كيفية تنفيذ التبليغ الصادر عن محاكم اجنبية في الاردن
اعداد : عيسى العماوي
مقدمة :
تنبع أهمية التبليغ في قانون أصول المحاكمات المدنية وسائر القوانين الاجرائية الاخرى في أن أي إجراء موجه ضد المطلوب تبليغه لا يمكن أن يرتب آثارا بحقه ما لم يكن قد بلغ بهذا الإجراء تبليغا صحيحا.
ويرمي التبليغ إلى ايصال واقعة معينة إلى علم المطلوب تبليغة، فإذا تم التبليغ وفقا للشكل الذي يتطلبه القانون، فعندها لا يجوز الإدعاء بعدم العلم، وذلك لأن عدم العلم الفعلي لا ينفي تحقق العلم القانوني الذي تحقق بالتبليغ، فتخلف المطلوب تبليغه بعد ذلك عن مراجعة الجهة التي جرى التبليغ بأمرها أو عن القيام بالإجراء المطلوب اليه القيام به خلال المدة المضروبة في ورقة التبليغ لا يحول دون قيام الجهة الآمرة بالتبليغ بإجراءاتها لتمكين طالب التبليغ من إقتضاء حقه منه ولهذا فإن التبليغ يتحقق قانونا بتسليم صورة ورقة التبليغ وفقا لما رسمه القانون، بصرف النظر عن علم أو عدم علم المطلوب تبليغه بما تتضمنه .
والسؤال القائم في ظل ما سبق يتمثل بالاجراءات المنظمة والتشريعات الناظمة لتبليغ شخص طبيعي او معنوي والصادر من محكمة اجنبية.
البحث :
ان الاجابة على هذا السؤال تتطلب منا الوقوف عند بعض المسائل الهامة في هذا الصدد، فمبدأ المعاملة بالمثل ابتداء والسيادة الوطنية ومن ثم اتفاقيات التعاون القضائي ثانيا واخيرا طرق التبليغ الديبلوماسية المعتادة بين الدول فيما يخص الامور القضائية.
وبالتدرج فيما سبق وباستعراض المبدأ الاول المتمثل بمبدأ المعاملة بالمثل وما يستلزمه من ضرورات حفظ السيادة الوطنية ، فان اي اجراء ينبغي لتطبيقه في المملكة ان يكون قد نظم بموجب تشريعات خاصة او صادقت عليه المملكة في احدى اتفاقياتها وبغياب النص المتعلق بكيفية القيام بالتبليغ الصادر عن المحاكم الاجنبية داخل المملكة فان مبادئ القانون الدولي تنادي بتبني مبدأ المعاملة بالمثل، فاذا وجدت اجراءات معينة في دولة اخرى تنظم او تسهل عملية التبليغ الصادرة عن المحاكم الاردنية داخل اراضيها، فان على الجهات القضائية الاردنية –حسب ما تقتضيه المبادئ الدولية- وفي حال غياب النصوص ان تسلك مسلكا موازيا لما تقوم به الدولة المقابلة حفاظا على استقرار العلاقات بين الدول وحسن سيرها.
اما وان وجدت اتفاقيات ثنائية او جماعية فيما بين الدول تختص بتنظيم عملية التعاون القضائي والقانوني فان مثل هذه الاتفاقية ولا شك هي الاجدى والاحرى بالتطبيق لاتخاذها مرتبة تعلو على مرتبة القوانيين العادية.
والحالة الاخرى المتعارف عليها في هذا الشأن والتي باتت من المبادئ المستقر على العمل عليها في الاردن ([1])، هي عملية التبليغ بالطرق الديبلوماسية وهذه العملية قائمة على قيام المحكمة الاجنبية بمخاطبة السلطات القضائية في تلك الدولة، لتقوم بعدها هذه السلطات بمخاطبة السفارة او القنصلية الاردنية في ذاك البلد، وعليه فتقوم السفارة او القنصلية الاردنية بمخاطبة وزارة الخارجية الاردنية التي تقوم بدورها بمخاطبة وزارة العدل الاردنية والتي تباشر اخيرا تبليغ القرار وفقا للقانون الاردني. على ان يراعى في المسائل الموضوعية للتبليغ –من حيث صحته مثلا- قانون البلد المصدر للتبليغ.
وحيث ان المشرع الاردني لم ينظم عملية تلقي التبليغات من محاكم اجنبية الا انه نظم عملية التبليغ في الدول الاجنبية في متن المادة 13 من قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني رقم 24 لسنة 1988، مما يعني بوجود تعامل ديبلوماسي منظم فيما بين الدول وقائم على اعتبارات لا يمكن تجاهلها، فكما ان اي دولة تصلها التبليغات القضائية الاردنية بالطريق المرسومة في المادة 13 والتي بيناها انفا في ضوء الحديث عن التبليغ الديبوماسي فانها ومن باب استقرار المعاملات الدولية وحتى تحوز تبليغاتها الحجية اللازمة تلتزم بنفس الطريقة في التبليغ. مع الاشارة الى ان هذا الامر يختص في حالة عدم وجود اتفاقيات ثنائية او جماعية تقضي بغير ما سبق وتكون الاردن والدولة الاخرى طرفا فيها.
اما عن القانون الذي يطبق على التبليغات فهنا نميز بين امرين اساسين:
اولا: القانون الواجب على الامور الشكلية:
وهنا واعمالا لسيادة الدولة الاردنية ولكون من سيقوم بايصال التبليغ هم موظفون اردنيون يخضعون للسلطة الاردنية فان القانون الذي يطبق في كيفية ايصال التبليغ والطريقة المتبعة في ايصاله او تبليغه سواء كان بالتبليغ المباشر او بالالصاق …الخ يخضع لقانون اصول المحاكمات الاردنية وهذا هو الوضع المطبق بشكل فعلي على ارض الواقع.
ثانيا: القانون الواجب على الامور الموضوعية ومدد الحضور:
نظم هذا الامر القانون المدني الاردني رقم 43 لسنة 1976 في متن مادته 23 التي تحدثت عن قواعد الاسناد والقانون الواجب التطبيق، حيث جاء فيها:
“يسري قانون البلد الذي تقام فيه الدعوى أو تباشر فيه إجراءاتها على قواعد الاختصاص وإجراءات التقاضي”. وقد جاءت المذكرة الايضاحية للقانون المدني في معرض بيانها لما سبق لتقول : “ان هذه المادة تتناولت قواعد الإختصاص وإجراءات التقاضي وقررت ان يسري عليها قانون البلد الذي تباشر فيه , وهذا حكم عام يقوم على إتصال هذه الإجراءات وتلك القواعد بالنظام العام , … ويلاحظ ان تعبير الاختصاص ينصرف إلى ولاية المحكمة كما ينصرف إلى الاختصاص النوعي والمكاني والشخصي وان تعبير الإجراءات يشمل جميع الأوضاع التي تتبع أمام المحاكم لاستصدار أمر ولائي أو حكم قضائي لمباشرة إجراءات التنفيذ وغيرها من الإجراءات التي رسمها القانون”.
ويستنتج من ذلك بان كافة الامور الاجرائية والموضعية تطبق عليها القواعد الخاصة بقانون الدولة ناظرة النزاع اصلا، ولا يحدها في ذلك سوى معيار النظام العام الذي يجعل من سطوة هذه المادة مجرد نص غير قابل للتطبيق.
والمتعارف عليه ضمن تقسيم القوانيين هو انقسامها الى القسم العام والقسم الخاص، بحيث يمثل القسم العام من القوانيين الدولة بوصفها صاحبة سيادة وسلطان مما يجعل معظم القوانيين المندرجه تحت القسم العام في مجملها ذات اتصال بالنظام العام.
ولعل ابرز تلك القوانيين؛ اي المندرجه تحت القسم العام . هو قانون اصول المحاكمات المدنية بوصفه يمثل سلطة الدولة القضائية بوصفها احدى اضلاع مثلث السلطات الثلاث في الاردن والتي لا يمكن المساس بها.
وعليه فتكون سلطة المادة 23 من القانون المدني بتطبيق قانون البلد الناظر للنزاع مختصة بصحة التبليغ من عدمه او بتحديد مواعيد التبليغ والحضور ..الخ بوصفها امورا لا تتداخل بالسلطة الاردنية دون ان تمتد بذلك الى حد طرق التبليغ او المكلفين باجراء هذا التبليغ لاعتبرات السيادة المتصلة بالنظام العام.
وخلاصة القول :
ناقشنا في متن هذه الاستشارة اجراءات التبليغ الصادر عن المحاكم الاجنبية وتطرقنا في معرض بحثنا هذا الى الوسائل الاساسية المتبعة في التبليغ. كما وناقشنا مسألة غياب النص الاردني المنظم لهذه الحالة مما حدى بنا واسترشادا بالعمل القضائي المتبع ومواءمة للمعايير الدولية الراسية ان نذهب نحو فكرة التبليغ بالطرق الديبلوماسية. ويسثنى في ذلك؛ اي التبليغ بالطريقة الديبلوماسية. حالة جود اتفاقيات تعاون قضائي تنظم مسألة التبليغات سواء كانت هذه الاتفاقيات ثنائية او جماعية بحيث تكون المملكة والدولة ناظرة النزاع اطراف بها.
ومن ثم تطرقنا الى فكرة القانون الواجب التطبيق على موضوع هذا التبليغ واستندنا بذلك الى نص المادة 23 من القانون المدني التي بينت بدورها ان القواعد المنطبقة على هذا الامر هي قوانيين البلد ناظر النزاع. وبالنظر الى المذكرة الايضاحية التي تعتبر مرجعا تفسيريا رسميا للقانون نظرنا ان المشرع قد ربط تطبيق هذه المادة بمعيار النظام العام. وامام صراحة هذا التفسير وحيث ان لا اجتهاد في معرض النص، فان ذلك قادنا الى النظر نحو قانون اصول المحاكمات المدنية بوصفه جزءا من السيادة الوطنية المرتبطة بسلطات الدولة مما جعلنا نتجه بالقول نحو تقسيم تطبيق القانون على هذه الواقعة نحو قسمين ميزنا فيها ما بين التطبيق الموضوعي للتبليغ وقلنا بانطباق قانون المحكمة ناظرة النزاع عليه. والتطبيق الشكلي للتبليغ حيث ينطبق وهذه الحالة قانون اصول المحاكمات الاردنية اعمالا لمبدأ السيادة الوطنية.
هذا مع الاشارة الى غياب الفقه عن البحث في هذا الموضوع وانعدام قرارات المحاكم الوطنية.
اترك تعليقاً