قراءة شهرية لخطوات القضاء ثورة الكترونية 2 / بقلم: إياس حسام الساموك
ثورة تكنولوجية، اطلق شرارتها مجلس القضاء الأعلى خلال الأسابيع الأربعة الماضية بمحاور عدة في إن واحد، لتكون النواة الاساس لحكومة الكترونية الاولى من نوعها في العراق، فالسلطة القضائية اليوم أثبتت من جديد أسبقيتها في هذا الجانب، وتأمل من الإطراف ذات العلاقة في باقي دوائر الدولة التعاون معها لبلوغ أعلى درجات التقدم في طريق توفير الخدمات الالكترونية الى المواطن العراقي، واللحاق بركب دول العالم المتطورة، وعلى وسائل الاعلام ان تأخذ زمام المبادرة وتثقيف الشارع بمدى اهمية هذا التطور وانعكاساته الايجابية على الوضع العام في البلاد.
هذه الجهود لم تأت من فراغ بل وفرت لها السلطة القضائية الدعم المادي والمعنوي منذ بداية العام الحالي، لتعلن للراي العام تقدما في المجال الرقمي، والفضل يعود ايضا الى جنود مجهولين عملوا خلف الكواليس في دائرة تكنولوجيا المعلومات التابعة لمجلس القضاء الاعلى بعيدا عن الاضواء لساعات متواصلة وعينهم تنظر الى تحقيق الانجاز الجديد.
اول هذه المحاور كان توثيق عقود الزواج الكترونيا، فخلال الفترة الماضية، عمل مجلس القضاء جاهدا لحسم اكبر قدر منها وارشفتها الكترونياً فقد انجزت دائرة تكنولوجيا المعلومات حتى الان العقود حتى عام 2009 والعمل جار مع كانون الثاني للوصول إلى تلك التي صدرت في 2003، مع التذكير بأن هناك أربع محاكم أنجزت جميع عقودها منذ تأسيسها.
السلطة القضائية لم تكتف بمحاكم بغداد بل امتد نشاطها إلى المحافظات فقامت بجلب عقود الزواج من رئاسات الاستئناف جميعها وشرع العمل على أرشفتها اسوة بمحاكم العاصمة، وبالتالي فأن امام السلطة القضائية تحد اخر بالحفاظ على ما تم تحقيقه طوال الاشهر السابقة والذي بدأت تحصد ثماره في كانون الاول، لكن المؤشرات تدل على رغبتها بمضاعفة الجهود لغلق ملف أرشفة العقود السابقة في اقرب وقت ممكن والتفرغ إلى تلك التي تجرى مستقبلاً.
مخطأ من يدعي بأن عملية أرشفة عقود الزواج سهلة بل تمر بمخاض وصعوبات عدة تواجه موظفي السلطة القضائية لكنهم يتغلبون عليها وينجزون مهامهم على أتم وجه وضمن السقوف الزمنية المحددة وعلى النحو التالي؛ إن الموظف يقع على عاتقه في اليوم الواحد إتمام نحو 170 قيداً، وسجلين بالنسبة للمدققين، إما أجهزة الأرشفة فتنجز 4 سجلات يومياً. وتكون بداية عملية الأرشفة بدخول سجلات المحاكم غرفة عمليات ضمن مركز الحاسبة، مع ضرورة الحفاظ عليها لان أي ضرر يلحق بها يكون تلافيه في غاية الصعوبة، فهذه الوثائق تتعلق بحقوق المواطنين ودور الجهات المعنية في مجلس القضاء يكمن في اخذ أعلى درجات الحيطة والحذر ولذلك يقوم الموظف المتخصص بوضع الرموز والأرقام على الوثائق حسب المحاكم لمنع أي اختلاط أو ضياع، وبعدها تدخل هذه الأرقام إلى النظام الالكتروني بواسطة أجهزة ذات تقنية عالية.
وفي المرحلة الثانية تتحول هذه العقود والوثائق التي تم تحويلها الكترونيا وبعد وإزالة الشوائب منها، إلى نحو 50 موظفاً ويطلق علــــيهم (مدخلين) بالإضافة إلى عدد من المدققين الذين يلقون النظرة الأخيرة لتتم عملية إدخال البيانات إلى النظام الخاص بالأرشفة، مع إلحاقها بصورة من العقد.
وفي هذا الشهر ايضا عدت السلطة القضائية العدة لإطلاق مشروع أرشفة القسامات الشرعية لتتم عملية أرشفتها ويتم تزويد المحاكم بها لتكون مكملة لعقود الزواج الكترونيا، وفي المستقبل القريب -وباعتباره جزء مكملا للأرشفة- ستطلق السلطة القضائية نظام خدمات المواطنين الكترونيا، ويمكن المواطن الحصول على عقد الزواج من خلال شبكة الانترنت، اذ يقوم بإرسال بياناته وبعدها يحصل على نسخه من العقد وتكون مراجعته المحكمة لمرة واحدة فقط من اجل إتمام الإجراءات الشكلية، وهذا المشروع يخضع حالياً إلى دراسة مستفيضة من اجل انجازه بالشكل الذي يضمن أكثر خدمة للمصلحة العامة.
توثيق عقود الزواج، لم يكن نهاية المطاف في ثورة القضاء الالكترونية ، بل كشف النقاب ايضا عن آلية جديدة في استقبال المواطنين داخل المحاكم، من خلال استعلامات الكترونية تسهل عملية المراجعة، الخطوة الأولى من المشروع كانت في رئاسة استئناف بغداد/ الكرخ بايجاد سبعة مداخل تمثل محاكم (احداث بغداد، جنح الكرخ، جنايات الكرخ، بداءة الكاظمية، الهيئة التمييزية والاستئنافية، ومحكمة التحقيق، ورئاسة الجنايات في الكرخ) ، مع عام 2013 ستبدأ السلطة القضائية بتحويل هذه التجربة والتي حققت نجاحات كبيرة لم تكن متوقعة في امتصاص الزخم وتوفير اقصر الطرق للمواطن إلى باقي رئاسات الاستئناف في المحافظات للإفادة منها، وبعدها سيتم الانطلاق إلى دور العدالة وصولا إلى تجهيز محاكم العراق كافة بالاستعلامات الالكترونية.
وزود مجلس القضاء الأعلى محاكم الجزاء بأنظمة الكترونية تتضمن إدارة سير الدعوى منذ رفعها حتى استصدار الحكم وبإمكان الاستعلامات إجابة المراجع عن استفساراته بخصوص قضيته.
وفي الأيام الأخيرة من كانون الأول بدأ مجلس القضاء الأعلى بتحديث قاعدة التشريعات العراقية الخاصة بالقوانين جميعها وذلك بعد إن كانت تتولى عملية نشرها الأمم المتحدة، هذه القاعدة تخدم جميع العراقيين لاسيما الباحثين في الشأن القانوني وطلاب كليات القانون في جامعات البلاد من الحصول على المتون القانونية واخر التشريعات الصادرة من مجلس النواب بصورة مباشرة ومجانية بعيدا عن شرائها من الأسواق والتي دائما ما تكون اسعارها مرتفعة.
3-تحطيم للارقام القياسية
مع بداية العام الحالي لم يكن غريبا ان تأتي محاكم البلاد بنسب عالية للحسم فهي تؤشر تصاعداً مستمراً وملوحظاً لنشاطها، وان هذا طريق اعتادت السلطة القضائية على المضي فيه طيلة السنوات الماضية حتى صار العمل الدؤوب بالتزامن مع ازدياد وتيرة الانجاز ركناً اساساً في عمل القضاء ضمن دولة المؤسسات الحديثة، فمن خلال نظرة سريعة لما تم حصده في 2012 على مستوى الحسم وغيره من الانجازات التي تتعلق بالجانب العمراني والبنى التحتية، فإنها تظهر بما لا يقبل الشك تفوقا جديدا يحسب الى كل منتسبي الاسرة القضائية العراقية بعنوانيهم كافة، ويضعهم في الوقت ذاته على اعتاب تحد اخر يبدأ بمضاعفة الجهود وتظافرها على مدى الاشهر المقبلة ولا ينتهي الى بلوغ اقصى معدلات الحسم وبنسبة 100% وهو رقم طالما رغبت الوصول اليه في الفترات السابقة من خلال الاستعانه باستراتيجيات تضمن تجاوز المعوقات التي تقف امام تحقيق معدلات عالية في الانجاز، فضلا عن انهاء ملف استملاك الاراضي التي تشغلها السلطة القضائية والذي هو الان في فصوله الاخيرة.
ونشرت السلطة القضائية في الشهر الماضي على موقعها الالكتروني الرسمي معدلات عمل المؤسسات والدوائر والمحاكم التابعة لها، ونحن اليوم نعرض جزء منها لنبين للراي العام بالارقام مدى حرص القضاء على اتمام المهام الملقاة على عاتقه وباسرع زمن ممكن، فالبداية كانت مع محكمة التمييز الاتحادية قد انهت بجميع هياتها نحو 52 الف دعوى خلال العام الماضي، وبنسبة حسم تصل الى 97%، انها ليست الـمرة الاولى التي تحقق فيها هذه المحكمة نسباً عالية، وسبق للسيد رئيس مجلس القضاء الاعلى، القاضي مدحت المحمود ان اشار لها بالبنان قبل نحو ثلاثة اشهر على ما تحققه، ماشكل حافزا لقضاة المحكمة وجعلهم ينجزون اكبر عدد من الدعاوى.
اما جهاز الادعاء العام فكان العلامة الفارقة في نسب الانجاز خلال العام الماضي بتحقيقه النقاط الكاملة لهيآته كافة وبنسبة تصل الى 100%، فعلى بالرغم من حسمه نحو 16 الف دعوى حسب الاحصاء السنوي الذي اصدره الشهر الماضي، فإن الاحصائية الرسمية اكدت انهاء أعضاء الادعاء العام ونوابهم خلال ذات الفترة 8806 تقريرا عن زيارات السجون والمواقف بشكل دوري في 2012، وما يعكس رغبة حقيقية وجادة في متابعة ملف الموقوفين على ذمة التحقيق والاطلاع على اواضاعهم بشكل مستمر ورصد اي حالات انتهاك لحقوق الانسان واتخاذ الاجراءات القانونية بحق الجهات المقصرة، فيما بلغ عدد التعقيبات القانونية حسب البيان 300 تعقيباً، بالإضافة إلى 2159 متابعة لقضايا الموقوفين وشكاوى المواطنين.
في حين اعطت رئاسة محكمة استئناف بغداد/ الكرخ الاتحادية هي الاخرى اولوية خاصة لقضايا الموقوفين من اجل حسمها بدون معرقلات، وجاءت الارقام لتؤكد نجاح محكمة الجنايات في هذا الاختبار على الرغم من نوع القضايا المقعدة التي تنظرها، حيث اعرب رئيس الجنايات عن ارتياحه بعد عام من العمل الشاق للنتائج التي خرجت بها محكمته فقد حسمت خلال العام الماضي 1122 دعوى وبنسبه انجاز 97% من تلك المعروضة امامها، مع الاشارة الى ان ما تبقى من موقوفين على ذمة التحقيق لا يتجاوز 16 موقوفا والتأخير يعود لاسباب ادارية لا علاقة لها بالهيئة القضائية.
الكلام قد يطول اذا ما استعرضنا نسب انجاز كل رئاسات الاستئناف في المحافظات، لكننا سنمر على اثنين منها، وهذا لا يعني ان البقية كانت بدون المستوى لان النسب تؤكد تخطي الجميع حاجز 94% من القضايا المعروضة امامها؛ فمحاكم بابل نظرت خلال العام الماضي ما يقارب 11900 وحسمت اغلبها بنسبة 96% ، ولم يتبق سوى القليل تم تدويرها الى العام الحالي تم حسم معظمها خلال الاسابيع الاربعة الماضية.
اما استئناف القادسية فقد شدت العزم خلال 2012 من اجل انهاء اكبر قدر من الدعاوى التي في ذمتها وحققت طفرة نوعية في نسب الحسم بعد ان اعلنت البت بأكثر من 71 الف دعوى وبمعدل تجاوز الـ 99% من تلك المعروضة امامها.
انجازات السلطة القضائية للعام الماضي المعلنة الشهر الماضي تباعا لم تقتصر على نسب الحسم انما تخطتها الى الجانب العمراني فقدت اكدت اغلب رئاسات الاستئناف الانتهاء من استملاك عدد من الاراضي لانشاء دور عدالة بالاضافة الى اجراء تعديلات وترميمات في محاكم كثيرة بما يتلائم مع هيبة القضاء العراقي.
هذه الاحصائيات والارقام تؤكد على الجهود التي تقدمها السلطة القضائية للمواطن العراقي وتقطع الطريق امام جميع المشككين بعمل المحاكم فهي تضعهم امام الحقيقية بعيدا عن التضليل الذي يحصل نتيجة التصريحات التي لا تستند الى ادلة مقنعة، فهي دعوة لكل الذين يتهجمون على عمل القضاء ويطلقون عليه اوصافاً ما انزل الله بها من سلطان الى مراجعة انفسهم والتعامل مع المعطيات على وفق ما موجود في الارض واذا ما كانت هناك انتقادات لغرض التقويم عليهم طرحها بشكل موضوعي حتى يمكن للجميع الافادة منها وتجاوز الاخطاء اذا ما حدثت للوصول بالقضاء العراقي الى ارفع المستويات.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً