تسجيل العلامات التجارية الشهيرة
د. عبد القادر ورسمه غالب
أصبحت العلامة التجارية من أهم موجودات الشركة أو المنشأة التجارية وقد تدر لها ثروة أو ربحا كبيرا إذا فكرت في بيعها أو الاستغناء عنها لأي سبب.
وبسبب القيمة المادية والمعنوية للعلامة التجارية لبعض الشركات الكبيرة لم يتم الاتفاق على الاندماج، مثلا، لعدم اتفاق الأطراف فقط على قيمة العلامة التجارية أو الاسم التجاري لكل أو أي منهما.
وبسبب الشهرة المكتسبة للعلامة التجارية، في السوق ووسط المستهلكين والجمهور عامة، فإنها قد تتعرض للسرقة أو سوء الاستخدام من بعض المحتالين المنتفعين المخالفين للقانون والأنظمة.
وهذه النوعية من المجرمين من أصحاب اللياقات البيضاء في غاية الخطورة وقمة الذكاء لأن جرائمهم تحتاج لهذه المؤهلات. ولذا يجب الحذر منهم وقفل كل منافذ الباب في وجه هذه الجرائم.
وسرقة أو سوء استخدام العلامة التجارية يحدث كثيرا في هذه الأيام، وبصفة خاصة فإن بعض البنوك والمؤسسات المالية تعاني كثيرا من الانتهاكات في هذا الأمر لأن هناك من يترصد خزائنهم لاستغلال علامتهم أو اسمهم التجاري للحصول على تعويض مادي محترم مقابل التنازل والتسوية بعيدا عن مطاولات المحاكم والروحة والجية.
وكثيرا تتصل هذه الجهات الاجرامية، وبدون خجل، مع البنوك وتعرض عليهم التفاوض في شراء علامتهم التجارية التي قاموا بتسجيلها في…..ومثل هذا حدث فعلا، لبنك مركزي معروف حيث قام محتالون في بلد آخر بتسجيل اسم البنك المركزي كاسمهم ولم يتنازلوا عنه إلا بعد شد وجذب في مفاوضات شاقة انتهت بدفع تعويض كبير للمحتالين.
وهنا تبرز المشاكل القانونية والعملية الحقيقية التي يعاني منها أصحاب العلامات والأسماء التجارية الشهيرة في مثل هذه الحالات، وهي كثيرة، وتأتي بأشكال مختلفة لا يمكن أخذ الحذر منها مسبقا.
والعلامات التجارية الشهيرة، أو ذات الشهرة، بالطبع لم تأتِ من فراغ بل بسبب جهد وعرق وولاء أصحابها وإبداعهم ومن هذا فإنها تجلب المنافع الكثيرة و الشهرة لأصحابها لأن الجميع يعرفها ويعطيها قيمة مادية كبيرة، إضافة إلى أن الشهرة تكون أحد الأسباب المباشرة في زيادة المبيعات حيث يتم الإقبال على المنتجات دون تردد وبانجذاب غريب.
وكما قال أحد خبراء التسوق و “البراندينق”، عندما نتحدث عن فيراري مثلا فإننا وبأي حال من الأحوال لا نقصد السيارة بعينها، بل نقصد ذلك الحلم وخيال الشهرة المرتبط بهذا الاسم وهذه العلامة وقيمة من يمتلك ويقود هذه الفيراري. وهكذا للعلامات والأسماء التجارية المشهورة سحرها ورونقها وجذبها للجميع كالمغناطيس.
ولكن، على الطرف الآخر، هذه الشهرة قد تنقلب من نعمة إلى نغمة خاصة عندما يفكر ضعاف النفوس في استغلال هذا الاسم أو العلامة التجارية لمصلحتهم الخاصة خصما على حساب صاحبهما الأصلي. وهكذا للشهرة عدة أوجه، ولها ثمن إيجابي أو سلبي.
ولكن من الناحية القانونية توجد بعض المشاكل منها، مثلا، ان الحماية القانونية في العادة تعطي داخل البلد للشركة صاحبة العلامة أو الاسم التجاري التي قامت بتسجيلهما وفق المتطلبات القانونية، وهذا المبدأ الإقليمي يخرج العلامات التجارية الشهيرة والأجنبية من الحماية داخل البلد لأنها غير مسجلة فيه وفق القانون المحلي الوطني.
إضافة لهذا، فإن معظم القوانين الوطنية لا تتضمن أو لا تشير بصورة قاطعة لمعنى أو مفهوم أو معيار الشهرة، وما هو المقصود تحديدا بالعلامة التجارية المشهورة ؟.
وهذا قد يعتبر نقصا في القوانين المعنية وفراغا من المستحسن تكملته، خاصة وأن الاتفاقيات الدولية المنظمة لهذه الأمور تتضمن ما يفيد بخصوص تحديد وتعريف معنى ومعيار الشهرة.
وإذا رجعنا، مثلا، لاتفاقية تريبس – اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية نجد ما يقود لتحديد مفهوم أو معيار الشهرة حيث النص الآتي…(عند تقرير ما إذا كانت العلامة التجارية معروفة جيدا تراعي البلدان الأعضاء (في اتفاقية تريبس) مدى معرفة العلامة التجارية في قطاع الجمهور المعني بما في ذلك معرفتها في البلد العضو نتيجة ترويج تلك العلامة…..الخ).
ومن هذا يتبين أن التريبس تنادي الدول الأعضاء بمراعاة العلامة التجارية المشهورة خاصة عندما تكون معروفة في قطاع الجمهور المعني. وقد تم لاحقا توسيع مجال الجمهور المعني ليشمل كل مستهلك وكل موزع وكل فرد من الأوساط التجارية التي تتعامل مع العلامة المشهورة في السلع أو الخدمات… وطبعا الدول الأعضاء ملزمة بما ورد في الاتفاقية الدولية، وهذا ينطبق عالميا لأن كل الدول تقريبا منضوية تحت لواء اتفاقية التريبس التي أبرمت خصيصا من أجل حماية حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالنواحي التجارية.
وعند الالتزام بأحكام اتفاقية التربيس يتم إصباغ الحماية القانونية المطلوبة للعلامة التجارية المشهورة، بالرغم من أنها غير مسجلة في البلد، أي كسر مبدأ الإقليمية.
وبموجب هذه الحماية العامة لا يجوز لأي شخص وفي أي مكان القيام بتسجيل العلامة التجارية المشهورة، وإذا تم ذلك يبطل تسجيلها عند الضرورة، وكذلك يحظر ويمنع استعمالها بأي وجه لأنها تعتبر العلامة الخاصة بشخص آخر يتمتع بالحماية الواردة في الاتفاقية.
ومن هذه الحماية الدولية تأتي فوائد عديدة تعود أولا للمستهلك الذي تتم حمايته من الغش والتدليس وسوء نية المستخدم، كما تمتد الفائدة أيضا لتشمل جميع الأطراف في جميع الأماكن والبلدان.
هذا ببساطة، لأن علامتك التجارية ربما تصبح غدا علامة مشهورة لأي سبب ما وإذا حدث هذا التحول عليك أن تكون مرتاح البال لأن علامتك التجارية محمية بموجب القانون والاتفاقيات الدولية لا يستطيع أي شخص كان،وفي أي مكان كان، الاستفادة منها من خلفك أو دون الاتفاق معك.
ولكن، كما ذكرنا أعلاه، فمن المستحسن إدراج النصوص الحمائية للعلامات التجارية المشهورة في القوانين الوطنية بصورة واضحة وشفافة من أجل حماية حقوق الملكية الفكرية تشجيعا لها وعرفانا بها.
والنتاج الفكري سواء كان محليا أو عالميا، وفي كل صوره وأشكاله، يجب دعمه وتطويره مع حمايته حتي يعم الآفاق ويتعدى الحدود، كل الحدود.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً