بقلم ذ عزيز ندا علي وحميد
باحث جامعي
نقلت مختلف المنابر الاعلامية الوطنية الاليكترونية منها والورقية موضوعا يتعلق بإجراء من شأنه تعزيز الحكامة القضائية ومحاربة الفساد وتحقيق المحاكمة العادلة وتأهيل فضاء المحكمة ليكون في مستوى تطلعات الوزارة الوصية حسب اعتقادها الصميم، ولا غرابة ان كان هذا الإجراء يتمثل في تتبيت كامرات رقمية في اروقة المحاكم ودهاليزها ومعاقلها وحتى قاعات الجلسات بها و مكاتب السادة القضاة ورؤساء الغرف ما عدا دور المياه والحمامات.
ولا ندري ما الذي دفع بالوزارة الى اعتماد هذا الاجراء الذي يعتبر فيه خرق لحق من حقوق الانسان الكونية والمتعلقة باحترام الحقوق الشخصية للأفراد، وهل لتقرير منظمة العفو الدولية – فرع المغرب – السنوي حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب دور في ذلك؟ حيث اعتبرت أن المملكة عرفت، خلال العام الماضي، “تراجعا كبيرا في مجال الحريات الأساسية”، على الرغم من الإصلاحات التي قامت بها.
ويرى المتتبعون ان هذا الاجراء غير قانوني مخالف للفصل 24 من الدستور المغربي الذي ينص على أن الدولة تحمي حق الشخص في حماية حياته الخاصة، ولا غرابة أن هذا الإجراء جاء بتزامن من تبني المغرب ومجموعة من الدول الأخرى تقديمها، ضمن الدورة الثامنة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان، لتوصية تهدف أساسا إلى “حماية الحياة الخاصة للأفراد في ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيا الحديثة”.
وقد أكد حقوقيون على أن الحق في حرمة الحياة الخاصة حق أساسي من حقوق الإنسان، وجزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني، وشددوا على ضرورة وضع آليات فعالة لتجريم كل مظاهر الاعتداء على الحياة الخاصة، أياً كان الشخص المعتدي وبصرف النظر عن المعتدى عليه، أو الوسيلة المستعملة في الاعتداء.
وجاء تبرير وزارة العدل والحريات لهذا الإجراء وفق المصادر الصحفية ذاتها على أن الغاية من نصب كاميرات المراقبة داخل المحاكم هي حماية المواطنين وموظفي الوزارة مما قد يتعرضون له داخل المحاكم، ومراقبة أي تحركات مشبوهة قد تستهدف أمن وسلامة المرتفقين أو الموظفين، مؤكدة أن الوزارة ستوثق جميع المحاكمات وما يجري في ردهات المحاكم من خلال الكاميرات.
فمن خلال هذا التبرير الذي يعتبر أكبر من زلة يجعلنا نطرح السؤال البديهي والمتعلق باستهداف أمن وسلامة من ضد من؟ على اعتبار ان من المهام المنوطة بالقضاء هو تحقيق الأمن القانوني والقضائي قبل تحقيق المقاربة الأمنية التي هي من اختصاص السلطات العامة،
وعليه نقول على ان هذا الاجراء الذي حاولت الوزارة الوصية تبريره لا يجد له من إطار قانوني يسعف للقول باعتماده ما عدا اذا اختارت القفز على المكتسبات الحقوقية والانسانية التي والى حد ما خطا فيها المغرب خطوات واسعة، وان من شأن هذا الاجراء المتسرع ارجاع المغرب الى زمن كلنا نقول على أنه صار من خبر كان.
وما اثار الاستغراب اكثر ان هذا الإجراء من شأنه ان يشمل قاعات الجلسات ومكاتب السادة القضاة ورؤساء الغرف، وهذا فيه مخالفة للفصل 303 من قانون المسطرة الجنائية في فقرته الأولى التي تقول ” يمكن لرئيس بعد اخد موافقة النيابة العامة ان يأذن باستعمال آلات التصوير والتسجيل أو الارسال او الالتقاط او وسائل الاتصال المختلفة بقاعة الجلسات او بأي مكان يقع فيه تحقيق قضائي، ويعاقب عن مخالفة هذه المقتضيات بغرامة تتراوح ما بين خمسة آلاف درهم وخمسين ألف درهم ومصادرة كل الآلات والأشرطة عند الاقتضاء.
وهذا الأمر سبق اثارته في نازلة تتعلق بما يعرف بملف بلعيرج حول موضوع تثبيت الكاميرات داخل قاعة الجلسة بعد تقديم دفاع المتهمين شكاية شفوية لهيئة الحكم، باعتبار أن التصوير يشكل جريمة، استنادا الى مقتضى المادة 303 من قانون المسطرة الجنائية التي تمنع تصوير الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، أو أثناء حمل الأصفاد، إلا بإذن من رئيس الجلسة وموافقة المعنيين بالأمر.
وطالب الدفاع على الأقل بتقطيع الأسلاك الرابطة للكاميرات وإحضار جميع الأشرطة التي صورت أطوار المحاكمة واتلافها، ومتابعة كل مرتكبي هذه الجريمة، لأنه لايحق لأي جهة أن تعتدي على حقوق المتهمين، علما أن المحكمة لا سلطة تقديرية لها بالنظر لأن الجريمة قائمة ومستمرة، ومُجرمة، وان الاختصاص ولائي مخول لرئيس الجلسة وليس للمحكمة، إضافة إلى أن مرافعة الدفاع ملكية فكرية وشخصية لا يمكن التطاول عليها، وأن هناك اعتداء شخصيا على المحامي من خلال التقاط صورته.
وقد أثير موضوع الكاميرات بعد أن أوشك الدفاع على بسط أوجه دفوعاته الشكلية إثر تقديمه ملتمس السماح لمواكبة القنوات الإعلامية هذه المحاكمة، إلا أن النيابة العامة احتجت بالمادة 303 من قانون المسطرة الجنائية، مما حذا بالدفاع الى المطالبة بتطبيق نفس المقتضى على الكاميرات المبثوتة داخل القاعة، لأن الفعل مجرم ولايطاله فقط المنع.
وعليه كيف يمكن التسليم في ظل تجريم المشرع لعملية نقل او التقاط او تسجيل الصور من داخل قاعة الجلسات ونقرر بين عشية وضحاها تعميم هذا الاجراء والعمل به ؟ والقفز على نصوص إجرائية تطبق بأثر فوري، على حساب بعض الاجراءات التي تدخل في اطار تدبيري ليس إلا.
وبخصوص اعتماد كاميرات بمكاتب السادة القضاة ورؤساء الغرف فهذا فيه ضرب لمبدأ سرية المداولات التي تجري اطوارها بمكاتب السادة القضاة او مكاتب رؤساء الغرف حسب الأحوال، إذ تنص الفقرة الثانية من الفصل 343 من قانون المسطرة المدنية على انه ” تقع المداولة في غيبة الاطراف” ويرجع تبني هذا المبدأ الى القانون الفرنسي، وهذا المبدأ يجد سنده القانوني ايضا في الفصل 40 من القانون الأساسي للقضاة والذ جاء فيه ” يؤدي كل قاض عند تعيينه لأول مرة في السلك القضائي وقبل الشروع في مهامه اليمين التالية: أقسم بالله العظيم أن أمارس مهامي بحياد وتجرد وإخلاص وتفان، وأن أحافظ على صفات الوقار والكرامة، وعلى سر المداولات بما يصون هبة القضاء واستقلاله وأن ألتزم بالتطبيق العادل للقانون وأن أسلك في ذلك مسلك القاضي النزيه.”
ربما تجد الوزارة الوصية سندها في اعتماد هذا الاجراء على
الظهير الشريف رقم 1.09.15 صادر في 22 من صفر 1430 )18 فبراير 2009) بتنفيذ القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي الذي ينص في مادته الأولى على أن المعلوميات في خدمة المواطن، وتتطور في إطار التعاون الدولي. ويجب ألا تمس بالهوية والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية للإنسان.
وينبغي ألا تكون أداة لإفشاء أسرار الحياة الخاصة للمواطنين. كما اضاف القانون رقم 08.09 في نفس المادة في البند الأول منها على أن “معطيات ذات طابع شخصي” : كل معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها، بما في ذلك الصوت والصورة، والمتعلقة بشخص ذاتي معرف أو قابل للتعرف عليه والمسمى بعده “بالشخص المعني”.
ويكون الشخص قابلا للتعرف عليه إذا كان بالإمكان التعرف عليه، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ولا سيما من خلال الرجوع إلى رقم تعريف أو عنصر أو عدة عناصر مميزة لهويته البدنية أو الفيزيولوجية أو الجينية أو النفسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية.
ومنه نستخلص ان المادة الاولى من القانون 09.08 تؤكد على ضرورة احترام الحقوق والحريات الجماعية أو الفردية لإنسان،
وعليه نقول أن هذا الإجراء يمكن ان يشكل مساس بالمبائ الكونية المتعارف عليها دوليا؛ ويضفي على اعتماده الارتجالية في الأداء وعدم خلق انسجام بين المقتضى القانوني ( الشرعية) والاجراءات العملية الكفيلة بمحاربة الفساد والمفسدين من داخل الجسم القضائي ومن خارجه، وما يسعف للقول بارتجالية الوزارة الوصية على القطاع والتسرع في تبني خيارات قد لا تخدم مصالح المرتفقين والموظفين والقضاة بقدر ما تخدم مصالح شركات تتسابق نحو الصفقة كتسابق الأكلة على قصعة الوزارة بعدما أمر معالي الوزير مسؤولي المديريات الفرعية بفتح طلب عروض لإبرام صفقات مع شركات خاصة تتكفل بوضع كاميرات المراقبة في جميع محاكم المملكة،
ومعلوم ان محاربة الرشوة والفساد في الجسم القضائي رهين بتحقيق مطمح العاملين في القطاع من قضاة وكتاب الادارة القضائية بتحسين الوضعية الاجتماعية لهم وتحصينهم ماديا ومعنويا والرفع من الأجور والتعويضات المتعلقة بالبدلة والديمومة والتنقل..
وزد على ذلك توعية المواطن المرتفق بواجب الثقة في القضاء وتحسين مداركه القانونية ليكون على بينة من امره، ولعل جلالة الملك كان صريحا في خطابه بمناسبة عيد العرش يوم 30 يوليوز 2013 عندما قال حفظه الله”… ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح وما عبأنا له من نصوص تنظيمية وآليات فعالة فسيظل الضمير المسؤول للفاعلين فيه هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نحاح القطاع برمته.”
اترك تعليقاً