة النكاح المسجلة لدى المحكمة المختصة وهي على نوعين :
1- حجة عقد النكاح حيث تجريه المحكمة وتجله .
2- حجة تسبيل قيام الزوجية وفيهما يقر الزوجان بقيام الزوجية في وقت سابق .
إلا أن عقد الزواج قد يقع خارج المحكمة ولا يسجل فيها وقد ينكر أحد الزوجين العقد وقيام الزوجية أو قد يتعذر إقراره لأسباب عدة كوفاة الزوج الآخر (رجلاً أو امرأة) أو فقده أو غيبته . وفي هذه الحالة يجب على الزوج إقامة الدعوى لإثبات الزوجية . وعلى هذا الأساس سنبحث أولاً : أطراف دعوى إثبات الزوجية ، وثانيا : أدلة إثبات كالزوجية .
أولاً : أطراف دعوى إثبات الزوجية :
يختلف أطراف هذه الدعوى باختلاف المجالات وهي :
1- إذا كان الزوجان على قيد الحياة : ففي هذه الحالة يقيم الدعوى أحد الزوجين على المنكر منهما لاثبات الزوجية وهذه الدعوى من الممكن إيرادها :
(أ) مجردة : وذلك بأن يطلب أحد الزوجين إصدار الحكم بثبوت الزوجية بعد أن يعين تاريخ العقد واستمرار قيام الزوجية أو انتهاءها بالطلاق .
(ب) ضمن دعوى النفقة : إذا كانت المدعية هي الزوجة حيث أقامت دعوى تطلب إلزام الزوج بنفقتها فإذا أقر بالزوجية فإن المحكمة تنتقل إلى موضوع النفقة ، واذا أنكر الزوجية والنكاح غير مسجل في المحكمة فإن المحكمة تكلف الزوجة بإثبات الزوجية أولا بوصفها سبب الدعوى لأن سبب النفقة هو الزوجية . ويجوز اعتبار دعوى النفقة مستأخرة لحين صدور حكم بصحة الزوجية .
(جـ) وقد يصار إلى إثبات الزوجية في دعوى مطاوعة إذا كان المدعي هو الزوج فتنكر المرأة الزوجية أصلا وعقد النكاح غير مسجل بالمحكمة عندئذ يكلف الزوج المدعي بإثبات الزوجية أولا ومن ثم المضي في دعوى المطاوعة لكون الزوجية هي سبب دعوى المطاوعة .
٢- إذا كان الزوجان على قيد الحياة وأحدهما غائب أو مفقود أو أسير : فإن الدعوى تقام من الزوج الحاضر على القيم المنصوب على الغائب أو المفقود أو الأسير ، ولا يجوز أن تقام على أبيه أو أخيه أو أحد أقاربه إلا إذا كان هذا قيما . ولا يجوز مطلقا الاستناد إلى إقرار القيم المنصوب المجرد لثبوت الزوجية كما لا يحلف القيم اليمين عند عجز المدعية عن الإثبات . ومن الضروري إدخال نائب المدعي العام في الدعوى . ومديرية رعاية القاصرين لأن المفقود بحكم القاصر في كثير من أحكامه وطبيعي أن هذه الدعوى تقام إما مجردة أو ضمن دعوى النفقة أن لا يتصور إقامتها ضمن دعوى المطاوعة . وان لم يكن للمفقود أو الأسير أو الغائب قيم فإن للمحكمة أن تنصب وصيا مؤقتا للخصومة في دعوى إثبات الزوجية ويجوز الإثبات بوسائل الإثبات كافة .
3 - إذا كان أحد الزوجين متوفى : فإن الدعوى تقام من الزوج الحي على أحد ورثة الزوج المتوفى فإذا كان الوارث كبيرا صحت خصومته – كأبيه أو أمه أو أحد أولاده الكبار (1) ، أما إذا كان الوارث قاصرا أو ناقص الأهلية فيجب اقامة الدعوى على وصيه على حسب وصايته أو القيم المنصوب فإن لم يكن له ولي أو كان الزوج الحي هو ولي القاصر أو كانت الزوجية هي الوصية عليه وجب نصب وصي مؤقت للخصومة في الدعوى كما يجوز اقامة الدعوى على مدير رعاية القاصرين أن كان الورثة صغارا . ومما تجدر ملاحظته هنا هو أن المدعية أن كانت الزوجة لإثبات زوجيتها من الزوج المتوفى . وكان للمتوفي زوجة أخرى فإن الدعوى يجب اقامتها على الزوجة حيث أن الخصومة هنا لا تتوجه إلى الأولاد لأن المدعية (الزوجة الثانية) تشارك الزوجة الأولى في ميراثها ولا تتأثر حصة الأولاد بوجود زوجة ثانية أو ثالثة لن للزوجات سهما يشتركن فيه سواء أكان الثمن لوجود الأولاد أو الربع في حالة عدم وجودهم . وفي هذه الدعوى يجب إبراز القسام الشرعي أو اقامة البينة على حصر الوراثة . ثم يجب إثبات الزوجية بوسائل الإثبات المعروفة ولا يجوز اثبات الزوجية في هذه الحالة بإقرار أحد الورثة لأن الاقرار حجة قاصرة ، فإن كانت البينة على حصر الوراثة وحضر جميع الورثة أن كانوا كبارا وأقروا بالزوجية فيجوز الحكم بصحة الزوجية بناء على هذا الاقرار. فإن كان فيهم صغير فإن اقرارهم لا يسري عليه . أما اذا أقام ورثة الزوجة المتوفاة دعوى اثبات الزوجية على الزوج الحي وأقر هو بالزوجية وكان من أهل الاقرار ولم يكن هناك مانع شرعي أو قانوني فإن الزوجية تثبت بإقراره .
٤- إذا كان الزوجان ميتين : كما لو احتاج شخص الى اثبات تاريخ زواج أبيه المتوفى من أمه المتوفاة . وهذه الحالة تستوجبها أمور رسمية عديدة كما في معاملات شهادة الجنسية أو تصحيح تاريخ الولادة وغير ذلك فإن الدعوى هذه
تقام من أحد ورثة الأب على أحد ورثة الأم فإن كان للزوجين أولاد جاز إقامة الدعوى من أحدهم على الثاني وان كان لهما ولد واحد جاز له إقامة الدعوى على من يصبح وارثا لأحد والديه مع افتراض عدم وجود الولد ، أي أخو المتوفى أو ابن أخيه فرضا وكذلك يجوز إقامة الدعوى على أحد والدي المتوفى ويطبق على هذه الحالة ما سبق بيانه في الفقرة السابقة . ويجب ملاحظة أنه في الحالتين الثالثة والرابعة اي في حالة كون أحد الزوجين أو كليهما متوفى فان الدعوى تقام بإحدى صورتين :
(أ) أن تقام في نحو دعوى ارث أن يجب أن تقام ضمن دعوى مال أن يدعي الزوج أن المدعي عليه واضع اليد على تركة المتوفى وهو ممتنع عن تسديد حصتها أو حصته من تركة المتوفي أو المتوفاة وينكر الزوجية .
(ب) أن تقام ضمن دعوى تصحيح قسام ، فاذا استصدر أحد الورثة قساما للزوج المتوفي ولم يل كر فيه الزوج الثاني فلهذا الزوج اقامة دعوى تصحيح القسام على الوارث كما مر ذكره أعلاه .
ثانياً : أدلة اثبات الزوجية :
١- الاقرار : عرف قانون الاثبات الاقرار بأنه اخبار الإنسان عن حق عليه لآخر (2) . الزوجية تثبت بالإقرار اذا لم يكن هناك مانع من قبول الاقرار ، اي يصح الاقرار بالزوجية سواء ، من الزوج أم من الزوجة ولا حاجة لتكليف المدعي منهم لتقادم دليل آخر بشرط عدم وجود مانع شرعي مثل كون المرأة (المقر لها) محرمة على الرجل حرمة مؤبدة أو مؤقتة ، أو ما زالت في عدة الطلاق أو الوفاة . أو قانوني – كأن يكون أحد الطرفين (الزوج أو الزوجة) فاقد الأهلية أو دون الخامسة عشرة أو قبل الثامنة عشرة ولم يؤيد وليه الشرعي صحة عقد الزواج .
ونصت فقرة ١ من المادة (١١) من قانون الأحوال الشخصية على ذلك بقولها (إذا أقر أحد لامرأة أنها زوجته . ولم يكن هناك مانع شرعي أو قانوني وصدقته ثبتت زوجيتها له بإقراره) وهذا اذا كان الزوجان على قيد الحياة . وذلك كما لو أقر أحد لامرأة أنها زوجته وليس في عصمته محرم لها أو أربع سواها وصدقته وهي خالية عن زوج أو عدة ثبتت الزوجية بينهما بأحكامها . وكذلك اذا أقرت المرأة وصدقها الزوج في حياتها .
ويقع الإقرار في الصور الآتية :
(أ) اذا قدم الزوجان عريضة للمحكمة وأيدا فيها وقوع زواجهما بتاريخ معين على مهر معلوم وطلبا تصديق الزواج ، فبعد التأكد من هويتهما والمستندات الأخرى وعدم وجود المانع الشرعي أو القانوني وفقاً لتصادقهما على الزوجية يقرر الماضي تصديق الزواج بأثر رجعي من تاريخ وقوعه .
(ب) إذا أقامت الزوجة دعوى إثبات الزوجية وأقر الزوج أمام المحكمة بالزوجية . فيكفي الإقرار دليلاً لثبوتها وعلى المحكمة التأكد من هويتهما والمستندات الأخرى كافة – كإعلام الطلاق أو شهادة الوفاة أو القسام الشرعي وغير ذلك .
(جـ) إذا أقام الزوج دعوى إثبات الزوجية على المرأة وصدقته فهو إقرار من قبلها بالزوجية مع ملاحظة إبراز المستندات والتأكد من عدم وجود المانع .
وبالرجوع الى الفقرة (2) من المادة (11) إشارة الى أنه (إذا أقرت المرأة أنها تزوجت فلاناً وصدقها في حياتها ولم يكن هناك مانع قانوني أو شرعي يثبت الزواج بينهما وأن صدقها بعد موتها فلا يثبت الزواج) والمقصود بالعبارة الأخيرة أنه لو اقامت المرأة دعوى إثبات الزوجية على زوجها وقبل حضور الطرفين للمرافعة أو إنكاره الزوجية في حياتها توفيت الزوجة قبل أن يصدقها فلا يثبت الزواج إذا صدقها بعد الوفاة لأن التصديق المجرد لا يثبت به الزواج .
2- أما إذا كان أحد الزوجين متوفي فإن الزوجية تثبت بالبينة على أحد الأمور الآتية :
(أ) بالبينة على العقد ، وهذه البينة إما أن تكون مستند الزواج (أي حجة النكاح) المنظمة من قبل المحكمة كما مر ذكره أو البينة الشخصية (الشهود) على حضور مجلس العقد وسماع صيغته إيجاباً وقبولاً . ولا يثبت الزواج بشهادة ابني الزوجين لمن ادعاه منهما . أي لا تقبل شهادة الابن لأصله وتقبل عليه عند الحنفية ، وعند الجعفرية تقبل شهادة الابن لأصله وعلى أمه ولا تقبل على ابيه (3) .
(ب) أو بالبينة على إقرار المتوفى بالزوجية .
(جـ) أو بالبينة على وجود المعاشرة الزوجية وفي هذه الحالة فإن البينة يجب أن تقوم على معاشرة صريحة وعلنية وأن لا يكون هناك ما يدل على عدم شرعيتها لأن الأساس في عد هذه المعاشرة دليلاً على الزوجية هو قاعدة لو كانت المعاشرة خفية أو في أماكن مشبوهة ومعدة للهو غير البريء أو أن الرجل أو المرأة عرفاً أو عرف أحدهما بسوء السيرة فإن هذه المعاشرة لا تقوم دليلاً على الزوجية .
ويقصد بالمعاشرة الزوجية أن يعاشرها معاشرة الأزواج ويبيت عندها ليلا ويخرج نهارا ويشتري لها لوازم المعيشة واحتياجات البيت وصدقت محكمة التمييز (4) . العديد من أحكام المحاكم الشرعية التي استندت الى المعاشرة الزوجية لإثبات الزواج . ويجوز الإستناد الى الرسائل المتبادلة بين الرجل والمرأة التي يستنتج منها وجود الزوجية ، كذلك الورقة العرفية لعقد الزواج خارج المحكمة الموقعة من قبل الزوجين إذا اعترفا بها . والبينة التي تقبل على المعاشرة قد يكون نصابها نصاب الشهادة أي رجلان أو رجل وامرأتان يشهدان على المعاشرة الزوجية أو قد تكون بينة تواتر وسماع وهي شهادة عدد من الناس لا يحتمل تواطؤهم على الكذب .وإذا عجزت المرأة عن الإثبات بالأدلة والقرائن عندئذ تمنح حق تحليف المدعي عليه اليمين فإذا نكل حكم للمدعية بصحة الزواج . وإذا حلف ترد دعواها . أما إذا بلغ المدعي عليه ولم يحضر فإن عبء الإثبات يقع على المدعية فإذا عجزت فيجوز إصدار الحكم معلقاً على النكول عن اليمين عند الاعتراض على وفق المادة (118) من قانون الإثبات …. .
______________________
1- قرار محكمة التمييز ١٤٨٢ / شرعية/ ٩٧٤ ا في ٢ / ١١ / ١٩٧٤ (لا يصح أخو المتوفى خصما في دعوى إثبات الزوجية ما دام للمتوفى أولاد) النشرة القضائية العدد الرابع ، ص ٥ ، ١٩٧٤ .
2- انطر المادة (٥٩) من قانون الإثبات رقم (٠٧1) لسنة ١٩٨٠ .
3- انظر حسين على الاعظمي ، احكام الزواج ، مطبعة المعارف ، الطبعة الثانية بغداد 1948 – 1949 ، ص 25 .
4- اقرار 15 / شخصية / 1976 في 9 / 2 / 1976 (1- لا يجوز حصر بينة إثبات الزوجية . 2- يعتبر إدخال المدعى عليه للمدعية في المستشفى للولادة من جملة أدلة إثبات قيام الزوجية بينهما) مجموعة الأحكام العدلية وكذلك قرار 1496 / شخصية / 8584 في 17 / 1 / 1985 غير منشور . وقرار 447 / هيئة عامة / 78 في 23 / 9 / 1978 (أن الزوجية بين الزوجين تشبت بإقرار الزوج بإثبات الزوجية كما تثبت بالمعاشرة الزوجية بكافة طرق الإثبات) .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً