المختار السريدي : الطعن في الأساس الضريبي أمام القضاء الإداري
الطعن في الأساس الضريبي أمام القضاء الإداري
فساد المسطرة لا يعني حتما فساد الفرض الضريبي
ضرورة اللجوء إلى التسوية الودية كآلية جديدة وبديلة في فض المنازعة الضريبية
ضرورة إحداث نصوص قانونية بالمدونة العامة للضرائب تتعلق بالصلح كما هو الشأن بالنسبة لمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
بقلم : المختارالسريدي
***
إن صناعة الضريبة ليست بالعمل السهل أو البسيط كما يتصور العديد من الخاضعين للضريبة ، فهي تحتاج كفاءة ومهارة واحترافية وإلماما واسعا بالنصوص والقواعد والمساطر ذات الصلة ، حتى لا تتعرض للإبطال من طرف القضاء الذي يقف لها دائما بالمرصاد ،رغم أن القاضي مهما علت مرتبته ومهما سمى تكوينه ومهما توسعت ثقافته الجبائية لايمكن له أن يسبر أغوار المادة الضريبية أو يتقنها أشد الإتقان كما يتقنها مفتش الضرائب المختص، لأن المادة الضريبية هي مادة علمية وتقنية معقدة نوعا ما تتكون من خلطة من القانون والإقتصاد والمحاسبة والجبايات والرياضيات ، وهي مادة مرنة تخضع للتبدل والتغير بحسب قوانين المالية السنوية المتعاقبة التي تتحكم فيها الظروف والأحوال الإقتصادية والإجتماعية والسياسية المحيطة ،وبالتالي فإن القاضي الإداري غالبا ما يعتمد في إسقاطه الفرض الضريبي المطعون فيه على عيوب الشكل وهفوات المسطرة وزلات الإدارة وهي من نقط ضعف بعض مفتشي الضرائب ،أما الجوانب التقنية من قبيل احتساب الضريبة وتصفيتها وفك شفراتها وحل معادلاتها فغالبا ما يقف أمامها عاجزا مهما كانت حيثيات حكمه أوتسبيبات قراره.
وإذا كان صانع الضريبة الذي هو مفتش الضرائب يتمتع بسلطة تقديرية في ربط وتأسيس ومراقبة الضرائب والرسوم المماثلة لها ، ورغم أن سلطته تلك مستمدة مـــن القانون وترتكز على القانون ، إلا أنها ليست سلطة مطلقة كما يتشدق بذلك البعض ، بل لها حدود تقف عندها أوتحد منها أوتضعها على السكة الصحيحة ، ذلك أن المفتش ليس حرا في تضريب من يشاء أوإعفاء من يشاء أو التساهل مع من يشاء ، وإلا كنا أمام جريمة قائمة الأركان إسمها “جريمـة الغدر” كما هي منصوص عليها في المادة الأولى من كل قانون مالي والمعاقب عليها في الفصلين 243 و 244 من القانون الجنائي (1).
فكلما أحس المفروضة عليه الضريبة بأن هناك خطأ أوتجاوزا أوسوء تقديرقد طاله من طرف أعوان ومأموري الإدارة الجبائية المختصين سواء بتأسيس أوتصحيح أو تحصيل الضريبة ، وجب عليه أن يوجه تظلما أو طعنا في الموضوع إلى الجهات ذات الصلاحية والنظر .
فقد يوجه الطعن إما للإدارة التي أصدرت الضريبة عن طريق شكاية أو مطالبة مكتوبة وهذا مايسمى في اللغة الإدارية ” بالتظلم الإداري” ، وقد يوجه الطعن إلى اللجان الضريبية المحدثة لهذا الغرض من طرف الإدارة والتي تبقى مختصة فقط في المسائل الواقعية دون المسائل القانونية من المنازعة ، وقد يرفع الأمر في نهاية المطاف إلى القضاء صاحب الكلمة الفصل ليحكم بما يراه مناسبا وفق قناعاته وطبقا للقوانين الجاري بها العمل في الميدان (2) ، لأن القضاء يبقى ملاذ الضعيف والمظلوم والباحث عن العدل والحماية والإنصاف في دولة ترفع يافطة ” دولة الحق والقانون ” (3) .
غير أنه لايمكن تقديم عدة طعون في آن واحد أوفي نفس الوقت أمام المحاكم وأمام اللجان الضريبية ، حسب ما جاء في الفقرتين الأخيرتين من المادتين 225 و226 من المدونة العامة للضرائب .
ويمكن التمييز في هذا الصدد بين الطعن القضائي الذي يأتي بعد مطالبة أوشكاية إدارية ، والطعن القضائي الذي يأتي عقب تصحيح أومراقبة ضريبية ، لكن الصلح يبقى أفضل الطرق من أجل تسوية سهلة وسريعة لجميع النزاعات والخصومات التي قد تحدث مابين الخاضع للضريبة وإدارة الضرائب .
وهذا ماسوف نعالجه من خلال ثلاثة محاور :
الطعن القضائي الذي يأتي بعد تظلم إداري .
الطعن القضائي الذي يأتي على إثر مراقبة ضريبية .
الصلح أوالتسوية الودية كآلية جديدة وبديلة في فض المنازعة الضريبية .
أولا : الطعن القضائي الذي يأتي بعد تظلم إداري :
لايقع التظلم الإداري صحيحا إلا بتوجيه شكاية أومطالبة مكتوبة في الموضوع إلى الجهات الإدارية صاحبة الإختصاص أومن ينوب عنها(4) ، وذلك وفق الشروط والضوابط و الآجال المنصوص عليها في المواد من 235 إلى 241 من المدونة العامة للضرائب والمادة 161 من مدونة جبايات الجماعات المحلية والمادة 120 من مدونة تحصيل الديون العمومية .
وقد يصدرالقرارالإداري بهذا الشأن سواء بإسقاط الضريبة أو الرسم كلا أوبعضا ، إذا ثبت بعد إعادة التصفية أوالإحتساب أنها زائدة عن المبلغ المستحق أوأن الأمر يتعلق بضريبة فرضت خطأ أوفرضت لمرتين أو أكثر أوتم فرضها بغير موجب صحيح أو بدون سند قانوني سليم .
وقد يصدر القرار الإداري بتحويل مبلغ الدين الضريبي إلى المستحق عليه قانونا عوض المفروض عليه خطأ ، بشرط أن يتم التحويل بالنسبة للسنوات التي لم يشملها التقادم المنصوص عليه في المادة 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية ، ودون الحديث عن حالات التضامن في الأداء المنصوص عليها في القانون (5).
وقد يصدر القرار الإداري برفض الطلب كلما اقتنعت الإدارة الضريبية بأن الضريبة أو الرسم قد تم فرضهما وفق المقتضيات الجبائية المطبقة .
وقد يصدرالقراركذلك سواء بالإبراء أوالتخفيف من الذعائروالغرامات والزيادات المتعلقة بالوعاء أوالتحصيل أوهما معا ، والمقررة في النصوص التشريعية الجاري بها العمل(6) .
غيرأنه في حالة إذا لم يقبل الخاضع للضريبة أو الرسم بالقرار النهائي الصادر عن الإدارة التي بثت في طلبه ، جاز له أن يرفع الأمرإلى المحكمة الإدارية المختصة داخل أجل الثلاثين (30) يوما الموالية لتاريخ توصله بالقرار المذكور
وفي حالة عدم جواب الإدارة داخل أجل الثلاثة (3) أشهر الموالية لتاريخ إيداع التظلم أوالشكاية (7)، أمكن للمفروضة عليه الضريبة أو الرسم رفع طلبه مباشرة إلى المحكمة الإدارية صاحبة الإختصاص داخل أجل الثلاثين (30) يوما الموالية لتاريخ انصرام أجل الجواب المشار إليه ، كما تنص على ذلك المادة 243 من المدونة العامة للضرائب والمادة 165 من مدونة جبايات الجماعات المحلية ، لأن سكوت الإدارة أوعدم بثها داخل الأجل يفسر على أنه بمثابة رفض للطلب وبالتالي يتعين البحث عن سبيل آخر للتظلم .
لكن ما العمل اذاما بثت الإدارة في المطالبة داخل الأجل المحدد لها ولم تتمكن من تبليغ الطالب لسبب من الأسباب ، فهل يمكن لهذا الأخيرأن يتصل بالإدارة مباشرة ليتسلم منها القرار الإداري عن طريق ” شهادة تسليم التبليغ ” ثم بعد ذلك يقوم بالطعن أمام المحكمة الإدارية داخل الثلاثين يوما التالية لتاريخ التسلم ؟ أم يعتبر أن الإدارة لم تجب عن شكايته داخل أجل الثلاثة أشهر من تاريخ إيداعها ، وبالتالي يمكنه وضع طعنه أمام المحكمة الإدارية داخل الشهر الرابع الموالي لها ؟
إن غالبية المتظلمين كثيرا ما تقوم بتتبع مسار التظلمات التي رفعتها للإدارة حتى تكون على بينة من القرارات التي اتخذتها بشأنها وحتى لا تقع ضحية فوات الآجال التي يمنحها إياها القانون من أجل اللجوء إلى طرق طعن أخرى ، وبالتالي فإن إشكالات من هذا النوع لم تعد مطروحة اليوم بنفس الحدة وبنفس الشكل .
إلا أن هناك من يعيب على الإدارة تجاهلها للعديد من المطالبات والشكايات التي يتقدم بها المفروضة عليهم الضريبة وعدم رغبتها في التراجع عن قراراتها أوعلى الأقل تعديلها ، خصوصا بعد إلغاء المصالح المكلفة بالمنازعات الإدارية وإسناد مهامها واختصاصاتها إلى المصالح المكلفة بالوعاء أوالمراقبة أو التحصيل في إطارمايسمى ” بوحدة الشخص وازدواجية المهام ” أي أن المفتش الذي قام بربط الضريبة أومراقبتها أو تحصيلها هو من يقوم بالبث في كل منازعة إدارية تتعلق بها كل فيما يخصه ، حتى تكون مسؤوليته ثابتة وكاملة ، وحتى يكون على بينة من أمره قبل الإقدام على إصدار أي ضريبة أو رسم أو الإقدام على مراقبتها أو الشروع في تحصيلها.
ويجدربنا القول بأنه ليس هناك أي مقتضى قانوني يلزم الإدارة بالبث داخل الآجال القانونية المحددة لها ، وإلا لما قام المشرع بفتح أبواب أخرى للطعن ، ومع ذلك فإن المصالح المركزية للمديرية العامة للضرائب أو الخزينة العامة للمملكة ما فتئت تحث مفتشيها العاملين بالمصالح الجهوية والمحلية على النظر في جميع التظلمات والشكايات الواردة عليها دون استثناء ولو تعلق الأمر بشكايات تافهة أو كيدية أو لاطائل منها ، والأكثر من هذا أن الإدارة أصبحت تتعامل بجدية حتى مع الوشايات والرسائل المجهولة والمقالات المنشورة بالصحف والجرائد الورقية والإلكترونية للوقوف على حقيقتها ومدى صدقها وجديتها .
هذا بالنسبة للطعن القضائي الذي يأتي بعد تظلم إداري ، أما بالنسبة للطعن القضائي الذي يأتي بعد تصحيح ضريبي والمحال على اللجان الضريبية المختصة ، فإن الأمر يختلف سواء على مستوى الأجل أوالمدة القانونية المسموح بها من أجل الاستفادة من الطعن أوعلى مستوى شكليات ونوعية وطبيعة الطعن ، وهذا هوموضوع المحور الثاني .
ثانيا : الطعن القضائي الذي يأتي على إثر مراقبة ضريبية :
يمكن للإدارة مصدرة الضريبة وللمفروضة عليه الضريبة أو الرسم بحسب ماجاء في المادة 242 من المدونة العامة للضرائب والمادة 164 من مدونة جبايات الجماعات المحلية ، أن يطعنا أمام المحكمة الإدارية المختصة ، في المقررات الصادرة عن اللجان المحلية لتقدير الضريبة ، أوعن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة ، سواء تعلقت هذه المقررات بمسائل قانونية أو واقعية أو تم التصريح فيها بعدم الإختصاص .
ويتم الطعن القضائي في هذه الحالات داخل أجل الستين (60) يوما الموالية لتاريخ تبليغ المقررات المذكورة .
وتمثل الإدارة أمام القضاء ، بكيفية صحيحة ، مطالبة كانت أومطلوبا ضدها ، بالمدير العام للضرائب أوالآمر بالصرف للجماعة الترابية المعنية أو الأشخاص المفوض لهم في ذلك أوالمعينين لهذا الغرض ، والذين يمكنهم إن اقتضى الحال أواستدعت الضرورة ذلك ، توكيل محام للنيابة عن الإدارة .
وبالرغم من جميع الأحكام المخالفة ، لايمكن إيقاف تنفيذ تحصيل الضرائب والواجبات والرسوم المستحقة اثر مراقبة ضريبية إلا بعد وضع الضمانات الكافية كما هومنصوص عليها في المادة 118 من قانون 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية .
وهكذا تقدم الطعون أمام المحاكم الإدارية إما في إطار دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة أو في إطار دعوى القضاء الشامل ، وتمتد إلى النزاع حول أسس فرض الضريبة أو الرسم وكذا المقررات الإدارية المنفصلة عن عملية الفرض الضريبي من قبيل الأحقية في الإستفادة من الشواهد الجبائية كشواهد التسجيل في الضريبة أوالرسم أوشواهد الوضعية الضريبية أو شواهد الأداء المبكر للضريبة أو تغيير الأنشطة التجارية أو المهنية المزاولة أو شواهد الإعفاء أو الإبراء أو التشطيب أو الخضوع أوالقرارات الصادرة عن لجان الإحصاء الضريبي أو الطعن في أعمالها أو صلاحياتها أو تشكيلتها أو كون أعضائها محلفين أو غير محلفين … ليفهم من هذا كله بأنه ليس كل طعن ضد الإدارة الضريبية هو بالضرورة طعن في الفرض الضريبي ، بل أن جميع القرارات الصادرة عن الإدارة المكلفة بالجبايات كيفما كانت طبيعتها وكيفما كانت تسميتها أو مسمياتها يمكن أن تكون محل طعن أمام القضاء الإداري (8).
مع الإشارة إلى أن كل منازعة جبائية خارجة عن نطاق دعوى الإلغاء يختص بها القضاء الشامل ، وقد سمي قضاء شاملا لأن القاضي فيه لا يكتفي بإلغاء قرار إداري صادر عن الإدارة بل يتعداه إلى تعويضه بقرار آخر أو الحكم بالتعويض ، رغم أن إشكالية الإختصاص بين القضاء الشامل وقضاء الإلغاء في المجال الجبائي لازالت تطرح بحدة ومن حين لآخر(9).
مجمل الكلام أن اللجوء إلى القضاءالإداري لايمكن أن يتم إلا في الحالات التالية :
عدم قبول أوعدم اقتناع الخاضعين للضريبة أو الرسم بالقرارات الصادرة عن الإدارة الجبائية عند بحثها وبثها في مطالباتهم .
عدم بث الإدارة الجبائية في التظلم الإداري داخل الآجال القانونية المحددة لها .
عدم قبول الخاضع للضريبة والإدارة الضريبية ، أحدهما أو كلاهما ، للقرارات الصادرة عن اللجنة المحلية لتقدير الضريبة أو تلك الصادرة عن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة.
في حالة إخلال الإدارة الجبائية بأي إجراء من الإجراءات القانونية المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب ومدونة جبايات الجماعات المحلية ومدونة تحصيل الديون العمومية ( خصوصا بالنسبة لطلبات إيقاف تنفيذ الدين الضريبي.).
غير أنه في مثل هذه الحالة الأخيرة يمكن للخاضع للضريبة المتضرر أن يلجأ مباشرة إلى القضاء الإداري دون ما حاجة إلى المرور بمسطرة الطعن الإداري ، متى حصل الضرر أو ثبت الإضرار بحقوقه أو كان هناك إخلال بقواعد ومسطرة فرض أو مراقبة أو استخلاص الضريبة أو الرسم .
لكن تثار مسألة مهمة جدا وهي كيف يمكن التوفيق ما بين حماية المال العام الذي يتجسد في البحث عن موارد ضريبية لفائدة الخزينة ، ومابين حماية حقوق الخاضعين للضريبة الذين يعتبرون أنفسهم الطرف الأضعف في المنازعة الضريبية المعروضة على أنظار القضاء الإداري ؟
جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط قسم القضاء الشامل تحت عدد 874 بتاريخ 7- 3 -2013 ملف عدد: 671-7-2012 ما يلي : “… وحيث أن الإلتزام الضريبي واجب دستوري ووطني ، فهو تعبير عن المواطنة لتمويل نفقات الشأن العام ، طبقا للفصلين 37 و39 من الدستور ، ولا يعقل أن يبطله فساد مسطرة تأسيس الضريبة.
وحيث أن قضاء المحكمة بحكم نهائي ببطلان مسطرة الفرض الضريبي شكلا ، وليس إلغاءها كليا ،على الأرباح العقارية ، يخول للإدارة الضريبية تصحيح الإجراءات المقررة قانونا ، ولا يسقط حقها في فرض الضريبة ما دام أن أجل التقادم الرباعي لم يمض بعد .
وحيث بالرجوع إلى وثائق الملف ، تبين للمحكمة أن الحكم المتمسك به من طرف المدعي إنما يتعلق بإلغاء مسطرة الفرض الضريبي على الأرباح العقارية ، دون إلغاء الضريبة المتنازع بشأنها ، مما يبقى معه الطلب غير مرتكز على أساس قانوني سليم ويتعين تبعا لذلك الحكم برفض الطلب …” (10)
من خلال قراءة متأنية لحيثيات هذا الحكم يتبين أن هناك قراران اثنان وفرضان ضريبيان اثنان :
قرار صادر بتاريخ 20-5-2009 قضى بإلغاء مسطرة فرض الضريبة على الدخل صنف الأرباح العقارية ، هاته الأخيرة التي تم فرضها برسم سنة 2007 عن عملية تفويت “ فيلا “ سكنية كان مالكها يعتقد بأنه معفى من الضريبة بسبب أنها كانت مخصصة لسكناه الرئيسية طبقا للمادة 63 من المدونة العامة للضرائب .
قرار صادر بتاريخ 07-03-2013 قضى برفض الطلب بعدما تداركت الإدارة الأمر وقامت بتصحيح المسطرة وإعادة فرض الضريبة من جديد داخل مدة التقادم القانونية .
حكم وجيه ومتميز مثل هذا ولو أنه كان لصالح الإدارة الضريبية إلا أنه انتصر للحق وللمصلحة العامة وللمال العام الذي هو ملك للجميع وتقضى به مصالح ونفقات الجميع بمن فيهم خاسر الدعوى نفسه الذي حاول استغلال القانون من أجل التملص من أداء واجباته الضريبية التي يعرف جيدا أنها مفروضة عليه فرضا ولا مفر له منها ،
بل كان عليه – تعبيرا منه عن حسن نيته وصدق مواطنته – أن يذهب عن طواعية و من تلقاء نفسه إلى المصالح الضريبية المكلفة بالتحصيل من أجل أداء ماهو عالق بذمته ،عوض البحث عن هفوات و زلات الإدارة وثغرات النصوص القانونية .
كما أن هذا الحكم قد جاء بقاعدة جديدة واجتهاد سليم على القضاء الإداري أن يسير على منواله وشاكلته ، وهو أن ” فساد المسطرة لا يعني حتما فساد الفرض الضريبي ” بمعنى أنه في حالة تصريح المحكمة بفساد إجراء أو بإبطال مسطرة فرض ضريبة معينة ولا زال أجل تقادمها لم يستنفذ بعد ، فإنه يمكن لمفتش الضرائب المختص أن يعيد الإجراء أو المسطرة من جديد وبالتالي إعادة فرض الضريبة ثانية .
إلا أن أهم ما يلاحظ على هذا الحكم الذي يتعلق بالضريبة على الدخل المترتبة على الأرباح العقارية هو أنه يخص فقط الفرض التلقائي للضريبة من طرف الإدارة داخل آجال التقادم الرباعي وفق مقتضيات المادتين 228 و232 من المدونة العامة للضرائب ، أما في حالة تصحيح الأساس الضريبي الذي يجب القيام به داخل أجل التسعين يوما (90) الموالية لتاريخ إيداع لإقرار الضريبي فإن هذه المذة القليلة تبدو غير كافية على الإطلاق من أجل إصلاح مسطرة التبليغ وإعادتها من جديد وفرض الضريبة ثانية .
وجاء في حكمين آخرين صادرين عن المحكمة الإدارية بأكادير تحت عددي 635 – 636 بتاريخ 12-06-2013 ما يلي :
“ …وحيث أنه بالرجوع إلى تاريخ سن الإدارة لمسطرة الفرض التلقائي في مواجهة المدعي (01-04-2009) وكذلك إلى تاريخ إصدار الأمر بتحصيل الضريبة موضوع الدعوى الحالية (23-12-2010/ 11-05-2010)، فإن هذين التاريخين سابقين لتاريخ انتهاء أجل شرط الإسترجاع المنصوص عليه في العقد وهو (31-12-2011) إذا أخذنا بعين الإعتبار أن تاريخ بيع الثنيا المذكور هو (31-12–2008) ، الشيء الذي تكون معه الواقعة النهائية المنشئة للضريبة على الأرباح العقارية المنازع فيها وهي تحقيق ربح عقاري عن بيع مشروط طابعه النهائي بعدم ممارسة المدعي لحقه في استرجاع المبيع بتاريخ 31-12-2011 غير محققة ، ومسطرة الفرض التلقائي المسنة في مواجهة المدعي بتاريخ 01-04-2009 وكذا الأمر بالتحصيل الصادر إثر هذه المسطرة غير مسندين قانونا .
ويتعين لذلك الحكم بإبطال الضريبة موضوع هذا الطعن …” (11)
فموضوع الطعن هنا هوالضريبة على الدخل المترتبة على الأرباح العقارية المتعلقة ببيع ثنيا مؤرخ في 31-12-2008 .
لكن قبل الخوض في تفاصيل هذين الحكمين القضائيين لا بد من الإشارة إلى أن بيع الثنيا أو البيع مع الترخيص للبائع باسترداد المبيع هو نوع من البيوع الخاصة التي نظمها المشرع المغربي في الفصول من 585 إلى 600 من قانون الالتزامات و العقود ، وعّرفه بأنه عقد بمقتضاه يلتزم المشتري بعد تمام انعقاده بأن يرجع المبيع إلى البائع في مقابل رد الثمن ، غير أن مدة الإسترجاع لايمكن أن تتجاوز ثلاثة (3) سنوات غير قابلة للتمديد اللهم إلا إذا تعلق الأمر بخطأ من المشتري، وإذا حدث ولم يباشر البائع حقه في استرداد المبيع داخل المذة المحددة سقط حقه في ذلك وأصبح المشتري هو صاحب حق الملكية بأثر رجعي إلى غاية تاريخ العقد .
أما من الناحية الجبائية فيمكن اعتبار بيع الثنيا بمثابة بيع معلق على شرط فاسخ يهدف ابتداء نقل ملكية العقار من البائع إلى المشتري، وهذا ما أشارت إليه المذكرة عدد 714 الصادرة عن المديرية العامة للضرائب بتاريخ 21-07 -2004 في الصفحتين 23–24 .
وفي نازلة الحال هاته وقبل أن تنقضي مذة الثلاثة سنوات المحددة لهذا النوع من البيوع ، قام مفتش الضرائب بفرض الضريبة على الدخل المترتبة على الأرباح العقارية بكيفية تلقائية بعد سلوك المسطرة المنصوص عليها في المادة 228 من المدونة العامة للضرائب ، فقام المفروضة عليهما الضريبة برفع طعنهما إلى المحكمة الإدارية التي قضت بإبطال الفرضين الضريبيين معا مستنذة في ذلك على أن الأمر يتعلق ببيعي ثنيا معلقين على شرط (12) ألا وهو مرور ثلاثة سنوات من تاريخ إبرام العقدين، وأن عمليتي التبليغ والفرض تمتا داخل هذا الأجل (13).
وإذا كانت نباهة مفتش الضرائب في الحكم الأول الصادر عن إدارية الرباط قد دفعت به إلى استدراك الأمر والقيام بعمليتي التبليغ والفرض الضريبيين من جديد لأن مذة التقادم لازالت لم تنقض بعد وهو ما أيده القضاء ، فإننا لانكاد نعلم شيئا عن مصير الضريبتين موضوع الحكمين الثاني والثالث الصادرين عن إدارية أكادير والحال أن مذة التقادم كانت لازالت سارية ….
ورغم كل ذلك فإن هناك من يتفادى اللجوء إلى المحاكم ، مفضلا الصلح ـ والصلح خيرـ من أجل تسوية ملفاته الضريبية العالقة مع إدارة الضرائب ، هاته الأخيرة التي غالبا ماتأخذه بالأحضان وتستجيب له في حدود طلباته ، بل أن بعض الخاضعين للضريبة “الأوفياء” من أصبحت له مكانة مميزة لدى الإدارة وأصبح يعامل معاملة خاصة بسبب أدائه لديونه الضريبية في آجالها ، وذلك تشجيعا له على مواظبته في المساهمة في التكاليف العامة ، وهذا ماسنتكلم عنه في المحور الثالث والأخير.
ثالثا : التسوية الودية أو الصلح كآلية جديدة وبديلة في فض المنازعة الضريبية :
يعتبرالصلح أوالتصالح أوالمصالحة في الميدان الضريبي من أنجع وأنجح الطرق في فض المنازعات التي قد تحدث بين الخاضع للضريبة والإدارة الضريبية ، تمكنهما معا من تجاوزالمشاكل وتجنب المعوقات وربح الوقت وتخفيف العبء والضغط سواء عن الإدارة نفسها أوعن اللجان الضريبية أوعن المحاكم الإدارية .
بالرغم من أن الفقه قد وقف من مسألة الصلح الضريبي بين من يقول بعدم جوازإجراء صلح بهذا الشأن ، بحجة أن المسائل المتعلقة بالضريبة هي من النظام العام ، استنادا إلى مقتضيات المادة 1100 من قانون الالتزامات والعقود التي لا تجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام ، وبين من يقول بجواز المصالحة في المجال الضريبي على اعتبارأن الصلح يساهم في تحسين العلاقة بين الخاضع للضريبة وإدارة الضرائب وإزالة سحب التنافر وتبديد المخاوف بين الطرفين ، وذلك في غياب نص قانوني صريح وواضح يمنح أويبيح إجراء صلح في هذا الشأن ، ما عدا مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة في موادها من 273 إلى 277 التي تبيح للإدارة إجراء مصالحة مع الأشخاص المتابعين من أجل أفعال مخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية سواء قبل أو بعد صدور حكم قضائي نهائي في الموضوع .
ورغم ذلك فإن الواقع العملي قد أثبت أن المديرية العامة للضرائب ولو في غياب نصوص قانونية بالمدونة العامة للضرائب غالبا ماتلجأ إلى أسلوب التسوية الودية أوالتوافقية مع الخاضعين للضريبة ، من أجل تصفية العديد من الملفات المتراكمة في الرفوف ، خاصة تلك المتعلقة بتصحيح الأساس الضريبي ، وذلك بغية ربح الوقت وتفادي الطعون سواء أمام اللجان الضريبية أوأمام المحاكم الإدارية – وحتى أثناء جريان المسطرة أمام اللجان الضريبية أو أمام المحاكم – واختصار المسافة من أجل تحصيل ضريبي سهل وسريع وفعال .
وفي هذا الشأن أصدرت المديرية العامة للضرائب مذكرة مصلحية تحت عدد 2340/16 بتاريخ 05 أبريل 2017 تحث فيها مفتشيها على اللجوء إلى مسطرة التسوية الودية خلال المرحلة القضائية باعتبارها آلية بديلة لحسم النزاع تهدف إلى التوصل إلى حل توافقي بين الإدارة والملزم بخصوص المستحقات الضريبية موضوع منازعة قضائية لم يصدر فيها حكم أوقرار نهائي غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن .
وحسب المذكرة المشار إليها فإن مسطرة التسوية الودية التي يمكن اللجوء إليها في كافة الأحوال وخلال جميع مراحل المنازعة القضائية ، لابد وأن تمر بأربعة اشواط :
– شوط دراسة مقترح التسوية حيث يمكن أن يتم ذلك إما بمبادرة من الخاضع للضريبة وإما بمبادرة من الإدارة الضريبية سواء على مستوى المديريات الإقليمية أو الجهوية أو على مستوى المديرية العامة بالمركز.
– شوط المصادقة على مقترح التسوية ويأتي بعد إخبار الخاضع للضريبة بالقرار المتخذ حيال مقترح الصلح وموافقته عليه وحصر الواجبات الضريبية التكميلية المستحقة عليه .
– شوط تنفيذ اتفاق التسوية ويكون بتضمين الإتفاق الذي توصلت إليه الإدارة مع الخاضع للضريبة في محرر مكتوب وموقع عليه من الطرفين تحدد فيه مجموعة من الإلتزامات المتعلقة بالمبالغ الواجب أداؤها وآجال وكيفية وطرق الأداء وتعهدا من الطاعن بالتنازل كتابة وبكيفية لا رجعة فيها عن مواصلة أية دعوى في الموضوع أمام المحاكم .
– شوط الحكم بالإشهاد على الصلح حيث يوجه مفتش الضرائب طلبا في الموضوع إلى المحكمة المختصة يخبره فيها وفق نموذج معد من طرف الإدارة ووفقا لمقتضيات المادتين 230 و1098 من قانون الإلتزامات والعقود بما تم الإتفاق عليه قصد استصدار حكم في الموضوع يشهد على التنازل والصلح وطي ملف المنازعة نهائيا .
وكم نتمنى أن يتم تضمين هذه الأشواط في شكل نصوص قانونية بالمدونة العامة للضرائب وكما هو الشأن بالنسبة لمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة التي حسمت بشكل واضح في مسألة المصالحة مع المخالفين والخاضعين .
وأعتقد أن أي صلح في الميدان الضريبي لن يتحقق بوجود مقتضيات قانونية أو بدونها، إلا ببناء جسور الثقة وتعزيز علاقة التفاهم والتجاوب والتعاون مابين إدارة الضرائب والخاضعين للضريبة ، في إطار من الشفافية التامة والتحلي بروح المسؤولية والمواطنة الضريبية ، وتفويض اختصاصات التسوية للمفتشين النزهاء العاملين في الميدان بحكم القرب والإلمام والدراية ، بعيدا عن أية مركزية أوتمركزفي اتخاذ القرار، بهدف الوصول إلى مفهوم جديد للسلطة الضريبية يبيح للخاضعين للضريبة كل من موقعه وإمكانياته المساهمة في الأعباء العامة دون تنكرأوتنصل أوتملص ونحن على أبواب بناء حكامة جيدة ولا تمركز فعال وجهوية متقدمة تغري المستثمر الأجنبي قبل نظيره المغربي (14).
هوامش:
الفصل 243 :” يعد مرتكبا للغدر،ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس وبغرامة من خمسة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم ، كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أو أمر بتحصيل ما لم يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق ،سواء للإدارة العامة أو الأفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة .
تضاعف العقوبة إذا كان المبلغ يفوق مائة ألف درهم .”
الفصل 244 : ” يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصل السابق ،كل ذي سلطة عامة أمر بتحصيل جبايات مباشرة أو غير مباشرة لم يقررها القانون وكذلك كل موظف عمومي أعد قوائم التحصيل أو باشر استخلاص تلك الجبايات وتطبق نفس العقوبات على ذوي السلطة العمومية أو الموظفين العموميين الذين يمنحون ،بدون إذن من القانون بأي شكل ولأي سبب كان ،إعفاء أو تجاوزا عن وجيبة أو ضريبة أو رسم عام أو يسلمون مجانا محصولات مؤسسات الدولة ، أما المستفيد من ذلك فيعاقب كمشارك .”
انظر مقالنا السابق المنشور بالموقع الإلكتروني الداخلي للإدارة تحت عنوان :”التظلم الإداري وفق النصوص الجبائية المغربية “.
جاء في المادة 117 من دستور 2011 ما يلي : ” يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ، وتطبيق القانون . “
يقصد بالجهات الإدارية المختصة بالبث في الشكايات الضريبية :
– المدير العام للضرائب أومن ينوب عنه بالنسبة للضرائب المستحقة للدولة كالضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة وضريبة التسجيل والرسوم المحلية الثلاثة التي تتكفل الدولة بتسييرها كالرسم ا لمهني ورسم السكن ورسم الخدمات الجماعية.
– الآمر بالصرف للجماعة الترابية أو الشخص المفوض له في ذلك بالنسبة لباقي الرسوم المحلية.
بالنسبة للتضامن في الميدان الجبائي انظر النصوص الآتية :
المواد من 180 إلى 183 من المدونة العامة للضرائب .
المواد من 170 إلى 173 من مدونة جبايات الجماعات المحلية .
المواد من 93 إلى 99 من مدونة تحصيل الديون العمومية .
للمزيد من التفصيل انظر مقالنا السابق.
لقد كانت المدة المحددة للإدارة من اجل البث في الشكاية الإدارية هي ستة (6) أشهر الموالية لتاريخ تقديم الشكاية ، لكن تم تقليصها إلى ثلاثة (3) أشهر ، بموجب البند 1 من المادة 8 من قانون المالية رقم 15– 70 للسنة المالية 2016 .
جاء في الفصل 118 من دستور 2011 ما يلي :” حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون . كل قرار اتخذ في المجال الإداري ،سواء كان تنظيميا أو فرديا ، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة .”
للزيادة في التوضيح انظر مقالنا السابق.
الفصل 37 : ” على جميع المواطنات والمواطنين احترام الدستور والتقيد بالقانون، ويتعين عليهم ممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة ،التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات .”
الفصل 39 : ” على الجميع أن يتحمل ، كل على قدر استطاعته ،التكاليف العمومية ، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها ، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور “.
الملفان عدد : 24/7113/13 و 25/7113/13 .
عرفت المادة 107 من قانون الالتزامات والعقود الشرط بأنه ” الشرط تعبير عن الإرادة يعلق على أمر مستقبل وغير محقق الوقوع ،إما وجود الالتزام أو زواله…”.
انظر مقالنا المنشور بجريدة العلم عدد 21409 ،ركن المجتمع والقانون، بتاريخ 15-07-2009 صفحة 7 تحت عنوان “بيع الثنيا بين القانون الجبائي وقانون الالتزامات والعقود ” .
في تقرير صادر عن مركز الدراسات الأمريكي “pricewater house coopers ” حصل النظام الضريبي المغربي على المرتبة 62 من بين 189 دولة في العالم ، و ذلك من خلال ثلاثة معايير معتمدة وهي المهلة التي توفرها الدولة للمقاولات من أجل أداء الضرائب وعدد العمليات التي يتم عبرها هذا الدفع والأعباء الضريبية التي تتحملها المقاولات ، واستنادا إلى ذلك حسن المغرب نظام الدفع الإلكتروني من خلال توفير إمكانية أداء الضرائب عبر الإنترنيت ،مما قلص عدد الساعات التي تستغرقها عملية الأداء من 232 ساعة سنة 2013 إلى 211 ساعة سنة 2015 ، وعلى المستوى القاري احتل المغرب المرتبة الثانية بعد جنوب إفريقيا فيما يخص الأنظمة الضريبية الأكثر مرونة ( عن الجريدة الإلكترو نية ” صدى الصحراء ” بتصرف بتاريخ 23-11-2015 ).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً