يقسم هذا (الموضوع) الى ثلاثة فروع حيث سنتطرق في الفرع الاول منها الى نشأة الطبيعة الناقلة للقسمة وتحديد معناها والنتائج المترتبة على الطبيعة الناقلة للقسمة واما في الفرع الثاني فسنتطرق فيه الى تقدير الطبيعة الناقلة للقسمة، وفي الفرع الثالث منه فسنتطرق الى الصفة الناقلة للقسمة في الفقه الاسلامي…
الفرع الاول : نشأة الطبيعة الناقلة للقسمة وتحديد معناها والنتائج المترتبة عليها:-
اولاً: نشاة الطبيعة الناقلة للقسمة: –
ان اول من نظر الى اعتبار طبيعة حق المتقاسم وكونه ناقلا للملكية هم الفقهاء الرومان (1) واساس هذا التوجه عندهم هو لتكييفهم طبيعة حق الشريك المشتاع اثناء فترة الشيوع وكونه مالكا في كل ذرة من ذرات المال الشائع وعلى قدر حصته الرمزية في ذلك المال، وما دفع الفقهاء الرومان الى ذلك هو لانهم ارادوا ان يوجدوا تكييفا يوازن ما بين عدم امكانية قسمة المال ماديا وبين حالة تعدد الشركاء في ذلك المال (2).
ثانياً: تحديد معنى الطبيعة الناقلة للقسمة:-
ان القسمة وبحسب مفهوم الطبيعة الناقلة لها انما تقوم على اساس المبادلة بين الشركاء المشتاعين(3) وتقوم هذه المبادلة بان يتنازل كل شريك من الشركاء المشتاعين للاخر عن ماله من حصة واقعه في انصبائهم في مقابل ان يتنازل له باقي الشركاء المشتاعين عما لهم من حصص واقعة في نصيب الشريك الاول بمعنى ان القسمة قد نقلت لكل متقاسم حقا جديدا لم يكن له من قبل وكيفية ذلك اذا كان شيوعا بين شريكين لاحدهما فيه الثلث وللشريك الاخر الثلثان فانه باجراء القسمة وبحسب الطبيعة الناقله لها فانه ينزل الشريك الاول عما كان له من الثلث ووقع هذا في النصيب المقسوم للشريك الثاني وعوضا عن ذلك ينزل الشريك الثاني للاول عن الثلثين الواقعين في النصيب المقسوم للأول، وعليه نجد ان هناك عملية مقايضة قد تمت بين الشركاء المشتاعين على الحصص المعنوية لكل منهم قادت الى ملكية انفرادية لكل شريك منهم على نصيب مفرز محدد له بدلا عن الملكية الشائعة فملكية الشريك المفرزة تولدت عن اجتماع ما ال اليه من شركائه من حصص بالقسمة (مع ما يوازي من حصص الشركاء وقعت في نصيب الشريك المتقاسم) اضافة الى حصته الاصلية الناشئة له عن ملكيته الخالصة(4) .
ثالثاً: النتائج المترتبة على الطبيعة الناقلة للقسمة: –
يترتب على الاخذ بالطبيعة الناقلة للقسمة جملة من النتائج ومن اهمها:
اولاً: ان كل شريك يعتبر مالكا لنصيبه منذ وقت القسمة وليس منذ بدء الشيوع بمعنى انه لا اثر رجعيا لكل متقاسم على نصيبه لذا فان كافة التصرفات القانونية التي اجراها ايا من الشركاء على حصته قبل القسمة تبقى سارية بمعنى ان تنتقل تلك الحصة لكل شريك بعد القسمة مثقلة بالتصرفات القانونية التي اجراها غيره عليها اثناء مدة الشيوع (5).
ثانياً: اعتبار كل شريك خلفا لباقي الشركاء، فحسب الطبيعة الناقلة للقسمة حيث تعترف بكافة التصرفات والاوضاع القانونية التي حدثت اثناء مدة الشيوع من أي شريك مشتاع مهما كانت نتيجة القسمة فاذا اجرى احد الشركاء رهنا على المال انتقل الى المتقاسم محملا بالرهن وبحدود حصة الشريك الراهن ولا يستطيع المتقاسم التحلل منه الا بوفائه للرهن(6) .
ثالثاً: ان القسمة يمكن ان تكون سببا صحيحا للتملك بالتقادم الخمسي على اساس اعتبار السبب الصحيح هو البيع وحسب الطبيعة الناقلة للقسمة(7) .
الفرع الثاني : تقدير الطبيعة الناقلة للقسمة :
الاتجاه الاول:
لقد ذهب جانب كبير من الفقهاء الى ان اثارا سلبية عديدة من الممكن ان تترتب على الاخذ بالطبيعة الناقلة للقسمة ابرز تلك الاثار السلبية هي:-
لما كانت الطبيعة الناقلة للقسمة تعني ان الشريك المشتاع يعتبر مالكا منذ وقت القسمة وليس منذ تاريخ بدء الشيوع مما سيؤدي الى انتقال كافة التصرفات والاوضاع القانونية التي يكون قدر رتبها غيره من الشركاء اثناء فترة الشيوع على نصيبه بعد القسمة (8) .
نظرا لما شهده بداية القرن الخامس عشر وتطور الحياة بدأ الافراد بالالتجاء الى الرهن العقاري (الرهن التاميني) الذي انتشر في فرنسا باعتباره اهم ضمانة للوفاء بديون الشركاء(9) فكان الرهن ينتقل حتى بعد القسمة لنصيب المتقاسم لذا فانهم وجدوا ان الاثر الناقل لا يوفر الحماية القانونية لنصيب المتقاسم بعد القسمة فضلا عن انتقال النصيب الى المتقاسم وهو مثقل بما يكون غيره من الشركاء قد رتبوه على حصته من رهون مما يضطر معه المتقاسم ولكي يتخلص من عبء تلك الرهون في ان يرجع على غيره ممن قرر اجراءها وحسب احكام الضمان لكي يبرئ ذمته منها ولا يخفى ما في ذلك من صعوبات عديدة. ومما يزيد في صعوبة الامر كون الرهن خفيا لعدم اجراء عملية الشهر عليه(10) .
كما ان في اعتبار القسمة ناقلة ما يؤدي الى تعدد سندات الملكية وما ينجم عن ذلك من صعوبات كثيرة حيث يكون لكل متقاسم سندان فاضافة الى سند القسمة هناك سند الوصية او الارث في حين لو لم تكن القسمة ناقلة لكان سند ملكية كل متقاسم هو سند الملكية الاصلي في حالة الشيوع كالوصية او الهبة او الارث(11) ذلك ان تعدد تلك السندات يؤدي الى العديد من الاشكالات القانونية وبحسب نظام الاقطاع الذي كان موجودا في فرنسا حيث كان يفرض ضريبة على كل من انتقلت اليه حيازة الارض الزراعية فكان ورثة مالك الارض يدفعون ضريبة وحسب مفهوم الطبيعة الناقلة على اساس ان حقا جديدا قد انتقل اليهم وذلك بوفاة صاحب الارض السابق وانتقال حيازة الارض منه اليهم (12).
كذلك نجد ان الطبيعة الناقلة للقسمة ستؤدي الى ان القسمة لا يمكن ان ترتب اثارها او الاحتجاج بها الا بعد تسجيلها سواء ارادوا الاحتجاج بها فيما بين المتقاسمين او اتجاه الغير والسبب في ذلك ان القسمة قد اضافت الى المتقاسم حقا جديدا لم يكن له من قبل (13).
الاتجاه الثاني:
على الرغم من العديد من المساوئ التي تترتب على الاخذ بالطبيعة الناقلة للقسمة، الا ان بعض الفقهاء ما زالوا يقولون بطبيعتها الناقلة لاسيما من الفقهاء التقليديين وفسروا ذلك بأنَّ القسمة لديهم انما هي تقتصر على تحديد محل حق الشريك وهي الثابتة اصلا في سند ملكية الشيوع فما يؤول الى هذا الشريك بالقسمة هو ثابت اصلا منذ بدء الشيوع والمشرع انما استخدم حيله قانونية ومجازا بقوله ان القسمة ذات اثر رجعي وذلك لحماية الشركاء من تصرفات غيرهم قبل القسمة واثناء فترة الشيوع وايلولة حصة كل شريك خالية من تصرفات غيره من الشركاء لذا فقد قُرِر للقسمة اثر كاشف .
الفرع الثالث : الصفة الناقلة للقسمة في الفقه الاسلامي :
واما عند الفقهاء المسلمين فقد تعددت اراؤهم في تحديد وصف القسمة، فمنهم من اعتبرها ذات صفة ناقلة (كالبيع) ومنهم من لم يعتبرها كذلك فالذين اعتبروها ناقلة كفقهاء المسلمين من الشافعية ولكن بشروط ومنها ان يكون فيها رد وقد استندوا في ذلك ان صاحب الرد حينما يبذل المال انما يقوم بمبادلة مع شريكه الاخر لما حصل للباذل من حق شريكه عوضا، اما اذا انتفى شرط الرد ولم يتحقق فيها فذهب جانب من فقهاء الشافعية الى القول بانها بيع ايضا وذلك لان كل جزء من اجزاء المال الشائع مشترك بين الشركاء وعليه اذا اخذ نصف الجميع فهو قد باع حقه مقابلا لما حصل عليه من حق صاحبه(14) واما الجانب الاخر من فقهاء الشافعية فقالوا لو لم يتحقق شرط الرد فلا تعتبر بيعا وانما هي افراز وتمييز الحقين وذلك لانها لو كانت بيعا لم يجز تعليقها على ما تخرجه القرعة وكذلك لافتقدت الى لفظ التمليك ولثبتت فيها الشفعة كذلك قالوا انها لو كانت بيعا لم يجر فيما لا يجوز بيع بعضه ببعض كالرطب والعسل المنعقد الاجزاء بالنار في حين انها جازت في حال كونها ليست بيعا وانما افرازٌ كما انهم رتبوا على ذلك من نتائج انه لو اراد اهل الوقف في نصف الارض ان يتقاسموا مع اهل النصف الاخر من الارض وهو الطلق فاذا كانت بيعا لم يجز لهم ذلك في حين لو انها كانت تمييزاً فانها تصح(15) ولم يكن فيها رد واما اذا كان فيها رد فاذا كان المتقاسم من اهل الوقف جاز وان كان من اصحاب الطلق لم يجز له ذلك لانهم يتنازعون الوقف ولقد رتبوا على ذلك ايضاً انها لو كانت بيعاً لم تجز قسمه الحبوب والادهان اذا لم يتفرقا من غير قبض ولم تجز قسمتها الا بالكيل واذا كان المقسوم ثمرة على شجرة فان قلنا ان القسمة بيعٌ لم تجز قسمة الشجرة خرصاً ولا بيعاً بعضها ببعض خرصاً (16) . واما عند فقهاء المسلمين من الحنابلة فقد قال فقهاؤهم إن طبيعة القسمة لا تكون بيعاً الا اذا كان فيها رد وذلك لان صاحب الرد عندهم يبذل المال عوضاً عما يحصل عليه من مال شريكه وهنا يتحقق البيع ، كما رتبوا على ذلك انها لو كانت بيعاً لم تجز فيها التفرق قبل قبض المقسوم فيما يعتد فيه بالقبض عند البيع واذا كان العقار او نصفه وقفاً لم تجز القسمة (17) وعليه نجد ان فقهاء المسلمين من الحنابلة قد وافقوا اتجاه فقهاء الشافعية فيما يتعلق بالصفة الناقلة للقسمة . الا إننا نجد ان قسماً اخر من الفقهاء المسلمين قد رفضوا الطبيعة الناقلة (كالبيع ) للقسمة ومنهم فقهاء الجعفرية حيث اعتبروا ان القسمة لا تتضمن البيع والسبب في ذلك وكما يورده بعض فقهائهم بما يوافق ما اختاره المحقق الحلي ، وهو ان النسبه المشتركة بين الشركاء في المال المشاع يكون لها شكلان من الوجود فهي اما ان تكون موجوده بشكل مشاع او بشكل الكسر العشري او الكلي وغيره واما الشكل الاخر لتلك النسبه فهو ان تظهر بشكل مقسم مفروز حتى يمكن معه القول إنَّ هذا الجزء لهذا وان الجزء الاخر لذاك فاذا ما حدثت القسمةُّ فيمكن حينها ان يحصل الشكل الثاني للوجود وعندها تطبق هذا الشكل على الشكل الاول حيث يمكن عندها لكل شريك ان يستأثر بالنصف الموجود لديه وبذا نكون قد طبقنا المصداق على المفهوم دون حاجة للقول إنَّ القسمة بيعاً (18)
____________________
1- د. احمد عبد العال ابو قرين ، حق الملكية في الفقه والقضاء والتشريع مع دراسة تطبيقية لملكية الشقق والطبقات في المملكة العربيةالسعودية والقانون المقارن ، القاهرة ، دار الثقافة الجامعية ، 1999 ، ص234.
2- د. منصور مصطفى منصور، تحليل اثر قسمة الاموال الشائعة وحماية كل شريك من تصرفات غيره من الشركاء، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، مطبعة الجامعة اصدار جامعة عين شمس، العدد 1 ، السنة 6، 1964 ص190.
3- د. محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني الاردني الحقوق العينية الاصلية اسباب كسب الملكية ،ج2، ط1، عمان، مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع ، 1995ص157.
4- د. حسن كيرة، اصول القانون المدني الحقوق العينية الاصلية احكام حق الملكية، ج1، الاسكندرية، منشأة المعارف، 1963، ص500: ومن التشريعات التي اخذت بالطبيعة الناقلة للقسمة نجد المادة 555 من المجموعة المدنية المختلطة المصرية (الملغاة) التي نصت: (قسمة المال عينا تعتبر بمنزلة بيع كل من الشركاء حصته الشائعة قبل القسمة لمن وقعت في نصيبه ويترتب عليها ما يترتب على البيع). ونستنتج من هذا النص ان المشرع المصري (في هذا القانون) قد اعتبر القسمة ذات طبيعة منشئة (ناقلة) الا اننا نجد ان القضاء في مصر لم يأخذ بذلك حيث فسر النص على انه كان زلة قلم من المشرع المصري ولم يقصد بها مخالفة التشريع الفرنسي في ذلك: انظر في ذلك د. محمد كامل مرسي، المصدر السابق ص236.
5- د. علي هادي العبيدي ، الوجيز في شرح القانون المدني الاردني الحقوق العينية دراسة مقارنة ، ط1 ، عمان ، مطبعة الارز ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 2000 ، ص81.
6- د. عبد المنعم فرج الصده ، محاضرات في القانون المدني الملكية الشائعة في البلاد العربية ، القاهرة ، معهد الدراسات العربية العالية جامعة الدول العربية ،1962 ، ص67.
7-انظر بهذا المعنى د. محمود جمال الدين زكي ، الوجيز في الحقوق العينية الاصلية ، مطبعة جامعة القاهرة ، 1978ص184.
8- د. محي الدين اسماعيل علم الدين، اصول القانون المدني الحقوق العينية الاصلية والتبعية، القاهرة، مطبعة دار الجيل، 1998 ص127.
9- د. حسن كيره، المصدر السابق، ص501.
10- د. عبد المنعم البدراوي ، الحقوق العينية الاصلية ، ط2 ،القاهرة ، مطابع دار الكتاب العربي ، 1956 ، ص191.
11- د. علي هادي العبيدي، المصدر السابق، ص81.
12- د. محمد وحيد الدين سوار، المصدر السابق، ص157.
13- د. مصطفى محمد الجمال، نظام الملكية، الاسكندرية، منشاة المعارف، د.ت ، ص187.
14- انظر في ذلك فقهاء الشافعية النووي ، التكملة الثانية المجموع شرح المهذب ، ج20 ، المدينة المنورة ،
المكتبة السلفية ، د. ت ، ص172.
15- الشيخ سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي الشافعي ، حاشية البجيرمي على المنهج المسماة التجريد لنفع العبيد، ج4، ط اخيرة، القاهرة، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1950 ص370.
16- الامام النووي ، المصدر السابق ، ص173 .
17- الامام ابو محمد عبد الله بن قدامة ، المغني ، وج10 ، القاهرة ، مكتبة القاهرة لعلي يوسف سليمان ، د. ت ، ، ص101.
18- السيد محمد الصدر ، ما وراء الفقه ، ج5 ، النجف الاشرف ، مطبعة الاداب ، 1994ص97 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً