مما لاشك فيه أن الأصل الموظف العام يعمل لحساب الدولة أو الجهة العامة التي تنتمي وظيفته إليها ، ومن ثم فهو واجهة لتلك الجهة أو للدولة بصفة عامة ، لذلك ينبغي أن يكون نزيهاً عفيفاً حريصاً علي أداء واجبات وظيفته دون انتظار مكافأة من صاحب المصلحة أو المتعاملين معه من سائر الأشخاص ، ومن باب أولي عليه ألا يطلب هو من أصحاب المصالح المتعاملين مع الجهة التي ينتمي إليها بوظيفته إيه عطايا أو مقابل لما يقوم به من عمل يتقاضي عنه راتبا من جهة عمله ، فلا يجوز تبرير قبوله أو طلبه لمقابل بضعف راتبه أو عدم كفايته .
ومن الملاحظ للأسف الشديد أن جريمة الرشوة متمثله في طلب أو أخذ مقابل العمل من أصحاب المصالح ، لم يعد يقتصر علي ذوي الرواتب القليلة ، بل امتد إلي ذوي الرواتب الكبيرة العالية من ذوي الوظائف المرموقة ، والذين ينبغي عليهم أصلاً أن يكونوا قدوة حسنة يحتذي بها . لذلك قيل وبحق أن الرشوة هي اتجار من الموظف العام بأعمال وظيفته ، مما يسيء إلي نفسه و إلي الجهة التي يعمل بها ، بل و إلي النظام الوظيفي بصفة عامة ، و إلي الدولة في النهاية .فالرشوة اتفاق غير مشروع بين المرتشي والراشي .
كما يعبر عن تحول الرشوة إلي ظاهرة بعبارة الفساد الإداري وهو تعبير صادق ولاشك عن تلك الآفة الخطيرة ، والتي باتت تحتاج إلي وقفه جادة وحاسمة . ونكون بصدد جريمة الرشوة ” إذا طلب الموظف العام لنفسه أو لغيره ، أو قبل ، أو أخذ مالاً أو نقوداً أو غير ذلك من العطايا ، مقابل قيامه بالعمل الذي ينبغي عليه أصلاً أن يقوم به ، أو مقابل عدم القيام به ، أو مقابل الإخلال بواجب من واجبات وظيفته ؛ سواء بالقيام به علي نحو خاطئ أو بالقيام به علي نحو يستوجب البطلان، بحيث لا يقوم بواجبه إلا بمقابل مما ذكر” .
ويلزم لوقوع هذه الجريمة أن يكون هناك موظف عام أو من في حكمه وفقاً لنص المادة (111) من قانون العقوبات ، فصفة الموظف العام هي الصفة اللازمة في المرتشي ، فلم يورد المشرع الجنائي تعريفاً خاصاً به للموظف العام في مجال الرشوة ، لذا كان يتعين الرجوع في تحديد ذلك إلي القانون الإداري ، ومن المقرر في القانون الإداري أن الموظف العام هو من يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام ، عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق .
إلا أن المشرع الجنائي قد وسع من نطاق تطبيق أحكام جريمة رشوة لموظف العام ، واعتبر الفئات المشار إليها في نص المادة ( 111) عقوبات ، في حكم الموظفين العموميين ،بحيث يعاقبون بنفس العقوبة المقررة للموظف العام بالمعني الدقيق الوارد في القانون الإداري .
ومن المقرر انه يلزم لقيام جريمة الرشوة أن يكون العمل الذي وقعت الرشوة من اجله داخلاً في اختصاص الموظف ، وعلي ذلك فإذا لم يكن العمل المطلوب داخلاً في أعمال الوظيفة علي الإطلاق فلا تقوم جريمة الرشوة . ويكفي أن يكون الموظف مختصا بجزء فقط من العمل يسمح له بتنفيذ المطلوب منه ، ولا يشترط أن يكون هو وحده المختص بكل العمل .
كما انه لدواعي الصالح العام والاعتبارات العملية فقد ارتأى المشرع أن يساوي بين الاختصاص الحقيقي للموظف العام بالعمل وبين كل من الاختصاص المزعوم أو الاختصاص الذي قد يعتقد الموظف خطأ أنه ثابت له . ووفقاً للقواعد العامة فإنه يلزم أن يكون الاختصاص بالعمل متوافراً وقائماً بالنسبة للموظف في وقت وقوع الجريمة ، أي وقت ارتكاب السلوك الإجرامي ، وهو الطلب أو الأخذ أو القبول باعتباره عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة .
فالطلب هو مجرد تعبير الموظف العام عن أرادته في الحصول علي المنفعة أو العطية حتى لو لم يلق هذا الطلب قبولاً لدي صاحب الحاجة ، أو حتى لو تظاهر صاحب الحاجة بالقبول علي حين كان ينتوي إبلاغ السلطات ، ومن باب أولي تقع الجريمة إذا صادف هذا الطلب قبولا لدي صاحب المصلحة ( الراشي ) . أما الأخذ فيعبر عنه بأنه هو الاستلام أو التناول الفوري أو المعجل للمبلغ المالي أو العطية . ولا يشترط أن يتسلم المرتشي العطية بنفسه ، فقد يتسلمها عن طريق وسيط وهذا ما جاءت به المادة 103 عقوبات بالنص عليه صراحة .
أما صورة القبول فتعني اتجاه إرادة الموظف المرتشي إلي تلقي العطية في المستقبل نظير قيامه في الحاضر بالعمل المتفق عليه ، ولكن يجب أن يكون الموظف جاداً في قبوله حتى تقوم الجريمة ، فأن كان يتظاهر بالقبول وينتوي إبلاغ السلطات لضبط الراشي فلا تقوم الجريمة بالنسبة له وتقوم بالنسبة للراشي جريمة عرض رشوة دون قبولها . وأخيراً وليس أخراً نصت المادة 107 مكرراً عقوبات علي أن ” يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي ، ومع ذلك يعفي الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها ” .
والحقيقة أن مسألة إعفاء الراشي والوسيط في هذه الحالة قد باتت محلاً لانتقادات شديدة خاصة إذا كان الراشي هو من قام بعرض الرشوة علي الموظف العام . كما استحدث المشرع تعديلاً يقرر أن المدة المسقطة للدعوي الجنائية في الرشوة لا تبدأ إلا من تاريخ انتهاء خدمة الموظف العام أو زوال صفته الوظيفية وليس من تاريخ وقوع الجريمة كما كان في السابق وذلك بالقرار الجمهوري بالقانون 16 لسنة 2015م المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 / 3 / 2015م والذي بدأ العمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره . وصراحة قد أحسن المشرع صنيعاً بهذا التعديل .
الكاتبة في أسطر
الدكتورة / رشا فاروق أيوب
مدرس القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة بنها
دكتوراه في القانون الجنائي من جامعة بنها – جمهورية مصر العربية بالتعاون مع
Université de Paul Cézanne Aix-Marseille III – France
رسالة دكتوراة بعنوان : قواعد الاختصاص المكاني في القانون الجنائي ” في ضوء المستجدات الدولية والضرورات العملية “
والمستشارة بالنيابة الإدارية سابقاً
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً