العنف ضد المرأة
هناء الفواز
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بالرغم من الانفتاح الحقوقي، ومن مرحلة القوة التي تعيشها النساء اليوم، إلا أن التجاوزات ضدها ما زالت مستمرة بشكل شنيع مؤذ لكل ذي قلب حي رحيم. ما زال الرأي العام يتداول عديدا من قصص التعنيف الذكوري على المرأة، وآخرها قصة معنفة حرك صوت استغاثتها غيرة الرحماء عليها وعلى أمثالها ممن يتعرضن بصمت للظلم والتعدي بشكل شبه يومي، كأسلوب حياة يعتقدون أنه لا مفر منه. الأطراف الملامة في مثل تلك القضايا متعددة، فالقانون ملام على قصوره في حفظ حق الضعفاء ممن لا يملكون حيلة في دفع الضر عن أنفسهم، والمجتمع ملام في لوم كل من ــ تتمرد بزعمهم ــ على الأعراف والتقاليد وتتقدم بشكوى ضد معنفها، الذي غالبا ما يكون من أقرب أقربائها، والمعنفة ملامة على سكوتها واستجابتها لصوت المجتمع بالامتناع عن اتباع الطرق النظامية في حفظ نفسها، والشاهد على التعنيف ملام على سكوته عما رأى وسمع بدعوى احترام خصوصية الغير والبعد عن المشكلات مع الأقرباء والجيران.
التعنيف في مثل مجتمعاتنا القبلية مسألة شائكة لا بد أن تحل بقوة النظام وسلطة القانون أولا، ثم بالتوعية بالحقوق والدعم المعنوي والنفسي للضحايا ودفعهم خطوات للأمام، أولها الإيمان بحقها في حياة كريمة لا سلطة مطلقة للتأديب فيها لأحد عليها، وآخرها حمايتها من المعنف، وهنا مربط الفرس! فكثير من المعنفات يمنعهن من الإبلاغ عن التعنيف والاعتراف به كون معنفها هو وليها، وهذا للأسف أعتبره وقوفا في صف المعنف وتواطؤا على المعنفة .
يجب أن تؤمن المرأة بأنه مهما كانت عليه، ومهما اقترفت من أخطاء فهذا لا يعد ــ لا شرعا ولا قانونا ــ مسوغا لأحد بالتمادي في تعنيفها ولا الاعتداء عليها بأي شكل من أشكال التعنيف والاعتداء، وأن تستحضر دائما أن: “المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”.
ما زال بعض المعنفات يضطررن إلى الخروج على وسائل التواصل الاجتماعي بهويتها وبهوية معنفها، وتفُصل فيما يحدث لها وما تلاقي وتتحول إلى قضية رأي عام حتى يصل صوتها وتلتفت لها الجهات المختصة للحصول على الحماية، وهذا بلا شك يحمل في طياته كثيرا من الأذية لها واللوم والتقريع من محيطها.
وعندما أقول معنفة، فأنا أتحدث عن كل أنواع التعنيف التي تنال من كرامة المرأة ومن حقوقها وحياتها السوية وعلى رأسها التعنيف الجسدي.
التقارير تقول إن أكثر من 14 ألف بلاغ عن تعنيف في العام الماضي، فهل الخط المخصص لاستقبال بلاغات الإيذاء يقوم بدوره المنشود ويحقق الهدف من إنشائه؟! وما الآلية التي تحفظ بها الجهات المعنية حياة المعنفة حين تلقي البلاغ وحتى بعد إغلاق ملف القضية؟!
القضية متشعبة، وتحتاج إلى تكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية حتى نصل إلى السلام التام للمرأة. فمهما كان من قصور في الأنظمة المخولة بذلك وفي تطبيقها، يظل دور كبير للقائمين على مثل تلك التجاوزات، فالمعلمة والممارس الصحي والجارة والصديقة وكل من يكتشف أو يشك في حالة عنف، عليهم المسارعة بالإبلاغ عنها بالطرق النظامية، حتى لو أنكرت الضحية لأي دافع كان تعرضها للعنف.
هذا البلاغ هو من صميم العمل والإنسانية وحفظ الأنفس وليس تطفلا على حياة الغير أو تجاوزا للحدود معهم، مع مراعاة عدم التحدث بأي تفاصيل لغير الجهات الرسمية، وبالتالي من حقهم الحماية بعدم الكشف عن هويتهم.
لا بد أن نجتث من المجتمع فكرة التنزيه المطلق للرجل من الخطأ، وفكرة أحقيته بولاية أمرها حتى لو كان غير مؤهل لذلك لمجرد أنه ذكر، وإعطائه الحق المطلق في معاملة النساء تحت ولايته بأي طريقة شاء والتستر عليه إن تجاوز في ذلك، وأن يصل النظام إلى نقطة تحريم وتجريم الاقتراب من كرامة المرأة ومن مصالحها.
اترك تعليقاً