صارت الجريمة حدثا يوميا نسمع بها ونراها أحيانا ونقرأ في الصحف عنها في أحيانا أخرى.. جرائم لا نستنكر بشاعتها فحسب بل ننبها وخاصة إذا كانت من صنف الجرائم المنظمة ذات الخطورة الكبيرة، فالجريمة المنظمة واقع حي ومعاش ليس فقط على مستوى وطننا ، بل يتعداه ليشمل معظم دول العالم .
لكن إذا أردنا أن نعطي تعريفا لمعنى الجريمة المنظمة فنجد من الصعب تحديد ذلك، لأن التعريف يحتاج أولا إلى وضوح الصورة ، بحيث يكون التعريف موضحا معالم تلك الصورة ، وفي مجال الجريمة المنظمة قد تتسع الدائرة وقد تضيق ، فالبعض يرى الجريمة المنظمة من خلال فكرة التنظيم الوارد في إعدادها ، و البعض الآخر يرى الجريمة المنظمة من خلال الاستمرارية و البعض الأخر يراها من خلال تواطؤ مجموعة من الأفراد على الإعداد لها بطريقة تكفل لها النجاح و الاستمرارية.
كلمة الجريمة المنظمة تفيد معنى التنظيم وهذا يدل على أن المقابل للجريمة المنظمة هي الجريمة غير المنظمة ، وعدم التنظيم يفيد معنى الفوضى ، إلا أن المقصود كما يتبادر إلى الذهن هو الجريمة الجماعية التي اشترك في إعدادها عدد من الناس ، كل فرد منهم شارك بجزء من المهمة بعد أن جرى تقسيم الأدوار بينهم ، بحيث يصعب على أي فرد منهم أن يقوم بالجريمة منفردا ، ومن الطبيعي أن الأمر يحتاج إلى استخدام الذكاء و العقل وبعض الوسائل العلمية و التقنية لكي تكون الجريمة في دائرة الجريمة المنظمة.
الاختلاف في التعريف ناتج عن اختلاف النظرة إلى الجريمة المنظمة ، إلا أن ذلك الاختلاف لا يلغي الخصائص التي يمكن أن تلقى بعض الأضواء على طبيعة الجريمة المنظمة ، والخصائص مستقاة من التصور المبدئي لكلمة ( التنظيم ) في الظاهرة
الإجرامية وكلمة التنظيم أعم وأشمل من أن تكون مقتصرة على مشاركة مجموعة من
الناس في عمل إجرامي وهي أشمل من أن يكون التنظيم قاصر على استعمال الوسائل التقنية ونستطيع أن نصف الجريمة المنظمة بأنها الجريمة التي أفرزتها الحضارة المادية لكي تمكن الإنسان المجرم من تحقيق أهدافه الإجرامية بطريقة متقدمة ، لا يتمكن القانون من ملاحقته بفضل ما أحاط به نفسه من وسائل تحصن أغراضه الإجرامية ، و لتحقيق هذه الغاية لابد من تعاون مجموعة من المجرمين .
كلمة ” التنظيم ” لا ينبغي أن تكون قاصرة على العدد ، لأن الحديث عن الجريمة هو حديث عن جريمة تمثل خطرا كبيرا على المجتمع لأن المجرم أستخدم فيها ذكاءه وعقله ، وأمتهن ذلك العمل كوسيلة للكسب ، بحيث يخفي أمره على كثير من الناس الذين يتعاملون معه ، وهذه الجريمة تختلف عن الجرائم الأخرى الفردية التي يقوم بها المجرم في لحظة انفعالية أو استجابة لرغبة غير مدرسة ، بحيث يسهل اكتشاف أمره بسهولة ويسر .
لقد اختلفت العديـد من المنظمات الدوليـة في إعطاء تعريف محدد للجريمة المنظمة، ومن أهم التعاريف نذكر بالخصوص تعريف صدر عن الحلقة الدراسية الدولية المعنية بدراسة الجريمة المنظمة ،والتي عقدت في سوزوال بروسيا من 21 إلى 25 أكتوبر1991 حيث قامت بتعريفين للجريمة المنظمة أحدهما مفصل والآخر موجز:
التعريف المفصل:
العصابة الإجرامية المنظمة هي عبارة عن جماعة كبيرة نسبيا من الكيانات الإجرامية المستديمة ،والخاضعة للضبط، ترتكب الجرائم من أجل الربح وتسعى إلى خلق نظام للاحتماء من الضوابط الاجتماعية بوسائل غير مشروعة مثل العنف والترويج للفساد والسرقة على نطاق واسع ، وربما أمكن وصفها عموما بأنها مجموعة من الأفراد المنظمين بقصد الكسب بطرق غير مشروعة وباستمرار.
التعريف الموجز:
أية مجموعة من الأفراد المنظمين بقصد الكسب بطرق غير مشروعة وباستمرار .
أما الشرطة الدولية الجنائية: “أنتربول” في تعريفها خلال الملتقى الخـامس الذي تم عقده بمقرها بمدينـة ليون الفرنسية و ذلك بتاريخ 14/12/1995، بأنها : “تعتبر الجريمة، جريمة منظمة إذا شارك في الفعل أكثر من شخصين في إطار جغرافي يتعدى حدود البلد في فترة محدودة هدفهم الثراء و الربح و كانت المهام مقسمة فيما بين أعضاء العصابة في إطار منظم مع استعمال القوة”.
هناك أيضا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الدولية اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 الدورة الخامسة والخمسون المؤرخ في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2000 ،والتي عرفتها بأنها :
“جماعة إجرامية منظمة” جماعة ذات هيكل تنظيمي، مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية، من أجل الحصول، بشكل مباشر أو غير مباشر،على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى.
يدخل ضمن هذه الجريمة قيام أي شخص بدور الفاعل في الأنشطة الإجرامية التي تقوم بها جماعات إجرامية منظمة ، مع علمه بأن مشاركته ستسهم في تحقيق الهدف الإجرامي للجماعة.
كما أن هناك تعريف أمريكي للجريمة المنظمة على أنها: “وفاق إجرامي له طابع الاستمرارية بدون أيديولوجية له تنظيم تدريجي مغلق و سري يضم عددا محدودا من الأعضاء متعدد النشاطات الإجرامية يستعين بالعنف و الرشوة، له قواعد و نظم يسير عليها و يتميز بالتخصص أو بتقسيم العمل هدفه الربح و الثراء”.
أما السوفيات فقد عرفوها على أنها:
“مجموعة أشرار مستقرة و منظمـة تتبع نظام التدرج، مهيكلة إداريا على مستويين على الأقل، أنشئت قصدا اقتراف جرائم لجني الربح و الشراء أو تحاول حماية نفسها عن طريق الرشوة”.
أما بالنسبة للتعريف القانوني للجريمة المنظمة يشترط أن تتوافر فيها لنقاط التالية:
بالنسبة للسلوك الإجرامي المكون للجريمة:
أ- أن يكون وليد تخطيط دقيق ومتأن
ب-أن يكون على درجة من التعقيد أو التشعب.
ج- أن يكون تنفيذه قد تم على نطاق واسع.
د-أن تنطوي وسيلة تنفيذه على نوع من الحيلة ، يتجاوز المألوف في تنفيذ الجرائم العادية.
هـ- أن يكون من شأنه توليد خطر عام ، اقتصاديا كان أو اجتماعيا أو سياسيا، فإذا استفحل الخطر إلى ضرر وجب تشديد العقوبة المقررة للجريمة.
بالنسبة للجناة :
أ-أن يكونوا جماعة يتجاوز عددها العدد المألوف عادة في المساهمة الجنائية.
ب-أن يكون بينهم من اتخاذ الإجرام حرفة يكتسب منها أو اتخذه وسيلة يشفي بها حقده على المجتمع أو الدولة أو الإنسانية.
ج- أن يكونوا على درجة من التنظيم ، وذوي مقدرة على التخطيط الدقيق، وتشدد عقوبة من يقوم منهم بدور رئيسي أو قيادي أو تخطيطي أو تنظيمي.
اترك تعليقاً