الأخطاء الطبية : معالجتها قضائيا
تطرقت بعض وسائل الإعلام مؤخرا لإشكالية الأخطاء الطبية التي ترتكب في حق المرضى و كيفية معالجتها من الزاوية الادارية و القضائية. بعض المتدخلين في هذا النقاش لا سيما رجال القانون ركزوا في أغلبيتهم على ضعف أداء القضاة في إيجاد حل مرضي عند فصلهم في مثل هذه القضايا التي ترفع إليهم من طرف المتضررين من أخطاء طبية أثرت على صحة و سلامة المريض. البعض الأخر ركز على وجود فراغ قانوني في مجال التعويض عن الأخطاء الطبية و متابعة مرتكبيها فيما أن فريق ﺁخر ركز على الوقت الطويل التي تستغرقه الخصومات القضائية المتعلقة بهذا النوع من القضايا . فما هي حقيقة هذا النعي ؟
في الواقع إن كان فعلا يوجد فراغ تشريعي في مجال التعويض الودي أو الإداري لضحايا الأخطاء الطبية كون لا توجد هيئة خاصة مكلفة بمنح مثل هذا التعويض خارج إطار القضاء فإنه بالعكس لا يوجد أي فراغ قانوني في مجال المتابعة القضائية لمتسببي الأخطاء الطبية سواء كان طبيبا أو مساعدا طبيا و كذا في تعويض ضحايا هذه الأخطاء عن هذا الطريق.
يجب في هذا المجال التمييز بين عدة حالات :
– الخطأ الطبي وقع في مؤسسة طبيةعمومية أو في عيادة طبية تابعة للقطاع الخاص.
– المتضرر من الخطأ الطبي لجأ إلى القضاء الجزائي إثر شكوى أم فضل اللجوء إلى القضاء المدني.
هذا التمييز له أهمية بالنسبة للطرف الملزم بالتعويض و كذا بالنسبة لاختصاص الجهة القضائية.
القانون الجزائري مثله مثل كل القوانين الأجنبية يمنح لمن تضرر من خطأ طبي أو لذوي حقوق من توفى جراء هذا الخطأ حق التعويض.و طلب التعويض يقدم إما أمام المحكمة الجزائية إذا تمت متابعة المتسبب في الفعل الضار من طرف النيابة أو إما أمام المحكمة المدنية أو الإدارية .
يمكن للمتقاضي كذلك اللجوء لا إلى القاضي الجزائي و لكن إلى القاضي المدني.في هذه الحالة فإن المحكمة هي التي تفصل في طلب التعويض عن العجز أو عن الوفاة و لكن إذا صدر الخطأ الطبي من طبيب يعمل بمؤسسة استشفائية عمومية فقد يؤول الاختصاص لا للقاضي المدني و لكن للقاضي الإداري.
و إما بالنسبة لمقدار التعويض الممنوح للضحية أو لذوي حقوقه في حالة الوفاة فإن الجهات القضائية اعتادت فعلا منح تعويضات ضعيفة لا تتماشى مع خطورة و جسامة الضرر الذي أصاب الضحية. السبب هنا ليس راجعا لفراغ قانوني لأن القانون لم يحدد حد أدنى أو حد أقصى لهذه التعويضات بل الأمر يرجع للقاضي الذي يظهر أنه متردد في منح تعويضات تتماشى مع خطورة الاصابات . لاستدراك هذا الوضع فإنه يرجع للهيئات المختصة لا سيما وزارة العدل تحسيس القضاة بهذه المسألة.
العناصر المنشئة للمسؤولية الطبية
تنص المادة 239 من قانون الصحة أنه : “ يتابع طبقا لأحكام المادتين 288 و 289 من قانون العقوبات،أي طبيب أو جراح أسنان أو صيدلي أو مساعد طبي،على كل تقصير أو خطأ مهني يرتكبه،خلال ممارسة مهامه أو بمناسبة القيام بها،و يلحق ضررا بالسلامة البدنية لأحد الأشخاص أو بصحته ، أو يحدث له عجزا مستديما،أو يعرض حياته للخطر أو يتسبب في وفاته”.
المبدأ في نظام المسؤولية يرتكز إذا على الخطأ و هذا الخطأ قد ينتج :
– عن عمل طبي وقائي ( مثلا الطبيب الذي ترك مريض عقلي يغادر مستشفى الأمراض العقلية و الذي انتحر فيما بعد يكون قد ارتكب خطأ كون الطبيب ملزم باتخاذ التدابير الضرورية للحيلولة دون إضرار المريض بنفسه).
– عن تشخيص المرض (مثلا عدم إخضاع المريض لعلاج مقاوم للجراثيم فيما أن المعطيات العلمية تفرض ذلك ).
– عن عمل ناتج عن علاج ( مثلا طبيب الأسنان الذي تسبب في كسر فك المريض أثناء عملية نزع ضرس).
يجب في كل هذه الأحوال إثبات خطأ الطبيب أو خطأ المؤسسة الصحية و الخطأ المنسوب لهذه الأخيرة يكون عادة مرتبط بسوء تنظيم مصالحها ( مثلا الوصول المتأخر للطبيب المختص في التخدير و الإنعاش الناتج عن سوء تنظيم العيادة الطبية و الذي نتج عنه إصابة الرضيع بضرر دماغي بسبب عدم تزويده بالأكسيجين في الوقت المناسب).
في غياب الخطأ فإنه لا يمكن طلب أي تعويض و هنا تظهر أهمية تدخل المشرع لإنشاء هيئة خاصة تتكفل بتعويض ضحايا الحوادث الطبية التي يغيب فيها عنصر الخطأ الطبي.
إلى جانب التعويض عن الأخطاء الطبية فإن القانون يجيز طلب التعويض عن الأضرار التي قد تسببها المواد الطبية الفاسدة أو المشوبة بعيب ( مثلا دواء لا يحتوي معلومات عن آثار تناوله أو فساد جهاز طبي وضع بجسم المريض).
الميعاد القانوني لرفع دعوى التعويض و على من ترفع هذه الدعوى
أجل رفع الدعوى أمام القضاء لطلب التعويض عن خطأ طبي أو عن عاهات أو جروح سببتها المواد الطبية أو الصيدلية لا يبقى مفتوحا للأبد بل يجب رفع هذه الدعوى في أجل لا يتعدى 15 سنة و هذا الأجل هو الأجل المقرر لانقضاء كل الحقوق و الالتزامات ( المادة 308 من القانون المدني).
كما سبق ذكره فإن الدعوى توجه إما ضد الطبيب المتسبب في الخطأ الطبي و إما ضد المؤسسة الطبية التي ينتمي إليها هذا الطبيب.
– إذا كان الطبيب الذي عالج المريض يعمل في القطاع الخاص و في عيادته فإنه يكون هو المسئول عن أخطائه و عن أخطاء تابعيه أي الأشخاص الذين يعملون عنده في العيادة لا سيما الممرضين .
– إذا وقع الضرر بعيادة طبية تابعة للقطاع الخاص لها الشخصية المعنوية فإن العيادة هي التي تجيب عن أخطائها ( أخطاء في التنظيم) و أخطاء أطبائها المأجورين.
في هذه الحالات فإن الدعوى ترفع أمام المحكمة المدنية أو المحكمة الجزائية إذا كان الفعل المرتكب يشكل جريمة.
إذا كان الضرر وقع بمؤسسة طبية عمومية فإن هذه الأخيرة تكون مسئولة عن نوعين من الأخطاء:
– خطأ مرفقي : يتعلق الأمر هنا بخطأ في تنظيم مصالح المستشفى وقت التدخل الطبي ( خلل في برنامج الحراسة الطبية، سوء تنسيق الاستعجالات…).
– أخطاء تقنية مرتكبة من طرف الأطباء أو المساعدين الطبيين.
في هذه الحالات يجب رفع دعوى التعويض أمام المحكمة الإدارية .
تقييم الأضرار
تقييم الأضرار التي لحقت ضحية الخطأ الطبي يكون عادة عن طريق خبير تعينه المحكمة.و إما الأضرار ذاتها التي قد تصيب الضحية فإنها عديدة و متنوعة.عموما فإنها تتمثل في فقدان الثروة و ضياع فرص للربح و تحمل مصاريف و أعباء لها علاقة بالحادث.و قد تعوض الضحية عن أضرار لا علاقة لها بثروته كالضرر الجمالي و الضرر التألمي و الإصابة الحركية الدائمة و ضرر المتعة كاستحالة الضحية ممارسة نشاط رياضي أو ترفيهي كان يزاوله قبل الحادث و ضرر التوطيد أي فقدان أمل أو فرصة إقامة مشروع حياة عائلية بسبب خطورة الإعاقة.
الأستاذ براهيمي محمد
محامي لدى المجلس
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً