تأثير الإعلام على استقلالية القضاء
تأثير الإعلام على استقلالية القضاء* قضية أستاذ تارودانت نموذجا
طالب الجميع من حقوقيين وجمعيات , وإعلاميين وقضاة و محامون ,ومتقاضون بضرورة الارتقاء بالقضاء إلى مستوى السلطة إلى جانب السلط المنصوص عليها في الدستور بما للكلمة من حمولة قانونية ,ودلك لما للقضاء من أهمية قصوى في أي مجتمع ,دلك على اعتبار أن هدا الأخير هـــــــو الضامن للأمن و الاستقرار و الرخاء الاقتصادي .
ولكل هده الاعتبارات استجاب دستور المملكة المغربية الجديد (2011) لهده المطالب حيث ارتقى بالقضاء إلى مستوى السلطة القضائية (الفصل 107) كما خصص له 22 فصلا في الدستور الجديد من الفصل 107 إلى الفصل 128 , عوض 08 فصول في دستور 1996 ,حيث منح له مجموعة من الضمانات و الحقوق من قبيل إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يمكن القاضي اللجوء إليه كلما أحس بأن استقلاله مهدد ودلك بصريح الفصل 109 التي تنص الفقرة الثانية منه على أن *يجب على القاضي كلما اعتبر أن استقلاله مهدد ,أن يحيل الأمر على المجلس الأعلى للسلطة القضائية
لكن مسألة حياد القاضي لا تتأثر فقط ببعض الأوامر أو التعليمات من الهرم الرئاسي أو الإغراءات المادية من المتقاضين , بل للإعلام كذلك دور مهم في التأثير على حياد القاضي وزعزعة مواقفه عن الطريق التأثير سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في المجتمع المدني الذي يرجع من حادث قد يكون بسيط إلى قضية رأي عام يتحدث عنها الصغير قبل الكبير .والقاضي هو الأخير ما هو إلا بشر له مشاعر و عواطف ويتأثر بكلام الجرائد وباقي وسائل الإعلام بمختلف مشاربها .
والإعلام هنا بشكل غير مباشر يخرق أحد المبادئ التي بحت حناجر المحامين بمناسبة كل ملف رائج أمام المحاكم على التأكيد عليها ألا وهي قرينة البراءة المفترضة في كل متهم إلا أن يثبت العكس .هدا المبدأ هو الأخير أصبح دستوريا حيث ينص الفصل 119 على أن * يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا إلى أن تثبت إدانته بواسطة مقرر قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به* أي استنفد جميع طرق الطعن سواء العادية أو عير العادية.
وبالتالي فعندما يصور الإعلام المتهم على أنه هو المجرم ويتفاعل الرأي العام مع الإعلام فأكيد أن حياد القاضي سيتأثر وأرى أن لجنة إعداد الدستور برئاسة الفقيه المنوني قد جانبت الصواب عندما نصت في الفقرة الأخيرة من الفصل 109 بأن يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة. حيث أرى أن صياغة هدا الفصل لم تأخذ بعين الاعتبار من سيحاول التأثير على أحكام القضاء بصفة غير مباشرة و من بينها بطبيعة الحال الإعلام.
ولنا في قضية الإستاد الذي قيل أنه وجد محتجزا في ضيعة رئيس الجماعة القروية .حيت إن جميع وسائل الإعلام بكافة أشكالها صورت للرأي العام ولقاضي التحقيق باستئنافية أكادير أن المتهم هو فعلا الجاني وبدأ الجميع بنصب أنفسهم مكان القاضي فهناك من يطالب بتطبيق عقوبة الإعدام ,و هناك من يطالب بالمؤبد و قس على دلك .
فأي قاضي في العالم عندما يقدم له متهم في تلك الظروف سيتأثر حياده نتيجة ما روج إليه إعلاميا و تأثير هدا الأخير على الرأي العام الوطني ,في حين أنه إدا لم تثر هده الزوبعة الإعلامية حول هدا الملف لضمن المتهم حقه في محاكمة عادلة وتحقيق منصف حسب مقتضيات المادة 118 من الدستور الجديد .
نحن هنا لا ندافع عن أحد و لا نقف بجانب أحد بقدر ما نطالب من إعلامنا بترسيخ و تطبيق مقتضيات الدستور الجديد .كما نطالب من القضاء و رجال الدرك و قاضي التحقيق التحري و التدقيق والقيام بمهامهم القانونية و الدستورية دون الانتباه أو التأثر بالأحكام الجاهزة و المواقف المنحازة التي يطالب بها الرأي العام.
فلتنزيل و تفعيل الدستور الجديد خصوصا في شقه المتعلق بالسلطة القضائية وجب اعتماد مقاربة تشاركية ,وأن يتحمل كل مسؤولياته بدأ من المواطن إلى جلالة الملك, الذي هو الضامن لاستقلال القضاء حسب منطوق الفصل 107
فكم من مرة ساهم الإعلام في القبض على الجناة وتنوير العدالة ,لكن مرات هي التي ساهم التضليل الإعلامي والرأي العام المنساق وراءه في الزج بالعديد من البريئين في السجن ظلما و عدوانا ,فكما يقال *إطلاق سراح 100 مجرم خير من إدانة بريء واحد.
اترك تعليقاً