قرائن الإرادة الضمنية التي يحتكم إليها المحكم الدولي 1
قرائن أو مؤشرات الإرادة الضمنية التي يبحث المحكم من خلالها عن القانون الأنسب الذي يحكم موضوع المنازعة عديدة منها ما يطلق عليه قرائن عامة أو مؤشرات عامة مثل قانون محل إبرام العقد وقانون محل تنفيذ العقد، وأخرى يمكن اعتبارها قرائن أو مؤشرات خاصة مثل قانون محل إقامة المتعاقدين وقانون مكان التحكيم أو جنسية المحكم[1]، سوف أتحدث عن هذه القرائن أو المؤشرات كلا على حدة.
أولا: قرينة محل إبرام العقد
في حال غياب الاختيار الصريح للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع من قبل الأطراف فإن السائد بالنسبة لهذه المشكلة هو تطبيق قانون محل الإبرام باعتباره القانون الأنسب موضوعيا لحكم النزاع، وقضاء التحكيم التجاري الدولي يتجه غالبا نحو تغليب هذه القرينة، ففي إحدى المنازعات التي طرحت على محكمة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية بباريس وتتخلص وقائعها (في نزاع نشب بشأن تنفيذ عقد وكالة عامة في البيع بين شركة إيطالية وأخرى سويسرية، وتقوم بمقتضاه هذه الأخيرة بتوزيع منتجات الشركة الأولى في أمريكا والمكسيك، ولم يوضح في العقد القانون الذي يحكم النزاع الذي عرض على التحكيم وفقا للائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية ولقد طالبت الشركة الإيطالية تطبيق القانون الإيطالي بينما طالبت الأخرى تطبيق القواعد العامة للأمم المتحضرة دون الإشارة إلى قانون وطني معين، غير أن المحكم بعد أن أكد في قراره أن السلطة تقديرية بشأن القانون الذي يحكم موضوع النزاع في حالة عدم اختيار الخصوم صراحة للقانون الذي يحكم النزاع فقرر إعمال القانون الإيطالي باعتباره القانون الأكثر ملاءمة استنادا إلى أن العقد قد وقع في إيطاليا (تورينو) وأن المكان الرئيس للتنفيذ كان في إيطاليا (جنوه) حيث سلمت البضاعة وانتقلت ملكيتها للمشتري)[2]. لقد انتقدت هذه القرينة واعتبرت غير كافية لوحدها لتحديد القانون الواجب التطبيق في مجال عقود التجارة الدولية، والأحسن أن تعزز بمركز أعمال أحد المتعاقدين مثلا، أو أن يتطابق محل الإبرام مع محل التنفيذ. وجدير بالذكر الإشارة إلى صعوبة تعيين محل الإبرام في حالة التعاقد بين غائبين وهي العقود التي تتم بالمراسلة عن طريق تبادل الخطابات أو بالهاتف أو التلكس[1].
ثانيا: قرينة محل تنفيذ العقد
لتفادي النقد الذي وجه إلى قرينة محل إبرام العقد لاختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع فإن بعض الفقهاء يفضلون الأخذ بقرينة محل تنفيذ العقد لتحديد القانون الواجب التطبيق، وذلك أن محل تنفيذ العقد هو الهدف من التعاقد غير أن الأخذ بقرينة محل التنفيذ قد تصطدم بصعوبة تحديد محل التنفيذ عندما تتعدد محال التنفيذ تبعا لتعدد الالتزامات الناشئة عن العقد[2]. إلا أن هذا الاعتراض مردود عليه بأنه في حالة تعدد محال التنفيذ فإن العبرة بمحل التنفيذ الرئيسي. والأصل أن يوضح الأطراف مكان التنفيذ، وفي حالة عدم التحديد لمحل التنفيذ من قبل الأطراف فيكون تحديده باعتبار المكان الذي يقوم فيه المدين بالوفاء الفعلي بالتزامه. وإن بدا محل التنفيذ أقرب الروابط الموضوعية لأنه يعطي العقد توطينا حقيقيا يمكن معه افتراض إرادة الطرفين.
[1] – د. جمال محمود الكردي، القانون الواجب التطبيق في دعوى التحكيم، المرجع السابق، ص 93.
[2] – المرجع السابق، ص 93.
[1] – د. أبو زيد رضوان، الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، المرجع السابق، ص 137.
[2] – هذا الحكم الصادر في الدعوى رقم 1422 لسنة 19666، منشور في جريدة القانون الدولي، 1974 العدد الرابع، ص 884.
اترك تعليقاً