شرط الإعفاء من المسؤولية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
كثيراً ما نجد أنفسنا عند تلقينا أي خدمة، سواء من طبيب أو مستشفى أو خدمة صف المركبات أو خدمات الترفيه، يطلب منا التوقيع على إقرار نعفي فيه مقدم تلك الخدمات من أي مسؤولية يلتزم بها نتيجة الضرر الذي نتعرض له قبل نشوء هذا الحق، وعلى ما يبدو أن مقدمي الخدمات يتسابقون لحماية أنفسهم من المسؤولية التي تستتبعها أخطاؤهم أو أخطاء تابعيهم بالاشتراط المسبق بإعفائهم منها، فالهدف من هذا الاشتراط تخلصهم من الآثار الناجمة عن تعرض متلقي الخدمات للضرر، وأهمها تعويض الأخير سواء عن الضرر المادي أو الأدبي الذي تعرض له.
وكثير منا لا يعلم بأن هذا الشرط المعفي للمسؤولية في مجال الفعل الضار يقع باطلاً إعمالاً للمادة 296 من قانون المعاملات المدنية، التي نصت على أنه «يقع باطلاً كل شرط يقضي بالإعفاء من المسؤولية المترتبة على الفعل الضار»، والمقصود بالشرط الباطل في هذه الحالة ــ وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون ــ هو الاشتراط المسبق على عدم المسؤولية عما يوقعه الشخص بآخر من فعل غير مشروع يلحق به ضرراً، إذ إن إجازته تيسر فتح باب الإضرار بالناس أو يدفعهم إلى عدم التحرز في تصرفهم.
أما التصرف في الحق المالي المترتب على هذه المسؤولية بعد نشوئه، فهو جائز لصاحبه ما لم يمس حقاً لغيره، كأن يعفي أو يتنازل عن مبلغ التعويض المستحق.
وحق المضرور في التعويض عما لحق به من أضرار قبل مرتكب الفعل الضار، ينشأ بمجرد وقوع الفعل الذي نتج عنه الضرر، ولو لم تتحدد ماهية هذا الضرر ومداه أو قيمته تحديداً نهائياً، ما مقتضاه أن إقرار المضرور بالتنازل عن ذلك التعويض بعد نشوء الحق فيه يعد إقراراً صحيحاً غير مشوب بالبطلان، أما الإقرار السابق على نشوء الحق في التعويض فيعتريه البطلان.
أما في المجال الذي يرتبط فيه مقدم الخدمة مع متلقيها بعقد من العقود فإنه يجوز الاتفاق المسبق على الاعفاء من المسؤولية العقدية أو الأخطاء التي تنتج عنها، إلا أن هذا الاتفاق لا يسري في حق المضرور ــ متلقي الخدمة ــ إذا ارتكب المتعاقد الآخر غشاً أو خطأ جسيماً، والغش يتمثل في الامتناع عن تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد، وهو ينطوي دائماً على سوء النية، غير أنه لا يشترط فيه توافر قصد الاضرار بالمضرور، أما الخطأ الجسيم فهو الخطأ الذي يقع بدرجة غير يسيرة، وهو صورة من صور الاهمال وعدم الاحتياط، ولكنه ينطوي على استهتار كبير بالحقوق،
وعدم اكتراث بالغ بالالتزامات، دون نظر إلى الضرر المحتمل من جراء هذا الاستهتار، وقد نجد صور هذا الإهمال في الخدمات التي يقدمها الطبيب أو المستشفى أو البنوك.
رئيسة الدائرة المدنية الثالثة في محاكم دبي
اترك تعليقاً