أثير في الآونة الأخيرة موضوع يستحق البحث من خلال نظرة قانونية بحتة دون الدخول في الاعتبارات السياسية التي صاحبته، والموضوع هو نظام استبدال عقوبة الحبس البسيط الذي لا تتجاوز مدته ستة شهور بالعمل لصالح الحكومة.
هذا النظام قديم بنصه في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1960، ما يعني أن المشرع الكويتي كان يعرف منذ أكثر من خمسين عاما هذا النوع من التنظيم للعقوبات البديلة عن عقوبة الحبس، بالرغم من أن التشريعات المقارنة بدأت تأخذ به اليوم أو قامت بتطويره.
وكذلك الأمر بالنسبة للمؤتمرات الدولية التي كانت توصي دائما بالبحث عن بدائل للحبس قصير المدة والتي أهمها عقوبة العمل للمصلحة العامة، (المؤتمر الثاني للأمم المتحدة في شؤون الوقاية من الجريمة ومعاملة المجرمين عقد في لندن سنة 1960، والمؤتمر الخامس الذي عقد في جنيف للأمم المتحدة أيضا سنة 1975).
ولإعطاء وجهة نظر قانونية في هذا النوع من العقوبات يلزم دراستها من خلال الأمور التالية:
أولا: مبررات اللجوء الى نظام العمل للمصلحة العامة:
بداية المقصود ببدائل العقوبة السالبة للحرية هو نظام يتيح إحلال عقوبة من نوع معين محل عقوبة من نوع آخر قضائيا، سواء تم الإحلال ضمن حكم الإدانة أو بعده، ويتم ذلك عند تعذر تنفيذ العقوبة الأصلية، أو قيام احتمال تعذر تنفيذها، أو إذا كانت العقوبة البديلة أكثر ملاءمة من حيث التنفيذ بالقياس الى العقوبة المحكوم بها بداية منظور في ذلك حالة المهمة. أما تعريف نظام العمل للمصلحة العامة فهو إلزام المحكوم عليه بالقيام بأعمال معينة لخدمة المجتمع بدون مقابل خلال المدة التي تقررها الجهة صاحبة الاختصاص باتخاذ الأمر وذلك في الحدود المنصوص عليها قانونا.
أما مبررات اللجوء الى نظام العمل للمصلحة العامة فهو:
1 – نظام العمل للمصلحة العامة جاء ليكمل الأهداف المعروفة لمقاصد العقوبة وهي الردع العام والردع الخاص وتحقيق العدالة، وهي مقاصد السياسة العقابية لمكافحة الجريمة وفقا لنوع الجريمة وخطورة مرتكبها اجتماعيا والمصلحة التي تم الاعتداء عليها.
2 – إبعاد المحكوم عليهم بعقوبات حبس بسيطة عن بيئة السجون والاتصال بالمجرمين الخطرين.
3 – عدم فصل المحكوم عليهم بعقوبات حبس بسيطة عن أسرهم وأعمالهم.
4 – توفير التكاليف التي تتكبدها الدولة في الصرف على السجون وعلى تأهيل المسجونين.
5 – الغاية من عقوبة الحبس هي التهذيب والتأهيل والإصلاح وهي غاية لا يمكن تحقيقها لعقوبات الحبس البسيطة بل أن حجز حرية إنسان ارتكب فعل كلفته حريته بأن يحبس قد تكون رادعة لو استبدلت بنظام آخر قد يكون له أكبر الأثر في تقويمه وتأهيله.
6 – أن النظام لا يطبق إلا على عقوبات الحبس البسيطة وعلى الأشخاص الذين ليس لديهم عود في ارتكاب الجرائم، وتطبق على جرائم محددة.
ثانيا: التعليق على الأساس القانوني لهذا النظام في القانون الكويتي:
تنص المادة 235 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية على أنه: «يجوز للمحكوم عليه بالحبس البسيط الذي لا تجاوز مدته ستة شهور، أو لمن صدر أمر بتنفيذ الغرامة عليه بالإكراه البدني، أن يطلب من مدير السجن إبدال العمل لصالح الحكومة بالحبس.
ولا تزيد مدة العمل على سبع ساعات يوميا، ويعتبر كل يوم من أيام العمل معادلا ليوم من أيام الحبس وإذا تخلف المحكوم عليه عن الحضور للعمل في المواعيد المحددة بغير عذر مقبول، أو قصر في الواجبات التي يفرضها العمل، جاز لمدير السجن أن يصدر الأمر بإلغاء تشغيله وتنفيذ المدة الباقية من الحبس أو الإكراه البدني عليه».
ومن خلال قراءه النص السابق يتبين لنا المسائل القانونية التالية:
1 – أن نظام استبدال عقوبة الحبس البسيط بالعمل لصالح الحكومة جاء بمادة واحدة فقط اختزلتها تلك المادة دون بيان الإجراءات اللازمة الأخرى الهامة لحسن تطبيق هذا النظام.
2 – نظام العمل لمصلحة الحكومة في القانون الكويتي هو صورة لوقف تنفيذ عقوبة الحبس البسيط الذي لا تجاوز مدته ستة شهور أو لمن صدر أمر بتنفيذ الغرامة عليه بالإكراه البدني وهي الصورة التي كان يأخذ بها القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 10/6/1983، ولا يعرف القانون الكويتي نظام العمل لمصلحة الحكومة بأنه من الممكن أن يتخذ شكل عقوبة أصلية أو كشكل عقوبة تكميلية كما هو معمول به في قانون العقوبات الفرنسي الجديد الصادر سنة 1994 الذي ينص على أن نظام العمل للمصلحة العامة إما أن يكون عقوبة أصلية وبديلة للسجن وذلك في بعض الجنايات أو عقوبة تكميلية وذلك في بعض الجنح والمخالفات طبقا للمواد من 131 – 8 وما بعدها.
3 – وفقا للمادة 237 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية يلزم أن يكون هناك طلب يقدم الى مدير السجن من المحكوم عليه دون أن تحدد المادة الإجراءات اللاحقة على الطلب والسلطة التي لها اتخاذ قرار الموافقة على الطلب، إلا أن عجز المادة نص على أنه «جاز لمدير السجن أن يصدر الأمر بإلغاء تشغيله…» الأمر الذي يعني أن من يتخذ الأمر بإلغاء العمل لصالح الحكومة هو من قام بإصداره، لاشك أن هذا أمر معيب حيث أن إجراءات تنفيذ العقوبة بجميع صورها يلزم أن يكون تحت سلطة الجهاز القضائي وليس لدى السلطة التنفيذية لعدة أسباب منها:
أ – انه قد تثار عدة إشكالات أثناء تنفيذ أمر العمل لصالح الحكومة من حيث من يستفيد من هذا الأمر وإجراءات تنفيذه ومدى استمرار العمل بالأمر في حالة الإخلال بشروطه وضوابطه.
ب – احتراما لمبدأ قاعدة فصل السلطات خاصة أن الأمر متعلق بجريمة صدرت بها عقوبة نهائية واجبة النفاذ، فمن يقرر استبدالها يلزم أن يكون هو من حكم بها.
ج – ومن جانب آخر إن الموافقة وإلغاء تشغيل وتنفيذ المدة الباقية للمحكوم عليه للعمل لصالح الحكومة هو أمر جوازي لمدير السجن، ما يعني أن ذلك يدخل في السلطة التقديرية له،
وللابتعاد عن دائرة الشبهات في استخدام هذه السلطة فان الاوفق أن يسند الامر الى السلطة القضائية.
د – وقد تثار اشكالية مدى مشروعية قرار مدير السجن في حالة الغاء قراره تشغيل وتنفيذ المدة الباقية للمحكوم عليه للعمل لصالح الحكومة في حالة ما اذا اتخذ القرار في غير الحالات المنصوص عليها في المادة 235، فهل يجوز الطعن بهذا القرار؟
بداية لابد أن نبين أن قرار تشغيل المحكوم عليه للعمل للمصلحة العامة أو الغاءه هو قرار نهائي لا يجوز الطعن فيه، نظرا لان القرار ليس قرارا اداريا يجوز التظلم منه ومن ثم الطعن عليه أمام المحكمة الادارية وفقا للمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1981 بشأن انشاء المحكمة الكلية لنظر المنازعات الادارية، بل هو قرار قضائي يخضع للطعن فيه وفقا لقانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية، ولم ينص القانون على أي صورة من صور الطعن على قرارات تنفيذ العقوبة المنصوص عليها في الفصل الثالث من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية، مما يعني أن جميع القرارات الصادرة من المحاكم المختصة بنظر تنفيذ العقوبات والنيابة العامة والشرطة والامن العام ومدير السجن نهائية ولم ينص القانون على أي وجه للطعن عليها.
ويؤكد هذا الرأي ما ذهب اليه مجلس الدولة الفرنسي الذي حكم بعد اختصاصه بنظر الطعن في جميع القرارات التي تصدر خلال مرحلة تطبيق العقوبة، وبالتالي يكون لها طبيعة قضائية، الا أن مجلس الدولة فرق بين المنازعات المتعلقة بالعقوبة والتي يتم تنفيذها تحت اشراف النيابة العامة، والمنازعات المتعلقة بسير العمل في المؤسسات العقابية، فأدخل الاولى ضمن اختصاص القضاء العادي، بينما أدخل الثانية ضمن اختصاص القضاء الاداري.
هـ – لا دور للمجني عليه في اصدار أو الغاء قرار استبدال العمل لصالح الحكومة بالحبس، فهو اجراء يقتصر أمره على طلب مقدم من المحكوم عليه الى مدير السجن الذي له أن يقبله أو يرفضه، وللمدير أيضا السلطة التقديرية في الغائه في حالة اخلال المحكوم عليه بشروط نظام العمل لصالح الحكومة.
ثالثا: ما نراه محققا لفاعلية نظام العمل للمصلحة العامة في الكويت:
لتصويب السلبيات التي تعتري المادة 235 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية فاننا نقترح تعديل تلك المادة واضافة مواد أخرى لتشمل:
1 – انشاء جهاز قضائي مستقل مختص بالنظر في اجراءات تنفيذ العقوبات المحكوم بها، واستبعاد جهاز الشرطة والامن العام ومدير السجن من اتخاذ أي قرار قضائي في هذا الموضوع، أو أن يسند الاختصاص الى محكمة الاستئناف العليا منعقدة في غرفة المداولة.
2 – لا يجوز الغاء نظام العمل لصالح الحكومة كبديل لعقوبة الحبس الا من قبل الجهة القضائية المقترحة التي أصدرته.
3 – توسيع العمل بنظام العمل لصالح الحكومة بحيث لا يقتصر تطبيقه على أنه نظام بديل لوقف تنفيذ عقوبة الحبس البسيط بل يتخذ شكل عقوبة أصلية أو كشكل عقوبة تكميلية.
4 – تعديل نظام العمل لصالح الحكومة بحيث ينص قانونا على الآتي:
أ – يستفيد من النظام المحكوم عليه الذي ليس لديه سوابق قضائية.
ب – يطبق النظام على الجرائم التي يعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات بشرط ألا تتجاوز العقوبة المنطوق بها مدة لا تجاوز ستة أشهر حبسا.
ج – الموافقة الصريحة للمحكوم عليه وذلك ما يستوجب حضوره شخصيا جلسة النطق بالعقوبة لاستطلاع رأيه بالموافقة أو الرفض.
د – ألا يطبق نظام العمل للمصلحة العامة الا بعد صيرورة الحكم نهائيا.
هـ – يترك للوزير المختص تحديد أماكن العمل لصالح الحكومة واجراءات تنفيذ الحكم أو الامر.
أخيرا نقول ان نظام العمل لصالح الحكومة كبديل لعقوبة الحبس البسيط يمكن تطويره بالنص عليه اما كعقوبة أصلية أو عقوبة تكميلية أو بجعله بديلا لوقف تنفيذ عقوبة الحبس على أنه يجب أن يكون ذلك كله بيد السلطة القضائية وليس بيد مدير السجن وليس باعتباره أيضا حقا مكتسبا للمحكوم عليه.
بقلم : فيصل الكندري
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً