المرأة المغربية أية مكتسبات حقوقية على ضوء بعض النصوص القانونية؟
مقدمة
إذا كانت المرأة في العالم الغربي قد تمكنت من تحقيق العديد من المكاسب بموازاة مع التقدم الذي شهدته هذه البلدان على الصعيد السياسي و الديمقراطي ، إذ تمكنت هذه المرأة من الحصول على العديد من الحقوق السياسية الاقتصادية الثقافية و الاجتماعية… التي تضمن لها كرامة العيش سواء تعلق الأمر بالحياة الاجتماعية و ما يقتضيه ذلك من الاضطلاع بالعديد من الأدوار الاجتماعية أو تعلق الأمر بولوج مناصب المسؤولية و القرار،و كذا تمكينها من كافة حقوقها داخل كل الفضاءات بما في ذلك الفضاء العمومي ، من خلال تبني قوانين تمنع كافة أشكال العنف ضدها علاوة على سن منظومة قانونية تضمن حماية حقوقها ، فإننا نجد أن وضعية حقوق المرأة المغربية ما زالت مع كامل الأسف جد متأخرة و مازالت بعيدة كل البعد عن وضعية تضمن لها الكرامة الاجتماعية ،إذ مازالت تعاني على صعيد كل المجالات ، نتيجة منظومة ثقافية تزكي عقليات ذكورية مترسخة منذ أجيال تقف ضد كل تغيير لصالح المرأة، و نتيجة غياب ترسانة قانونية تضمن حماية حقوقها .
إذ يلاحظ في هذه المرحلة الحاسمة من التغيير و الانتقال الايجابي الذي يشهده المغرب والذي ربما بدأت المرأة تستشعره أكثر من أي وقت مضى أن المشاكل و العراقيل التي تعاني منها المرآة قد أصبحت أكثر حدة ، حيث أن المرأة الموظفة الطموحة على سبيل المثال تعيش حاليا وضعية تضييق الخناق لاتضمن لها ادني مستوى من تحقيق الطموح ككيان مستقل و لا توفر لها هامشا من تحقيق الذات ، نتيجة عقليات متشبعة بثقافة ذكورية من جهة، و كذا نتيجة المنظومة الاجتماعية السائدة التي تعرف تداخل الأعراف و التقاليد التي تجعل الرجل في غالب الأحيان يحمل صورة نمطية عن المرأة التي تحصر المرأة في ادوار اجتماعية مرتبطة بالتبعية للرجل و ربط عمل المرأة بالمسؤوليات التي تهم بيت الزوجية و إن كنا هنا لانقلل من أهمية هذا الدور ،علما أن هذه النظرة الضيقة للمرأة قد يتقاسمها الرجل زميل و رئيس العمل و الرجل الزوج و حتى الرجل المواطن الراغب في الاستفادة من خدمات الإدارة ….
المحور الأول مكتسبات قانونية بحاجة إلى تنزيل فعلي و ترجمة على ارض الواقع
من المؤكد أن المسلسل النضالي الطويل للمرأة المغربية قد أفضى مؤخرا إلى تحقيق بعض المكتسبات التي على الرغم من أهميتها نجد أن بعضها ما زال في حقيقة الأمر جزئيا بعيد عن توفير حماية كاملة للمرأة ،بحاجة إلى تدابير تكميلية أخرى و البعض الآخر بحاجة إلى تطبيق و تنزيل فعلي على ارض الواقع .مكتسبات تهم بشكل أساسي تكييف و تعديل العديد من النصوص القانونية التي شكلت و ماتزال تشكل موضوع جدل واسع .تعديلات قانونية شملت على وجه الخصوص مدونة الأسرة خلال سنة 2004 و التي تضمنت في واقع الأمر العديد من النقط الايجابية لفائدة الأسرة عموما المرأة و الطفل اذ كرست مبدا المساواة بين الرجل و المراة من خلال مجموعة من المتجليات التي تتعلق باعتماد 18 سنة كحد ادني للزواج بالإضافة إلى تمكين المراة من الولاية كحق تمارسه الرشيدة حسب اختيارها.أما فيما يتعلق بالطلاق فقد تم جعله تحت مراقبة القضاء مع إقرار مبدأ الطلاق ألاتفاقي بين الزوج و الزوجة لاسيما فيما يتعلق بالفصل 12 الذي يؤكد على ضرورة ربط مسالة التعدد بشروط ،إلى جانب مضامين مدونة الأسرة جاء دستور 2011بمقتضيات تتوخى تعزيز مبدأ المساواة و دسترة هذا المبدأ ،لاسيما فيما يتعلق بالفصل “19 ” الذي أكد على ضرورة تمتيع الموطنين و المواطنات على قدم المساواة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية ، بالإضافة إلى مقتضيات تهم وضع بعض الآليات لخلق هيئة المناصفة التي يعهد إليها مكافحة كل أشكال التمييز ضد المرآة ،أيضا من المكتسبات التي تحتسب لصالح المرآة و التي ينبغي التنويه بها نجد مسالة تمكينها من منح الجنسية لأبنائها،
من جهة أخرى ،وفيما يخص المكتسبات الأخرى التي يمكن أن تحصل عليها المرأة في إطار مسودة مشروع القانون الجنائي فإننا نجد انه في الوقت الذي يتم فيه تجريم بعض الأفعال المرتكبة ضد المرأة و لاسيما فيما يتعلق بتجريم بعض أشكال التمييز ضد المرأة “كتصرف يستهدف تعطيل او عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان و الحريات الأساسية او التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي او في ميدان أخر من ميادين الحياة العامة”حسب المادة -1-431 “التي تعتبر في نفس الوقت تمييزا كل تفرقة بن الأشخاص الاعتبارية بسبب أصل أعضائها او جنسهم أو لغتهم أو وضعيتهم العائلية أو حالتهم الصحية او إعاقتهم او أرائهم السياسية أو أنشطتهم النقابية او بسبب انتمائهم او عدم انتمائهم الحقيقي او المقترض بعرق او لأمة او لسلالة او لدين معين” ، فإننا نجد ان العقوبات المنصوص عليها في بعض هذه الحالات قد لاتماشى في بعض الأحيان مع خطورة بعض الأفعال التي تمس كرامة المراة . اذ يلاحظ على سبيل المثال انه يعاقب على التمييزبصفة عامة من شهر واحد الى سنتنتين و غرامة من5000 الى 50000 و ذلك في حال تمثل هذا التمييز بالامتناع عن تقديم منفعة عامة او عن أداء خدمة ،
أيضا من العقوبات التي تعد من منظورنا مخففة والمنصوص عليها في المادة 444 من مسودة مشروع هذا القانون جريمة القذف او السب العلني ضد امرأة بسبب جنسها الذي يتم المعاقبة عليه بعقوبة حبسية تصل مدتها شهرا واحدا إلى سنتين و الغرامة من 5000 إلى 50000.كما انه و فيما يخص العقوبة المخصصة لجريمة الاغتصاب الذي تعرفه مسودة القانون من خلال المادة 486 مواقعة رجل لامراة بدون رضاها فانها تحدد من خمس الى عشر سنوات و غرامة من 10.000 الى 100.000 درهم.اما بالنسبة للضحية التي يقل سنها عن ثمان عشرة سنة او كانت عاجزة او معاقة او معروفة بضعف قواها العقلية او حاملا،فان الجاني يعاقب بالسجن من عشر الى عشرين سنة و غرامة من 50.000 الى 200.000 .كلها عقوبات لاتتناسب في حقيقة الامر و حجم جريمة الاغتصاب الشنيعة
المحور الثاني بعض الاكراهات و الآليات المواكبة لتعزيز الوضع الحقوقي للمرأة
من القطاعات الحيوية التي تكرس بعض مظاهر التمييز ضد المرأة من خلال متجليات تتوخى التقليل من مكانة المرآة كفرد قادر على اتخاذ القرارات، و قادر على الأخذ بزمام الأمور مقارنة بالرجل، و التي تكرس في نفس الوقت الفوارق بين الرجل و المرأة ، نجد الإدارة العمومية التي تعد فضاء عموميا تتمظهر من خلاله السياسات العمومية المتبعة ، و التي تعرف كما لا يخفى على الجميع في ظل غياب مبادئ الحكامة داخل المؤسسات العمومية العديد من الاختلالات التدبيرية المرتبطة أساسا بسوء تدبير على صعيد الموارد البشرية… ،إذ من بين هذه الاختلالات تعد مسالة تهميش المرأة و العمل على إقصائها من أهم متجليات هذه المشاكل انطلاقا من كون مقاربة النوع تشكل مرتكزا من المرتكزات الأساسية للحكامة الجيدة
كل هذا في انتظار أن يتم تعزيزهاته المكتسبات بالمزيد من القوانين و اتخاذ تدابير فعلية تهم المنظومة التربوية،من جهة أخرى و كما لا يخفى على الجميع فانه يتم حاليا العمل على إعداد مشروع قانون يتوخى تقنين عملية الإجهاض بالمغرب و الخروج بنص قانوني يحظى بإجماع كافة الفرقاء من خلال نقاش واسع يشمل على وجه الخصوص قطاعات وزارية (الصحة الأوقاف و الشؤون الإسلامية ممثلين عن المجالس العلمية ، وزارة العدل و الحريات)، هيئات المجتمع المدني، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان…علما أن طبيعة هذه المسالة قد تثير جدلا واسعا بين مؤيد بشكل كامل للإجهاض و نخص هنا بالذكر ممثلي المجتمع المدني و على رأسهم الجمعية المغربية لحقوق الانسان التي وضحت في بيانها الصادر بخصوص هذه المسالةعن تصور ينطلق من مقاربة كونية و شمولية لحقوق الإنسان و أبانت عن موقف يدعو الى”
إقرار الحق في ألإجهاض وجعله تحت إشراف طبي، في جميع الحالات التي يشكل فيها الحمل خطرا على الصحة الجسدية أو النفسية للمرأة، وفي الحالات التي تشكل فيها الولادة تهديدا لصحة المرأة أو الرضيع، بما فيها حالات عدم الاستعداد الجسدي أو النفسي والمادي للإنجاب، وفي حالة الحمل غير المرغوب فيه “؛ و ذلك اعتبارا للعديد من المرجعيات الدولية كالاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المراة ومراعاة لتجربة بعض الدول كتونس . مقابل هذا الموقف نجد الرأي الذي يدعو الى ربط عملية الإجهاض بشروط ،
خاتمة
ختاما ،و أمام هذه الوضعية لابد من التأكيد على أن مسالة النهوض بحقوق المرأة كجزء مهم من المجتمع تبقى رهينة بضرورة تعزيز المنظومة القانونية بمختلف فروعها بما في ذلك قانون العقوبات الذي ينبغي أن يساهم في حماية المرأة ضد كل أشكال العنف اللفظي و الجسدي الذي يمكن أن تتعرض له داخل كل الفضاءات ،و ذلك بشكل يتماشى في نفس الوقت مع المرتكزات الدينية الأساسية و العمل في نفس الوقت على تفعيل مضامين النصوص القانونية و تنزيلها على ارض الواقع ،كما انه يتعين الاستفادة من تجارب بعض الدول المتقدمة و التي يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال كندا و الادنمارك التي اتخذت من مقاربة النوع و مبدأ المناصفة احد أهم مرتكزات الحكامة الجيدة للقطاع العمومي ،و ذلك بطريقة تتماشى مع الخصوصية الثقافية المغربية بطبيعة الحال
إلى جانب ذلك، ينبغي العمل على إعادة النظر في المنظومة الثقافية و التربوية من خلال المؤسسات التعليمية لتغيير تلك الصورة النمطية عن المرأة ، لأنه لا يمكن تحقيق أي نوع من المساواة بين الرجل و المرآة دون العمل على بناء عقليات مرنة تتقبل الأخر مند البداية و بناء النشء والأجيال المقبلة على ثقافة حقوق الإنسان ،كما انه ينبغي على الصعيد السياسي العمل على ترسيخ مبادئ الديمقراطية التي تضمن الحقوق لكل أفراد المجتمع و التي من شانها أيضا تجاوز الاختلالات التي تعرفها الإدارة العمومية
بقلم :د.سمية رفاش
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً