قواعد الإختصاص الدولي من متعلقات النظام العام
إن الاختصاص العام الدولي يعتبر من متعلقات النظام العام وكل اتفاق يرمي إلى جعل الاختصاص في حالة تنفيذ العقد في سورية وسائر الأحوال الخاصة الأخرى المنصوص عليها في المادة الرابعة وما يليها من الأصول إلى محكمة أجنبية هو اتفاق باطل.
( أساس هيئة عامة 159 قرار 209 لعام 1998 )
حيثيات :
إن الهيئة الحاكمة بعد اطلاعها على استدعاء دعوى المخاصمة وعلى القرار موضوع المخاصمة وعلى مطالبة النيابة العامة المتضمن من حيث النتيجة رد الدعوى شكلاً بتاريخ 1998/2/13على كافة أوراق القضية وبعد المداولة أصدرت الحكم الآتي:
أسباب المخاصمة:
1ـ المادة 45 مدني تقتصر على التبليغ في الموطن المختار ولا علاقة له بالاختصاص الدولي.
2ـ الاختصاص العام الدولي للمحاكم السورية على رعاياها من النظام العام ولا يجوز التخلي عن اختصاص القضاء الوطني وكل اتفاق خلاف ذلك يعتبر باطلا لتعلقه بسيادة الدولة وفقا لأحكام المادة /4/ أصول.
3ـ إن طعن الجهة المخاصمة بقرار الحجز الاحتياطي سندا للمادة 300 أصول لا يتعدى مدا أصل الحق واختصاص المحكمة مما يعرض قرارها للإبطال.
4ـ أكثر استطرادا فإن المادة 9 أصول تنص على اختصاص المحاكم السورية بإنجاز التدابير التحفظية ولو كانت غير مختصة بالدعوى الأصلية.
5ـ إن وجود تضامن مع التحكم يبقى من اختصاص القضاء إلقاء الحجز الاحتياطي.
في القانون والمناقشة القانونية:
من الثابت على أن طالب المخاصمة أقام دعواه ضد شركة يوش وأخذ الشركاء معه أمام محكمة البداية المدنية في دمشق مدعيا على أن شركته كشخص اعتباري سبق لها أن تعاقدت مع شركة يوش لكي تكون وكيلة حصرية في بيع منتجاتها في سورية وقد مضى على هذه الوكالة فترة زمنية طويلة من 1971 وإن الشركة بتحريض من الشريك الآخر قامت بعزل الشركة الوكيلة عن هذه الوكالة وفي وقت غير مناسب وذلك في 1994 مما الحق الضرر به وملتمسا الحجز الاحتياطي ومن ثم إلزام الجهة المدعى عليها بالتعويض.
وقد استجابت محكمة البداية لطلب إلقاء الحجز الاحتياطي الصادر في 3/11/1996 وقد اعترضت شركة يوش وادوار هلال وريمون معتوق على هذا الحجز حيث رد الاعتراض بموجب القرار الصادر في 3/11/1996 وأيدت هذا القرار محكمة الاستئناف إلا أن الهيئة المخاصمة نقضت القرار وتصدت للموضوع عملا بالمادة 260 أصول وحكمت بإلغاء قرار الحجز الاحتياطي.
وبما أن الهيئة المخاصمة استندت في قرارها إلى النقاط التالية وفيما خص أسباب المخاصمة ـ
1ـ نص المادة 16 من عقد تأسيس الشركة (معتوق وشركاه) تضمن حل جميع الخلافات بين الشركاء بواسطة التحكيم وطالما أن المحكمة غير مختصة لوجود هذا الشرط فإنه لم يعد لها من حق في إلقاء الحجز وكان عليها أن تطالب به أمام قاضي العجلة.
2ـ إن المادة /17/ من اتفاقية مبيعات حصرية المعقود مع شركة يوش أشارت على أن تكون محاكم شتوتفارت في ألمانيا مختصة بكل ما يتعلق بهذا العقد وأن يكون هذا الاتفاق خاضعا للقانون الألماني وطالما أن الادعاء ينصب على التعويض بسبب إنهاء العقد من شركة يوش وإن ما ينسبه المدعي يكون من اختصاص القضاء في شتوتفرت في ألمانيا حسب قيود الاتفاقية باعتباره الموطن المختار المتفق عليه بين شركة التضامن وشركة يوش حسب أحكام المادة 25 من القانون المدني السوري.
عدم الارتباط بين الدعوتين لأن الدعوى المتعلقة بالشركاء من اختصاص التحكيم في حين أن الدعوى الثانية المتعلقة بالتعويض من اختصاص المحاكم الألمانية.
وبما أن طالب المخاصمة ينعى على القرار بالأخطاء المهنية الجسيمة الواردة في أسبابه والتي تنحدر بالنظر إلى الإبطال والانعدام.
وبما أنه وكما نوهنا فإن الادعاء كان موجها إلى شركة يوش أحد الشركاء من أجل التعويض عن إنهاء الوكالة بوقت غير مناسب وبتآمر مع أحد الشركاء.
وبصرف النظر عن أحقية هذا الموضوع من عدمه والمتروك أمر تقديره إلى القضاء المختص فإن الأمر الواجب البحث في اختصاص القضاء الوطني في المداعاة على الشركة الأجنبية وهل يعتبر الاتفاق مع اختصاص قضاء أجنبي ساريا وواجب الاحترام عملا بسلطان الإرادة.
من الثبت على أن الاتفاقية المسماة اتفاقية المبيعات الحصرية والموقعة بين الشركتين والمتضمنة توكيل شركة التضامن بتوزيع منتجات شركة يوش المشار إليها في العقد في المنطقة.
وبما أنه لا جدال بين الطرفين على أن المنطقة تعني سورية وهذه الناحية المنتجة في هذه القضية.
وطالما أن العقد المبرم بين الطرفين في شتوتفارت بألمانيا لتنفيذه في سورية.
فإن حكم المادة الرابعة بفقرتها ب/ هي الواجبة النفاذ تأسيسا على أن هذه المادة بفقراتها أبانت مدى اختصاص المحاكم السورية بنظر الدعاوى المدنية والتجارية التي ترفع على الأجنبي والذي ليس له موطن أو سكن في سورية.
وقد أوضحت الفقرة /ب/ من هذه المادة على اختصاص المحاكم السورية دوليا إذا كانت الدعوى ناشئة عن عقد 1ـ أبرم 2ـ أو نفذ ـ3 أو كان مشروطا تنفيذه في سورية.
والصور الواردة في المادة المذكورة تأتي كل صورة منها على استقلال بحيث يكفي تحقق أية واحدة في منح الاختصاص للمحاكم السورية دون اشتراط بقية الصور.
ويسري هذا الحكم أيضا ولو كان الأجنبي المدعى عليه شخصيا اعتباريا كشركة مثلا تم تكوينها ويوجد مركزها الرئيسي في الخارج ولكن لها نشاط في سورية حيث تعتبر سورية موطنا لهذه الشركة باعتبار أنها المكان الذي توجد فيه الإدارة المحلية.
ومن الجدير بالملاحظة أن هذه المادة قاصرة على الدعاوى التي تختص بنظرها المحاكم السورية وعلى هذا فإن هذه المحاكم ولو لم تتوافر أية حالة من حالات المادة /الرابعة/ باتخاذ الإجراءات التحفظية كالحجز والمحاكم السورية لا تتخذه من قواعد القانون الرابعة وقواعد الاختصاص المحلي وإنما تتخذه من قواعد القانون الدولي الخاص إذ الحجز الاحتياطي يستلزم تدخل السلطة المحلية في المكان الموجود فيه المال المحجوز وهذا التدخل من جانب الدولة لا يمكن أن يكون إلا على الوجه الذي رسمته قوانين الأصول فيها والتي هي في طبيعتها قوانين إقليمية ولا يمنع عن ذلك بنظر هذه المسائل اشتراك محاكم أخرى في هذا الاختصاص واستنادا إلى القوانين المنظمة لقضائها وعلى هذا الأساس فإن الاختصاص المتعلق بإنهاء الوكالة والمطالبة بالتعويض من اختصاص القضاء الوطني مبدئيا طالما أن العقد نفذ في سورية.
وإذا كان الأمر كذلك فهل من حق الطرفين مخالفة هذه القواعد لا بد أولا من الإشارة عما إذا كانت قواعد الاختصاص الدولي من متعلقات النظام العام أم لا.
لقد استقر الاجتهاد على أن الاختصاص العام الدولي يعتبر من متعلقات النظام العام وكل اتفاق يرمي إلى جعل الاختصاص في حالة تنفيذ العقد في سورية وسائر الأحوال الخاصة الأخرى المنصوص عليها في المادة الرابعة وما يليها من الأصول إلى محكمة أجنبية هو اتفاق باطل.
نقض 657 تاريخ 6/7/959
وطالما أن قواعد الاختصاص الدولي من النظام العام.
وطالما أنه لا يجوز الاتفاق على خلاف هذه القواعد أو الرضاء بالخضوع لوظيفة القضاء الأجنبي لأنها من متعلقات النظام العام.
وبما أن هذا الخطأ في الواقع يخالف الحدود الدنيا لنص المادة 4 أصول ويشكل انحرافا عن المبادئ الأساسية في علم القانون والأصول مما يجعل المحكمة قد ارتكبت هذا الخطأ الغير جائز ارتكابه والذي لا يصدر إلا عن عامد أو مستهتر.
أما في ما خص العلاقة بين الشركاء فإن هذه العلاقة يحكمها القانون الذي ينظمها وهو العقد الواجب الاحترام عملا بمبدأ سلطان الإرادة.
وطالما أن هذه الإرادة انعقدت على إعلان عدم اختصاص القضاء في كل منازعاتها تتعلق بالعقد فإنه من حق المحكمة إثارة ذلك عقدا ومن تلقاء نفسها.
صحيح أن التدابير التحفظية من اختصاص القضاء ولا يؤثر عليها اتفاق التحكيم إلا أنه يتوجب على صاحب العلاقة إقامة الدعوى أمام القضاء المستعجل ولأن إقامة الدعوى أمام محكمة الموضوع مخالفة للنص ومن حق الطرف الآخر إثارة هذا الموضوع ولو في موطن الاعتراض على الحجز وعلى المحكمة أن تبت به سالبا أم إيجابيا مما يجعل هذا السبب مرفوضا.
أما في ما خص الموطن وحكم المادة 45 من القانون المدني فإن نص المادة /4/ أصول يستغرق أي حالة أخرى طالما أن العقد اشترط تنفيذه في سورية وإن هذا الاشتراط كاف لانعقاد الاختصاص للقضاء الوطني وإعلان بطلان أي شرط خلاف هذا النص.
وبما أن القرار أجاب من ناحية وأخطأ خطأ جسيما من ناحية أخرى.
وبما أن القرار لا يتجزأ.
لذلك تقرر بالأكثرية:
1ـ قبول الدعوى شكلا.
2ـ قبول الدعوى موضوعا.
اترك تعليقاً