مقال حول تعريف المنظمة الدولية
أ/ ابراهيم العناني
تعريف المنظمة الدولية ؟
المنظمة الدولية هي تنظيم دولي يتمتع بصفة الدوام وبالشخصية الدولية ، وتتفق مجموعة من الدول ( متجاورة جغرافياً في الغالب ) ، بموجب ميثاق أو اتفاقية ، على إنشائه ومنحه الصلاحيات اللازمة ( المطلقة أو المقيدة ) للإشراف جزئياً أو كلياً ، عل بعض شئونها المشتركة ، والعمل على توثيق أواصر التعاون والتقارب فيما بينها ، والقيام بتمثيلها والتعبير عن مواقفها ووجهات نظرها في المجتمع الدولي . وقد يكون من أهداف هذا التنظيم الدفاع عن استقلال الدول الأعضاء ، أو سلامة أراضيها ، أو توثيق التعاون بينها في بعض المجالات ، أو توحيد بعض المرافق الاقتصادية أو الاجتماعية المهمة فيها ، تمهيداً لتحقيق شكل من أشكال الوحدة أو الاتحاد الاقتصادي أو السياسي فيما بينها .
والمنظمة الدولية – كهيئة تتمتع ببعض الصلاحيات المستقلة عن صلاحيات الدول الأعضاء – لم تظهر إلى الوجود إلا مؤخراً وبشكل بطيء ، وهي وُلدت من أحشاء المؤتمرات الدولية ؛ لأن المنظمات ليست في الحقيقة إلا امتداداً وتطويراً للمؤتمرات الدولية التي كانت تُعقد بقصد إبرام بعض المعاهدات والاتفاقات . فهذه المؤتمرات ، التي عرفها البشر منذ القدم ، كانت تُعقد في الماضي بصورة متقطعة ، تحت وطأة الحاجات الملحة ، وعندما اشتدت العلاقات والروابط بين الدول ، في القرن المنصرم ، أصبحت اجتماعات المؤتمرات دورية أو شبه دورية . وقد استدعى ذلك إيجاد أمانة عامة لحفظ الوثائق وتنظيم الاجتماعات ، فاكتسبت تلك الاجتماعات بعض الدوام وتحولت المؤتمرات رويداً رويداً منظمات دولية .
ويبدو أن التنظيم الدولي نما وتطور منذ القرن التاسع عشر ، لتلبية حاجتين ملحتين مختلفتين :
أ) ميل عام إلى تحقيق السلام والوئام وتوطيد العلاقات السلمية بين الدول في مختلف المجالات .
ب) وسلسلة من الضرورات الواضحة المحددة المتعلقة ببعض المسائل الخاصة .
وكانت الحاجة الأولى تتطلب منظمة عالمية بأهدافها وامتدادها الجغرافي . أما الحاجة الثانية فكانت تستدعي قيام منظمات متعددة متخصصة ، ومنذ القرن التاسع عشر خاضت البشرية تجارب مختلفة ، وعرفت الحاجة الثانيةفكانت تستدعي قيام منظمات متعددة متخصصة . ومنذ القرن التاسع عشر خاضت البشرية تجارب مختلفة وعرفت الحاجة الثانية قبل التمرس بالأولى . وقد اكتسبت الحاجة الأولى من الحاجة الثانية تعاليم مفيدة ، ولكنها خضعت لها وتأثرت بها وتحملت وزر فشلها .
وللمنظمات الدولية اليوم ، على اختلاف أنواعها أهمية كبرة ، فظاهرة التنظيم الدولى اعتبرت من المميزات البارزة للقرن العشرين . وذهب بعض المفكرين إلى التأكيد بأن التنظيم الدولي عملية مستمرة متطورة ، وأن مستقبل الإنسان في هذا الكون مرتبط بمستقبل هذا التنظيم( ) .
والتنظيم الدولي مرحلة مهمة في تاريخ العلاقات الدولية . وهذه المرحلة – كما ذكرنا – حديثة العهد بالظهور . وعلى الرغم من حداثة سنها فقد أصبحت اتجاهاً ثابتاً في المجتمع الدولي الحديث . وينبغي لنا أن نفرق بين المنظمات الدولية كمؤسسات ، وبين التنظيم الدولي كفكرة واتجاه . فالمنظمات تظهر وتزول لأسباب خاصة أو أغراض معينة ، أما التنظيم الدولي ففكرة قائمة باقية اتجاه راسخ عميق . ولهذا رأينا الشعوب والحكومات ، عند انهيار عصبة الأمم ، تندفع تلقائياً وبلهفة صادقة إلى البحث عن منظمة عالمية تخلفها وتتفادى أخطاءها . وحرص الدول اليوم على استمرار وجود هيئة الأمم المتحدة ، على الرغم من المآخذ العديدة عليها ، دليل واضح على المكانة المرموقة التي تتمتع بها فكرة التنظيم الدولي في الرأي العام العالمي .
ويُعتبر التنظيم الدولي في مختلف الميادين كردة فعل لتمادي الدولة في انكماشها على نفسها ، وتشبثها البالغ بسيادتها ، ودفاعها الأعمى عن مصالحها ، ونفورها الغريب من التعاون مع زميلاتها . فالدولة عكفت منذ تكونها في نهاية القرون الوسطى ، على تنظيم شئونها الداخلية ، والاهتمام بقوتها العسكرية ، والتطلع إلى ما يملكه غيرها ، وتحريض مواطنيها على مهاجمة جيرانها . وكان من نتيجة هذه السياسة الهوجاء أن تضاربت المصالح ، وتفجرت الأطماع ، واندلعت الخصومات بين الدول ، وتحول التاريخ المعاصر سفرَ حروب متعاقبة متلاحقة ، وإذا كانت الحروب تنشب في الماضي لأسباب شخصية أو تافهة أو مفتعلة ، فأسبابها تطورت اليوم فارتدت لباس المصالح أو العقائد . وإذا كان سرها قديماً لا يتعدى الفئات القليلة التي تتقاتل وتتناجر ، فإن التفنن في وسائل التدمير والافناء يهدد اليوم بالهلاك دول العالم أجمع .
اترك تعليقاً