قضايا الرأي العام / القاضي ناصر عمران الموسوي
يعرف الدكتور جمال سلامة علي ، الرأي العام ) بأنه التعبير العلني والصريح الذي يعكس وجهة نظر أغلبية الجماعة تجاه قضية معينة في وقت معين ) وهو بذلك يشير إلى مجموعة الآراء التي يدين بها الناس إزاء مسائل تؤثر في مصالحهم العامة والخاصة كما يراه (جيمس برايس ) أو هو الإجماع المؤثر لدى هذه الجماعة والذي له قوة التأثير في الموضوع أو القضية من وجهة نظر (دانييال كاتز) في حين يرى(عبد المنعم سامي) في كتابه (الرأي العام والإشاعة ) بأنه الموقف الذي يؤدي بالضرورة إلى التأثير الايجابي او السلبي على الإحداث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في لحظة معينة من التاريخ . وكيفما تكون رؤية المفكرين لموضوعة الرأي العام فإنها تشكل الصورة الاجتماعية الخارجة من نتاج اللحاظ الاجتماعي التي تشكل هذه القضية أو الموضوع جزء ً من حراكه اليومي وجاءت أهمية قضايا الرأي العام من طبيعتها أو من أهمية الأشخاص ومراكزهم المؤثرة اجتماعيا ، ويرصد الباحثون مستويات لتأثير قضايا الرأي العام تتمثل بالفرد أو المؤسسة الاجتماعية أو الجماعة او المنظمة أو الثقافة ومن خلال هذه المستويات ينطلق ويتسع تأثيرها الذي يتخذ آثارا ً متعددة في مجالات المعرفة والعاطفة والسلوك ،وفي الوقت الذي يرى القانونيون بان ماهية التأثير تتجسد عندهم في الأمور المتعلقة بالعدالة وسير المحاكمات ، نرى الإعلام يحمل امتيازه كسلطة رابعة من خلال بلورة الرأي العام وإظهاره وتحقيق التأثير المنشود بمختلف الوسائل المعبرة والذي كثيرا ً ما يعمل على بلورته من منطلقات تماهيه مع سياسة الوسيلة الإعلامية ، فالرأي العام هو اتجاه عام يعكس ثقافة ورصيد قيمي غالبا ما يستخدمه الفرد في تقديره وتقييمه للمواقف والإحداث ، وينقسم الرأي العام إلى عدة أقسام هي :
1_ الرأي العام العفوي : وهو الذي يحصل لمجموعه معينه في وقت وزمان معين ينطلق في الكثير منه من مواقف ترجع إلى الجوانب الغريزية مثل التجمع الحاصل أمام الخباز أو البقال وهو يحصل بشكل عفوي تلبية لغريزة الحصول على الغذاء .
2_ الرأي العام ألتحصيلي : هو الرؤية أو المحصلة التي تمهد الرأي العام لتحقيقها والذي يعتبر الأداة الفاعلة لتحقيق الهدف .
3_ الرأي العام الخامل : هو الموقف الساكن اللا أبالي المصاب بالخوف والضعف .
4_الرأي العام الفاعل :هو الموقف الفعال والحيوي والذي تمثله التظاهرة أو الانتفاضة أو الثورة .
5_الرأي العام المؤقت : الرأي المرتبط بزمان ومكان محدد بسب حادث فجائي أو قوة قاهرة كالزلازل او الفيضانات .
6_ الرأي العام الظاهري :المتمثل بإظهار إرادة الفرد في المجتمعات الديمقراطية كالانتخابات أو التعبير عن الرأي في الإعلام .
7_الرأي العام الباطني : هو احتفاظ المجتمع بالرأي سلبا أو إيجابا من منطلقات مختلفة كالخوف أو الرضا لمصلحة معينة .
8_ الرأي العام الكلي : هو الموقف السلوكي العام من عادات وتقاليد ومعتقدات اجتماعية ويشكل الدين مثالا مهما فيها .
إما القضايا المتعلقة بالرأي العام فيتجاذبها ثلاثة اتجاهات هي :
الاتجاه الأول :وتشكل التغطية الصحفية نواته الفاعلة والتي تتمثل بعملية الحصول على المعلومة والتفاصيل الخاصة بالحادث أو الواقعة التي تكتسب أهميتها من طبيعة الأشخاص وهم أطراف الواقعة ، ويقوم بهذه المهمة صحفي متخصص يسعى إلى إحاطة الرأي العام بالمعلومات الدقيقة ومن مصادرها كأن يكون موقع الحدث او الأطراف المشاركين فيها او شهود العيان ، وفي المقابل تكون منها بالضد الشائعات والتكهنات التي سرعان ما تنتشر كالنار في الهشيم ، وتقع مسؤولية تصحيح المعلومة والقضاء على الإشاعة والتكهنات على عاتق الإعلام والصحافة ،مستندين إلى الأعراف والمواثيق لدولية والدساتير والقوانين والتي تؤكد على حق الحصول على المعلومة واطلاع الرأي العام عليها وحرية الصحافة .
الاتجاه الثاني : وهو الذي تشكله حالة الانضباط وتقييد النشر وتكون الإجراءات الجنائية والتحقيق في القضايا محاط بالسرية بل أن القانون يلزم المتصدين للإجراءات الجنائية والتحقيق بضرورة المحافظة على سرية التحقيق لأهميته باعتباره من مقتضيات العدالة في الوصول إلى الحقيقة ،ويضع القانون عقابا ً لمن يقوم بإفشاء أسرار التحقيق ،وتنطلق فكرة التقييد بالنشر إلى أن التغطية الإعلامية ومعالجة قضايا المحاكم الجنائية تكون مشوهة ومبالغ فيها ،كما ان النشر يصطدم أحيانا بالإساءة إلى الصفوة والنخبة الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية ،بالرغم من أن وضع المتهم يكون في ساحات البراءة (فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته ) حتى ترى المحاكم المختصة وهي مرحلة تالية لمرحلة التحقيق إدانته أو تجريمه بقرار حكم يتخذ غطائه القانوني حسب الأصول من مراحل الطعن وصولا ً إلى القرار البات النهائي .
الاتجاه الثالث :هو الاتجاه الذي يسعى ان يكون اتجاها ً وسطيا ً بين التغطية الإعلامية المنفتحة على النشر وبين تلك التي تكون مقيدة لها ،وهذا الاتجاه يتسلح بالاعتدال في تغطية قضايا الرأي العام دون إسراف ووفق أسس وضوابط قانونية تنطلق من مواثيق الشرف المهني وأخلاقياته ،وتكون المعالجة الإعلامية للجرائم الخاصة بالرأي العام وفق معايير دقيقة تأخذ بنظر الاعتبار ظروف المجتمع ونفسية الجماهير حتى لا تقع في مرحلة تزيين الجريمة وتكون متسقة مع حالة الردع العقابي كون ما تقوم به هو حديث الناس .ومثلما يكون التحقيق سرياً فان المحاكمات تكون علنية ما لم تقرر المحكمة اعتبارها سرية في حالات أشار إليها القانون لعل أهمها
المحافظة على الروابط الأسرية أو تكون المحاكمات خاصة بالأحداث .
واليوم وبعد مرحلة مران كبيرة للتجربة الديمقراطية بعد سقوط النظام في نيسان /2003 ،نرى بان ثقافة التعامل مع قضايا الرأي العام لم ترتق ِ لتكون في الصورة كأداة فاعلة في بناء المجتمع الديمقراطي ،فحين يشعر المجتمع بان هناك مواضيع وأحداث تدخل الذاكرة الاجتماعية وتشكل عوامل بلورة لصورته التي تمازج بشكل كبير بين المسؤولية الاجتماعية كضامن لحرية وحقوق الفرد في حياته الخاصة وعقيدته ومبادئه التي يؤمن بها والتي منحها الدستور قدسيته القانونية عن طريق حمايتها وفرض المسؤولية الجنائية على من يقوم بانتهاكها والاعتداء عليها ،بالمقابل فان ثنائية الأهمية للواقعة او الحدث او الأشخاص المشكلين له ،ليست بعيدة عن الإلزام الاجتماعي كحق وواجب على الفرد او المجموعة احترامه والتعامل معه باحترام وقدسية ومن خلال ذلك اتشحت هذه القضايا بجلباب العمومية الاجتماعية
فقضايا الفساد والإرهاب مثلا ً واحدة من أهم قضايا الرأي العام ونرى ومن خلال التجربة إنها تحمل الكثير من الأدران في التعامل معها وبخاصة إعلاميا ً وتفسح المجال للتكهنات والإشاعات وتحمل الكثير من التهويل أحيانا في المقابل نرى ان التعامل الإعلامي لقضايا الرأي كان ناجعا ً وحقق نجاحه في إيصال المعلومة وإحاطة القضية بجميع تفاصيلها بل إن المجتمع صار على دراية بذلك وصار يتعامل بشكل ايجابي مع ذلك ،مع تمييز واضح لأجندة الوسيلة الإعلامية ، أما في الجانب القضائي فان مناخات العمل القضائي تشير الى ضرورات عديدة تتصل ببناء علاقة بين الصحافة والقضاء تتمخض عنها معالجة قضايا الرأي العام بالشكل الذي ينعكس على العلاقة بين التغطية الإعلامية والصحفية لقضايا وجرائم الرأي العام وسير المحاكمات الجنائية ،فعلى مستوى العلاقة هناك الكثير من الضعف في الفهم المشترك بين القضاء والصحافة فصورة الصحافة في الذهنية القضائية لما تزل بعيدة عن استيعاب مرحلة المشتركات ،كما ان الإعلام الحر القادر على الرقابة والمستند على دراية وحرفنه والمتسع لتحقيق أهدافه العامة وفق الضوابط القانونية والدستورية
مازال يفتقر الى منظومة تنظيمية وقانونية وتشريعية تحدد أسس تمويله وتبعيته واستقلاليته ،ولم يزل خجولا ً في التعامل مع قضايا وجرائم الرأي العام ومتابعة إجراءاتها القضائية و يدور في فلك التكهنات والإشاعات الإعلامية أحيانا ً
فلا نرى صحف متخصصة في الحوادث كما في كثير من الدول او ملفات قضائية شغلت الرأي العام ولم يزل يجهل تفاصيلها علما ان الكثير من أرشفة قضايا الرأي العام بحاجة الى معالجة اعلامية تساهم بشكل او باخر في بناء ثقافات اجتماعية وقانونية وتحقق نتائج مؤثرة ايجابيا ًفي البناء المجتمعي.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً