قانون الشريعة
خالد بن محمد العنقري
في الغالب لا نسمع ولا نقرأ في عالمنا العربي هذه المفردات إلا مقرونة بحرف العطف؛ فيقال الشريعة والقانون والعطف يقتضي المغايرة كما هو معلوم في اللغة, وفي الوقت نفسه يسميه الغرب قانون الشريعة, فهل الاختلاف هنا اختلاف صوري وهذه المصطلحات ذات مدلول واحد؛ فلا مشاحة في الاصطلاح أم ثمة خلاف جوهري يستوجب واو العطف؟ هذا ما سأحاول الجواب عنه في هذه المقالة. الشريعة في اللغة تعني الطريق المستقيمة ومن ذلك قوله تعالى (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها..).
وتأتي بمعنى مورد الماء الجاري فيقال: شرعت الإبل، إذا وردت شريعة الماء، وفسرها ابن عباس- رضي الله عنه- بالسبيل والطريق في قوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا), أما كلمة القانون فهي كلمة إغريقية تعني العصا المستقيمة، ويقابلها في اللغة العربية لفظة النظام، وهو المعنى الذي تفسر به لفظة القانون بالإنجليزية Law المنقولة من اللغة الألمانية القديمة التي تعني القاعدة أو الإقرار.
يذكر أنه أول ما عرف لفظ القانون في بلاد المسلمين كان عن طريق بعض المثقفين الذين أحضروا بعض قوانين الإغريق، وفي طياتها ما يخالف الشريعة الإسلامية ويصادم أحكامها فتصدى العلماء لهذه القوانين، ولعل هذا ما جعل البعض من ذلك الزمان يقف موقفا مجردا من القانون بمجمله دون الإحاطة بالعلة التي كانت سببا لموقف العلماء منه في ذلك الوقت، فما عاد يفرق بين الاسم والمضمون وقد يكون ذلك كراهة للتقييد أو التوجس من الجديد.
عندما ننظر إلى مصادر التشريع في الإسلام نجدها القرآن والسنة والإجماع والقياس؛ لذا جاء في كتاب عمر- رضي الله عنه- لشريح القاضي (الفهم الفهم فيما أدلي إليك ما ليس في قرآن ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال والأشباه ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحق).
فالاجتهاد هنا بالقياس هو اجتهاد بشري، وهو محل الصواب والخطأ وقابل للنقض والتغيير، وقد نوه لذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- حين أوصى أميره الصحابي الجليل بريدة إذا حاصر حصنا أن ينزلهم على حكمه لا على حكم الله وعلل ذلك- صلى الله عليه وسلم- بقوله: (فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أو لا؟) إذا فليس من الحق ولا من الحكمة أن تنسب الاجتهادات البشرية إلى الله، وهي في الحقيقة اجتهادات يثاب فيها المخطئ بأجر والمصيب بأجرين متى استنفد جهده وكان من أهل الاجتهاد. وفي المقابل فإن من القوانين العالمية ما يوافق الشريعة الإسلامية بل منقول منها أحيانا, وبهذا يقول وول ديورانت (عندما ظهر النوابغ في عصر النهضة الأوروبية فإن نبوغهم وتقدمهم كانا راجعين إلى أنهم وقفوا على أكتاف العمالقة من العالم الإسلامي), إن ترابط الحضارات لا ينكر وهناك من الغربيين من يقول إن المسلمين أخذوا من حضارة الإغريق ونحن نقول: (الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها).
وفي الحديث: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فأصل الأخلاق موجود والعبرة بالكمال والدوام. عندما ننظر للقانون الجنائي الفرنسي نجدهم لا يتحرجون من القول إن مصدره الفقه الإسلامي, وعندما ننظر إلى القانون التجاري الإنجليزي نجده موافقا في أطروحاته للفقه الإسلامي وتفصيلات الفقهاء وما زال البعض لا يقارن بين القانون والشريعة إلا بالحدود. ختاما فإن دارس القانون لا غنى له عن دراسة الشريعة ودارس الشريعة لا تميز له في الجوانب القضائية دون الإلمام بالقانون، وكلاهما مكمل للآخر، ولا غنى لأحدهما عن صاحبه في بلد يحكم بالشريعة ويستمد أنظمته منها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً