قراءة في قانون منع التدخين في الأماكن العمومية
يعتبر التدخين ظاهرة من الظواهر الاجتماعية الاكثر ذيوعا وانتشارا في المجتمع، وذلك راجع الى عدة مسببات اجتماعية واقتصادية وثقافية.
كما يعد من المخاطر التي تهدد حياة الانسان وبقائه في المجتمع، سيما وانه يمس بأعظم نعمة من نعم الله على عباده وهي الصحة، التي استوجبت الشريعة الغراء الحفاظ عليها، وجعلتها ضرورة من الضرورات الخمس التي يجب على كل انسان ان يصونها من كل مهلكة وبلاء.
الى جانب ذلك، تعد الصحة، مرتكزا من مرتكزات النظام العام الثلاث المعلومة وهي:
-الامن العام
-الصحة العامة
-السكينة العامة
وإذا كان التدخين، في الماضي القريب اقل انتشارا، فانه في العصر الحالي عرف انتشارا واسعا، بل وأضحى شيئا عاديا في صفوف شريحة كبيرة من المجتمع.
وإذا كانت القاعدة القانونية، قاعدة عامة ومجردة، واجتماعية وذات صبغة الزامية، تضبط امور الناس، وتصون حقوقهم، وتقيهم من كل مفسدة تعصف بالاستقرار الاجتماعي، وتمس بالنظام العام، فان المشرع المغربي، وعيا منه بضرورة الحفاظ على صحة المواطنين، عمل على اصدار قانون يمنع التدخين في الاماكن العمومية.
وفي نفس السياق، وللحؤول دون استمرار هذا النزيف، اصدرت وتصدر المنظمة العالمية للصحة تقارير تحذر فيها على الادمان على السجائر، كما شجعت وتشجع على الاقلاع عنها عبر حزمة من الحملات التحسيسية، والتدابير الاحترازية، والمشاريع الصحية وتقديم الدعم للمراكز والجمعيات العاملة في هذا المجال.
وكما أسلفنا الذكر، فالمقنن المغربي، اسوة بالعديد من التشريعات، لم يترك المجال فارغا، بل تحركت الالة التشريعية واصدرت قانونا يمنع التدخين في الاماكن العمومية.
لكن ما يلاحظ، عن هذا القانون، انه بقي حبيس الرفوف، لم يتم تطبيقه على ارض الواقع، او على الاقل التعريف به، لتلكم العلة، يحق لنا ان نتسأل عن الإطار القانوني لمنع التدخين في الاماكن العمومية؟
ثم ماهي المقترحات التي يمكن تقديمها لحلحلة مختلف الاشكالات التي يحملها هذا القانون في طياته؟
للإجابة على هذين السؤالين، سنتناول بالدراسة والتحليل، الإطار القانوني لمنع التدخين في الاماكن العمومية (المطلب الاول) ثم سأعرج على المقترحات التي يمكن تقديمها لتجويد النص القانوني المنظم (المطلب الثاني).
لأجل ذلك، سنسبر اغوار هذا الموضوع وفق الشكل التالي:
المطلب الاول: الإطار القانوني لمنع التدخين في الاماكن العمومية
المطلب الثاني: مقترحات لحلحلة مختلف الإشكالات
المطلب الاول
الإطار القانوني لمنع التدخين في الاماكن العمومية
تمخض المشرع المغربي، فولد قانونا لم يكتب له التفعيل ولم يشق طريقه نحو التطبيق، منذ قرن ونيف.[1]
فالمشرع المغربي، حذا حذو العديد من التشريعات، بسنه لقانون منع التدخين في الاماكن العمومية، والذي حمل في طياته حزمة من العقوبات المالية لردع الاشخاص الذين يدخنون في الاماكن العمومية المحددة في المادة 4 من قانون 15.91 المتعلق بمنع التدخين في الاماكن العمومية.
وبالرجوع الى المادة المومأ اليها اعلاه، يعتبر مكانا عموميا بمقتضى هذا القانون:
” كل مكان معد للاستعمال الجماعي وكل مرفق عمومي وكذا المؤسسات العامة والمكاتب الإدارية، وهكذا فانه يمنع التدخين بالأماكن العمومية الآتي ذكرها على سبيل المثال:
ـ المكاتب الإدارية المشتركة وقاعات الاجتماعات بالإدارات العمومية الشبه عمومية والخاصة،
ـ المستشفيات والمصحات ودور النقاهة والمراكز الصحية والمصالح الوقائية بجميع انواعها،
ـ وسائل النقل العمومي، باستثناء المناطق المخصصة للتدخين.
ـ قاعات القاء عروض فنية كالمسارح ودور السينما واماكن احياء السهرات العمومية،
ـ قاعات القاء الدروس والمحاضرات والندوات بمؤسسات التربية التعليم والتكوين التابعة منها للقطاع العمومي أو الخاص.”
والملاحظ ان الاماكن العمومية التي جاءت بصدر هذه المادة، وارد على سبيل المثال فقط وليس الحصر.
كما نصت المادة 5 من نفس القانون على ما يلي:
“علاوة على ان الاماكن الوارد ذكرها في المادة الرابعة أعلاه، يمكن للإدارة ان تقرر منع التدخين بأماكن ومرافق اخرى إذا اقتضت الظروف الصحية ذلك”
بناء على سبق، يتضح جليا ان المشرع المغربي لم يكن دقيقا في تحديد الاماكن التي يمنع فيها التدخين
وعلى سبيل المثال، نجد المشرع استعمل هذه العبارة “وسائل النقل العمومي، باستثناء المناطق المخصصة للتدخين ”
فالسؤال الذي يطرح، هل ثمة مناطق مخصصة للتدخين في وسيلة من وسائل النقل العمومية؟ والحال ان دخان السيجارة سيلوث كافة ارجاء الحافلة او القطار … الخ
كما يجب ان نشير، الى ان المشرع المغربي لم يكلف نفسه عناء الإشارة الى منع التدخين في الفضاءات العمومية كالحدائق …كما انه لم يشر الى الأماكن التي يتجمع فيها جمع غفير من الناس، كالملاعب الرياضية، وهذه مجرد غيض من فيض الأمثلة وغيرها كثير.
علاوة على ذلك، وان كان المشرع عدد الأماكن العمومية على سبيل المثال، الا ان المنطق يستدعي الإشارة _على الأقل_ للمصانع التي تستعمل المواد الكيماوية، وجعل التدخين فيها ممنوعا محظورا، اذ غالبا ما تكون السيجارة سببا للحرائق التي لا تحمد عقباها.
وبالرجوع الى قانون 15.91 المتعلق بمنع التدخين في الأماكن العمومية نجده ينص أيضا في المادة 11 على ما يلي:
“كل شخص ضبط يدخن التبغ أو المواد المكونة له في الاماكن التي يمنع فيها ذلك، يعاقب بغرامة من 10 دراهم إلى 50 درهم.”
اما المادة13 من نفس القانون فنصت على ما يلي:
“تخصص مداخيل الغرامات المنصوص عليها في الباب الرابع من هذا القانون لفائدة البحث العلمي في الميدان الصحي”
يستشف من المادتين المذكورتين أعلاه، ان المشرع نص فقط على عقوبات مالية دون السالبة للحرية.
لكن ما يلاحظ، ان المشرع نص على غرامة هزيلة لا تتعدى 50 درهما، كما ان المشرع لم يحدد وسيلة اثبات معينة، زد على ذلك ان المشرع استعمل عبارة “كل من ضبط” فما المقصود بهذه العبارة؟ ومن هي الجهة التي لها صلاحية الضبط؟
إضافة الى ذلك، هل الغرامة التي حددها المشرع كفيلة بردع المخالفين لقانون منع التدخين في الأماكن العمومية؟
نفس الملاحظة بخصوص المادة 13 هل ثمة غرامات أصلا ليتم تخصيصها للبحث العلمي في الميدان الصحي؟
تلخيصا لما سبق بسطه أعلاه، فالمشرع المغربي وان كان قد أصدر قانونا لمنع التدخين في الأماكن العمومية، فان الواقع يوحي بطلاق بائن بين القانون والمعاش، حيث لازال اغلب المدخنون يفرضون سيطرتهم على كل الأمكنة العمومية، بل فئام منهم أصبحوا لا يفرقون بين المكان العمومي والبيت الشخصي
كما يلاحظ، ان المقاهي تعتبر مرتعا للسيجارة ومكانا شبه خاص بالمدخنين، فالمقهى وان لم يشر اليه قانون 15.91 فانه يعد مكانا عموميا بقوة القانون، وذلك عملا بالمادة 4 من نفس القانون التي تنص على انه ” يعتبر مكانا عموميا بمقتضى هذا القانون، كل مكان معد للاستعمال الجماعي…”
علاوة على ذلك، فالأمكنة الواردة في المادة4 ما هي الا على سبيل المثال فقط لا الحصر.
كما ان الواقع، يوحي أيضا على ان المدخنون خصوصا مرتادي المقاهي، يبسطون سيطرتهم على المكان كان الامر بات عاديا، بل ويفقدون حرية من أراد احتساء فنجان قهوة فقط او من يرتاد المقهى لأغراضه الشخصية كالارتباط بخدمة الويفي. .
اما ما يحز في النفس، ان تجد السيجارة منتشرة امام أبواب المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية سواء الخاصة او العامة، معروضة على انظار الكبار والصغار، وامام مؤسسات من المفترض انها مكان للعلم والمعرفة والتحصيل، لا مكان لعرض السجائر والمخدرات.
وفي خضم هذه الإشكالات سواء القانونية او الواقعية، نطرح سؤالا جوهريا كالتالي:
هل ثمة مقترحات لحلحلة هذه الإشكالات؟
هذا ما سأتعرض له بتفصيل في المطلب الثاني .
المطلب الثاني
مقترحات لحلحلة مختلف الإشكالات
معلوم ان قانون منع التدخين في الأماكن العمومية، لم يتم تطبيقه، بمعنى اخر ظل متجمدا فوق الرفوف، لمدة ليست بالهينة، وهو ما أسهم في بروز العديد من الإشكالات التي يختلط بعضها بالبعض الاخر.
وللحؤول دون استمرارها، وتدليلا لكل العقبات، لا يسعنا الا ان نقدم –بعون من الله-مقترحات متواضعة في افق ان يقوم المشرع بالتفكير في وضع قانون جديد يتلاءم ويتواءم مع متطلبات الواقع ومستلزماته.
وهذه الاقتراحات يمكن اجمالها في:
1-الصرامة في تطبيق القانون ,وزجر المخالفين حتى يكونوا عبرة لمن لا يعتبر ولمن لا يأبه بصحة المواطنين .
2-تجريم بيع السجائر للقاصرين كما هو معمول به في بعض الدول .
3-تجريم بيع السجائر وترويجها امام المؤسسات التعليمية ,احتراما لحرمتها و وقارها.
4-الرفع من الغرامة المالية , عوض الإبقاء على الغرامة الهزيلة المحددة من 10 الى 50درهما , وهذا لا محالة سيسهم في استفادة الدولة من موارد مالية مهمة .
5-تسخير وسائل الاعلام على اختلاف اصنافها , للتحسيس بمخاطر التدخين الذي اضحى ازمة حقيقية تودي بالعديد من الأرواح.
6-دعم وتشجيع الجمعيات والمراكزالصحية التي تعنى بمشاكل الإدمان ومحاربة انتشار المخدرات .
7-ادراج مخاطر التدخين واضراره في الكتب المدرسية ,وجعل مادة التربية الصحية ,مادة قائمة الذات.
8-دعم وتشجيع الأبحاث العلمية المرتبطة بالمجال الصحة عموما، والأبحاث المتعلقة بمحاربة التدخين والمخدرات على وجه الخصوص.
9-فصل امكنة بيع السجائر عن المحلات التجارية التي تباع فيها المواد الغذائية، اذ من غير المقبول الخلط بين المواد التبغية المسمومة والمواد الغذائية.
10-فرض اقصى العقوبات عل كل من أخل بالمقتضيات القانونية.
فذلكة القول، هذه وغيرها مقترحات قدمناها لعل وعسى ان يفكر المشرع مليا في إعادة تنظيم الظاهرة بقانون جديد يستجيب لمتطلبات العصر، آخذا بعين الاعتبار الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين، باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز النظام العام.
في المقابل ينبغي جعل صحة المواطن فوق كل اعتبار ,واعطائها أولى الأولويات .
وأخيرا ندعو كافة الباحثين من مختلف المشارب والتخصصات ،للانكباب على مثل هذه الموضوعات ,لأننا وجدنا صعوبات جمة في سبر اغوار هذا الموضوع نظرا لندرة المراجع .
نسأل الله التوفيق، ان اصبت فمن الله، وان أخطأت فمني ومن الشيطان.
المرجع المعتمد امام ندرة المراجع
قانون 15.91 المتعلق بمنع التدخين في الأماكن العمومية
[1] القانون رقم 15.91المتعلق بمنع التدخين والاشهار والدعاية للتبغ حرر بالرباط 26يونيو 1995 ولم يدخل حيز التنفيذ الا في سنة 1996.
بقلم ذ أحــــــمـــد أوبــــــــــــــــــلا
خريج جامعة القاضي عياض بمراكش حاصل على الاجازة في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية، الاجتماعية-مراكش-
اترك تعليقاً