تتمثل هذه الإيرادات ببدلات إيجار الأراضي الزراعية ، التي أخضعها المشرع الضريبي العراقي لضريبة الدخل وذلك من خلال نصه في الفقرة (3) من المادة (2) من قانون ضريبة الدخل العراقي المرقم 113 لسنة 1982 المعدل على أنه تفرض الضريبة على (بدلات إيجار الأراضي الزراعية) يتضح من خلال النص أن المشرع العراقي قد أخضع بدلات إيجار الأراضي الزراعية وليس الدخل الزراعي لذا لابد أن نفرق بينهما ، إذ قد يملك بعض الأشخاص أراضي زراعية إلا أنهم لا يقومون بزراعتها بأنفسهم لظروف معينة كسكنهم في المدن(1). بشكل دائم ، والذين يطلق عليهم عادةً إصطلاح (الملاك الغائبين)(2). مما يضطرهم الى إيجارها الى أشخاص آخرين يتولون أمر زراعتها واستغلالها لحسابهم لمدة معينة من الزمن (غالباً ما تكون سنة) مقابل أجر معين . وهذا المقابل يمثل بدوره بدل إيجار الأراضي الزراعية هو الذي قصده المشرع في قانون ضريبة الدخل(3) ، أما في حالة قيام الشخص بزراعة أرضه بنفسه ولمصلحته فإن ما يجنيه من أرباح نظير استغلال أرضه الزراعية يعد دخلاً زراعياً(4). يعود اليه ولا يخضع لضريبة الدخل(5).
مما تقدم يتضح أن المشرع الضريبي العراقي لم يكتف بإلغاء ضريبة الأرض الزراعية وإنما جاء مؤكداً على إعفاء الدخل الزراعي وذلك من خلال نصه بالفقرة (1) من المادة السابعة من قانون ضريبة الدخل العراقي المرقم 113 لسنة 1982 المعدل الذي نص على إعفاء (الدخل الزراعي الناجم للزراع ومربي الحيوانات من المنتوجات النباتية والحيوانية بما في ذلك تربية الحيوانات) يتضح من النص أن الإعفاء يتضمن شقين الأول الدخل الزراعي أما الشق الثاني فيتمثل بدخل مربي الحيوانات ففي الدخل الزراعي فإن سبب الإعفاء قبل إلغاء ضريبة الأرض الزراعية هو لتجنب المكلفين من الازدواج الضريبي الذي قد يحصل للمكلف، أما بعد إلغاء ضريبة الأرض الزراعية فإن سبب الإعفاء هو عامل اقتصادي ألا وهو التشجيع على الانتاج الزراعي ، كما أعفى المشرع العراقي الدخل الناجم لمربي الحيوانات عن منتوجاتهم الحيوانية من ضريبة الدخل ، ولكن إذا استخدم مربو هذه الحيوانات أساليب صناعية متطورة في انتاجها عندها سيخضع هذا الدخل للضريبة . كما أعفى القانون الأرباح الناجمة للأفراد عن إيراد حقول الدواجن والمفاقس سواء أكانوا بصفة الملاك أم المديرين لها وبصرف النظر إذا كان هذا الربح راتباً شهرياً أو حصة من الأرباح(6) .
وقد جاء هذا الإعفاء تشجيعاً لقطاع الثروة الحيوانية باعتباره من أبرز أوجه النشاط الاقتصادي اللازمة لتحقيق أهداف الدولة التنموية(7) . ألا أنه بعد صدور قرار وزارة المالية المرقم (1) لسنة 1997(8) ، أخضعت الأرباح المتحققة لمربي الحيوانات للضريبة وأن الغرض من ذلك هو لتحقيق أهداف مالية بحتة وهو تغذية الموازنة العامة للدولة . مما تقدم يتضح بأن المشرع الضريبي العراقي أعفى الدخل الزراعي وفي الوقت ذاته الغى ضريبة الأرض الزراعية والسبب الذي دعا الى ذلك هو لتشجيع المزارعين على الزراعة وزيادة الإنتاج الزراعي(9) ، وخلال مدة الإلغاء أي منذ عام 1980 والى حد الآن ماهي الفائدة التي تحققت للدولة من وراء هذا الإلغاء والإعفاء ، أي هل تحققت الفائدة المرجوة من ذلك أم لا ؟ للإجابة عن ذلك لدينا جملة من المقترحات لتنشيط القطاع الزراعي في البلد منها :-
1-العمل على الهجرة المعاكسة من المدينة الى الريف وذلك من خلال توفير جميع الخدمات اللازمة (كتبليط الطرق ، إيصال المياه الصالحة للشرب ، إيصال الطاقة الكهربائية ، عمل مجمعات سكنية تتوافر فيها خدمات التعليم والصحة) .
2-يمكن القول أن الإعفاءات لوحدها لا تؤثر في الإنتاج الزراعي لذا نحن نرى أن يعاد النظر بإصدار تشريع خاص لضريبة الأرض الزراعية ودراسة العوامل الأكثر فعالية في زيادة الإنتاج فضلاً عن الإعفاءات الضريبية . ومما تجدر الإشارة اليه أن المشرع الضريبي العراقي قد أخضع بدلات إيجار الأراضي الزراعية لضريبة الدخل من دون بدلات إيجار العقارات المبنية(10) . أي أن المشرع العراقي اتبع نظاماً خاصاً هو لا يأخذ بنظام الضريبة النوعية ولا يأخذ بنظام الضريبة الموحدة على الدخل وإنما يأخذ بنظام قريب من نظام الضريبة العامة على الدخل إلا أنه استخرج منها الضريبة على الدخل العقاري . لذا نحن نرى أن المشرع الضريبي العراقي لابد أن يأخذ بأحد الأنظمة المتطورة . لاسيما نظام الضريبة الموحدة على الدخل الذي يقسم الدخل الى دخل الأشخاص الطبيعية ودخل الأشخاص المعنوية وأن كثيرا من الدول لجأت اليه كفرنسا ومصر مثلاً(11) . بعد أن حددنا موقف المشرع العراقي من إيرادات الاستغلال الزراعي لابد من معرفة موقف التشريعات الضريبية المقارنة منها وكما يأتي :-
أولاً :- موقف التشريع الضريبي الأردني :-
لو رجعنا الى قانون ضريبة الدخل الأردني لوجدنا أنه لم ينص على إخضاع إيرادات الاستغلال الزراعي بكل أشكاله لضريبة الدخل ، وأنه أعفى (الدخل الذي يتأتى من الأرض المستثمرة في الزراعة أو بالبستنة أو التحريج أو عن من تربية الماشية أو الدواجن أو الأسماك أو النحل بما في ذلك الدخل الناجم عن تحويل منتجاتها الى سلع أخرى بطريق العمل اليدوي البسيط)(12). يتضح بان المشرع الأردني قد أعفى العمليات المتصلة أو اللازمة بالاستغلال الزراعي فضلاً عن الدخل الزراعي بأنواعه من ضريبة الدخل .
ثانياً :- موقف التشريع الضريبي المصري :-
ضريبة الأرض الزراعية في مصر ينظمها القانون المرقم 113 لسنة 1939 وما يلحق به من قوانين وقرارات مكملة أو معدلة ، وعليه فقد أحال قانون ضريبة الدخل المصري المرقم 187 لسنة 1993 كل ما يتعلق بتحديد الأراضي الزراعية والإيرادات الناتجة عنها إلى القانون المشار اليه(13) . وقد حدد المشرع الضريبي المصري صور الاستغلال الزراعي التي تسري عليها الضريبة منها الأرباح الناتجة عن الاستغلال الزراعي للمحاصيل البستانية من حدائق الفاكهة المنتجة إذا تجاوزت المساحة المزروعة منها ثلاثة أفدنة أو من نباتات الزينة والنباتات الطبيعية والعطرية إذا تجاوزت المساحة المزروعة منها فداناً واحداً وكذلك مشاتل المحاصيل البستانية أياً كانت المساحة المزروعة ما لم يكن إنشاء المشاتل للمنفعة الخاصة لأصحابها(14). يعني ذلك أن استغلال الأراضي الزراعية هو في صور (حدائق فاكهة ، أو نباتات طبية أو عطرية أو مشاتل لمحاصيل بستانية) . كما وأخضع للضريبة أرباح منشآت استصلاح أو استزراع الأراضي ومشروعات استغلال حظائر تربية الدواجن أو تفريخها آلياً لضريبة الدخل(15). يعني ذلك خضوع أرباح الشركات التي تحقق أرباحا من هذه العمليات لضريبة الدخل .
ثالثاً :- موقف التشريع الضريبي السوري :-
لدى الرجوع الى قانون ضريبة الدخل السوري المرقم (24) لسنة 2003 لم نلاحظ نصاً يتضمن خضوع الإيرادات الناتجة عن استغلال الأراضي الزراعية لضريبة الدخل ، ويرجع ذلك الى اهتمام القطر السوري بالقطاع الزراعي ولا توجد هناك أية ضريبة على الاستغلال الزراعي ماعدا الضريبة المفروضة على الإنتاج الزراعي في حالة تحويل أو تصدير الحاصلات الزراعية التي ينظمها القانون المرقم 384 بتاريخ 28/4/1957(16) . كما أعفى المشرع السوري دخل (المستثمرين الزراعيون الذين يجمعون ويبيعون المحاصيل والأثمار الناتجة عن أرض يملكونها أو يستثمرونها ويتناول هذا الإعفاء أيضاً الحيوانات التي يرعونها أو يربونها أو يعلفونها في تلك الأراضي . وكذلك دخل الجمعيات التعاونية الزراعية التي ينحصر عملها باستلام حاصلات مشتركيها وتحويلها وبيعها)(17). من خلال استعراضنا لموقف التشريعات الضريبية المقارنة تبين لنا اختلاف نظرتها في إخضاع بدلات إيجار الأراضي الزراعية من عدمه إذ يلاحظ أن غالبية التشريعات الضريبية قد أولت اهتماماً خاصاً بالقطاع الزراعي فمنها من ألغى ضريبة الأرض الزراعية كالتشريع العراقي ومنها من أعفى إيرادات الأرض الزراعية من الضريبة كالتشريع الاردني ومنها من نظمها بقانون خاص فضلاً عن الإعفاءات المتنوعة كالتشريع المصري والسوري ، أما بالنسبة الى التشريعات الأجنبية كالتشريع الفرنسي والإنكليزي فإن ضريبة الدخل تسري على الأرباح الزراعية التي يتم تقديرها حسب خصوبة الأرض ونوع المحاصيل ويمكن تحديدها حقيقياً إذا كانت هناك دفاتر منتظمة(18) .
____________________
[1]- يلاحظ أن هناك أسبابا كثيرة دعت هؤلاء الى الهجرة من الريف الى المدينة لاسيما في عقد الثمانينات من القرن الماضي وذلك لقلة الخدمات في الريف والتوجه نحو التعيين في الوظيفة العامة ، فضلاً عن توافر الخدمات بشكل أكثر داخل المدن .
2- د. صالح عجينة ، مصدر سابق ، ص180 .
3- د. حكمت الحارس ، ( الهيكل الضريبي في العراق ) ، بغداد ، 1980 ، ص32 .
4- أخضع الدخل الزراعي في العراق لأول مرة عام 1936 ، وبعده أخضع لضريبة الاستهلاك ، ومن ثم أخضع لضريبة الأرض الزراعية بالقانون المرقم (60) لسنة 1961 . انظر :د.عبد العال الصكبان (علم المالية العامة) ، مصدر سابق ، ص358 ؛ د. مدحت عباس أمين (الضريبة على الدخل الزراعي) ، مجلة الاقتصادي ، جمعية الاقتصاديين العراقيين ، العددان (3 ،4) ، السنة (25) كانون الأول ، 1984 ، ص ص77-84 .
5- ألغيت ضريبة الأرض الزراعية بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 21 في 5/1/1980 .
6- د. هشام العمري (الضرائب على الدخل) ، مصدر سابق ، ص63 .
7- حسن عداي الدجيلي ، مصدر سابق ، ص ص114-115 .
8- الفقرة (1) من قرار وزارة المالية المرقم (1) لسنة 1997 ، التي أخضعت فيها الأرباح التي يحصل عليها مربو الحيوانات عن منتوجاتهم الحيوانية للضريبة ، كذلك أخضعت الأرباح التي يحصل عليها المكلف عن حقول الدواجن والمفاقس للضريبة أيضاً سواء أكان المكلف مالكاً أو مديراً لها . قرار الم.رقم (1) لسنة 1997 الصادر عن وزارة المالية والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد (3663) في 31/3/1997 .
9- مما يجب التنويه به أن هناك أسبابا أخرى تؤثر في الانتاج الزراعي منها ( خصوبة التربة ، غزارة الأمطار بالنسبة الى الارض التي تسقى ديماً ، الأسمدة الكيميائية ، الاكتفاء الذاتي للفلاح ، الارتفاع المستمر بالأسعار الزراعية) ، فضلاً عن الإعفاءات .
0[1]- تخضع بدلات إيجار العقار الى قانون ضريبة العقار المرقم 162 لسنة 1959 الملغي الذي حل محله القانون المرقم 66 لسنة 2001 والمطبق حالياً .
1[1]- لمزيد من التفصيل راجع ماسبق ص ص20-27 .
2[1]- البند (9) الفقرة ( أ ) من المادة (7) من قانون ضريبة الدخل الاردني المرقم 57 لسنة 1985 المعدل .
3[1]- د. محمد عبد السلام عمر ( التشريع الضريبي) ، مصدر سابق ، ص78 وما بعدها .
4[1]- المادة (82) من قانون ضريبة الدخل المصري السابق والمادة (28) من القانون المرقم (91) لسنة 2005
5[1]- المادة (21) من القانون المرقم 187 لسنة 1993 .
6[1]- د. عصام بشور ود. نور الله نور الله ود. يونس البطريق ( التشريع الضريبي ) ، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية ، كلية الحقوق، جامعة حلب ، 1995 ، ص326 وما بعدها .
7[1]- البندان (2 ، 3) من الفقرة ( أ ) من المادة (4 ) من قانون ضريبة الدخل السوري النافذ .
8[1]- عبد السلام محمد عبد السلام ( نظام الضريبة الموحدة على الدخل ) مصدر سابق ، ص ص305-306.
المؤلف : عبد الباسط علي جاسم الزبيدي
الكتاب أو المصدر : وعاء ضريبة الدخل في التشريع الضريبي العراقي
الجزء والصفحة : ص240-244
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً