قراءة نقدية لمبدأ حق الأمم في تقرير المصير
من حق الأمم في تقرير مصيرها إلى حق القراصنة في تقرير مصير الشعوب
حبيب عيسى
(1)
لقد التفت دول الهيمنة الدولية، بعد الحرب الأوروبية الثانية، على تشريع قانون حق تقرير المصير للأمم، فلم يكن الهدف إعطاء الأمم، والشعوب “حق تقرير المصير”، وإنما كان تضليلها بهدف رضوخها لإرادة الدول الاستعمارية، تقول د. عائشة راتب: “جرى العمل الدولي في عهد عصبة الأمم، وبعد قيام الأمم المتحدة على إعطاء حق تقرير المصير للجماعات التي رغب (المجتمع الدولي) في الاعتراف بها كأمم مستقلة، وتم تعريف الأخيرة (الأمم) بأنها الجماعات التي لها أهلية، وقدرة التمتع بالاستقلال وممارسته، ويبدو من ذلك أن (الجماعة الدولية) أرادت الاعتراف لهذه الجماعات بالشخصية القانونية، أي بالحق في تكوين دولة، وربطت بالتالي بين معنى الشعب، ومعنى الأمة”(1).
يعلق د. عصمت سيف الدولة على ذلك بالقول: “لقد استمر الخلط بين الأمم، والشعوب في ميثاق هيئة الأمم المتحدة، حتى يسمح هذا الخلط للدول الكبرى بأن تختار التفسير الذي يعجبها عندما تمنح الناس حق تقرير المصير… فالدول التي تصوغ، بمقدرتها العسكرية، قواعد القانون الدولي تريد به أن تظل لها المقدرة على أن تمنح من تشاء، وتسلب من تشاء حق تقرير المصير.
فإن الإبقاء على كلمة (الشعب) تكفيها، ففي كل أمة شعب، وأي جماعة من الناس يُمكن أن يقال لها شعب. أما إذا قيل (أمة) فهي إشارة إلى تكوين اجتماعي تاريخي، لا يمكن لأحد أن يصنعه على ما يشاء، كما لا يمكن له أن ينكره إذا كان التاريخ قد صنعه، إذن فمصدر (ما يُعكرّ) مزاج الدول الكبرى هو كلمة (أمة) التي تسربّت إلى ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي قامت دعوتها أصلًا، خلال الحرب الأوروبية الثانية، متضمنة شرط الانضمام إلى الحلفاء للحصول على عضويتها. لا بد إذن أن تُحذف كلمة الأمة حتى يصبح حق تقرير المصير تحت رحمة القادرين على منحه، أو في يد القادرين على تحقيقه”(2).
ولعل هذا، هو ما دفع اللجنة الخاصة التابعة للجمعية العامة “إلى حذف كلمة (أمة) من مشروع لجنة حقوق الإنسان، في كانون الأول/ ديسمبر 1955. فلا تشير هذه الاتفاقيات الآن إلا إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها. والواقع أن اقتصار الاتفاقات على تعبير (حق الشعوب) يفترض استبعادها لمفهوم الأمة ورغبتها في إعطاء هذا الحق لجماعة الأفراد التي تؤلف شعب الدولة”(3).
(2)
هكذا، وفي ظل المواثيق (الدولية) التي تتبنى (حق تقرير المصير) و (حقوق الإنسان) كانت الدول الاستعمارية تعقد الاتفاقات السرية فيما بينها لاقتسام العالم. اتفاقية (سايكس بيكو)، واتفاقية (سان ريمو)، واتفاقية (سيفر)، بينما كانت تتحدث في العلن عن عهد حقوق الإنسان، للرئيس ولسون، وعهد عصبة الأمم إلخ.
وهكذا أيضًا بينما كانت تلك الدول تحتفل بالنصر على (النازية والفاشية) وتدعو الشعوب لإطلاق الزغاريد احتفالًا بالنصر، وبولادة ميثاق الأمم المتحدة، وتصفية الاستعمار، وحقوق الإنسان، كانت تعقد (مؤتمر يالطا) سرًا لتوزيع مناطق النفوذ، وكانت تعدّ للمرحلة التالية من مراحل الاستعمار التي يسمونها (إمبريالية) حيث لم تعد الجيوش هي الوسيلة المثلى للسيطرة على العالم، فبدأت الدول الاستعمارية تورّد “الدول التي صنعتها” إلى هيئة الأمم المتحدة، تلك “الدول” التي يجب أن لا يشكل وجودها خطرًا على مصالح الدول الاستعمارية ومخططاتها، فالمواد الخام الرئيسية يجب ألّا تُمسّ، وأي مساس بها هو مساس بالأمن القومي للدول العظمى، فالأمن بات حكرًا على الدول العظمى، باختصار شديد؛ أصبح أي مساس بمصالح الدول العظمى هو مساسًا بالشرعية الدولية، وباستبعاد (الأمة) كأساس للحق (باعتبار أن حق الأمم في تقرير مصيرها يقتضي أن تكون الدول التي هي أشخاص القانون الدولي، وبالتالي أشخاص العضوية في هيئة الأمم المتحدة تمثل أممًا) أصبحت دول الهيمنة تستطيع أن تُقيم الدول، وتؤسسها كما تقتضي مصلحتها (حيثما كان ذلك ممكنًا) هكذا أصبح لدينا دولتان للأمة الفيتنامية، ودولتان للأمة الكورية، ودولتان ومنطقة دولية (مؤجرة للغير) للأمة الصينية، ودول يصعب تعدادها للأمة العربية، ودول لا أساس اجتماعيًا لها في إفريقيا، حيث تحولت حدود احتلال الجيوش الأوروبية، أو حدود نفوذ تجار العبيد الأوروبيين إلى حدود الدول المُرشحّة لعضوية الأمم المتحدة، وكذلك الأمر في أمريكا اللاتينية، وإضافة إلى (نزاعات الحدود) المُصطنعة اقتطاع من هنا، وضم هناك..
وهكذا أعطى “بلفور” وزير خارجية بريطانيا وعدًا بإقامة (وطن قومي لليهود في فلسطين)، ولننتبه هنا أيضًا “وطن قومي لليهود في فلسطين” مشروع دوليًا، بينما “وطن قومي للعرب مُحرّم دوليًا”، هكذا في غمرة احتفالات الحلفاء بالنصر، إثر الحرب العالمية الأولى، أُعطي “وعد بلفور”، وهكذا في غمرة احتفالاتهم بالنصر، بعد الحرب الأوروبية الثانية، نُفّذ هذا الوعد عن طريق هيئة الأمم المتحدة في عام 1948، وفي غمرة الاحتفال بالانتصارات، إثر الحرب العالمية الثانية، وفي غمرة الضجيج الدولي عن تصفية الاستعمار، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وعهد حقوق الإنسان!
(3)
لكن هذا لا يعني أن الأمور تسير دائمًا، وفق إرادة دول السيطرة، والاستبداد في العالم، فبالرغم من التقنيات الحديثة، والعلوم المتطورة التي يسخرّونها إما في اختراع الأسلحة لتخويف الشعوب، أو لإبادتها، إذا اقتضى الأمر، وإما في وضع المكتشفات العلمية في إطلاق مجسات التجسس، واستخدام الحواسب لإحصاء أنفاس الشعوب، نقول رغم ذلك، فإن حاجة الشعوب إلى التحرر، وتقرير مصيرها بحرية ستدفعها إلى إبداع وسائل المقاومة، والدفاع، والانطلاق باتجاه تحقيق أهدافها، وهكذا شهد عقد الخمسينيات من القرن العشرين ما يمكن اعتباره موجة تمرد، وتحد للمخططات، والمشاريع الاستعمارية التي أصبح اسمها (إمبريالية)، خصوصًا أن حجم الإحباط الذي أحست به الشعوب التي كانت تنتظر المكافأة من الحلفاء المنتصرين على “النازية” على وقوف الشعوب مع المستعمرين ضد النازية كان كبيرًا؛ فتعاظمت حركات التحرر، واضطرت بعض الجيوش الاستعمارية إلى الرحيل، قبل ترتيب الأوضاع بالشكل المناسب لها، وحصلت ثورات، وانقلابات، واضطرابات؛ أطاحت بالعديد من النظم التابعة، هكذا تداعى عدد من القادة (المتمردين) لعقد (مؤتمر باندونج) في 1955، وهكذا عمّت الثورات أرجاء أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، وهكذا تحولتّ المشاعر القومية للأمة العربية إلى حركات سياسية، وعقائدية، وثورات يتجاوز تأثيرها حدود (الدول ذات السيادة) التي أسسها المستعمرون، وشهروا تسجيلها في هيئة الأمم المتحدة، وهكذا بلغ الأمر أن يتجرأ (عبد الناصر) على إلغاء معاهدة 1888 الخاصة بقناة السويس، ويؤممها، وهكذا قامت “دولة الجمهورية العربية المتحدة” مُنذرة بتحطيم خارطة الدول القائمة والمُعدّة لتحطيم الأمة العربية، وهكذا بدأت حركات التحرير تجد من يساندها، وبالتالي تتمكن من الجيوش الاستعمارية، فتدميها في أكثر من موقع عبر العالم مما يضطرها إلى تغيير جداول البقاء، وهكذا.
صحيح أن ذلك كله حوصر، وأحبط بعد حين، وأن قوى الهيمنة استعادت المبادرة بإن تبادر هي لإحداث الانقلابات، وتدجين الانقلابين، واختلاق الصراعات واستثمارها، والالتفاف على مشاريع التحرر واختراقها والانقلاب عليها، لكن ما حدث أولًا من تمرد وثورات كان قد حدث، ودخل التاريخ، ودخل ذاكرة الأجيال، والأمم، وترسخّ الدرس الذي سيبقى من يعيه، ويشرحه للأجيال القادمة، فيشحذ إرادتها، وينبهّها إلى الثغرات. ونحن هنا لسنا في مجال البحث عن الأسباب الكامنة وراء الاندفاع والانحسار، ولكننا نعالجه من جانب واحد هو مدى تأثيره على فقه القانون الدولي، وحقوق الإنسان، وحق تقرير المصير.
لقد ظل مبدأ (حق تقرير المصير) في الدائرة النظرية، منذ أعلنه الرئيس الأميركي “ولسون”، إثر الحرب العالمية الأولى، ولم يتحول إلى قاعدة دولية مُلزمة، حتى بعد أن سلبت الدول الاستعمارية الحق الذي يقوم عليه تقرير المصير، عندما قررت أن اعترافها للجماعات بالشخصية القانونية (أي بالحق في تكوين دولة) هو المستند الذي يُعتمد في تأسيس دولة، أو “دول” لتلك الجماعات.
وحتى بعد أن احتكرت دول الهيمنة الحق في إعطاء القرار: “إذا كانت الجماعة من الناس تسمى أمة، أو لا تسمى، لا تبعًا لتكوينها التاريخي، ولكن تبعًا لما إذا كانت الدول -صاحبة الشأن في السياسة الدولية– تريد، أو لا تريد أن تمنحها من عندها حق إقامة دولة”(4).
(4)
نقول: حتى بعد ذلك، وحتى بعد تشويه مبدأ حق تقرير المصير (حق الأمم في تقرير مصيرها)، ووضعه في أضيق الحدود التي لا تضر بمصالح دول الهيمنة، فإن المبدأ “المشوه” ذاته لم يتحول إلى قاعدة قانونية مُلزمة في القانون الدولي إلا في عقد الستينيات من القرن المنصرم (نسبيًا)، ونتيجة لتصاعد فعالية حركات التحرر، و(التمرد) في العالم التي جعلته (في الحدود التي ذكرناها) يتحول إلى “قاعدة مُلزمة يُقرّر حقًا واضحًا، وتمارسه فعلًا حركات التحرر، ولنترك (الوثائق) تتحدث عن نفسها”(5):
1) قرار الجمعية العامة عام 1960 رقم 1514 بخصوص تصفية الاستعمار بجميع صوره ومظاهره تصفية عاجلة، تنص الفقرة الأولى من القرار: “إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكارًا لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين”، كما تنص الفقرة الثانية على أنه: “لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير، ولها بمقتضى هذا الحق أن تُحدّد بحرية مركزها السياسي، وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي”.
2) ورد (حق الشعوب في تقرير المصير) في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان، واللذين أقرتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، واكتسبا صفة إلزامية اتفاقيًا بالتصديق عليهما، أو الانضمام إليهما من العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
3) قرار الجمعية العامة رقم 1654 سنة 1961 القاضي بإنشاء لجنة خاصة، تُقدّم لها التوصيات بخصوص (تصفية الاستعمار).
4) قرار الجمعية العامة رقم 1803 الصادر في 14 كانون أول سنة 1962 الخاص بالسيادة الدائمة على الموارد الطبيعية.
5) قرار الجمعية العامة رقم 141 الصادر في 10 كانون الأول سنة 1965 الذي أكد حق الشعوب في تقرير مصيرها.
6) قرار الجمعية العامة رقم 1231 في 31 كانون الأول سنة 1965، بشأن إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها.
7) إعلان مبدأ القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقًا لميثاق الأمم المتحدة، والذي يقرر حق الشعوب، دون تدخل أجنبي في اختيار نظم الحكم المناسبة لها، بموجب القرار رقم 2625 تاريخ 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970.
8) إذا كان دور الأمم المتحدة من خلال قرارات جمعيتها العامة قد انصب أساسًا على صياغة مفهوم تقرير المصير، فقد ذهبت أبعد من ذلك مؤكدة القيمة القانونية لمبدأ تقرير المصير، من خلال إبرام الاتفاقات الدولية في هذا الشأن؛ فقد أمكن للأمم المتحدة أن تُبرم اتفاقيتين في مجال حقوق الإنسان. حيث تم إقرار الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الاختياري الملحق بها، والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في 16 كانون الأول/ ديسمبر 1966، ونلاحظ أنه في كلتا الاتفاقيتين قد جاء النص صريحًا فيقول: “على الرغم من أن قرارات الأمم المتحدة يصعب إضفاء صفة القانون الدولي عليها، حيث إن الجهة التي تُصدرها، وهي “الجمعية العامة”، لا تملك سلطة التشريع إلا أن أهميتها تكمن في أنها تعكس وجهة نظر غالبية أعضاء الجماعة الدولية، وهي بلا جدال الإدارة الأولى لبلورة قواعد دولية جديدة. فالجمعية العامة للأمم المتحدة -وإن كانت لا تصنع القانون- هي على الأقل تعمل على صياغته”(6).
ويضيف النص: “إذا انتهينا الى أن تقرير المصير قد تطوّر ليُصبح حقًا قانونيًا دوليًا، يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة، والمواثيق الدولية، فإن ذلك يسمح لصاحبه بأن يتخذ تصرفًا فعالًا، فوسيلة اقتضاء الحق قد تكون سلمية، وقد تكون من خلال الكفاح المسلح، إذا لم يفلح التفاوض السلمي، وتجري مناقشة مشروعية استخدام القوة كأحد وسائل اقتضاء حق تقرير المصير، في إطار نظرية حروب التحرير الوطنية، وتدرك هذه النظرية أن من حق أي شعب استعادة إقليمه المغتصب بكافة الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح من خلال حركات التحرر الوطني. وهكذا أصبحت حروب التحرير الوطني -في نظر الغالبية الساحقة من الفقه- مشروعة دوليًا، وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا المفهوم في العديد من القرارات التي أصدرتها…”(7).
(5)
في خطوة أكثر تقدمًا، ولما كانت حروب التحرير الوطني حروبًا دولية، “فإن ذلك يعني أنها حرب بين وحدتين متمتعتين بشخصية القانون الدولي. دولة قائمة بالفعل (الدولة الاستعمارية، أو دولة الاحتلال، أو تلك الى تتبنى نظامًا عرقيًا)، وبين ودولة في طور التكوين، أو في طور النشوء (حركة التحرر الوطني)، وعلى الرغم من أن الدولة التي ما زالت في طور التكوين ينقصها أحد مقومات الدولة الكاملة؛ فإن غالبية الفقه تعترف لها بوصف الكيان الدولي الصالح للدخول في علاقات من ذلك النوع. لكل هذا؛ فإن حركات التحرر الوطني المعترف بها، عندما تمارس الكفاح من أجل تقرير المصير، تُعّد كيانات محاربة ذات صفة دولية”(8).
صحيح أن ذلك أثمر عددًا كبيرًا من الدول ذات السيادة دخلت حلبة الأمم المتحدة، وألقيت خطب عصماء في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد الاستعمار، والاحتلال، والهيمنة الاقتصادية، والسياسية، وأعلنت العديد من القرارات الدولية التي تؤيد حق الشعوب في تقرير مصيرها، لكن دول الهيمنة كانت قد حولت “وعد بلفور” إلى “دولة ذات سيادة” (لنفر من الذين خانوا شعوبهم)، وكانت معاهدات (سايكس بيكو، وسان ريمو، وسيفر) قد مزقت سيادة الأمة العربية، وحقها في تقرير المصير، ورُكبّت على أنقاض سيادتها أعداد كثيرة من “الدول ذات السيادة”، وكانت الحرب السرية، والعلنية قد بدأت في كافة أرجاء الأرض للتدخل في مصير الشعوب والاعتداء عليها، وقلب نظم الحكم الوطنية والقومية، وفرض نفر من المستبدين، والتابعين حكامًا، وكانت جيوش الحلفاء قد حررت فرنسا من النازية، لكنها احتلت ألمانيا وقسمتها.
هذا لا يعني أننا لا نقرّ برأي عام دولي أكثر تفهمًا لتحرر الشعوب، واحترام حقوقها ومصيرها، ولكنه -على صعيد التحول إلى منظومة قانونية متكاملة تمتلك دائرة دولية للتنفيذ متوازنة وعادلة بعيدًا عن هيمنة الدول الكبرى- بقي محدودًا، خاصة أن امتلاك قوى الهيمنة لوسائل الإعلام أتاح لها وسائل بالغة التأثير للتضليل والرياء.
يقول عبد الهادي عباس: “لقد أشار الواقع إلى وجود رأي عام دولي قد يكون قادرًا على استهجان الجريمة وعلى المطالبة بالحق، ولو في مجابهة الظلم المنتصر، لكن هذه الأصوات المنعزلة لا تكون لها أي قوة ملزمة لا مادية ولا اجتماعية، بل لا يكون لها سوى قوة الحقيقة، والحق العادل. والالتجاء إليها -ولو عن غير قصد- هو التجاء إلى العدالة المثالية ضد الواقع الفظ، وإلى الضمير ضد الدولة، وإلى العقل ضد الهوى الجماعي، وإلى القوانين غير المكتوبة ضد القوانين المكتوبة، وأخيرًا إلى الحق ضد القوة، وفي كل يوم تُثبت الأحداث هذا رغم وجود بصيص نور ضعيف يُشعر بشيء من قوة الرأي العام العالمي قد يدفع به التطور قدمًا على ضوء تطور الحضارة والعالم”(9).
إنه بصيص النور الضعيف على أي حال، والمسألة لا تتوقف على قوة الرأي العام العالمي، وحسب، ولكن أيضًا على مقدرته أن يُبصر الحقيقة، فيتقدم إلى العدالة رغم أجواء التضليل البالغة التأثير هذه الأيام.
هوامش ومراجع:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. عصمت سيف الدولة؛ نظرية الثورة العربية، الكتاب السابع، صفحة،118
(2) و (3) و (4) المصدر السابق، صفحة (119) وما بعد.
(5) المحامون، مصدر سابق، صفحة (702).
(6) و (7) و (8) المصدر السابق، صفحة (704) وما بعد.
(9) عبد الهادي عباس؛ السيادة، مصدر سابق، صفحة (72).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً