الحدود بين الولايتين الشرعية والعرفية على المرأة
د. أسامة بن سعيد القحطاني
بقي كثير من النساء في مضارة الزوج سنوات طويلة، ومصالحه – الزوجة متضررة بسبب تعنت زوجها أو وليها الظالم ورغبة منه في مضارتها ومضايقتها، فلا تستطيع القيام بالكثير من حقوقها وحقوق أبنائها إلا بموافقة الزوج الظالم وبالبطاقة التي كانت لا تصدر إلا بإذنه! وفي كثير من الأعمال يوجب البعض عليها موافقة الزوج أو الولي! فهل هذا من شرع الله؟ هل دراسة المرأة أو عملها التي تضمن بها حياتها يستوجب عليها موافقة الولي؟
الحقيقة أن هناك خلطا كبيرا بين الولاية الشرعية التي جاء بها الشرع في التزويج للولي، وبين وضع قيود على النساء تحت هذا المصطلح، حيث تداخلت مع الكثير من العادات التي أُلبست لباس الشرع، بينما هي أعراف فقط، حيث لم تأت الولاية إلا في مسألة محددة وهي التزويج، كما أنها ليست مطلقة، فالمرأة أيضا لها خيار رفض الزواج واختيار زوج كفء أيضا من خلال الإمام، بينما عممت فكرة الولاية هذه على أشياء كثيرة تحولت في النهاية إلى أداة في يد الأولياء والأزواج الظلمة على حريات وحقوق الكثير من النساء، ما أدى إلى ضياع الكثير من الحقوق بسبب هذا المبدأ.
حتى على القول بأن مبدأ الولاية العام الذي يوسعه البعض؛ فإن هناك فرقا بين وجوب الشيء والإلزام به بسلطة القانون، فإن الزكاة واجبة ولكن الشرع لم يأمر بمنع التصرف بالأموال من قبل الإمام إلا بإثبات إخراج الزكاة، فكل إنسان محاسب أمام الله، وقد ترك الشرع للناس مساحة في الكثير من الاختيارات.
وكذلك لو قلنا مثلا بأن على المرأة ألا تعمل إلا بموافقة الولي؛ فإن منع المرأة من العمل إلا بموافقة خطية مثلا من الولي؛ فإن هناك الكثير من الحالات الظالمة تقع على النساء بسبب تعنت الأب الفاسد أو الأخ الفاسد الذي قد يبتز حتى المرأة بها، كما أنه قد يكون هذا الولي مريضا نفسيا أو مدمنا وتكون تلك المرأة المسلوبة الإرادة ضحية ذلك الظالم ومساعدة السلطة حسب رؤية من يطرح هذه الفكرة ويُشدد عليها ويريد إسباغ كونها شرعا وليست عادات.
كثيرا ما يردد بعض الخطباء حق الزوج بولايته على المرأة، ووجوب طاعة الزوج، وهكذا من المعاني التي داخَلها كثير من النزعات البشرية المختلطة ببعض تعاليم الإسلام الحنيف! فكثيرا ما يمنع الزوج زوجته من العمل وربما الدراسة، ما يؤثر في رسم مسار حياة هذه الزوجة المسكينة، لتبقى رهينة رحمة ذلك الزوج الذي ربما بعد أن تمضي سنوات طويلة في خدمته وأطفاله وفي لحظة مزاج متعكر ربما يقرر الزوج الظالم بكل بساطة أن يطلق تلك المرأة المسكينة لتبقى تتشفق الرحمة والصدقات من أقاربها بعد أن حرمها ذلك الظالم من التعليم والعمل! ليتّق الله هؤلاء في النساء وآنَ لهم أن يقولوا كفى!
نقاشات حول الحدود بين الولاية الشرعية والعرفية للمرأة
وصلني بعض النقاشات التي تستدل بنصوص شرعية، ورأيت من المناسب نقاشها باختصار لضيق المساحة. بداية أعتقد أن الواجب على الباحثين دراسة المسألة بتجرّد، مستبعدين كل التأثيرات الاجتماعية وغيرها مما قد يحرف مسار البحث بلا شعور! وهذا مقتضى الإخلاص والأمانة.
لا شك أن طاعة الزوجة لزوجها بشكل عام مشروعة (في حال كان الولي هو الزوج)، وهي من أسباب دخول الجنة كما في الحديث، ولكن الحديث هنا عن الولاية الواجبة شرعا، فهل يجب على كل المرأة أن يكون لديها وليّ يُشرف على كل حاجاتها (باستثناء ولاية الزواج)؟ وبعد تأمل النصوص الشرعية، والله أعلم، يتبين أن ما جاء به الشرع هو فقط ولاية التزويج، على الرغم من خلاف الأحناف أيضا فيها، ولهم أدلة على عدم وجوب الولي في النكاح، ولا يصح أن نجعل هذا الأمر وكأنه من أصول الشريعة المتفق عليها، ولكن لنتجاوزه هنا.
الكثير يستند في الولاية إلى وجوب طاعة الزوج، ويطلق المسألة هكذا وكأن الواجب شرعا على المرأة الطاعة العمياء للزوج، بينما عند تأمل الأدلة فإنها كلها تدور حول حق الزوج في الفراش فقط، ولم أجد نصا واحدا صحيحا يوجب على المرأة الطاعة هكذا بإطلاق. نعم يوجد حض وترغيب في طاعته لاستتباب الحياة الزوجية، ولكن ليس بالتطويع الأعمى له على المرأة، حتى إن الفقهاء اختلفوا في حكم خدمة المرأة للزوج في البيت، بينما يرجعه بعض الحنابلة مثلا إلى العرف، فإذا كان العرف عدم الخدمة فإنه غير واجب! فما هذا الأصل الشرعي الذي يتشدد فيه البعض وجعلوه أصلا من أصول الشريعة بينما نجد أصله العرف! ولنأخذ بعض الأدلة التي يكررها البعض في هذا السياق؛
حيث بيّن عليه الصلاة والسلام حق الرجل على المرأة في حديث؛ “فأما حقكم على نسائكم فلا يُوطِئنَ فُرَشَكم من تَكرهون، ولا يَأذنّ في بيوتكم لِمَن تكرهون”، وهذا مرتبط بالفراش وحفظ الفرج فقط. وفي حديث نهي الزوجة عن الصيام إلا بإذن الزوج فهو أيضا مرتبط بالفراش حيث جاء في بعض الألفاظ “وزوجها شاهد”، بمعنى أنه لا يشترط إذنه إلا إذا كان موجودا وقادرا على الفراش لكونه قد يمنعه من الفراش، وإلا فلا يشترط إذنه.
أقدر الكثير من الأهداف النبيلة التي يتبناها البعض، ولكن الشريعة ستضيق بالناس عندما نسمح لأنفسنا أن نضيق عليهم بعسف النصوص في الاتجاه الذي نريد، والخلاصة أن التشدد في الولاية العامة يلزمه أن الشريعة توجب على من ليس لديها وليّ أن تبحث عن وليّ لها! وهذا زيادة في الدين لم يأتِ بها الشرع بيقين لدي والله أعلم. محام ومستشار قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً