بعد قبول الاستئناف شكلاً تنظر المحكمة في موضوع الدعوى الاستئنافية فتستمع الى اقوال وطلبات واسانيد المستأنف اولاً ، ثم تستمع الى اجوبة المستأنف عليه التي يدفع بها وطلبات وادلة خصمه المستأنف ، كما تنظر المحكمة في الاستئناف المتقابل ان وجد ، وبعد دراستها وتدقيقها لكل ذلك ، وبعد ان يكون كل طرف قد استنفذ ما لديه من اقوال تقرر ختام المرافعة ، وبعد المداولة تصدر المحكمة قرارها وفقاً لاجراءات اصدار الاحكام(1).
وتدخل المحكمة في اساس الدعوى الاستئنافية ويصدر الحكم وفقاً لأحد الفروض الاتية :-
اولاً- تأييد الحكم البدائي :-
فاذا تحقق للمحكمة الاستئنافية ان الحكم البدائي قد صدر موافقاً للقانون ، فتقرر تأييده ، ورد الاعتراضات الاستئنافية مع بيان اوجه ردها تفصيلاً(2)، وذلك اذا تأييد ان الطعن المقدم من قبل المستأنف غير مستند الى سند قانوني ، وتقرر تحميل المستأنف مصاريف المرافعة الاستئنافية واجور المحاماة(3).
وللقضاء العراقي تطبيقات عديدة تأييد فيها الحكم البدائي ، فقد قضت محكمة استئناف منطقة نينوى في احد قراراتها والذي جاء فيه ” لدى التدقيق والمداولة والمرافعة الحضورية الجارية واتباعاً لقرار محكمة التمييز المرقم 1315/م1/عقار /2000 والمتضمن ان الحكم للمدعي بجزء من الادعاء ورد دعواه عن الجزء الاخر يجيز له الطعن بالحكم عن الجزء المردود ولا يعد كسب جزء من الادعاء مانعاً من قبول طعنه ، فقد جرت المرافعة حضورياً وعلناً واطلعت المحكمة على الاضبارة الاستئنافية 473/س/م999 والدعوى البدائية المتعلقة بخصوص الخطأ في تثبيت الحدود للقطعة موضوع الدعوى ، وحيث ان موضوع الدعوى قد انصب على تجاوز المستأنف عليه على عقار المستأنف ومطالبته بالتعويض عما اصابه من اضرار مادية ومعنوية عن هذا التجاوز وايقافه عن اكمال مشروعه الزراعي والعلف الحيواني حيث ان المتجاوز عليه ، وعليه فان التعويض الذي يستحقه المستأنف يتمثل باجر المثل ، وحيث ان محكمة البداءة قد حكمت للمستأنف باجر المثل الذي استحقه فضلاً عن ان التجاوز لم يكن على عموم المساحة لذلك جاء الحكم المستأنف صحيحاً وموافقاً للقانون وقرر تأييده ورد الطعن الاستئنافي وتحميل المستأنف المصاريف واتعاب المحاماة… “(4). وقد اجمعت القوانين المقارنة(5)، على تأييد محكمة الاستئناف للحكم البدائي المستأنف اذا ما تحقق للمحكمة ان الادلة التي قدمها المستأنف والاسانيد التي اعتمدتها في استئنافه غير كافية لدحض اسباب الحكم البدائي وان المستأنف سبق له وان اوردها في المرافعة البدائية ، وان حكم محكمة البداءة فيها كان صحيحاً وموافقاً للقانون. ويلاحظ على موقف القانونين اللبناني والفرنسي بهذا الصدد ، سكوت المشرع في كلا القانونين عن ايراد نص صريح يقضي بتأييد محكمة الاستئناف للحكم المستأنف في الاحوال المشار اليها اعلاه ، الا ان الفقه قد اجمع على امكانية تدخل محكمة الاستئناف لأكمال نواقص الحكم والتحقق من ذلك(6).
ثانياً : اصلاح الحكم البدائي :-
اما اذا وجدت محكمة الاستئناف ان الحكم البدائي مشوب ببعض النواقص من حيث الشكل والموضوع ، فانها تقوم باصلاحه واكماله واذا رأت بعد ان اصلحت الخطأ واكملت النقص ان لا تأثير لها في نتيجة الحكم البدائي وانه اصبح موافقاً للقانون قررت تأييده ورد الاستئناف(7) ، وهذا الامر مقيد بوجوب سبق النظر في الموضوع ابتداءً من محكمة البداءة. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في احد قراراتها والذي جاء في مضمونه ” ان حكم المادة (193 / ف2) من قانون المرافعات المدنية الذي يجيز لمحكمة الاستئناف اكمال نواقص الحكم البدائي في الموضوع يشترط سبق النظر من محكمة البداءة فيه ولا يجيز لمحكمة الاستئناف ان تنظر في الموضوع إبتداءً “(8). اما فيما يتعلق بموقف القوانين المقارنة من مدى سلطة محكمة الاستئناف في اصلاح الحكم البدائي ، فقد خلت جميع تلك القوانين من النص على تلك الصلاحية باستثناء القانون الاردني(9)، الذي انفرد عن بقية القوانين المقارنة بأعطاء محكمة الاستئناف حق تدارك ما ذكر من بعض النواقص بالاصطلاح(10). وعلى الرغم من ان القوانين المقارنة لم تنص على هذه الصلاحية الا ان فقه المرافعات المدنية في تلك القوانين اجمع على قيام محكمة الاستئناف باكمال النقص واصلاح الاخطاء وازالتها اذا ما تبين لتلك المحكمة ان الحكم البدائي فيه بعض النواقص والاخطاء(11).
ثالثاً: فسخ الحكم البدائي واصدار حكم جديد:-
اذا كانت النواقص والاخطاء التي قامت بتلافيها محكمة الاستئناف ذات تأثير في نتيجة الحكم او كان الحكم في ذاته مخالفاً للقانون قضت بفسخه كله او بعضه واصدرت حكمها من جديد في الدعوى من كل الوجوه بحكم واحد(12)، أي ان محكمة الاستئناف تفصل في اساس الدعوى بعد فسخ الحكم البدائي ، كله او بعضه وتصدر حكماً جديداً دون ان تعيد الدعوى الى محكمة البداءة ، اذ ان لها الحق بالتصدي لموضوع الدعوى والحكم فيها من جديد بعد فسخ الحكم البدائي(13). ويفهم مما تقدم انه لا يجوز اعادة الدعوى الى محكمة البداءة مطلقاً – كما كان الحال في قانون المرافعات العراقي السابق – بل على محكمة الاستئناف ان تصلح اخطاء محكمة البداءة وتكمل النواقص في الدعوى ثم تقضي بفسخ الحكم البدائي وتصدر حكماً جديداً(14)، وتطبيقاً لذلك فقد قضت محكمة التمييز في قرار لها بأن ” … لمحكمة الاستئناف انتخاب خبراء جدد اذا لم تقتنع بتقرير الخبراء المنتخبين من قبل محكمة البداءة ولمحكمة الاستئناف سلطة بحث النزاع من جديد لان الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل حكم البداءة “(15). اما عن موقف القوانين المقارنة بصدد سلطة محكمة الاستئناف بفسخ الحكم البدائي واصدار حكمها من جديد في الدعوى فقد تباينت واختلفت بعض الشيء عن موقف القانون العراقي(16). فقد جاء موقف القانونين اللبناني والفرنسي مطابقاً لموقف المشرع العراقي باعطاء محكمة الاستئناف حق التصدي لموضوع الدعوى والحكم فيها من جديد بعد فسخ الحكم البدائي، حيث نصت هذه القوانين على ذلك صراحة(17). في حين اتخذ المشرع الاردني حلاً وسطاً بين اعطاء محكمة الاستئناف هذا الحق ام لا ، اذ تحكم محكمة الاستئناف الاردنية باساس الدعوى من جديد ما لم تكن القرارات المستأنفة ، تقضي برد الدعوى لعدم الاختصاص او لكون القضية مقضية ، او لمرور الزمن او لعدم الخصومة او لأي سبب شكلي ، فانها تقرر اعادة الدعوى الى محكمة الدرجة الاولى للنظر فيها من جديد(18). ويفهم ان المشرع الاردني قد اورد المبدأ والاستثناء وذلك في ايراده الحالات التي يتقرر فيها اعادة الدعوى الى محكمة الدرجة الاولى دون ان تفصل محكمة الاستئناف في الموضوع(19) ، اما عن موقف المشرع المصري بهذا الخصوص ، فنلاحظ انه وبصدور قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري النافذ في مصر قد تم الغاء حق التصدي بأكمله في جميع الحالات(20)، وتقرر محكمة النقض المصرية في العديد من احكامها ان الحق في التصدي لا يمكن تخويله لمحكمة الاستئناف حتى يكون بناءً على اتفاق الصريح او الضمني للأطراف، والحكمة في ذلك تكمن في ان مثل هذا الاتفاق يشكل اعتداء على مبدأ التقاضي على درجتين، وهذا المبدأ متعلق بالنظام العام(21).
__________________
1- د. آدم وهيب النداوي ، قانون المرافعات المدنية ، دار الكتب للطباعة والنشر ، بغداد، 1988. ص372.
2- المادة (193/ف1) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.
3- ضياء شيت خطاب ، بحوث ودراسات في قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 ، مطبعة الجيلاوي ، بغداد ، 1970، ص312.
4- قرار محكمة استئناف منطقة نينوى المرقم 33/س/2000 في 16/12/2000 – غير منشور- وانظر بالاتجاه ذاته قرارها المرقم 137/س/2001 في 3/5/2001 – غير منشور-
5- انظر المادة (176) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري النافذ ؛ والمادة (188/ف1) من قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني النافذ .
6- د. احمد ابو الوفا ، اصول المحاكمات المدنية ، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت ، 1983.
، ص750؛ ود. امينة النمر ، اصول المحاكمات المدنية ، الدار الجامعية ، بيروت ، 1985 ، ص247؛ وانظر كذلك Gerard Cornuet Jean Foyer، Op. Cit.، p.614; وكذلك Jean Larguier، Op. Cit.، p.100.
7- المادة (193/ف2و3) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.
8 – قرار محكمة التمييز المرقم 51 / هيئة عامة / 971 في 23/10/1971م ، النشرة القضائية ، العدد الرابع ، السنة الاولى ، 1971 ، ص116.
9- انظر المادة (188/ف2) من قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني النافذ .
10 – د. سعيد عبد الكريم مبارك ، التنظيم القضائي واصول المحاكمات المدنية في التشريع الاردني ، ط1 ، جامعة اليرموك الاردنية ، الاردن ، 1996، ص235.
11- د. احمد السيد صاوي ، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية ، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي ، القاهرة ، 1981، ص694 ؛ ود. فتحي والي ، المرافعات المدنية والتجارية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1977.
، ص821؛ ود. امينة النمر ، اصول المحاكمات المدنية ، مصدر سابق ، ص247؛ ود. احمد هندي ، اصول المحاكمات المدنية والتجارية ، الدار الجامعية ، بيروت ، 1989، ص406 ؛ وكذلك : Jean Larguier et Philippe Conte، Op. Cit.، p.145.
12- المادة (193/ف4) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.
13- انظر قرار محكمة التمييز المرقم 303/مدنية اولى / 1973 في 6/3/1974 النشرة القضائية ، العدد الاول ، السنة الخامسة ، 1974، ص265.
14- وفي ذلك تقول الاسباب الموجبة لقانون المرافعات المدنية العراقي النافذ ” … وتمشياً مع وجهة نظر القانون ففي منع تردد الدعوى بين محاكم البداءة على رأيها فقد اوجب التشريع الجديد على محكمة الاستئناف اذا فسخت حكم محكمة البداءة ان تتصدى للفصل في الدعوى وان تصدر حكماً جديداً دون اعادتها لمحكمة البداءة حتى في الحالات التي لم تعالج فيها محكمة البداءة اساس الدعوى باعتبار ان محكمة الاستئناف تكمل وتستدرك ما فات محكمة البداءة …” (م 193/ف4) .
15- قرار محكمة التمييز المرقم 76/ مدنية اولى / 81 في 15/ 6/1981 ، مجموعة الاحكام العدلية ، العدد الثاني ، السنة الثانية عشر ، 1981 ، ص71.
16- وتجدر الاشارة ان المشرع العراقي قد اعطى لمحكمة الاستئناف حق التصدي وهذا هو واضح من نص المادة (193/ف4) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.
17- المادة (664) من قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني النافذ ؛ والمادة (568) من قانون الاجراءات المدنية الفرنسي النافذ.
18- المادة (188/ف5) من قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني النافذ.
19- د. مفلح عواد القضاة ، اصول المحاكمات المدنية والتنظيم القضائي ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، الاردن ، 1998، ص369؛ و موسى فهد الاعرج ، الوجيز في شرح قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني ، دار الكرمل للنشر والتوزيع ، عمان ، 1988 ، ص142.
20- وتجدر الاشارة ان قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري (الملغي) ذي الرقم 77 لسنة 1949 قد ابقى على حالة واحدة من حالات التصدي وهذه الحالة تنحصر في الوضع الذي يرفع فيه استئناف بهدف التوصل الى ابطال حكم صادر من محكمة الدرجة الاولى اذا صدر من محكمة غير مختصة ، فاذا الغت محكمة الاستئناف هذا الحكم فيكون لها الحق في التصدي لحسم موضوع النزاع .. انظر لمزيد من التفصيل . د. نبيل اسماعيل عمر ، الطعن بالاستئناف ، مصدر سابق ، ص175.
21- انظر قرار محكمة النقض المصرية في جلسة 25/1/1959 ، س3 ، وقرارها في جلسة 15/2/1953 ، س5 ، مشار اليهما عند : د. نبيل اسماعيل عمر ، الطعن بالاستئناف واجزائه في المواد المدنية والتجارية ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 1980. ص176 . هذا وقد اعطى المشرع المغربي الحق لمحكمة الاستئناف في ان تتصدى للحكم في موضوع الدعوى اذا كانت جاهزة للبت فيها ، انظر الفصل (146) من قانون المسطرة المدنية المغربي النافذ.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً