نظرة قانونية في الجرائم المرورية
القاضي حاتم جبار الغريري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
من المسلم به أن قانون إدارة المرور رقم (٨٦) لسنة ٢٠٠٤ النافذ قد تناول من بين احكامه الجرائم التي يرتكبها قائد المركبة أثناء قيادته لها ورتب عليها الجزاءات القانونية، وحسب التفصيل الوارد في المواد التي سنها المشرع بين دفتي هذا القانون، وما نريد أن نسلط عليه الضوء في هذه الأسطر جزئية من مجمل هذه الجرائم وهي التي تطال الأشخاص والأموال من جراء قيادة المركبة الأمر الذي ينتج عنها الأذى للغير ناهيك عن تلف الأموال وحسب ظروف كل واقعة منها، وربما من المفيد أن نركز على نص القسم (٢٣) من القانون المذكور كونها الأكثر شيوعا في التطبيقات القضائية نظرا لكثرة مثل هذه الحوادث التي لا تكاد تخلو منها محكمة من محاكم التحقيق ، فقد جاء ت هذه المادة القانونية لتفرض جزاءات قانونيه عقابية على الشخص الذي يقود العجلة برعونة وتهور وما ينتج عن ذلك من حوادث من أذى أو مرض جسيمين تصيب الاغيار من الناس أو تلف أموالهم وهذه الجزاءات تتراوح مابين عقوبة الحبس أو الغرامة وبحسب التفصيل الوارد في المادة القانونية المذكورة أنفا.
ومن تفحص هذه المادة من وجهة قانونية وعملية تطبيقية نجد أنها لاتختلف من حيث العقوبة عن غيرها من الجرائم الأخرى من نوع جرائم الجنح، حيث أن عقوبة هذه الجريمة هي الحبس أو الغرامة كما أسلفنا، ولكنها تختلف عن غيرها من جرائم الجنح في أنها من الجرائم غير العمدية بمعنى أن مرتكبها لم يكن قاصدا ارتكابها وبمعنى قانوني اخر انتفاء القصد الإجرامي عند ارتكابها وهو الشرط القانوني الأساسي الذي تتأسس عليه اغلب الجرائم العمدية الأخرى والتي دعت المشرع لإنزال العقاب بمرتكبها وتغليظ العقوبة في أحيان معينة وحسب طبيعة كل جريمة واسلوب ارتكابها.
وعلى هذا الأساس ولما كانت هذه الجريمة المرورية من الجرائم غير العمدية، فان الامر يدعونا للقول عن المبرر القانوني والمنطقي الذي جعل المشرع يعزف عن شمولها بمنطوق احكام المواد ( ٣ و ٨ و ١٩٤ ومابعدها ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ٢٣ لسنة ١٩٧١ النافذ ، وهذه المواد القانونية تعنى بضرورة طلب تحريك الشكوى في جرائم معينة ممن له الحق بطلب تحريكها ولايجوز اتخاذ أي إجراء قانوني بحق مرتكب الجريمة فيما إذا لم يبادر صاحب الحق بطلب الشكوى، وحتى إذا ما طلب المشتكي تحريك الشكوى فإنه يعد متنازلا عن شكواه بعد تقديمها اذا تركها دون مراجعه مدة ثلاثة أشهر دون عذر مشروع ويصدر القاضي عندئذ قراره برفض الشكوى وغلق الدعوى نهائيا.
ومن جهة أخرى فان اغلب هذه الجرائم تكون مشمولة بأحكام الصلح حسب نص المادة ١٩٤ الأصولية وما بعدها من مواد الصلح والذي مآله القانوني أيضا غلق التحقيق نهائيا بعد قبوله من قبل المحكمة، اقول وعود على بدء لما كانت الجرائم العمدية تخضع لهذه الأحكام المتقدمة، فإنه ومن باب أولى أن يسري هذا الحكم على الجرائم غير العمدية ونقصد بها الجرائم الناتجة عن الحوادث المرورية الموصوفة أعلاه،
سيما وان الواقع الحالي للمجتمع ومع تزايد مثل هذه الحوادث نتيجة لتخمة الشوارع بأعداد هائلة من السيارات بات يتطلب وجود تشريعات تواكب ما ينتج عن الخطوات المتسارعة للتكنولوجيا ألحديثة التي تعمل على خلق الآلة التي ينتج عنها الكثير من الحوادث العرضية والنتيجة الطبيعية هو تخمة المحاكم ومراكز الشرطة بأعداد هائلة من هذه الدعاوى التي بات يحركها الحق العام بالدرجة الأولى دون المتضرر الحقيقي من هذه الحوادث ناهيك عن البطء في حسم ملفات هذه القضايا لأسباب عملية وقانونية احيانا يضيق المقام عن ايرادها جميعا…. إنها دعوة لاعادة النظر في التشريعات التي تتناول هذه الحوادث.
اترك تعليقاً