بعد الوفاة.. كيف نحمي الوكالات والتركات؟
حسان بن إبراهيم السيف
الوكالة الشرعية من أبرز الوسائل القانونية التي تيسر على الناس تعاملاتهم، وقضاياهم، وهي في الوقت نفسه عرضة للتلاعب، والاستغلال السيئ من ضعاف النفوس، ساعدهم على ذلك غياب الآلية السهلة للتواصل مع كتابات العدل لحماية الوكالات، وضبطها، ومن أبرز تلك الإشكالات: عدم إمكانية التحقق من صحة الوكالات، وسريانها، إذ إن المتعاملين مع الوكلاء لا يستطيعون التحقق من صحة الوكالة وسريانها إلا بالاتصال بالأصيل، وهذا أمر يتعذر في كثير من التعاملات التجارية، وعلى الجانب الآخر قد يعجز الأصيل عن تبليغ المتعاملين مع وكيله بفسخه لوكالته، ولذا فقد أحسنت وزارة العدل صنعاً حين دشنت خدمة الاستعلام عن حالة الوكالة من جهة كونها سارية المفعول، أو مفسوخة، وكذلك إمكانية التأكد من نص الوكالة وجهة إصدارها وتاريخها، عن طريق الدخول إلى موقع الوزارة على الإنترنت، وأرى أن ثمرة هذا العمل هو إلزام الجهات الحكومية والخاصة بالتحقق من سريان الوكالات قبل اعتمادها عبر موقع وزارة العدل على أن يتم إيجاد آلية تثبت قيام الجهة بالتحقق من سريان الوكالة.
ولكن مع هذه كله تبقى الوكالة عرضة لإشكالات أخرى، منها استمرار عمل بعض الوكلاء بوكالاتهم بعد موت موكليهم، نظراً لكون شهادة الوفاة تصدر من وزارة الصحة، بإجراء أحادي، وتبقى ذمة المتوفى المالية، ووكالاته، وحساباته البنكية، وعقاراته، ومحافظ أسهمه في الشركات المساهمة تبقى جميعها بيد وكلائه يسحبون من الحسابات البنكية ما شاؤوا، ويبيعون، ويشترون، ويقرضون، ويقترضون، دون علم المتعاملين معهم، أو بتواطؤ منهم، وهذه الإشكاليات لن تحل دون وجود مركز معلومات موحد تنضوي تحته سائر الجهات ذات العلاقة بتركة الميت، وأهمها: وزارة الصحة، ووزارة العدل، ومؤسسة النقد، وهيئة السوق المالية، ووزارة التجارة، ووزارة الداخلية، وذلك بأن يكون صدور شهادة الوفاة متزامناً مع فسخ جميع الوكالات الصادرة من المتوفى، وصدور حصرٍ مبدئي لورثته ريثما يقوم الورثة بمراجعة المحكمة وإثبات حصر الورثة، وكذلك يتم تجميد حساباته البنكية كافة، ومنع التصرف في عقاراته وأسهمه، وتعديل حالته المدنية.
والقضاة والمحامون لا يحصون القضايا التي يقفون فيها على اختلاسات الوكلاء من التركات أو تلاعبهم بها، فأحدهم باع عقارات مورثه على شركائه بثمن بخس، والآخر يسحب من الحسابات البنكية بلا حسيب ولا رقيب، والثالث يقسم التركة فيعطي منها من يشاء ويحرم من يشاء؛ فضلاً عن التلاعب بأموال القصر والنساء، وجحد الوصايا والأوقاف أو صرفها في غير مصارفها المحددة لها. والحديث ذو شجون عن التركات وحمايتها من التلاعب، وأنا على يقين تام بأن وزارة العدل قادرة على أخذ زمام المبادرة في حماية الوكالات، والتركات، وفي تصوري أن من أهم تلك الخطوات أن تعقد الوزارة المؤتمرات، وورش العمل لاستطلاع آراء كل ذوي العلاقة من الجهات والأفراد حول أبعاد هذه المشكلة وسبل حلها لتكون المبادرة منطلقة من واقع المعاناة لمن اكتووا بنار المتلاعبين والمحتالين.
وعوداً على بدء فإن الله – عز وجل – يقول (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، ولذا فعلى الأصيل مسؤولية في اختيار القوي الأمين ليكون وكيلاً ونائباً عنه، وليعلم كل من أراد التوكيل أن الناس ترتسم في أذهانهم صورة للموكل منسوجة من شخصية وكيله، فإن كان رجلاً صادقاً أميناً عاقلاً كان ذلك أدعى لصدق من يمثله وينوب عنه، وإن كان غير ذلك فلا يلومن الأصيل إلا نفسه. ومع ذلك فإن الثقة بالوكيل لا تتعارض مع الاحتياط في منحه الصلاحيات وتقييد الوكالة بقدر الحاجة إليها، فلا تعارض بين الثقة والاحتياط ولا بين الأمانة والتوثيق، ومن أهم سبل الوقاية والحماية في صلاحيات الوكلاء عدم توكيل الغير في الإقرار والصلح والتنازل قدر الإمكان؛ فإن عدم التوكيل في هذه الأمور الثلاثة يحد – بإذن الله – من إضرار الوكيل بموكله، أما في حال إطلاق الوكالة، فكثيراً ما يتضرر الموكل من وكيله بسبب خطأ الوكيل في فهم موقف موكله، أو في تقدير مصلحته، فضلاً عن احتمالية خيانته لموكله إذا لم تكن ثقته في محلها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً