مخالفة عدم احترام ممر الراجلين بين القانون والواقـــــــع
بقلم : عزيز لعويسي
شرعت شرطة المرور المكلفة بمراقبة السير والجولان في تنفيذ وتفعيل مقتضيات المادة 94 من القانون 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطــرق ، وذلك بالشروع في استخلاص غرامات في حق الراجلين الذين لم يلتزموا باحترام ممرات الراجلين، وباستقراء مقتضيات هذه المادة يلاحظ أنها تخص فئات الراجلين المستعملين للطرق ، حيث فرضت عليهم اتخاد الاحتياطات اللازمة لتجنب كل خطر سواء على نفسهم أو على الغيــر ، والتقيد بقواعد السير الخاصة المتعلقة بــهم وكذا الامتناع عن كل عمل يمكن أن يلحــق ضررا ببيئة الطريق (المادة 94) ، وبخصوص الجزاءات المترتبة عن مخالفة المقتضيات المقررة لهذه المادة ، فقد حددت في غرامة تتراوح ما بـيــن عشرين(20) إلى خمسين(50) درهما (المادة 187) ، وبالقدر ما نثمن تطبيق هذه المقتضيات من منطلق احترام القواعد القانونية والحرص على تنفيذها تحت طائلة التعرض للجزاءات ،وكذا بالنظر إلى إمكانية مساهمتها في تعزيز التربية الطرقية وصون سلامة الراجلين الذين يعدون شركاء في الطريق إلى جانب السائقين ، بالقــدر ما يلاحظ أن هذه المقتضيات الجديدة من الناحية الميدانيـــة، من شأنها أن تواجه الكثير من الصعوبات على مستوى التطبيق مما قد يجعلها حبيسة النص القانوني ، ذلك أن التنفيذ والتفعيل على أرض الواقع ،
غلب عليه الطابع الفجائي ، وكان من المفروض أن تسبقه وتواكبه حملات توعوية وتحسيسية للمواطنين في مختلف وسائل الإعلام والمواقع التواصلية ، لتقريب مستعملي الطريق (راجلون،سائقون) بأهمية استعمال ممرات الراجلين أولا ، ثم إحاطتهم علما بالجزاءات التي يمكن أن تطالهم في حالة عدم الإلتزام بالممرات المخصصة للراجلين ثانيا، حتى يتخدوا الاحتياطات اللازمة لحظة استعمالهم للطريق ، وهذا الخلل التواصلي تتحمل مسؤوليته الوزارة الوصية على قطاع التجهيز والنقل ، خصوصا وأن الراجلين يختلفون حسب البنيات العمرية (أطفال،شباب،شيوخ،كهول) والجنسية (نساء،رجال) والانتماء المهني الاجتماعي وكذا المستوى الثقافي ، وبالتالي ، فإن إمكانية الولوج إلى المعلومة ذات الصلة بقانون السير والجولان ،ليست متاحة للجميع بنفس الدرجة ، لذلك فمن غير المقبول أن نفرض على مواطن/ راجل أداء غرامة عدم احترام ممر الراجلين وهو يجهل هذا القانون نهائيا أو لم يتم تحسيسه بدخوله مرحلة التفعيل والتنفيذ ، وقد كان من اللازم تخصيص مرحلة تحسيسية قبلية وبعدها الشروع في التفعيل والتزيــل ، وبغض النظر عن غياب البعد التواصلي والتحسيسي ، لا بد من تسجيل أن معظم الطرق المغربية تغيب فيها شروط السلامة وبعضها لا يحمل من الطريق سوى الإسم ،
وهنا لا بد من التساؤل ، كيف نفرض على مواطن /راجل بسيط قد يكون تلميذ أو طالب أو مياوم أو عاطل، غرامة مالية في طريق رديئة تفتقد إلى التشوير العمودي والأفقي والأرصفة والإنــارة بما في ذلك غياب ممرات الراجلين ، وفي ظل هذه الوضعية المتضاربة ، وبدل تحميل المسؤولية للراجل ، يجدر تحميلها للمصالح البلدية المعنية بالسير والجولان ، التي يفترض أن تنتبه إلى الطرقات وأن تعمل على تأهيلها حتى تستجيب لشروط السلامة ، بمعنى أن هناك مسافة بين النص القانوني والواقع ، ولا يمكن الحديث عن احترام أو التزام بالقانون في ظل واقع طرقي هـــــش ، صعوبات أخرى قد تعترض عناصر شرطة المرور ،فيما يتعلق باستخلاص الغرامات ، فكيف يفعل عون المرور المتواجد بمفرده في مدارة طرقية تغيب فيها الممرات ، وهو يعاين جملة من الراجلين يقطعون الطريق كل حسب هـــواه ، فمن الناحية الواقعية والعملية لايمكنه أن يتعقب جميع المخالفين ، وحتى لو أوقف أحدهم وحرر محضر مخالفة في حقــه ، سيكون في هذه الحالة غير عادل لأنه طبق القانون على حالة وترك حالات أخرى مماثلة ، ثم ماذا لو عاين العون حالات عدم احترام تلاميذ أو طلبة لممرات الراجلين ،
فهل يعمل على إيقافهم وتحرير محاضر في حقهم جميعا ، ثــــم ماذا لو عاين مخالفا إما رجل كهل أو شاب عاطل أو امرأة مسنة ، وهم لا يتحوزون ببطاقة التعريف الوطنية من أجل تحرير المخالفة ، أو أنهم لا يتحوزن بمبلغ المخالفة ، فهل ينادي على سيارة النجدة من أجل نقلهم إلى مقر الأمن ، يضاف إلى ذلك أن المادة 187 حددت الغرامات ما بين عشرين (20) وخمسين (50) درهما ، فكيـــف يمكن لشخص عاطل أن يؤدي هذا المبلغ ، أو كيف يمكن لشاب خرج لاقتناء حليب أو خبز ولم يلتزم بممر الراجلين غير المتواجد أصلا أو يبعد عن مقر سكنى أسرته بما يزيد عن الخمسمائة مثر ، كيف له أن يسدد غرامة بقيمة خمسة وعشرين (25) درهما ، بل أكثر من ذلك ، قد لا يبالي الأشخاص الراجلين المخالفين بنداءات أعوان المــرور ويتهربون بدل الوقوف والامتثــال والرضوخ لأداء الغرامة ، شأنهم في ذلك شأن سائقي الدراجات النارية الذين لا يمتثلون بالوقوف ويليدون بالفرار تهربا من أداء غرامة عدم استعمال الخــودة ، كما أن “عون المرور” في جميع الحالات لا يمكنه أن يركز على تصرفات الراجلين وأغلبهم أناس بسطاء وتلاميذ وعاطلين ومسنين ، ويترك أو يغفل المخالفات التي يتركبها السائقون وهي أشد مقارنة مع مخالفة عدم الالتزام بممر الراجلين ، مع الإشــارة إلى أن بعض الرؤساء قد يفرضون على أعوان المرور تنويع المخالفات واستهداف تلك المتعلقة بالراجلين ، وفي هــذه الحالة سيكون هؤلاء الأعوان في وضعية الضغط لأنهم ملزمين بتقديم حصيلة عملهم اليومي التي يراعى فيها دائما البعد الكمي ، عموما وبناء على ما سبق ،
وبما أن هذه المقتضيات قد دخلت إلى حيز التنفيذ ، فلابد من الجهات المعنية أن تواكب ذلك بما يلزم من توعية وتحسيس ، ثم تتحمل مسؤولية تأهيل الطرقات وتجويدها ، أما المواطن /الراجل ، فما عليه إلا توخي الحيطة والحذر أثناء استعمال الطريق خصوصا في ظل رداءة الطرق وانعدام الممرات ، حتى لا يقـــع ضحية مقتضيات قانونية لم تراع لا الطرقات ولا العقليات ولا المستويات ، مما يؤشر على أنهــا لــن تحقق الأهداف والمقاصد المتوخاة منها ، علمــــــا أن الجانب الزجري وحـــده ، لن يقــو على تغييــر العقليــات والسلوكات ، لذلك لا بــــــد من الاشتغال على الجانب التواصلي والتحسيسي والتربـــــــــــــــــوي ، لأن التربية والوعي همــــا الضمانــــة الأساسيــــة القادرة على جعل المواطن / الراجل يحترم الطريـــق ليس خوفـــا من “الزجـــر” ، ولكن احتراما لروح القانـــون واقتناعــــــــــا منه أن قانون الســير لم يشـــــرع إلا لحمايته من مخاطر الطـــريق والارتقـــــــــــــــاء بسلوكه الإنســــــاني .
– ضابط شرطة قضائية سابقا ، أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً