قواعد تطبيق القانون المدني من حيث المكان
مبدأ إقليمية القوانين ومبدأ شخصية القوانين
طرحت مسألة تنازع القوانين من حيث المكان كنتيجة حتمية لاتصال الشعوب وارتباط أفرادها بعلاقات تفرضها الطبيعة الإنسانية التي ترفض بنزاعاتها البشرية كل حاجز يمنع ذلك الاتصال .
وفي الوقت الحاضر فإن انتشار التجارة الدولية وتداخل المصالح وتطور وسائل المواصلات التي سهلت مهمة انتقال الإفراد بين الدول وضاعفت من العلاقات بينهم جعلت مسالة السريان المكاني للقانون من المسائل الأساسية في نطاق القانون الدولي الخاص لمعرفة مدى سريان القانون الدولي على هذه العلاقات فهل يسري قانون الدولة على إقليمها سواء في حق المواطنين أو الأجانب المقيمين على هذا الإقليم أم يقتصر تطبيقه على المواطنين فحسب .
وأيضاً يثور التساؤل فيما إذا كان قانون الدولة يطبق على المواطنين أياً كان مكان إقامتهم سواء داخل إقليم الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم أو خارج هذا الإقليم .
تتراوح الإجابة على هذه التساؤلات بين مبدأين هما :
1ـ مبدأ إقليمية القوانين :
يقضي هذا المبدأ بان تكون الدولة صاحبة السلطان المطلق , والسيادة التامة في حدود إقليمها .
ويعني هذا أن قانون هذه الدولة يسري على كل نشاط يجري على إقليمها , وعلى كافة الأشخاص الذين يقيمون فيه , سواء كانوا مواطنين أم أجانب.
لكنه لا يسري خارج حدود هذا الإقليم حتى بالنسبة لمواطني الدولة التي صدرت عنها هذه القوانين وذلك احتراما لسيادة الدول الأخرى .
2ـ مبدأ شخصية القوانين :
يقصد به سريان قانون الدولة على جميع الأشخاص الذين ينتسبون إليها برابطة الجنسية سواء أكانوا داخل إقليم هذه الدولة , أو خارجه . وعدم سريانه على الأجانب المقيمين على إقليمها .
وقد تفاوت مدى الأخذ بكل من المبدأين باختلاف الدول والعصور
,لكن السائد اليوم في اغلب الدول الحديثة اعتبار مبدأ إقليمية القوانين هو الأصل ,ومبدأ شخصية القوانين هو الاستثناء .
لان الدولة لا تملك سلطة فعلية حقيقية إلا على إقليمها وهي تستطيع مباشرة هذه السلطة حتى على الأجانب المقيمين فيه.
المبادئ المتبعة في القانون السوري
تنص المادة /11/من القانون المدني السوري :(القانون السوري هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يطلب تحديد نوع العلاقات في قضية تتنازع فيها القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها) .
يتضح من هذا النص :أن القاعدة الأصلية في القانون المدني السوري اعتماد مبدأ إقليمية القوانين ,أي تطبيق القانون السوري على كل الأشخاص سواء كانوا مواطنين سوريين أو أجانب.
غير أن مبدأ إقليمية القوانين ترد عليه بعض الاستثناءات المستمدة من مبدأ شخصية القوانين .
وعليه نكتفي بذكر بعض القواعد القانونية التي يسري عليها مبدأ إقليمية القوانين وما يرد على هذا المبدأ من استثناءات .
أولاً : مبدأ إقليمية القوانين :
يطبق على الأمور التالية :
1- القواعد القانونية المتعلقة بالضابطة كأنظمة المرور ومراقبة الأسواق والمحلات العامة أو المقلقة للراحة أو المضرة بالصحة العامة والقوانين التي تنظم مزاولة الحرف والمهن المختلفة كمهنة المحاماة أو الطب أو الصيدلة .. إلخ .
2- القواعد القانونية المتعلقة بالحيازة والملكية والحقوق العينية الأخرى .
3- القواعد القانونية المتعلقة بالنظام القضائي وإجراءات المحاكمة.
4- القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام والآداب العامة .
5- القواعد القانونية المتعلقة بالأشياء , ثابتة ( عقارات ) أو منقولة وما يترتب عليها من حقوق عينية .
ثانياً : مبدأ شخصية القوانين :
تطبق القوانين المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية تطبيقاً شخصياً نظراً لاتصال هذه المسائل بشخص الإنسان وبحقه في تكوين أسرة معينة اتصالاً وثيقاً ومن ثم كان ضرورياً أن تخضع المنازعات المتعلقة بهذه المسائل لقانون دولة الشخص بشرط ألا يكون الحكم قانونه دولة هذا الشخص يتعارض مع النظام العام في سوريا , وهذا ما أخذت به العديد من الدول , فعلى سبيل المثال : فقد اعتبرت المحاكم التونسية قانون الأحوال الشخصية المغربي الذي يسمح بالطلاق بالإرادة المنفردة يتعارض مع السياسة التشريعية التونسية , ويجب استبعاده لمخالفته النظام العام التونسي .
وهنا يترك لقاضي الموضوع تقدير ما إذا كان قانون الشخص الأجنبي يتعارض مع النظام العام لدولة القاضي وتقديره هذا ليس مبنياً على آراء شخصية ذاتية بل يبنى على أساس موضوعي يخضع في تقديره لمراقبة محكمة النقض .
ويمكن أن نذكر على سبيل المثال العديد من القواعد القانونية المتعلقة بمسائل الأخوال الشخصية منها :
1- القواعد القانونية المتعلقة بالحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم , أي كل ما يتعلق بالصفات الملازمة للشخص كالسن والجنس والاسم والموطن والأهلية … إلخ .
2- القواعد القانونية المتعلقة بالزواج والطلاق والإرث والوصية وسائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت .
3- القواعد القانونية المتعلقة بالنفقة فيما بين الأقارب .
4- القواعد القانونية المتعلقة بالولاية والوصاية والقوامة وغيرها من النظم الموضوعة بحماية المحجور عليهم الغائبين .
ثالثاً : الأخذ بالمبدأين معاً :
يعتمد المشرع في تطبيق القواعد القانونية الجزائية على مبدأ إقليمية القوانين ومبدأ شخصية القوانين , فقد نصت الفقرة الأولى من المادة / 15/ من قانون العقوبات على أنه : ” يطبق القانون السـوري على جميع الجرائم المقترفة في الأراضي السورية ” .وهذه هي الصلاحية الإقليمية .
أما المادة / 20/ من القانون ذاته فتنص على أنه : ” يطبق القانون السوري على كل سوري فاعلاً كان أو محرضاً أو متدخلاً أقدم خارج الأراضي السورية على ارتكاب جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون السوري “. وهذه هي الصلاحية الشخصية.
أما فيما يتعلق بالالتزامات التعاقدية فقد نصت المادة /20/ من القانون المدني السوري على أنه : ” يسري على الالتزامات التعاقدية , قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنا فإذا اختلفا موطنا سرى قانون الدولة التي تم فيها العقد , هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانوناً آخر هو الذي يراد تطبيقه على أن قانون موقع العقار هو الذي يسري على العقود التي أبرمت بشأن هذا العقار”.
يلاحظ أن القانون المدني السوري قد ساير في موقفه السابق الوضع السائد لدى أغلب التشريعات الحديثة .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً