اختصاص رئيس الدولة في قيادة القوات المسلحة واعلان الحرب
المؤلف : علي سعد عمران
الكتاب أو المصدر : ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة في بعض النظم الدستورية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تعني قيادة القوات المسلحة قيام رئيس الدولة بتجهيز وتنظيم القيادة العامة للقوات المسلحة سواء كانت برية أم بحرية أم جوية ،غير ان ذلك لايعني ان رئيس الدولة يقوم بقيادة القوات المسلحة بنفسه فهو امر متعذر على هذا النحو لما يتطلبه ذلك من خبرات فنية ولاسيما بعد التطور الحاصل في ميدان البحث العلمي العسكري ولكن سلطة إصدار القرارات العسكرية الهامة ترجع إلى رئيس الدولة(1) . اما بالنسبة لاعلان الحرب فأن الاختصاص ينعقد في اعلانها لرئيس الدولة على اعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية غير ان انفراد رئيس الدولة في إعلان الحرب أصبح من الامور النادرة في النظم الدستورية المعاصرة فقد اضحى اشتراك رئيس الدولة مع البرلمان باعلان الحرب من المسلمات به لأن انفراد رئيس الدولة في ذلك لم يعد ينسجم مع التطورات الدستورية التي اصابت جميع الدول الراغبة بعيش في سلام، فضلاً عن الرغبة في اشتراك ممثلي الشعب في إعلان الحرب(2) . غير ان السؤال الذي اثير في الفقه الدستوري يتعلق بحالة تعرض الدولة لحرب معادية ، فالى أي جهة يرجع إعلان الحرب الدفاعية؟ ان الجهة المختصة باعلان الحرب الدفاعية هي رئيس الدولة ،مهما كانت الجهة التي يحددها الدستور لاعلان الحرب ،وذلك لأن رئيس الدولة هو المسؤول –عادة –عن سلامة اقليم الدولة لذا يملك رئيس الدولة اعلانها دون حاجة إلى موافقة السلطة التشريعية ،اذ لايمكن في الدولة الحديثة ان ينتظر في حالة الحرب الدفاعية موافقة البرلمان عليها والالتزام بعدم الرد الواقع على الدولة الا بعد الحصول على تلك الموافقة(3) .
وقد نص دستور فرنسا لعام 1958 في المادة (15) على ان ((رئيس الجمهورية هو قائد القوات المسلحة وهو يرأس المجالس واللجان العليا للدفاع الوطني)) وقد نصت المادة(35) بأن (( يكون إعلان الحرب بأذن من البرلمان )) وتنص المادة (20) بأن ((تحدد وتقود الحكومة سياسة الامة وتتولى تدبير شؤون الادارة والقوات المسلحة…)) وقد اوضحت المادة(21) بأن (( يقود الوزير الأول عمل الحكومة ومسؤول عن الدفاع الوطني )) .
فيتضح ان ممارسة الإختصاصات المتعلقة بالقوات المسلحة ترجع إلى الحكومة وفقا للمواد (20-21)، غير ان الواقع يشير الى ان رئيس الجمهورية هو الذي يملك ممارسة جميع الإختصاصات المتعلقة بالشؤون العسكرية فرئيس الجمهورية هو الذي يقرر والوزير الأول هو المنفذ وقد تم تأكيد هذا الواقع العملي بالمرسوم الصادر في 18/7/1962 المتعلق بتنظيم الدفاع الوطني والمرسوم الاخر الصادر في 12/1/1964 المتعلق بالقوات المسلحة الجوية الستراتيجية (4) .
وبذلك فقد تركزت هيمنة رئيس الجمهورية في مجال السياسة الدفاعية ،وعلى الوزير الأول تنفيذ هذه السياسة ،فقد مارس الرئيس الفرنسي ((F.MITTERRAND)) جميع الإختصاصات المتعلقة بالاعمال الحربية بمفرده اثناء حرب الخليج الأولى عام 1991 لدرجة انه همش تماما دور الوزير الاول(5) ويكون لرئيس الجمهورية الاختصاص منعقدا في إعلان الحرب الدفاعية دون حاجة لاستحصال اذن من البرلمان ،ففي ظل ظروف الحرب الحديثة تلزم السلطة التنفيذية بصد الهجوم العسكري وان رئيس الجمهورية وبصفته القائد العام للقوات المسلحة يملك الاختصاص في إعلان الحرب الدفاعية ولاضرورة مسبقة لموافقة البرلمان ، الذي قد لايكون منعقدا انذاك(6) . وقد نص دستور تونس لعام 1959 في المادة (44) بأن ((رئيس الجمهورية هو القائد الاعلى للقوات المسلحة )) وبينت المادة(48) بأن رئيس الجمهورية ((…ويشهر الحرب ويبرم السلم بموافقة مجلس النواب)) . يتضح ان جميع ما يتعلق بالقيادة العامة للقوات المسلحة ينعقد الاختصاص فيه لرئيس الجمهورية وحده(7)، وامام ضعف مجلس النواب فان رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات واسعة في قيادة العمليات العسكرية وهذا متأتٍ من سيطرته وهيمنته على السياسة الخارجية للدولة(8) . وقد جاء في دستور مصر لعام 1971 في المادة (150) بأن ((رئيس الجمهورية هو القائد للقوات المسلحة وهو الذي يعلن الحرب بعد موافقة مجلس الشعب)) .
فرئيس الجمهورية يكون له وحده الحق في قيادة القوات المسلحة وهو الذي يعلن الحرب ولكن بعد موافقة مجلس الشعب غير ان الحصول على هذه الموافقة قبل دخول الحرب تعد صعبة التحقق لذلك عادة ما يخالف هذا النص عملاً ويتم عرض امر الحرب على المجلس عقب قيامها(9)، وقد ذهب جانب من الفقه المصري إلى التفرقة بين الحرب الدفاعية والحرب الهجومية ومدى سلطة رئيس الجمهورية تجاهها فذهبوا إلى القول بأن الحرب الدفاعية لايتوجب فيها الحصول على موافقة مجلس الشعب وانما يكون لرئيس الجمهورية تجاهها سلطة تقديرية في اعلانها اما الحرب الهجومية فلا بد من موافقة مجلس الشعب عليها(10) ، في حين ذهب جانب اخر من الفقه إلى القول بأنه لاتوجد هناك ضرورة إلى التفرقة بين الحرب الدفاعية والهجومية فالدستور قد اشترط صراحة موافقة مجلس الشعب على إعلان الحرب ولم يفرق النص الدستوري في هذا الصدد بين حرب هجومية واخرى دفاعية ،لذا فلا محل لاهدار حكم الدستور في هذا الخصوص(11)،
وتلعب الأغلبية البرلمانية المساندة لرئيس الدولة في مجلس الشعب اهمية كبرى في جعل هذا الاختصاص الهام بيد رئيس الجمهورية وحده دون مشاركة تذكر من جانب مجلس الشعب وذلك لأن رئيس الجمهورية هو زعيم الحزب المسيطر على مقاعد مجلس الشعب وهو بذلك يكون اداة بيد رئيس الجمهورية ومن خلاله يستطيع تمرير القرارات التي يرغب بإصدارها(12) ، ومما يزيد من هيمنة رئيس الدولة في ممارسة هذا الاختصاص الهام ان جميع القرارات الصادرة منه في هذا المجال –اعلان الحرب والهدنة والقرارات الخاصة بتحريك بعض القوات المسلحة إلى اماكن ستراتيجية –تعد من اعمال السيادة التي لاتخضع لاي نوع من انواع الرقابة القضائية (13) .
اما القانون الأساسي العراقي لعام 1925 فقد نص في المادة(26/9) على ان ((للملك القيادة العامة لجميع القوات وهو يعلن الحرب بعد موافقة مجلس الوزراء)) . ومما يلاحظ على النص السالف انه لم يشترط سوى موافقة مجلس الوزراء وليس مجلس الامة ومجلس الوزراء ما هو الاتابع لرئيس الدولة (الملك) لانه يملك تعيينه واقالته بحرية مطلقة وبذلك تكون للملك الهيمنة الفعلية على قيادة الجيش وعلى إعلان الحرب كذلك ، والواقع أشار إلى صحة ذلك فموافقة مجلس الوزراء على إعلان الحرب كانت شكلية(14) ، فأول حرب اعلنت في العراق رسميا كانت بتاريخ 13/1/1943 وذلك عندما أصدر الوصي ((عبد الاله)) ارادة ملكية،اعلن فيها وجود حالة الحرب بين العراق ودول المحور (المانيا وايطاليا واليابان) وقد اقر مجلس النواب هذه الارادة بالاجماع في 20/1/1943(15) .
اما دستور العراق لعام 1970 فقد نص في المادة (57) بأن ((رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة)) وبينت المادة (43) وهي بصدد بيان اختصاصات مجلس قيادة الثورة (المنحل) بأن له ((ب- إعلان التعبئة العامة جزئيا اوكليا واعلان الحرب وقبول الهدنة وعقد الصلح)) والملاحظ على نص المادة (43) انه بالرغم من اهمية وخطورة هذه الصلاحية فان موافقة أغلبية بسيطة من أعضاء المجلس تكفي لممارستها وكان لابد من اشتراط موافقة أغلبية الثلثين لهذا الغرض نظرا لما قد يترتب من نتائج مهمة على ممارسة هذه الصلاحية(16) وهذا متأتٍ –بنظرنا – من مدى رغبة النظام انذاك من التفرد بالسلطة وسيطرته على القوات المسلحة ولاسيما رئيس النظام فقيادة القوات المسلحة قد اصبحت حقا مطلقا له وكذلك إعلان الحرب لأن رئيس الدولة هو رئيس مجلس قيادة الثورة (المنحل) وان نص الفقرة (ز) من المادة (43) قد اعطت للمجلس المذكور الحق في تخويل رئيسه بعض اختصاصاته ، وبذا فقد لعب رئيس الدولة دوراً اساسياً في هذا المجال بل ان قرار الدخول في الحرب كان من اختصاصه المطلق، وقد اقحم رئيس النظام السابق العراق في أهم ثلاث حروب في تاريخ العراق استنفدت جميع طاقاته البشرية والاقتصادية وانتهت الاخيرة منها باحتلال العراق عام 2003 (17)، وبذلك يكون العراق قد أخذ نصيبه الوافر من الحروب وويلاتها ذلك بسبب تفرد شخص واحد في السلطة فهو الوحيد الذي له سلطة اتخاذ جميع القرارات بما فيها العسكرية .
__________________
1- د. إسماعيل إبراهيم البدوي : اختصاصات السلطة التنفيذية في الدولة الإسلامية والنظم الدستورية المعاصرة ، ط1 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1993،ص24-125 .
2- ثائر محمد خضير القيسي : صلاحية إعلان الحرب في بعض الدساتير المعاصرة ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد ، كلية القانون ، 1993 ، ص 34 .
3- د.ابراهيم عبد العزيز شيحا:النظام الدستوري اللبناني ، بيروت ، الدار الجامعية ، 1983،ص572، د. مصطفى أبو زيد فهمي : النظام الرئاسي في أمريكا ومصر ، الإسكندرية ، دار المعارف ، 1966،ص301 . د. السيد صبري : مبادئ القانون الدستوري ، ط3 ، القاهرة ، مكتبة عبد الله وهبة، 1946، ص532.
4- هيلين تورار : تدويل الدساتير الوطنية ، ترجمة د. باسيل يوسف ، مراجعة د. أكرم الوتري ، بغداد ، بيت الحكمة ، 2004 ، ص 205 .
5- د. رأفت فودة : ثنائية السلطة التنفيذية بين الشكل والموضوع في دستور 1971، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2001، ص467 .
6- Benoit Jeanneau: op. cit، p. 259.
7- سالم كرير المرزوقي : التنظيم السياسي والإداري بالبلاد التونسية ، ط6، تونس، مطبعة المنار ، 2000،ص101 .
8- د.عبد الوهاب معطر:مشروع الاصلاح الجوهريhttp://www.tunesie 2004.net ،.
9- د. عمرو أحمد حسبو : النظام الدستوري المصري ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2002،ص282 .
10- د. يحيى الجمل : النظام الدستوري في جمهورية مصر العربية ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1974،ص216-217 د. إبراهيم عبد العزيز شيحا : النظام الدستوري المصري ، الجزء الثاني، الإسكندرية، منشأة المعارف ، 1993 ، ص 277-278 .
11- د.محمد حسنين عبد العال :القانون الدستوري ،القاهرة ،دار النهضة العربية،1992،ص256 د. ماجد راغب الحلو : القانون الدستوري ، الإسكندرية ، مؤسسة شباب الجامعة ، 1973،ص170 د. . رمزي طه الشاعر : النظرية العامة للقانون الدستوري ، ط5 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2005،ص480.
12- ينظر بهذا المعنى د. رأفت فودة : ثنائية السلطة التنفيذية بين الشكل والموضوع في دستور 1971، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2001،ص70 .
13- د. صلاح الدين فوزي : واقع السلطة التنفيذية في دساتير العالم ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2002 – 2003،ص30 .
14- ثائر محمد خضير القيسي : صلاحية إعلان الحرب في بعض الدساتير المعاصرة ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد ، كلية القانون ، 1993،ص37 .
15- ثائر محمد خضير القيسي: المصدر نفسه، ص 41 .
16- ثائر محمد خضير القيسي: المصدر نفسه، ص38 .
17- لمزيد من التفاصيل حول التداعيات والاشكاليات التي اثارتها الحرب الاخيرة على المستوى الدولي والاقليمي ، ينظر: د. حسنين المحمدي بوادي : غزو العراق بين القانون الدولي والسياسة الدولية ، الاسكندرية ، منشأة المعارف ، 2005 ، ص 81 – وما بعدها .
اترك تعليقاً