بقلم ذ الزهير عبد المولى
طالب باحث في العلوم الجنائية بكلية الحقوق بمراكش
رغم قناعة المشرع المغربي بضرورة الاكتفاء بالتدابير في حق الأحداث الجانحين، وذلك تلافيا لإدماجهم بالمجرمين، أو وصمهم منذ صغرهم، رغم صدور الأفعال الإجرامية عنهم دون إدراك أو إرادة أو اختيار، وذلك تماشيا مع ما أقرته مختلف الاتفاقيات والقواعد الأممية الخاصة بالطفل، وما اعتمدته التشريعات المقارنة.
إلا أنه بالمقابل لم يستبعد العقوبة السالبة للحرية لمواجهة الخطورة الإجرامية لبعض الجرائم التي تخص الأحداث.
علما بأن الأصل في التشريع الخاص بالأحداث أن الحدث لا يحكم عليه إلا بتدبير من تدابير الحماية أو التهذيب، وأن لا يتعرض للعقوبة الحبسية إلا استثناءا، وهذا المبدأ منطقي وهو ما ذهبت إليه المادة 37 (ب) من اتفاقية حقوق الطفل “… يجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة”.
غير أن الحدث الجانح خلال مرحلة نقصان المسؤولية الجنائية قد لا يتحمل ألم العقوبة السالبة للحرية ويمكن أن تأتي القسوة أو الشدة في التعامل معه نتيجة عكسية( 1).
لذلك يجعلنا نتساءل من خلال هذا المقال عن قيمة التدابير ودورها في تأهيل الأحداث الجانحين (الفقرة الأولى)، وعن دور العقوبة السالبة للحرية وقيمتها في تأهيل الأحداث الجانحين (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: قيمة التدابير في تأهيل الأحداث الجانحين
منذ مطلع القرن الحالي بدأت أصوات الفقهاء والفلاسفة والمنظمات الدولية تتعالى من أجل المناداة بإحاطة الأحداث بعناية فائقة ومحاولة وقايتهم وتهذيبهم وتوجيههم(2 ).
لذلك فإن معظم التشريعات المقارنة دأبت الى حماية وتوفير العناية للوقاية من جنوح الأحداث، عن طريق إقرار مجموعة من التدابير لمساعدتهم وإعادة تربيتهم من جديد، لإعادة إدماجهم داخل المجتمع، وفق ما أقرته الاتفاقيات الدولية التي تهتم بالأطفال.
فالتدبير هو نظام قانوني يرمي أساسا إلى حماية المجتمع من الخطر الكامن في بعض الأفراد الذين أصبحوا بحكم استعدادهم الإجرامي مهيئين أكثر من غيرهم لارتكاب ما من شأنه أن يؤدي إلى الاضطراب الاجتماعي كالمجانين والعائدين والأحداث، وذلك بهدف علاجهم وتهذيبهم وإصلاحهم بقصد إعانتهم على استرداد مكانتهم ودورهم في المجتمع( 3).
فالقيمة الأساسية المتوخاة من التدابير إذن هي تشجيع الأحداث الجانحين على الالتزام بالسلوك الحسن والاندماج داخل المجتمع، كما يتمثل دورها الأساسي في المنع من العود إلى طريق الجنوح أو الجريمة من جهة ومن جهة أخرى منع الغير من الاقتداء به.
من خلال الاطلاع على المقتضيات القانونية الواردة في قانون المسطرة الجنائية في الكتاب الثالث المتعلق بالقواعد الخاصة بالأحداث، يتضح أن المشرع المغربي عمل – وذلك تماشيا مع ما أقرته مختلف الاتفاقيات الدولية، وما اعتمدته التشريعات المقارنة الحديثة- على مواجهة جنوح الأحداث وذلك بوضع أساليب الوقاية والتقويم الملائمين خاصة تلك التي ترمي إلى الإصلاح والتأهيل(4 )، عن طريق اتخاذ مجموعة من التدابير المناسبة.
لكن السؤال الذي يطرح هو قيمة ودور هذه التدابير المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية؟ التي ترمي أساسا: أولا إلى وقايتهم وحمايتهم من العود إلى طريق الجريمة، وثانيا علاجهم وإصلاحهم من أجل تقويم سلوكهم لإعادة تأهيلهم، وإلى أي مدى يتم تطبيق هذه التدابير على أرض الواقع؟
لعل اهتمام قضاء الأحداث ينصب بصورة موازية على الجرم أو الفعل الإجرامي المرتكب وعلى الحدث الجانح الذي ارتكبه، بغية الوصول إلى اتخاذ التدبير الملائم والمناسب لوضعية الحدث الجانح، وذلك لتكون كل التدابير المتخذة في حق الأحداث الجانحين مفيدة لعلاجهم(5 ).
وهذا لن يتأتى إلا بوجود جهاز قضائي متخصص( 6)، في محاكمة الأحداث الجانحين لكي يعرف كيفية التعامل مع هذه الفئة، كمراعاة شخصية الأحداث الجانحين وخصوصية جنوحهم من ناحية، ومن ناحية أخرى تقدير التدبير المناسب لهم، للوصول للقيمة الحقيقية المتوخاة من التدبير، ألا وهي التأهيل والإصلاح.
غير أنه على مستوى الأحكام القضائية لا يظهر بشكل واضح دور قاضي الأحداث في دراسة الحدث الجانح، وبالتالي تقدير قيمة وحجم التدبير، بالنظر لخطورة الحدث وليس ارتباطا بتدرجه في السن(7 ).
فانتقاء وتقدير التدبير الملائم لشخصية الحدث الجانح، يجب على قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث أن يمارس سلطته التقديرية بدراسة العوامل والظروف التي أدت بالحدث إلى إتيان الفعل الإجرامي، وكذا أهم المقتضيات التي من الممكن أن تأهله وتقوم سلوكه داخل المجتمع، ولا يربط بين الجريمة والتدبير الذي يطبق على الحدث الجانح فقط.
فمن المستحسن تقدير مسؤولية الحدث الجانح من جهة والتدبير الملائم له ومدته الزمنية على أساس شخصية الحدث من جهة أخرى، فهنا لابد أن يأخذ القاضي في اعتباره عند تقديره لمسؤولية الحدث، مدى نضجه العقلي، ودرجة إدراكه لخطورة أفعاله والظروف التي أحاطت به عند ارتكابه للفعل الإجرامي( 8).
فبالرجوع إلى المادتين 474 و486 من قانون المسطرة الجنائية، نجدها تؤكد على إجراء بحث اجتماعي من طرف قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إما بنفسه أو يأمر بإجرائه وذلك لتحديد التدابير الواجب اتخاذها لضمان حماية الحدث وانقاذ، كما له أن يأمر بإجراء فحص، أو فحص عقلي، أو فحص نفساني، الأمر الذي سيساعده في تفهم مشكلة الحدث وتقدير قيمة التدابير المناسبة.
فأهمية إعداد ملف شخصي عن الحدث الجانح تظهر أهميته بجعل المحكمة تقضي بالتدابير المناسبة التي تتلاءم وشخصية الحدث، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق دراسة شخصية الحدث وما يحيط بها من ظروف عضوية ونفسية واجتماعية(9 ).
رغم أن المشرع المغربي عمل على إحداث هيئات قضائية مكلفة بالأحداث أمام كل من المحاكم الابتدائية والمحاكم الاستئنافية( )، والتنصيص على إجراء بحث اجتماعي لتحديد التدابير الواجب اتخاذها في حق الأحداث، نجد أن قاضي الأحداث المغربي غير متفرغ بشكل تام لقضاء الأحداث حيث نجده بجانب هذه المهمة مهام أخرى،
فقد يكون نفس القاضي تارة قاضي الأحداث وتارة قاضي حوادث الشغل… وغيرها من المهام( 10)، كما نجد كذلك أن مجال قضاء الأحداث بالمحاكم الابتدائية يمتد إلى البث في قضايا الأطفال في وضعية صعبة، وكذا الأطفال ضحايا الجنايات والجنح.
فالواقع يفرض علينا إيجاد قضاء متخصص ومتفرغ في الأحداث الجانحين، وفق مقاربة تضع في اعتبار قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث في الأخذ بمسؤولية الأحداث الجانحين وتقدير قيمة التدابير في العملية التأهيلية، عملا ما ذهبت إليه التشريعات المقارنة.
فالتشريع المصري عمل على إحداث محكمة الأحداث تتشكل من قاضي فرد يساعده خبيران من الأخصائيين أحدهما على الأقل من النساء ويكون حضورهما إجباري إلى جانب قاضي الأحداث، حيث يعين الخبيران بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الشؤون الاجتماعية.
أما في فرنسا فقد أحدث قضاة متفرغين إلى جانبهم مستشارين ينتمون إلى المجتمع المدني، إضافة إلى مصلحة تربوية تضم المساعدات الاجتماعيات لمساعدة الحدث، ومحاولة تفهم وضعه( 11).
إذن بوجود خبراء ومساعدات اجتماعيات إلى جانب قاضي الأحداث المتفرغ، يجعل هذا الأخير يقوم بدراسة مختلف الجوانب المتعلقة بشخصية الحدث الجانح، وإلى مراعاة أهم العوامل والأسباب التي أدت به إلى الجنوح، حتى يتسنى تقدير قيمة التدبير المناسب له، بناء على المعطيات المتوصل إليها والتي شخصت الخلل، ليكون هذا التدبير المتخذ في حق الحدث الجانح قيمة وليلعب دوره في التأهيل والعلاج لاستئصال السلوك السوي واستبداله لإعادة التوازن لسلوك الحسن لإعادة إدماجه اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا داخل المجتمع.
الفقرة الثانية: دور العقوبة السالبة للحرية في تأهيل الأحداث الجانحين
بداية لابد من الإشارة إلى أن العقوبة( 12) هي الجزاء الذي يوقعه القضاء باسم المجتمع على كل شخص ارتكب فعلا أو تركا مخالفا بذلك القانون الجنائي وتكون الغاية المباشرة من تطبيقها على الجاني هي ردعه( 13) وإصلاحه وتهذيبه.
ومن تم فإن وظائف العقوبة يمكن حصرها في وظيفة نفعية وأخرى أخلاقية، فالوظيفة النفعية للعقوبة تتمثل في حماية المجتمع من شرور الجريمة وذلك عن طريق منع المجرم نفسه من العودة إلى الإجرام بزجره وإصلاحه وهو ما يسمى بالردع الخاص، ثم منع الغير من أي يقتدى به عن طريق الردع العام، أما الوظيفة الأخلاقية للعقوبة فتتمثل في تحقيق العدالة وذلك عن طريق تكفير المجرم عن إثمه من ناحية، وإرضاء الشعور العام من ناحية أخرى( 14).
غير أن مرتكزات السياسة الجنائية(15 ) الحديثة هي إصلاح وإعادة إدماج الأحداث الجانحين، وإبعادهم قدر الإمكان عن العقوبة بمفهومها التقليدي، وعدم مؤاخذتهم بالعقوبات القاسية والرادعة، والأخذ بما يؤدي إلى إصلاحهم وتهذيبهم.
فالمشرع المغربي إيمانا منه بضرورة الاكتفاء بتدابير الحماية أو التهذيب والوقاية في حق الأحداث الجانحين وذلك تلافيا لإدماجهم مع المجرمين أو وصمهم منذ صغرهم، فقد قرر العقوبة السالبة للحرية، وهو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 480 من قانون المسطرة الجنائية “… إن كان الحدث يتجاوز عمره 12 سنة،
يمكن أن يطبق في حقه إما تدبير أو أكثر من بين تدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 481 بعده، أو إحدى العقوبات المقررة في المادة 482 أو تكمل هذه العقوبات بواحد أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب…” ، أما المادة 482 فنصت على أنه” يمكن للمحكمة بصفة استثنائية أن تعوض أو تكمل التدبير المنصوص عليها في المادة السابقة بعقوبة جبسية أو مالية للأحداث الدين تتراوح أعمارهم بين 12 و 18 سنة…”
فالسياسة الجنائية المتبعة في مجال الأحداث الجانحين تميل إلى الإبقاء على العقوبة السالبة للحرية، وجعلها استثنائية وذلك بإبقائها كجزاء لبعض السلوكات، التي تعجز التدابير لوحدها عن تحقيق الأغراض التي تهدف إليها، إلا أن هذه الأخيرة ألزم المشرع المغربي المحكمة بشروط عند النطق بها.
وبالرغم من أن المشرع المغربي منح القاضي الجنائي في مجال الأحداث بالسلطة التقديرية، وأجاز له الاختيار بين تدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 481 من قانون المسطرة الجنائية، والعقوبة الحبسية أو المالية وذلك من خلال الوقوف على الظروف الشخصية للحدث الجانح وطبيعة خطورة الفعل المرتكب، نجده قيده بشروط من ضمنها تعليل مقرره، وبخفض الحدين الأقصى والأدنى المنصوص عليهما في القانون إلى النصف( 16).
فالمقاربة التي نهجها المشرع المغربي لمواجهة جنوح الأحداث بالإبقاء على العقوبة الحبسية، تجعلنا نتساءل عن دور هذه الأخيرة في تحقيق الأغراض التي دعت إليها المدارس الفكرية والاتفاقيات الدولية ألا وهي إعادة التأهيل والإصلاح؟
فعلى المستوى العملي نجد أن القاضي الجنائي لا يلجأ إلى تطبيق العقوبة السالبة للحرية إلا إذا اتضح له أنه لا يمكن اتخاذ أي تدبير، وتشكلت لديه قناعة بأنه لا يمكن إصلاح الأحداث الجانحين إلا بهذه الطريقة، إلا أن تطبيق العقوبة السالبة للحرية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية بالنظر للمشاكل التي تعرفها أماكن سلب لاح وإعادة التربية ومنع الأحداث من سلوك دروب الجنوح أو العودة إليه.
الحرية، كما أن الأحداث يتضررون بشكل كبير بسبب بقائهم رهن الاعتقال(17 )، كما أن العقوبة السالبة للحرية تطرح أزمة لا تقل عن سابقتها والتي تتمثل في الاكتظاظ الحاصل في السجون( )، وهو ما سيؤثر سلبا عن الأهداف المتوخاة في التأهيل والإص
كما أن تمتع الأحداث بالعذر القانوني المخفض للعقوبة والمتعلق بصغر سنه، والذي يقضي تخفيض العقوبة في حديها الأقصى والأدنى إلى النصف، وهو ما نتج عنه في الكثير من الحالات النزول بالعقوبة السالبة للحرية إلى مدة قصيرة(18 )، فعقوبة الحبس القصيرة تطرح بدورها عدة آثار سلبية تتمثل في( 19):
– قصر المدة الحبسية تساهم في اكتظاظ المراكز إلى جانب الاعتقال الاحتياطي.
– لا تستوعب الهدف الأساسي من العقاب وهو الإصلاح وإعادة التأهيل بحيث أن برامج التأهيل لا يمكن لها أن تستثمر نتائجها خلال مدة زمنية قصيرة.
– العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة تؤدي إلى احتكاك الأحداث المبتدئين بالوسط السجني، نتيجة الاختلاط بمن تعودوا على هذا الوسط( 20).
– تنتج عن هذه العقوبة وضم الأحداث بوصمة السجن( 21).
فالعقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة طرحت وتباينت فيها الاتجاهات الفقهية حول مدى فعاليتها، فهناك اتجاه يرى بضرورة الإبقاء عليها ولما لها من فعالية، واتجاه آخر يرى بضرورة استبدالها بأخرى( 20). ونحن نتفق مع هدا الرأي على اعتبار أن العقوبة السالبة للحرية القصيرة المدة لا يمكنها أن تعطي نتائج ايجابية ستؤدي إلى إصلاحهم و تهذيبهم بل تطرح عدة آثار سلبية كما رأينا.
فمن البدائل التي يمكن اللجوء إليها نجد وقف التنفيذ الذي نص عليه الفصل 55 من مجموعة القانون الجنائي، وهو ما يسمى في الفقه الإسلامي بنظام عقوبة التهديد، كما أن لنظام وقف التنفيذ هدفين أساسيين:
أولهما: يهدف إلى إصلاح وتقويم الحدث المنحرف لأنه يحثه على السلوك والسير الحسن والانضباط في الحياة العادية طمعا في الإفلات من العقوبة، وثانيهما تجنب الحدث خطر عدوى الإجرام التي تصيبه عند تقيد العقوبة الحسنية داخل السجن(23 ).
بالإضافة إلى هذا الإجراء يمكن إلزام الحدث بتعويض الضحية عما أصابها من أضرار نتيجة السلوك الانحرافي تأسيسا لعدالة تعويضية تحفظ حقوق الفاعل والصحية على السواء.
وحفاظا على حرية الحدث الجانح يمكن اللجوء إلى منعه من الخروج ليلا أو خلال نهاية عطلة الأسبوع أو منعه من ممارسة هوايته المفضلة خلال فترة معينة مع إجبار أسرته على الالتزام بمراقبته خلال أوقات الفراغ.
ولتعزيز بدائل العقوبات الحبسية نقترح في هذا الصدد تكليف الحدث بعمل دون مقابل خلال مدة معينة كالعطل وأيام آخر الأسبوع لفائدة الصالح العام، وذلك وفق شروط محددة، الشيء الذي سيمكن الحدث من التأهيل والإصلاح، مع تحسيسه أن بإمكانه أن يكون عضو يعود بالنفع للمجتمع.
لاشك أن اللجوء إلى فرض العقوبات الحبسية على الأحداث لها آثار سلبية، وإن قصرت مدتها، مما تعيق عملية التأهيل والإدماج، لذلك فإن جنوح الأحداث لا يمكن أن يواجه بالعقاب والذي سيوصل الإجرام لديه بل بالمقاربة الاجتماعية بغية تقويم السلوكات المنحرفة بالوقوف على الأسباب الحقيقية الداعية للتأثير بشكل أو بآخر على الحدث(24 ).
ففي نظرنا لابد لعدالة الأحداث أن تنتقل من مجرد عدالة جزائية إلى عدالة حلول، وذلك بتغيير السياسة المتميزة للردع إلى سياسة علاجية تهدف إلى التأهيل وإعادة التربية، وذلك بإعادة النظر في السياسة الجنائية المغربية المتعلقة بالأحداث الجانحين سواء على مستوى تفعيل الجانب الوقائي، أو على مستوى الأولوية الفعلية للتدابير(25 )، وذلك لن يتحقق إلا في أفق سن مدونة وقضاء خاصين بالأحداث.
وكما يرى بعض الأساتذة(26 ) على انه بسن قواعد قانونية تضع تلك الصبغة التوفيقية بين إعادة التأهيل و العلاج و الإصلاح من جهة، والردع العقابي في حالة خاصة من جهة أخرى، كما أن العبرة تكمن في دور المؤسسات الإصلاحية في صياغة برامج إصلاحية فعالة على المستوى التربوي و الاجتماعي، الرياضي، الترفيهي، الصحي، النفسي، الشعور بالأمل و المستقبل، الشعور بالندم لدى الأحداث الجانحين إضافة إلى وضع قواعد خاصة ومنهجية واضحة خاصة بإعادة تأهيل الأحداث الجانحين.
المراجع:
( 1) حميد المومني، الأحكام الصادرة في مواجهة الأحداث ودورها في العملية التأهيلية، مجلة الميعار، العدد 42، دجنبر 2009، المطبعة الأوروالمتوسطية للمغرب، ص 42.
( 2) سعيد بنجبور، نوع وحجم وقيمة العقوبات المتخذة في حق الأحداث وفق المنظومة الجنائية المغربية، مجلة المعيار العدد 45، يونيو 2011، ص 90.
(3 ) عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الرابعة، 2011، ص 447.
( 4) محمد العروصي، الحدث الجانح بين التدابير التهذيبية والعقوبة، مجلة الملف العدد 19، يونيو 2012، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء. ص 16
( 5) عبد الله بونيت، قضاء الأحداث على ضوء مستجدات قانون المسطرة الجنائية الجديد: أي دور في الإصلاح والتأهيل؟ مجلة رسالة المحاماة، العدد 25، 2005، دار القلم للطباعة والنشر، الرباط، ص 27.
( ) وهذا ما أكدته الرسالة الملكية السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بتاريخ 5/1/2001، إلى اللجنة الوطنية المكلفة بالتحضير للدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة لمتابعة القمة العالمية من أجل الطفل “… على= =الرغم من أهمية المكاسب التي حققتها بلادنا في مجال النهوض بوضعية الطفولة، فإن ما نصبوا إليه من جعل العشرية القادمة مرحلة فاصلة تنتقل فيها الفئات المستضعفة من طفولتنا إلى وضعية تنعم فيها بما نريده لها من تكريم وتمتع بكامل حقوقها… وكذا مكافحة جميع أشكال سوء المعاملة والاستغلال المشين والنهوض بأوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة كالمعاقين والعناية بفئة اليافعين فيهم عن طريق التأهيل المهني وكذا الجانحين وذلك بإيجاد قضاء خاص بهم وجعل المراكز الإصلاحية فضاءات تربوية وتأهيلية وعلاجية لإعادة إدماجهم اجتماعيا…” عن عبد الله بونيت، قضاء الأحداث على ضوء مستجدات قانون المسطرة الجنائية الجديد، أي دور في الإصلاح والتأهيل، المرجع السابق، ص 28.
( 6) يقول الأستاذ حميد مومني:”… لذلك نلاحظ من خلال بعض الأحكام أن التدابير المتخذة في حق الحدثين تكون واحدة، أو تكون تلك المقررة للحدث الأصغر سنا أكثر شدة اعتبارا لخطورة الأفعال فقط وليس لاعتبارات تتعلق بشخصية الحدث، في حين يكون على القضاة أن يأخذوا بمبدأ التفريد بين الجزاءات مراعاة لشخصية الجانح وخطورته، ومدى وعيه بالأفعال المجرمة التي يأتيها، وليس لخطورة تلك الأفعال”. حميد المومني، المرجع السابق، الأحكام الصادرة في مواجهة الأحداث ودورها في العملية التأهيلية، ص 88.
(7 ) عبد الرحمان مصلح الشرادي، انحراف الأحداث في التشريع المغربي والقانون المقارن، مطبعة الأمنية، الطبعة الأولى، 2002، ص 241.
( 8) مليكة أبوديار، ضمانات الحدث الجانح، مجلة المعيار، العدد 46، المطبعة الأوروالمتوسطية للمغرب، دجنبر 2011، ص 74.
( 9) المادة 462 من قانون المسطرة الجنائية التي تم تعديلها وتتميمها بمقتضى قانون رقم 36.10 المنشور بالجريدة الرسمية تحت عدد 5975 بتاريخ 5 شتنبر 2011.
( 10) سلوى بن المختار، الضمانات القانونية في قضاء الأحداث ودورها في حماية الحدث الجانح – دراسة ميدانية- بحث نهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء، الفوج 34، سنة 2007-2009، ص 59.
( 11) سلوى بن المختار، المرجع السابق، ص 59.
( 12) يعرفها بعض الفقه بأنها “جزاء يقرره القانون، يوقعه القاضي على من يثبت مسؤوليته عن الجريمة”. وآخر يعرفها بأنها “العقوبة إيلام مقصود يوقع من أجل الجريمة، ويتناسب معها”. أحمد مفتاح البقالي، مؤسسة السجون بالمغرب، مطبعة عكاظ، الرباط، الطبعة الثانية، 1989، ص 81.
(13 ) أحمد الخمليشي العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، ص 377.
( 14) محمد الأطرش، مطبعة مراكش، محاضرات في علم الإجرام، السنة الجامعية 2003-2004، الطبعة الأولى، 2004، ص 179 وما بعدها.
( 15) يعد الألماني فيورباخ Feuchbach من الأوائل الذين استعملوا أو وظفوا مصطلح السياسة الجنائية في بداية القرن 19، والذي يفيد “مجموعة من الإجراءات الممكن اقتراحها على المشرع، أو تلك المعتمدة من لدنه في زمان ومكان معين من أجل مكافحة الإجرام”، عن محمد بوزلافة، ملامح أزمة السياسة الجنائية في علاقة بالأحداث، المجلة المغربية للطفل والأسرة، العدد 1، يناير 2010، ص 51.
كما عرفها أحمد فتحي سرور بأنها:” مجموعة الوسائل التي تحددها الدولة كرد فعل ضد الجرائم المرتكبة، أورد فعل الدولة ضد الجريمة عن طريق قانون العقوبات”، أحمد فتحي سرور، السياسة الجنائية، فكرتها ومذاهبها وتخطيطها، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى 1969، ص 3.
( 16) أنظر المادة 482 من قانون المسطرة الجنائية والتي تنص على ” يمكن للمحكمة بصفة استثنائية، أن تعوض أو تكمل التدابير المنصوص عليها في المادة السابقة بعقوبة حبسية أو مالية بالنسبة للأحداث الدين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 سنة، إدا ارتأت أن دلك ضروري نظرا لظروف أو لشخصية الحدث الجانح، و بشرط أن تعلل مقررها بخصوص هده النقطة. وفي هده الحالة، يخفض الحدان الأقصى و الأدنى المنصوص عليهما في القانون إلى النصف. – إدا حكمت المحكمة بعقوبة حبسية إضافة إلى تدابير الحماية المنصوص عليها في المادة 481 أعلاه، فان العقوبة السالبة للحرية تنفد بالأسبقية، وفي جميع الأحوال فان عقوبة الحبس لا يمكن أن تقطع علاج الحدث أو تحول دونه”.
( 17) حميد المومني، المرجع السابق، ص 90.
( 18) لطيفة مهداتي، الشرعية و تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، أطروحة لبيل دوكتوراه الدولة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية 2001-2002، ص 66.
( 19) حميد مومني، المرجع السابق، ص 97.
( 20) نور الدين العمراني، العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة وتكريس أزمة السياسة العقابية بالمغرب، مجلة الملف، العدد 18، أكتوبر 2011، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 14 وما بعدها.
( 21) بالإضافة إلى الاختلاط داخل السجن يمكن أن يتعرضوا الأحداث إلى المضايقات والاستفزاز والذي يعكس منطق السلطة الذي يفرضه الأقوى داخل الزنازن، كما أن الأحداث بوصفهم ضعيفي البنية وعدم التمييز والإدراك يمكنهم أن يتعرضوا لممارسات دنيئة كالاستغلال الجنسي أو استخدامه في عدة أعمال منافية للأخلاق والقيم تحت ضغط الأقوى داخل الزنازن، مما يؤثر سلبا على سلوكه ويطبعه إلى الأبد ويجعله غير قادر على الاندماج والتأهيل.
( 22) حيث أنه فترة من الانعزال عن المجتمع، يصبح الحدث بعد الإفراج عنه محلا لكثير من الإحباط والقلق والتخوف من النظرة الدونية للمجتمع ومن نبد أفراده، في ظل واقع اجتماعي، يحتقر وينفر ممن قضى ولو لشبهة ليلة واحدة في مخفر الشرطة فبالأحرى من قضى شهور أو سنة أو أكثر داخل السجن، مما يجعله مسألة إعادة إدماجه إلى النسيج الاجتماعي والاقتصادي أمرا مستعصيا، مما يجعله فريسة سهلة للجريمة والعودة إليها ثانية، بعد اكتساب الميول الانحرافية داخل السجن.
نور الدين العمراني، المرجع السابق، ص 15.
(23 ) حميد المومني، المرجع السابق، ص 98.
( 24) إدريس الكريني، السلطة التقديرية للقاضي الزجري، رسالة دكتوراه في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية،فاس، السنة الجامعية، 2001-2000، ص 236
( 25) محمد بوزلافة، ملامح أزمة السياسة الجنائية في علاقة بالأحداث، المجلة المغربية للطفل والأسرة، العدد 1، يناير 2010، ص 68.
( 26) محمد بوزلافة، المرجع سابق، ، ص 68.
اترك تعليقاً