العوامل المؤثرة على التحقيق في الجرائم وتحقيق العدالة وضرورة الحماية القانونية لرجال الشرطة .
وليد خليفة هداوي الخولاني
الحوار المتمدن-العدد: 5847 – 2018 / 4 / 16 – 23:00
المحور: دراسات وابحاث قانونية
ان من مقومات نمو وتطور المجتمعات البشرية تحقق العدالة فيها ،فتحت مظلة العدالة يتحقق الامان والاطمئنان ،ويترك الناس الثأر والانتقام ، الذي يطلبونه عند شعورهم بضياع حقوقهم ..
وقد قال الله تعالى في محكم كتابه المبين في سورة النساء الآية (58)”…. وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)، وعن رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : القُضاة ثَلاثة : قَاضِيان في النار ، وقاضٍ في الجَنَّة ، قَاضٍ عَرَف الحقَّ فَقَضَى به فهُو في الجَنَّة ، وقاضٍ عَلِم الحَقَّ فجَارَ مُتعمِّدًا فذَلِك في النار ، وقَاضٍ قَضَى بغَيْر عِلْم واسْتَحْيا أن يَقول : إنِّي لا أَعلَم فهُو في النَّار ، لذلك لا بد وان يكون القاضي عادلا منصفا تقيا ورعا يخاف الله ، ولا يخشى في الحق لومة لائم .ومن اجل ذلك لابد وان تكون حلقة التحقيق المكونة من القاضي والادعاء العام والمحقق (العدلي او ضباط ومفوضي الشرطة )واعضاء الضبط القضائي ، على درجة عالية من الدراية والخبرة والنزاهة وجمع الادلة المادية والمعنوية في سبيل كشف الجريمة والوصول لهوية الفاعل لينال جزاءه العادل وارجاع الحق لأهله. ويشتهر بعض القضاة بدرجة عالية من الذكاء وفطنة تمكنه من التوصل للحقائق من خلال الادلة البسيطة والاساليب التقليدية ، رغم ان التكنولوجيا المتطورة قد جلبت معها حقائق علمية لا تقبل الخطأ في الوصول للحقائق كبصمات الاصابع او بصمات الدم (DNA) وغيرها. وهنالك بعض العوامل التي تؤثر على التحقيق وتؤدي الى تعثر التحقيق وضياع الحقيقة وبالتالي افلات المجرم بجريمته
وكالاتي :-
1- ضعف الحماية القانونية للقائمين بالتحقيق من رجال الشرطة :يشكو البعض من ضباط الشرطة وهم الذراع المنفذ لقرارات القضاء ، بان البعض من زملائهم من قاموا بتنفيذ القانون في القبض على المطلوبين للعدالة ممن صادر بحقهم امرا بالقبض ، وان المتهم المسلح اطلق النار عليهم عند محاولة القبض عليه، ونتيجة لتبادل اطلاق النار قتل المتهم ، وهم يشعرون انهم متمتعون بحق الدفاع الشرعي واداء الواجب والمادة ثالثا من قانون واجبات رجل الشرطة رقم 176 لسنة 1980، الا انه جرى توقيف بعض زملائهم وحكم عليهم بالحبس عدة سنوات دون تقدير الواجب الذي كلفوا بتنفيذه والخطر الذي عرضوا انفسهم له ، وهم اصحاب عوائل مما ترك عوائلهم لمستقبل مجهول اضافة لفقدان مستقبل زملائهم الضباط المذكورين . وكان املهم بأن القانون الذي سعوا بتنفيذه تحقيقا للعدالة سيحميهم لكنهم اصيبوا بخيبة امل وتمت معاملتهم كما يعامل المجرمون وذلك ما خلق احجاما لدي الكثير من زملائهم في تنفيذ اوامر القبض خشية من التعرض لنفس المصير .لذلك لا بد من دعم رجال القانون وتأمين الحماية القانونية لهم للقبض على المتهمين مرتكبي الجرائم من الصادر بحقهم اوامر بالقبض او التدخل في القضايا المشهودة ، ان نسبة تقترب من 98% من ضباط الشرطة لا يرغبوا في التدخل واستخدام صلاحيته في القتل لمنع حادث خطف او حريق او تخريب …الخ خشية من مطالبتهم عشائريا والحكم عليهم قضائيا ، وهذه ظاهرة سلبية تقودنا اليها الفصول العشائرية وضعف الحماية القانونية لرجال تنفيذ القانون وتلحق خسائر كبيرة في مسيرة العدالة في البلاد .
2- الفساد الاداري : ان الرشا تعتبر من الاساليب التي تؤدي الى انحراف التحقيق لدى البعض من ضعاف النفوس من العاملين في مجال التحقيق باتجاه غلق الجرائم او اطلاق سراح المجرمين فيها او التلاعب بالأدلة وفي اي من حلقات التحقيق ، خاصة وان هنالك جرائم مثل الارهاب والمخدرات المدعومة بأموال طائلة لذلك يتوجب دعم العاملين في مجال التحقيق ماديا بما يحقق لهم الاكتفاء الذاتي وعدم البحث عن اشباع الحاجة عن طريق الاساليب غير المشروعة وكذلك التحقق من نزاهة العناصر العاملة في مجال التحقيق وابعاد العناصر التي عليها شبهات فساد او سوابق من العمل في اي مفصل من مفاصل التحقيق .
3- التباطؤ في جمع الادلة : هنالك مقولة للعالم الفرنسي الدكتور(ادمون لوكار) مفادها “ان الوقت الذي يمر هو الحقيقة التي تفر ” وبالتالي فان التلكؤ في جمع الادلة نتيجته ضياع الاثار والحقائق التي تقود المحقق لكشف هوية الفاعل .ان الادلة لا تنتظر المحقق اكثر مما تسمح به الظروف سواء الجوية او العبث في مسرح الجريمة والذي يتطلب ان يكون المحقق اول الواصلين اليه ، بعد وقوع الجريمة
4- الراي العام والعاطفة : ان تأثر المحقق بالراي العام وما تنشره وسائل الاعلام والصحافة والكلام الذي يدور على السن الناس ،قد يدفع المحقق للتأثر به وبالتالي الانحراف عن الحقيقة في التحقيق ، والسير بإجراءات التحقيق باتجاه العاطفة ، وفي ذلك خطا كبير يؤدي الى ضياع الحقيقة وافلات الجاني الحقيقة .
5- الانتماءات العشائرية والحزبية والطائفية : لا بد وان يكون المحقق بعيدا عن التأثر بالانتماء العشائري او الطائفي او الحزبي، ان صفة الحياد ونكران الذات من اهم الصفات التي لا بد وان يتصف بهما المحقق. فالانحياز للعشيرة او للطائفة او الحزب امر غير مسموح به كذلك لا بد من عدم انتماء العاملين في مجال التحقيق للتنظيمات الحزبية (وهذا الامر تنص عليه لائحة السلوك المهني لرجال الشرطة صراحة بعدم الانتماء للتنظيمات الحزبية اثناء الخدمة ).
6- الصفات التي يجب ان يتصف بها المحقق :ان قدوتنا رسول الله (ص) يقول لأسامة بن زيد عندما كلّمه في التشفع لامرأة مخزومية سرقت “أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فخْطَبَ ثُمَّ قَالَ” إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”. ان الصفات الواجب توفرها في المحقق هي :
أ- قوة الملاحظة .
ب- قوة الذاكرة .
ت- سرعة الخاطر.
ث- العدالة واحترام حرية الدفاع.
ج- الشجاعة والاعتماد على النفس.
ح- الهدوء ورباطة الجأش.
خ- الصبر والمثابرة على العمل .
د- الدقة والاتقان في العمل .
ذ- النشاط والجد في العمل.
ر- كتمان السر.
ز- الحياد
7- ضعف الحماية الامنية والخوف من انتقام الجاني : ان المحقق او القاضي ما هو الا بشر ، يتأثر بالبيئة التي حوله ،فضعف الحماية الامنية للقضاء ، يضيع هيبة القضاء ويطيح بحياديته ، فكيف يستطيع القاضي ان يوقف مجرما يهدده بالقتل او بخطف افراد عائلته وقتلهم ، وكيف لمحقق ان يطلب توقيف شخص ما وهو يتلقى التهديد والوعيد ، دون ان يجدا ما يمنع ذلك التهديد الفعلي، وذلك بالتأكيد يحصل في البيئات التي تعاني من الارهاب او الضعف الامني ، لكن ذلك في كل الاحوال لا يمنع القاضي الذي يخاف الله في المضي بالحق ولو على رقبته ، فهذا ابو جعفر المنصور يقول(2) “ما أحوجني إلى أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون على بابي أعف منهم، قيل له: ومن هم يا أمير المؤمنين؟ قال: هم أركان الملك ولا يصلح الملك إلا بهم: أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لائمة، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، والثالث صاحب خراج يستعصي ولا يظلم الرعية فإني عن ظلمها غني، والرابع صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحة”
وكان التقاة والصالحين من الناس يهربون من تولي القضاء مخافة ان يقعوا في خطا فيغضبوا الله عليهم .وذكر خلف ابن حبان المعروف بوكيع بأنه عندما مات سوار قاضي البصرة دعا أبو جعفر المنصور أبا حنيفة فقال له: إن سوارا قد مات وإنه لابد لهذا المصر من قاض فاقبل القضاء على البصرة فقال أبو حنيفة :والله الذي لا إله إلا هو إني لا أصلح للقضاء، والله يا أمير المؤمنين لئن كنت صادقا فما يسعك أن تستقضي رجلا لا يصلح للقضاء وإن كنت كاذبا فما يسعك أن تستقضي رجلا كاذبا، وإنه لا يصلح لهذا الأمر إلا رجل من العرب، وقد أصبحت مخالفا لك، فقال أبو جعفر أما قولك بأنه لا يصلح لهذا الأمر إلا رجل من العرب فإنا نأخذ بما في كتاب الله إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وأما قولك بأني قد أصبحت مخالفا لك في الرأي فإن الرأي يخالف الرأي فاقبل هذا الأمر، وعند رفضه أمر واليه على العراق أبا هبيرة بضربه نحوا من مائة سوط مفرقة،…….، ولما طلب أبو قلابة للقضاء اضطر إلى الالتحاق بالشام فأقام زمانا ثم قدم فقيل له: لو وليت قضاء المسلمين فعدلت بينهم كان لك بذلك أجر قال أبو قلابة: السابح في البحر كم عساه أن يسبح حتى يغرق، وعندما جيء بخالد بن أبي عمران إلى جعفر المنصور ليوليه القضاء فامتنع عن ذلك فتهدده وقال له أنت عاص فقال له خالد: إن الله يقول: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها﴾ (الأحزاب: 72)، فلم يسمهن عصاة حيث أبَيّن حمل الأمانة وقال سبحانه: ﴿وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا﴾ فقال: أخرج لا ترى مني خيرا” لذلك يخطا من يتولى القضاء او يتمسك به وهو يعلم ان الله خصمه يوم القيامة .والا فعليه ان لا يجامل احد من خلق الله في امور خلق الله .
8- الميل الى الترجيح :ان تسرع المحقق وترجيح فكرة يؤمن بها المحقق على باقي الاحتمالات وجمع الأدلة التي تؤيدها واهمال ما يخالفها احد العوامل المهمة في انحراف التحقيق.
9- تأثير الوحدة اللاشعورية بين التحقيق والاتهام : بان تسيطر على المحقق فكرة بين تمثيل الاتهام وواجب المحقق فتطغي صفة الاتهام على صفة التحقيق. اللهم الا في الجرائم المشهودة وحتى هذا النوع من الجرائم قد يكون المتهم مجنى عليه لآخر لحظة ثم يتحول الى متهم في اللحظات الاخيرة . تأثير غريزة الاعتداء والنزعة السادية : المحققون يختلفون في مقدار درجة ميلهم لاستخدام القسوة او الرأفة مع المتهم ويرى بعض العلماء ان مهنة التحقيق قد تكون منفذا مشروعا لتصاعد غريزة الاعتداء فيجد بعض المحققين نزعة شديدة الالحاح للاعتداء متغلغلة في اعماق اللاشعور يتعذر كشفها عن طريق التأمل الذاتي ،وقد تكون هذه النزعة المكبوتة موروثة وترجع لتسلط نزعة جنسية شاذة مكبوتة في قرار اللاشعور تسمى (النزعة السادية )تكون دافعا للقسوة مع المجرمين .
10- عملية الانعكاس: يكبت المحقق في نفسه نزعة لا يستطيع تحقيقها وتمتلي الانا العليا بالسخط على هذه النزعة .فاذا جاء امام المحقق متهم بارتكاب فعل له علاقة بتلك النزعة المكبوتة فان المحقق يسرف في عقابه .وصادف ان محققا كان يلجا الى العنف والقسوة في قضايا الاعتداء على شرف الفتيات واكراه المتهمين على الاعتراف وقد تبين ان المحقق المذكور كان قد خطب فتاة وقع في حبها وعقد النكاح عليها ، الا انه فسخ العقد بعد ان اتضح له ان الفتاة وقع عليها اعتداء جنسي قبل الخطبة . مما تركت في نفسه صدمة شديدة .
11- الايحاء الجمعي: وهو ايحاء يتولد في اذهان المحققين المهملين الذين لا يهتموا بالتحقيق ويتركوا الامر بيد مساعديهم ثم يتظاهروا بإلمامهم بمواضيع القضية التحقيقية التي لم يدرسوها ويحققوا فيها من خلال جزئيات عنها تبعدهم عن حقيقة القضية مما يربك الاجراءات التحقيقية ويبعدها عن موضوع اكتشاف الجريمة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً