لماذا التناقض مع نظام الشركات يا هيئة السوق؟
زياد محمد الغامدي
القوانين واللوائح تحفظ الحقوق، وتوضح المسؤوليات، وتحدد المتطلبات وغير ذلك الكثير مما ينظم الحياة ويسير شؤونها. بها تستقيم الأمور بما يضمن سير الاعمال، وبها يعرف الاطراف كافة ما لهم وما عليهم. كما يجب ان تكون القوانين واللوائح متناسقة وغير متناقضة في نصوصها وروحها كذلك.
نظام الشركات في المادة الـ 71 ينص على انه (لا يجوز أن يكون لعضو مجلس الإدارة أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة إلا بترخيص من الجمعية العامة العادية)، كما وينص القانون نفسه في المادة الـ 72 على انه (لا يجوز أن يكون لعضو مجلس الإدارة أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة إلا بترخيص مسبق من الجمعية العامة العادية يجدد كل سنة).
كما وتنص لائحة الحوكمة الصادرة من هيئة سوق المال في الفصل السادس في المادة الـ 43 على وجوب وضع سياسة مكتوبة وواضحة للتعامل مع حالات تعارض المصالح على ان تشمل على عدد من النقاط منها ( إجراءات واضحة للإفصاح عن تعارض المصالح قبل بدء الأعمال التي قد ينشأ عنها تعارض في المصالح، والحصول على الترخيص أو الموافقة اللازمة). وهذا كله يؤكد على ضرورة اخذ الموافقة المسبقة من الجمعية العمومية على كافة معاملات الأطراف ذات العلاقة، كما وتفصل كل من لائحة الحوكمة و قانون الشركات آلية التصويت وغير ذلك من الأمور ضمن سياق معاملات الأطراف ذات العلاقة.
الا ان لائحة الحوكمة اضافت فقرة (مربكة) في نفس الفصل والمادة اعلاه تنص على ان سياسات الشركات يجب ان تشتمل على (إجراءات واضحة عند تعاقد الشركة أو تعاملها مع طرف ذي علاقة، على أن يشمل ذلك ابلاغ الهيئة والجمهور من دون اي تأخير بذلك التعاقد او التعامل، اذا كان هذا التعاقد او التعامل مساويا أو يزيد على 1% من اجمالي ايرادات الشركة وفقاً لآخر قوائم مالية سنوية).
فنصوص قانون الشركات يشير الى (اي مصلحة مباشرة او غير مباشرة) و( أي) لغة تعني (كل)، وهذا يعني ان (كل) معاملات الأطراف ذات العلاقة يجب ان تعرض على الجمعيات العمومية ونيل موافقتها قبل البدء بها، وهذا يقتضي بالتأكيد اعلان النتائج في تداول لكل من الجمهور والهيئة لكافة المعاملات وبلا استثناء. ونصوص اللائحة بإستثناء فقرة الـ ( 1%) تشير الى هذا. فلماذا تناقض اللائحة نفسها وتناقض قانون الشركات وتخصص اجراء خاصا للمعاملات التي تزيد عن الـ 1% من اجمالي ايرادات الشركة.
ألم يحدد قانون الشركات ما نصه (اي). فقرة ال(1%) تقتضي ضمنا ان المعاملات التي تقل عن ال(1%) غير واجب عرضها على الجمهور او الهيئة، وبالإمكان المضي بها دون العرض على الجمعية على هذا الأساس. وهذا يفسر قيام (بعض) الشركات بمعاملات اطراف ذات علاقة دون عرضها على الجمعيات، لأنها بكل بساطة تقل عن 1% من مبيعات العام الذي سبقة. ان فقرة ال(1%) من لائحة الحوكمة الصادرة عن هيئة سوق المال ثغرة قانونية يجب حذفها لأنها تعارض نصوص قانون الشركات ونصوص اللائحة نفسها. فلا مبرر اطلاقا لتقسيم معاملات الاطراف الى اكثر او اقل من (1%) من المبيعات. كما ان على مجلس الهيئة التأكد من خلو كافة اللوائح، حوكمة او غيرها، من اي جملة قد تستغل للإلتفاف على بنود ونصوص قانون الشركات ( والذي كتب بعناية تستحق الإشادة).
كما وينبغي على الهيئة التأكد من أن تقارير مجالس الادارات لا تحتوي معلومات مغلوطة، ويجب ان يكون هناك صرامة في هذا الأمر. فلقد ورد في تقرير مجلس ادارة إحدى هذه الشركات المدرجة للعام 2018 ما نصه (حسب ما يتوفر لدى الشركة من معلومات لا يوجد اعمال او صفقات جوهرية ابرمتها الشركة مع اطراف ذات علاقة بالمخالفة لأحكام نظام الشركات ونظام السوق المالية ولوائح الهيئة التنفيذية) وهذه الجملة غير صحيحة لأن رئيس مجلس ادارة هذه الشركة وعدد من اعضاء المجلس موجودين كرئيس واعضاء في مجلس ادارة في شركة منافسة لأحد نشاطاتها (مدرجة) من غير موافقة مسبقة من الجمعية العمومية.
كما ان هناك صفقة (ذات علاقة) حدثت بين الشركتين بدون اقرار الجمعية العمومية، وهذه الصفقة وقعت في النشاط المشترك. ولا اريد ان اتطرق لضعف صياغة تقرير مجلس ادارة هذه الشركة لأنه ليس الغرض من المقال. مخالفات مشابهة وقعت في شركة أخرى عوائدها تتجاوز الـ10 مليارات.
الجدير بالذكر ان قانون الشركات ينص على انه (لا يجوز لعضو مجلس الإدارة أن يشترك في أي عمل من شأنه منافسة الشركة، أو أن ينافس الشركة في أحد فروع النشاط الذي تزاوله؛ وإلا كان للشركة أن تطالبه أمام الجهة القضائية المختصة بالتعويض المناسب، ما لم يكن حاصلاً على ترخيص سابق من الجمعية العامة العادية – يجدد كل سنة – يسمح له القيام بذلك).
شركة أخرى تقر في تقرير مجلس ادارتها ان هناك معاملات مع اطراف ذات علاقة، ولكنها تذكر ان هذه المعاملات غير جوهرية، ومن ثم تدعو لجمعية عمومية من دون التطرق لأي من هذه المعاملات (الغير جوهرية)، ولعل ثغرة الـ1% من لائحة الحوكمة المعتمدة من مجلس هيئة السوق المالية استغل لتمرير عدم عرض المعاملة على الجمعية.
من حق اي كان ان يسعى للتربح. ولكن هذا يجب ان يكون وفق الانظمة والقوانين، ووفق الاخلاق، وبما لا يتنافى مع شرف العمل التجاري. كما ان القوانين واللوائح يجب ان تكون من الوضوح ما يجعل من المستحيل تحميل اي من فقراته اكثر من معنى، وخصوصا بما يتعارض مع اسباب وضع القانون من الأساس. الإستخفاف بعقول الناس والتمادي في الاعلانات المخالفة للقوانين والوصول الى مرحلة تقديم معلومات غير صحيحة امر يدعو للقلق على مساهمي الشركات التي تمارس مثل هذا، كما ويؤثر لا محالة في سمعة السوق ويجب ان يوقف.
ان ايراد معلومات خاطئة في تقارير مجالس الادارات يجب ان يعامل بشدة، ومتى تم تنبيه الشركة من الهيئة يجب تغيير الخطأ على الفور، ونحن أقرب للصواب من اي وقت مضى، سوقنا يستحق ان يكون ايقونة افصاح وشفافية وحوكمة، وسنكون، لا شك عندي في ذلك.
لذا يجب ان تكون القوانين والانظمة واضحة بما يضمن وصول كل قراءها لنفس النتيجة والمحصلة، فلا ينبغي ان تكتب القوانين واللوائح بطريقة تحملها اكثر من معنى، فذلك يربك جميع الخاضعين لها، كما ويؤدي الى نتائج لا تتوافق مع اهداف وضع القوانين واللوائح.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً