أنظمة التمويل والرهن والتنفيذ .. الملامح ومتطلبات النجاح
زهير بن سليمان الحربش
أصدر مجلس الوزراء الموقر خلال الجلسة المنعقدة بتاريخ 12 شعبان 1433هـ، الموافق 2 تموز (يوليو) 2012، موافقته على مجموعة من الأنظمة المهمة، هي: نظام التمويل العقاري، نظام الرهن العقاري المسجل، نظام الإيجار التمويلي، نظام مراقبة شركات التمويل، وأخيراً نظام التنفيذ كإضافة مهمة إلى منظومة الأنظمة السعودية.
وأتيح لكاتب هذا المقال شرف المشاركة في إبداء المرئيات القانونية لبعض الجهات المعنية حول مشاريع هذه الأنظمة؛ وعليه فإنني سأتطرق من خلال هذه المقالة لأبرز ملامح مشروعات هذه الأنظمة والجوانب المتعلقة بكل نظام، وستكون خاتمة المقال ملاحظات عابرة حول متطلبات نجاح هذه الأنظمة، أما التصدي لشرح هذه الأنظمة وتحليلها بشكل وافٍ فلن يتأتى إلا بعد نشر هذه الأنظمة في شكلها النهائي وصدور اللوائح التنفيذية لكل نظام.
أولاً: نظام التمويل العقاري اشتمل هذا النظام على فصول عدة، نصت المادة الأولى على التعريفات والمعاني المقابلة لبعض الألفاظ والعبارات، ولا شك أن هذه افتتاحية مهمة لأي نظام، وقد حدد النظام الجهات التي يمكن لها مزاولة نشاط التمويل العقاري، وهي شركات التمويل التي سيرخص لها بمزاولة نشاط التمويل العقاري وفقاً لأحكام هذا النظام ونظام مراقبة شركات التمويل، إضافة إلى المصارف التجارية التي ستتمكن من مزاولة نشاط التمويل العقاري بتملك المساكن لغرض تمويلها – استثناء من حكم الفقرة (5) من المادة العاشرة من نظام مراقبة البنوك – تأكيداً لما تتمتع به المصارف التجارية من خبرة وإمكانات في مجال التمويل، كما قصر النظام الاستفادة من النظام على الأشخاص الطبيعيين دون الاعتباريين، على أن تتولى مؤسسة النقد العربي السعودي تنظيم قطاع التمويل العقاري لما تملكه من إمكانات وكوادر مناسبة، حيث سيناط بها مراجعة نماذج عقود التمويل العقاري التي يصدرها الممول العقاري، كما أتاح النظام للممول العقاري (المصرف التجاري أو شركة التمويل) فرصة الاطلاع على المعلومات المدرجة في سجلات العقار لدى المحاكم وكتابات العدل، الأمر الذي سيقلل من عنصر المخاطرة قبل الدخول في معاملة تمويل عقاري، ويرفع من مستوى الشفافية والوضوح.
كما أوجب النظام أن يكون للمستفيد (الشخص الطبيعي) الذي يريد الحصول على تمويل عقاري سجل ائتماني لدى أحد مقدمي الخدمة المرخص لهم، وهذا يعني أن يكون للمستفيد سجل لدى الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة) أو أية شركة ائتمان أخرى يرخص لها مستقبلاً وفقاً لنظام المعلومات الائتمانية.
كما منح النظام للممولين العقاريين حق إعادة التمويل من خلال شركات إعادة التمويل العقاري والأوراق المالية وفقاً لأحكام نظام السوق المالية. أعطى النظام المحاكم العامة وليس لجنة المنازعات المصرفية صلاحية الفصل في المنازعات الناشئة عن عقود التمويل العقاري وفرض غرامة مالية على من تثبت مماطلته في الوفاء بالتزاماته المتعلقة بالتمويل العقاري، على أن تخصص الغرامة لدعم جمعيات النفع العام.
ثانياً: نظام الرهن العقاري المسجل اشتمل هذا النظام على فصول عدة، وقد أوضح النظام كيفية إنشاء الرهن، وتم تعريف الرهن العقاري المسجل الذي لا ينعقد إلا بتسجيله، كما تطلب النظام أن يكون الراهن مالكاً للعقار المرهون وأهلاً للتصرف فيه، كما أجاز أن يكون الراهن المدين نفسه أو كفيلاً عينياً يقدم عقاراً يرهنه لمصلحة المدين ولو بغير إذنه، كما تطلب النظام أن يكون العقار المرهون معيناً موجوداً، أو محتمل الوجود مما يصح بيعه؛
ومثال ذلك البيع وفق اللائحة التنظيمية لبيع الوحدات العقارية على الخريطة. كما أجاز النظام رهن الحصة المشاعة، في حين يقع على عاتق الراهن ضمان سلامة العقار المرهون حتى تاريخ الوفاء بالدين. وفي حال ما إذا تضمّن عقد الرهن أن تكون منافع العقار المرهون للمرتهن أو أن يمتلك المرتهن العقار المرهون مقابل دينه إن لم يؤدّه الراهن (المقترض) في أجله المعين، اعتبر عندها الرهن صحيحا والشرط باطلا. ولا شك أن هذا النظام سيحل الإشكال القائم منذ عام 1402هـ المتمثل في تردد وامتناع بعض كتاب العدل عن إجراء الرهن العقاري لمصلحة المصارف التجارية.
ثالثاً: نظام الإيجار التمويلي اشتملت المادة الأولى من هذا النظام على تعريف العبارات الواردة في هذا النظام، وهي كما ذكرت عند استعراض نظام التمويل العقاري مسألة مهمة في مقدمة أي نظام لغرض التوضيح وقفل باب الاجتهاد لدى المستفيد من النظام وجهات تطبيقه، وبين النظام أن الأصل المؤجر هو ما يمكن إيجاره من العقار والمنقول والمنافع والخدمات والحقوق المعنوية كحقوق الملكية الفكرية.
واشترط النظام أن يحرر عقد التأجير التمويلي كتابياً أو إلكترونياً، أي أن النظام أجاز العقود المحررة بالوسائل الإلكترونية، خاصة مع صدور نظام التعاملات الإلكترونية، كما أجاز النظام للمستأجر التنازل عن العقد إلى مستأجر آخر بموافقة المؤجر، على أن تسجل عقود الإيجار التمويلي لدى شركة مساهمة أو أكثر يرخص لها من مؤسسة النقد العربي السعودي لغرض تسجيل هذه العقود، كما جعل النظام الاختصاص القضائي في منازعات الإيجار التمويلي معقوداً للجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية المنصوص عليها في نظام مراقبة شركات التمويل، على أن يستثنى من ذلك المنازعات الناشئة من عقود التمويل العقاري المبرمة بين المستفيدين والممولين العقاريين وعقود الإيجار التمويلي إذا كان محل المنازعة حقاً عينياً على عقار، كما لا يدخل في اختصاص لجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية منازعات الأوراق المالية الناشئة من نشاط التمويل. وهذا يعني نزع الاختصاص القضائي والمنازعات المتعلقة بالتأجير التمويلي الخاصة بالأموال المنقولة من لجنة تسوية المنازعات المصرفية، التي تباشر هذا الاختصاص تمشياً مع قرار معالي وزير المالية والاقتصاد الوطني رقم 1/1566 وتاريخ 21/7/1420هـ ليكون للجنة الفصل في المخالفات والمنازعات التمويلية التي يمكن الاعتراض ضد قراراتها أمام اللجنة الاستئنافية التي تصدر قراراتها بالأغلبية، وقد يكون من الملائم بعد مباشرة هذه اللجنة لعملها ومرور مدة زمنية معينة تكون كافية لتقييم عملها أن يتم دمجها مع لجنة المنازعات المصرفية القائمة منذ عام 1407هـ لما تمتلكه الأخيرة من خبرات وكوادر وسوابق قضائية وتجارب في الخلافات المتعلقة بالتأجير التمويلي.
رابعاً: نظام مراقبة شركات التمويل تضمّن هذا النظام أيضاً التعريفات في المادة الأولى منه، أووضح أن شركات التمويل هي الشركات المساهمة الحاصلة على ترخيص لممارسة نشاط التمويل، كما أناط النظام بمؤسسة النقد العربي السعودي إصدار التراخيص المتعلقة بممارسة أنشطة التمويل المحددة في النظام. كما تعددت الأنشطة المتعلقة بالتمويل إلى أكثر من نوع أبرزها: التمويل العقاري، الإيجار التمويلي، التمويل الاستهلاكي، تمويل الأصول الإنتاجية، تمويل نشاط المنشآت الصغيرة والمتوسطة، تمويل بطاقات الائتمان، التمويل متناهي الصغر، وأي نشاط تمويلي آخر توافق عليه مؤسسة النقد العربي السعودي، وفي هذا مرونة تتمثل في إمكانية إضافة أنشطة تمويل أخرى دون الحاجة إلى تعديل النظام مستقبلاً، وهذا يرجع في نظرنا إلى تطور الأنشطة التمويلية، حيث تظهر منتجات جديدة من حين إلى آخر، كما حظر النظام على شركات التمويل المتاجرة في العقار، والمتاجرة في العملات أو الذهب أو المعادن النفيسة أو الأوراق المالية وقبول الودائع تحت الطلب.
خامساً: نظام التنفيذ تضمن هذا النظام كغالبية الأنظمة السابقة التعريفات اللازمة في المادة الأولى حيث جاء النظام في 98 مادة وأعطى النظام لقاضي التنفيذ سلطة التنفيذ الجبري والإشراف عليه، متبعاً في ذلك الأحكام ذات الصلة الواردة في نظام المرافعات الشرعية، كما منح النظام قاضي التنفيذ صلاحية اتخاذ الإجراءات التحفظية (الحجز على الأرصدة مثلاً)، وكذلك اتخاذ الإجراءات التنفيذية (المنع من السفر ورفعه، الحبس والإفراج، تحويل الأرصدة المحجوز عليها للدائن)، كما اشترط النظام عدم جواز التنفيذ الجبري إلا مع توافر سند تنفيذي لحق محدد المقدار، حال الأداء، حيث أوضح النظام ماهية السندات التنفيذية (الأحكام والقرارات الصادرة من المحاكم والأوراق التجارية ومحاضر الصلح المصدق عليها من المحاكم، أحكام المحكمين المذيلة بأمر التنفيذ وفقاً لنظام التحكيم، والأحكام الصادرة في بلد أجنبي، وكذلك أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي).
حيث إنه في حالة الأوراق التجارية يمكن لمن بيده سند لأمر (ورقة تجارية) ساري المفعول، الذهاب إلى محاكم التنفيذ مباشرة كما هو الحال في الدول المجاورة ودون الحاجة إلى اللجوء إلى لجان الفصل في منازعات الأوراق التجارية وما يتطلبه ذلك من مرور زمن طويل لغرض استيفاء حق محدد المقدار حال الأداء، مما يعد ترسيخا وتقوية لدور السند لأمر الذي يعد نظاماً أداة ضمان عند تحريره وأداة وفاء عند استحقاقه. وفيما يتعلق بالأحكام والأوامر الصادرة من الدول الأجنبية، فيلزم عند تنفيذها حسب النظام مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل وألا تتعارض الأحكام الأجنبية مع النظام العام في المملكة، أي عدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، كما أجاز النظام للمحجوز على أمواله إيداع مبلغ من النقود لقاء الدين يكون كافياً للوفاء بالدين في حساب المحكمة؛ بحيث يترتب على هذا زوال الحجز على أموال المدين، مع ملاحظة عدم جواز الحجز والتنفيذ على الأموال المملوكة للدولة والدار التي يسكنها المدين ومن يعولهم شرعاً، ما لم يكن السكن مرهوناً للدائن وكذلك وسيلة تنقل المدين.
ختاماً لا شك أن هذه الأنظمة التي طال انتظار صدورها تعد إضافة كبيرة للنظام القضائي في المملكة وستسهم في تحسين البيئة القانونية وفي ارتفاع عدد المعاملات التجارية والمدنية على حد سواء، كما ستبعث الطمأنينة في نفوس المتعاملين في ظل وجود أنظمة تحفظ حقوقهم. ولا شك أن صدور هذه الأنظمة نتاج جهد جبار ومتميز للجهات التي اهتمت بصدور هذه الأنظمة وهي: مقام وزارة المالية، مؤسسة النقد العربي السعودي، وزارة العدل، هيئة الخبراء في مجلس الوزراء، واللجان المختصة في مجلس الشورى، إلا أنه، لضمان نجاح تطبيق هذه الأنظمة على نحو سليم، فإن الأمر يتطلب ضرورة الإسراع في تطبيق نظام التسجيل العيني للعقار الصادر عام 1423هـ من قبل كل من وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة العدل، ومراجعة نظام البيع بالتقسيط واستصدار نظام حساب ضمان التطوير العقاري، وكذلك إصدار تنظيم خاص بالمنح العقارية، واستقطاب الكوادر البشرية المؤهلة من داخل المملكة وخارجها وإجراء التدريب اللازم للمواطنين العاملين في مجال تطبيق هذه الأنظمة عن طريق إقامة عديد من ورش التدريب، وتوعية المجتمع وتثقيفه بالأنظمة الجديدة بكل الوسائل الإعلانية وغيرها، مع قيام الجهات ذات العلاقة بتقييم شامل لهذه الأنظمة بعد مرور فترة لا تتجاوز خمسة أعوام. علماً بأنه لا يمكن العمل بهذه الأنظمة بمعزل عن الأنظمة الأخرى ذات الصلة، وأبرزها نظام المرافعات الشرعية ونظام ملكية الوحدات العقارية وفرزها ونظام مراقبة البنوك ونظام السوق المالية. والله الموفق.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً