عقد التأجير التمويلي..ذو علافة بـ:عقد التأجير التمويلي أنواعه و خصائصه و شروطه و أطرافه

بواسطة باحث قانوني
عقد التأجير التمويلي – محاماة نت

عقد الليزينغ
Leasing))
إن حاجة المشروعات الصناعية والتجارية للتمويل ، تمثل هاجسا يأرق بال الاقتصاديين و الصناعيين ، فالتطور الصناعي و التكنولوجي متسارع و العمر التكنولوجي للآلات و المعدات أصبح قصيرا و هذا يفرض على المشاريع دائما التزود بالتقنية الحديثة حتى تبقى في دائرة المنافسة وهذا لا يتاح لها دائما في مصادر التمويل التقليدية . كما أن المشروعات لا تقف عند حد معين فهي دائما في توسع وازدهار فإذا أراد صاحب المشروع أن يوسع مشروعه أو يزيد الطاقة الإنتاجية له فانه قد لا يجد مصادر التمويل الذاتية كافية لوضع طموحه موضع التنفيذ ومن ثم بدأ بالبحث عن مصادر تمويل خارجية ، فيقترض من المصارف أو من غيرها من المؤسسات المالية . إلا أن هذه المصادر غالبا ما تفرض شروطا قاسية تقيد حرية المشروع في التوسع و تجعل الفائدة المرجوة منها ضئيلة لا تتناسب وما يطمح إليه أصحاب المشاريع ، بالإضافة إلى أن الاقتراض غالبا لا يغطي سوى (60%)إلى (80%)من حاجة المشروع .

وبالإضافة إلى هذه المشاكل الفردية التي تطرحها حاجة المشاريع إلى التوسع ومجاراة التطور التقني الحاصل، فان المشاكل تطرح نفسها بقوة على مستوى الدول و الشعوب، فالتفاوت كبير بين الدول في استخدام التقنية الحديثة في العمل ، ويرجع ذلك في غالب الأحيان إلى ضعف القدرة الاقتصادية لهذه الدول والى عجز مصادر التمويل التقليدية عن حل هذه المشكلة ، بل على العكس فان المصادر التقليدية للتمويل غالبا ما توقع الدول تحت رحمة المؤسسات المالية الدولية مما يؤدي إلى تدخل هذه المؤسسات في شؤون الدول و التأثير على سياستها الداخلية و الخارجية .

لذلك كان لا بد من وسيلة تنتشل المشروعات و الدول من هذه المشاكل ، ومن هنا بدأ البعض بالتفكير في استخدام عقد الإيجار كوسيلة للتمويل بعد إدخال ما يناسب وظيفته الجديدة ، فظهر عقد التأجير التمويلي تلبية لحاجة المشروعات و الدول إلى مصادر للتمويل تلبي طموحها و حاجتها.

ويقوم نظام عقد التأجير التمويلي باعتباره من إحدى وسائل التمويل متوسط الأجل وطويل الأجل على فكرة مؤداها : أن شركة التأجير التمويلي تقوم بشراء ما يحتاج إليه المشروع بناء على طلبه من أصول إنتاجية أو تقوم بإنشاء التوسعات العمرانية المطلوبة .
وبذلك تكون هذه الشركة هي المالك القانوني للأصول الإنتاجية أو المنشات ، ثم تقوم بتأجيرها للمشروع طالب التمويل مقابل أجرة يتفق عليها بينهما بحيث تمثل هذه الأجرة مقابل استهلاك الأصول المؤجرة ومقابل النفقات الإدارية بالإضافة إلى هامش الربح المقرر للشركة على الأصول المؤجرة وغالبا ما تكون مدة الإيجار معادلة تقريبا للعمر الاقتصادي أو التكنولوجي للأصول المؤجرة . هذا الوضع يمكن شركة التأجير التمويلي من استرداد الأصول المؤجرة بصفتها مالكا لها إذا ما توقف المشروع عن دفع الأجرة أو أخل بشروط العقد ، كما يحق لها استرداد الأموال من تفليسة المشروع المستأجر دون الدخول في متاهات إجراءات الإفلاس .
أما بالنسبة للمستأجر فانه يحقق مصالحه باقتناء الأصول الإنتاجية والمنشآت اللازمة لتطوير وتوسيع مشروعه، و يظل يحصل على منافعها الاقتصادية طوال مدة العقد مقابل دفع الأجرة وعند انتهاء مدة الإيجار يكون من حق المستأجر أن يختار واحدا من ثلاث خيارات :
– إما أن يشتري المال المؤجر بناء على وعد بالبيع من المؤجر مقابل ثمن يراعي فيه ما دفع من الأجرة .
– وإما أن يجدد العقد لمدة جديدة وفي هذه الحالة تكون شروط العقد أخف وأيسر من الشروط السابقة للعقد الأول .
– وإما أن يعيد المستأجر الأموال المؤجرة إلى شركة التأجير التمويلي و ينهى العقد.

أما بالنسبة لنشوء هذا العقد فيمكن القول بالرغم من أن التأجير التمويلي يرجع في نشأته إلى النظام التجاري في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن القانون الفرنسي نظمه تنظيما يخالف التنظيم الأمريكي لهذا العقد ، لذلك فان مفهوم هذه العقد يختلف بحسب مكان نشأته و تطوره وكان لازدياد الاستثمارات الأمريكية في الدول الأوربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية أثر واضح في عبور ظاهرة التأجير التمويلي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى القارة الأوربية فقد عرفت هذه القارة التأجير التمويلي في بداية الستينات من القرن العشرين ، وإذا كان الفضل الأول في انتشار هذا العقد عالميا يرجع إلى الشركات الأمريكية إلا أن الرأسمال الفرنسي نقل التأجير التمويلي في صورته المعروفة في فرنسا إلى العديد من الدول النامية التي تدور في فلك الاقتصاد الفرنسي ، وأهمها دول المغرب العربي ودول غرب أفريقيا .

– وقد أسست أول شركة فرنسية للتأجير التمويلي سنة(1962)ووصل عدد الشركات التي تقوم بهذا النشاط خلال ثلاث سنوات إلى (30)شركة وكان أول تنظيم تشريعي للتأجير التمويلي في فرنسا بموجب القانون رقم (66- 455)لعام (1966).
وما يهمنا هو ظهور التأجير التمويلي في الدول العربية فقد سعت الحكومة المصرية منذ أول الثمانينات إلى إعداد مشروع قانون ينظم التأجير التمويلي تمهيدا لإدخال هذا النشاط إلى مصر وتحقق ذلك في القانون (95)لعام (1995) كما صدر في لبنان القانون رقم (160)بتاريخ 27 -10-1999الذي يرمي إلى تنظيم عمليات الإيجار التمويلي.
أما في سورية فقد ظهرت العديد من الصعوبات اعترضت تطبيق وانتشار مثل هذا العقد أهمها:
-أن القانون رقم (28)لعام 2001والخاص بالسماح بتأسيس المصارف الخاصة وفي المادة 20 منه “للمصارف الحق بمزاولة الأعمال و النشاطات التجارية و الصناعية أو أي نشاط آخر ليس له علاقة بالأعمال المصرفية ” وهذا يتعارض مع عقد التأجير التمويلي الذي يعتبر من العقود التجارية و خاصة أن مثل هذا النشاط لا يمكن أن تمارسه إلا مؤسسات مالية مليئة
– إن أحكام التأجير التمويلي و تكييفه القانوني لا يستقر في ظل التشريع الحالي . فالتكييف القانوني لعقد التأجير التمويلي وفقا لنصوص القانون المدني قد يفسر تفسيرا يؤدي إلى تكييفه بأنه عقد بيع بالتقسيط و أن الثمن الحقيقي للمبيع إنما هو الأقساط التي يسميانها الأجرة . و هذا ما يؤدي إلى نقل ملكية الأشياء المؤجرة إلى المستأجر و حرمان شركة التأجير التمويلي من ضمانة بقاء الآلات و المعدات محل الإيجار في ملكه .
– إلا أن أهم مشكلة يواجهها عقد التأجير التمويلي في سورية هي عدم وجود قيود خاصة تسجل فيها مثل هذه العقود و بالتالي فان دائني المستأجر يمكن أن يحجزوا على هذه الآلات و المعدات وعلى حق استثمار العقارات، مما يؤدي إلى ضياع حقوق شركات التأجير التمويلي ، فالقيود الخاصة بتسجيل عقد التأجير التمويلي يعتبر حجة على الغير حفاظا على أموال المؤجر وهذه أهم الضمانات لانتشار مثل هذه العقود .

وإذا كان التأجير التمويلي يجمع الكثير من القواعد القانونية الخاصة ببعض العقود التي نظمها المشرع ، لذلك فقد اختلف الفقه في تحديد الطبيعة القانونية لهذا العقد . وربما يكون السبب في حيرة الفقه هو تشابك العلاقات القانونية المتولدة عن هذا العقد ، بل وتداخل أكثر من شخصين في تنفيذ هذا العقد فهو باعتباره يخول المستأجر حق الانتفاع بالمال المؤجر خلال مدة الإيجار مقابل التزامه بأن يدفع للمؤجر الأجرة المتفق عليها في العقد بالإضافة إلى أنه كما رأينا يتضمن خيارات ثلاثة ممنوحة للمستأجر في نهاية مدة الإيجار كل ذلك يجعل لهذا العقد ذاتية خاصة باعتباره أحد العقود المسماة بعد أن نظمها المشرع المصري بموجب القانون (95) فأصبح عقدا مستقلا عن عقود الإيجار الأخرى بقواعده الخاصة المميزة أما ما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون فلا مفر من الرجوع إلى القواعد العامة .
ونظرا لأن المشرع الفرنسي لم ينظم هذا العقد وإنما انصب تنظيمه على المشروعات العاملة في مجال التأجير التمويلي تاركا العقد لحرية المتعاقدين .
لذلك اتجه بعض الفقه في فرنسا إلى تكييف هذا العقد بأنه عقد ذو طبيعة خاصة تتولى الارادات الخاصة تحديد مضمونه الاتفاقي دون قيد إلا ما يفرضه القانون من قيود على مبدأ سلطان الإرادة .
وهكذا يكون المشرع المصري قد نجح في تجنب ما يثار في الفقه الفرنسي حول تكييف هذا العقد عندما نظمه تنظيما مستقلا عن العقود الأخرى التي يمكن أن تتم بمناسبة عملية التأجير التمويلي.
ومما لا شك فيه أن عقد التأجير التمويلي عقد ملزم للجانبين إذ يقتضي تنفيذه قيام المستفيد بدفع أقساط الأجرة مقابل الانتفاع بالأصل المؤجر، ومن جهتها تلتزم شركة التأجير التمويلي – بوصفها المالك المؤجر للأصل بتمكين المستفيد من لانتفاع به .

وبالنتيجة نرى أن التأجير التمويلي أصبح ظاهرة واسعة الانتشار عالميا، مما يؤكد على أهمية هذا النوع من النشاط وضرورته الاقتصادية للدول المتقدمة عامة حيث أن التعامل بهذا العقد يمنح المشروعات الاستثمارية فرصة للتغلب على مشكلة التقادم التكنولوجي للآلات و المعدات الصناعية كما يخفف من العبء الضريبي على عاتق المشروع المستأجر حيث أن المشروع تكون حيازته للأموال المؤجرة على سبيل الإيجار و للدول النامية خاصة، حيث بواسطته يمكن نقل التكنولوجيا بتكلفة أقل، وبالتالي يمكنها من خلال هذا العقد اللحاق بالركب الحضاري المتسارع، و الذي لا يمكنها اللحاق به في ظل العقود التقليدية . فهذه الدول لا تستطيع شراء الآلات و العقول الإلكترونية الضخمة بالإضافة إلى أنها لا تستطيع الاعتماد على مساعدات الدول الغنية حيث أن هذه الدول لا ترمي إلى الدول النامية إلا بالفتات والبالي من الآلات و المعدات لذلك فإننا نهيب بمشرعنا السوري لوضع الأرضية التشريعية اللازمة لعمل مثل هذه الشركات، و خاصة ونحن على باب انفتاح اقتصادي و تشريعي لافت للنهوض بالاقتصاد الوطني و السعي إلى كل ما فيه خير للوطن و المواطن و لا شك أن انتشار هذا العقد في دول العالم إنما يدل دلالة واضحة على أهميته و فائدته. ومهما يكن فان التأجير التمويلي يتوقف ذيوعه وانتشاره أولا وأخيرا على مدى تفاعله مع النظام القانوني للدولة التي تأخذ به.