كيفية إثبات الملكية في القانون العماني وما الجهة المختصة بذلك؟
لأصحاب المباني القديمة والأموال الخضراء: كيف تُثبِت مُلكك، وما الجهة المختصة؟
صلاح بن خليفة المقبالي
يمتلك بعض الأشخاص قطع أراضٍ آلت إليهم أبًا عن جد، إلا أنهم لا يقومون باستخراج سند ملكية لها، إما متكاسلين أو ناسين أو غير مهتمين بحسب الوضع الظاهر في كونها قطعة أرض معمرة ومبنية أو مزروعة، فتراهم يقولون في قرارة أنفسهم “من سينازعني عليها والكل يعلم أنها ملكي؟!” إلا أن هذا القول غير سديد، فيجب على الجميع استخراج سندات التملك الرسمية التي تثبت ملكهم من قبل وزارة الإسكان المختصة بكافة شؤون الأراضي في السلطنة، فجميع الأراضي التي لا يملكها شخص معين هي ملك للدولة، وعلى ذلك أضحى لزامًا أن تميز الدولة ملكها عن ملك الغير، بالإضافة إلى أن سندات التملك هي الدرع الحصين الذي يحدد حدود الأرض ومعالمها وبذلك يسهل التعرف عليها وحمايتها من أي اعتداء قد يقع عليها، وقصر السند الذي يثبت به الملك على سند الملكية الصادر من قبل وزارة الإسكان اقتضته الحياة المدنية الحديثة؛ ففيها تغيرت الظروف والأحوال في الدولة وأضحت الخدمات تصل إلى كل مكان وقد يتعرض مرورها على أرض تكون مملوكة لأحد الأفراد على الرغم من أن الدولة تكون حريصة أن تمررها في أملاكها، فمن لديه سند ملكية يكون معلوما لديها، ويتم تعويضهم عن ملكهم أو إزاحة خط الخدمة عنه، وعلاوة على ذلك فالدولة تقوم بواجبها في حماية ملك الأفراد ونشر العدالة بينهم، فلو تُرِك الحبل على الغارب لأخذ البعض ما لهم وزيادة، وترك البعض دون أي ملك، وهذا أمر يُدخل الدولة والمجتمع في إشكالات ومشاكل كثيرة، فقصر السند الذي يثبت به الملك في سند الملكية الصادر من الدولة أمر محمود ويوحد التوجه في الإثبات.
والحديث في هذه الزاوية القانونية عبر “أثير” جاء بسبب ما لمسناه في الواقع العملي بأروقة المحاكم، وكذلك نص المادة (23) مكررا من قانون الأراضي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (5/80) وتعديلاته، والتي نصت بـ: “لا يجوز النظر في دعاوى إثبات وتسجيل الملك التي يسري بشأنها قانون الأراضي أو الفصل فيها من قبل جهات القضاء المختصة، قبل التقدم بالطلبات المنصوص عليها في المادة (16) مكررا والتظلم منها وفقا للمادة (16) مكررا (1) من هذا القانون. كما لا يجوز للجهات القضائية وغيرها النظر في دعاوى إثبات وتسجيل الملك في الأراضي البيضاء، أو لمن لا يحمل صكا شرعيا أصليا صادرا من قبل الأول من يناير 1970م.”
إن التطبيق العلمي لهذه المادة يفرض على الجهات القضائية عدم قبول أي دعوى تقام أمامها قبل أن يقوم الشخص باستنفاد الإجراءات المتطلبة في وزارة الإسكان وفق المادتين (16) مكررا، و(16) مكررا (1)، فمن يتعجل ويقيم دعواه بطلب إثبات ملكه على قطعة أرض معينة، دون أن يسبق ذلك بتٌ في طلبه من قبل وزارة الإسكان، فإن مصير دعواه إلى عدم قبولها من قبل الجهات القضائية، فالجهات القضائية تنظر الدعوى بعد أن تكون وزارة الإسكان قد استنفدت اختصاصها في مدى قبول صحة ادعاء المدعي بالملك من عدمه، فبعد ذلك يحق للقضاء أن ينظر بنظرته العادلة في مدى صحة ملك الشخص أو صحة قرار وزارة الإسكان في ذلك، وهذا أمر حسن فبهذه الصورة اختصار لأمد التقاضي إذ تكون وزارة السكان قد فحصت المستندات وتبينت من مدى صحة المدعي بالملك، وقالت رأيها فيه، وهو أمر يسهل للقاضي طريق الفصل في الدعوى إذ تكون كافة حجج الأطراف واضحة بين يديه فيقول كلمة الفصل فيها، ولكن من تعجل في إقامة الدعوى بحجة عدم تمكنه من انتظار الجهة المختصة في البت في طلب ملكه ولجأ إلى القضاء دون استنفاد إجراءات إثبات الملك والتظلم من قرار اللجنة المختصة فإنه يعطل نفسه أكثر من انتظاره بت الوزارة، فهو سيشغل نفسه بقضية مآلها عدم القبول ويعود من بعد الحكم بخفي حنين، وهذا مسلك غير سديد، فيتوجب عليه أن يتبع الإجراءات التي قررتها المادة (16) مكررا من قانون الأراضي أولا، والتي نصت بـ: “على المواطنين أن يتقدموا بطلبات إثبات وتسجيل الملك إلى الوزارة في موعد أقصاه الحادي والثلاثون من ديسمبر 2015م، ولا تقبل الطلبات التي تقدم بعد مضي هذا التاريخ إلا في المباني القديمة، والأموال الخضراء التي تسقى من الأفلاج، والأموال التي تسقى من آبار بها شهادة حصر وتسجيل، ويعود تاريخ هذه الأموال إلى ما قبل الأول من يناير 1970م، وفي جميع الأحوال لا تقبل الطلبات التي تقدم في الأراضي البيضاء. …”
وتنص المادة (16) مكررًا (1) على أن: “تبت الوزارة في الطلبات المقدمة إليها، وعليها أن تتثبت بكل الطرق من صحة الادعاءات، ولا تقبل بشأنها إلا الصكوك الأصلية، ولها الانتقال إلى الأراضي ومعاينتها على الطبيعة والاستعانة بمن تراه مناسبا. وعلى الوزارة رفع التوصيات إلى الوزير أو من يفوضه لاتخاذ القرار بشأنها خلال (90) تسعين يوما من تاريخ صدورها. ويعتبر مضي المدة دون الرد على أصحاب الطلبات رفضا لها، ويجوز التظلم للوزير أو من يفوضه خلال (60) ستين يوما من صدور القرار وعدم الرد”.
ويتضح من أحكام المادتين اللتين توضحان آلية التقدم بطلبات إثبات الملك أنه على من يدعي ملكه لقطعة أرض معينة أن يتقدم إلى وزارة الإسكان بطلب يوضح فيه حدود أرضه ومعالمها والإثباتات التي بيده لملكه، كالصك الشرعي مثلا والذي يجب أن يكون صادرًا قبل الأول من يناير 1970م وذلك حتى يكون حجة في الإثبات وإلا عُدّ بأنه غير حجة في الإثبات ولا يمكن التعويل عليه، ومن وجهة نظرنا أنه يستثنى من ذلك أن يكون الصك في صورة عقد بيع صادر بعد الأول من يناير 1970م ويثبت التبايع مستندا إلى صك شرعي قديم صادر قبل الأول من يناير 1970م، على أن يكون هذا العقد موضحا بجلاء الصك الشرعي الذي يستند إليه، وبعد أن يتقدم الشخص بطلبه وإثباتاته فإنه يجب على اللجنة المختصة في وزارة الإسكان أن تبحث الطلب ويجوز الإثبات أمامها بكافة طرق الإثبات من شهادة شهود وصكوك شرعية وقرائن ودلائل، فتقوم اللجنة بوزنها وفحصها ورفع توصيتها إلى الوزير أو من يفوضه خلال مدة أقصاها (90) تسعون يوما، ومضي هذه المدة دون رد على صاحب العلاقة معناه رفض طلبه وعليه أن ينشط بدوره ولا ينتظر الرد من قبلها بعد هذه المدة ويتقدم بتظلمه للوزير أو من يفوضه خلال (60) يوما من اعتبار طلبه مرفوضا، ومدة الستين يوما هي مدة تنظيمية غير إلزامية إذ لم يرتب المشرع عليها أي جزاء، وبذلك نستنتج أنها تنظيمية، أما مدة (90) التسعين يوما فهي مدة إلزامية رتب المشرع عليها أثرا أو قرينة قانونية معناها أن طلب إثبات الملك قد رُفض من قبل اللجنة، وبعد ذلك يجب أن يتقدم صاحب العلاقة بتظلمه من رفض طلب إثبات ملكه، لكن المشرع في هذه الحالة الماثلة لم يحدد مدة معينة ليقوم الوزير فيها بالبت في التظلم وترك له الأمر مفتوحا، وهذا أمر نراه يحمل وجهين أولهما حسن وذلك نظرا للضغط الهائل في العمل لدى وزارة الإسكان وعدم تحديد مدة يعطي أريحية للاستفاضة في بحث التظلم أكثر دون عجالة كحال اللجنة، والآخر نرى أنه يجعل للجهة الإدارية مجالا رحبا للمماطلة والتأخير ويفتح لها الباب للتعسف في استعمال سلطتها، وبوزن الوجهين معًا يتجلى بأن سوء ترك الباب مفتوحًا للوزارة للبت في التظلم يستغرق حسن عدم تحديد مدة لها، فالأدلة المقدمة لإثبات الملك سبق وأن تفحصتها اللجنة المخصصة لذلك وعلمت دراستها بشأن طلب طالب الملك، وعليه فالتأخير في البت في التظلم أمر غير سديد ونناشد المشرع بتحديد مدة يجب فيها البت من قبل الوزير أو من يفوضه في التظلم أو لاعتباره مرفوضا حكما حتى تتحرك وتيرة البت في الطلبات ويكون الفيصل بعد ذلك حكم القضاء.
ويلوح أمامنا في الواقع العملي بالمحاكم الأحكام في المنازعات بشأن الأراضي والتي قد يخطئ فيها البعض ويقيم دعواه أمام محكمة غير مختصة، فيظل فيها، ثم يأتيه حكم بعدم الاختصاص والإحالة إلى المحكمة المختصة وهذا أمر يشغل القضاء ويؤدي أيضا إلى تأخير صاحب العلاقة في الحصول على حكم فصل في دعواه، ومسألة الاختصاص بتت فيها هيئة تنازع الاختصاص والأحكام بأن قالت: “إن تحديد اختصاص القضاء العادي بنظر منازعات الأراضي تطبيقا لأحكام المادة (2) من مواد إصدار قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (90/99)، وتحديد اختصاص محكمة القضاء الإداري بالنظر في مراجعة قرارات لجان شؤون الأراضي المطعون فيها، وفقا لأحكام المادة (6) من قانون المحكمة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (91/99) وتعديلاته، يكون من خلال التفرقة بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان القرار الصادر من الجهة المختصة بالوزارة يتعلق بالنظر في الطلبات الخاصة بإثبات ملكية الأفراد للأراضي استنادا إلى إشغالهم السابق للأرض أو بناءً على صكوك شرعية أو غيرها من وسائل الإثبات، وترتب على هذا القرار نشوء منازعة حول الملكية بين الوزارة وطالب إثبات التملك أو غيره من ذوي الشأن؛ فإن القضاء العادي يكون هو الجهة المختصة بالفصل في هذه المنازعة، باعتبار أن موضوع القرار ينحصر في منازعة مدنية تتعلق بإثبات الملكية.
والحالة الثانية: إذا كان القرار الصادر من السلطة المختصة بالوزارة يدخل في نطاق سلطتها العامة والصلاحيات التي خولها لها القانون في منح الأراضي والانتفاع بها وتمليكها للأفراد وما يرتبط بذلك من طلبات، فإن المنازعة في هذا القرار تعد منازعة إدارية تختص محكمة القضاء الإداري بنظرها لتوافر عنصر السلطة العامة في تصرف الجهة الإدارية”.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً