النيابة العامة و ضمانات العدالة
د. أسامة بن سعيد القحطاني
أصدر خادم الحرمين الشريفين أمره الكريم بتغيير مسمى هيئة التحقيق والادعاء العام ليكون باسم النيابة العامة، وأن يسمى رئيسها بالنائب العام، وأرجع الأمر الملكي ذلك ليكون توافقا مع القواعد والمبادئ النظامية المتبعة في عديد من دول العالم، وبما يتفق مع القواعد والأحكام الشرعية، وسأتحدث عن هذا القرار التاريخي باختصار.
بداية يجب أن نذكر أن هيئة التحقيق والادعاء العام التي تشكلت بالمرسوم الملكي عام 1409هـ تعد جهازا حديثا نسبيا، حيث كان يمارس نشاطها من تحقيق وادعاء الأجهزة العسكرية من شُرَط وخلافه، إلى أن انتقل إليها اختصاص التحقيق والادعاء العام، ومن ثم أخذت الهيئة الاختصاص بشكل تدريجي، وقد قطعت الهيئة شوطا كبيرا ومميزا في تحقيق ذلك.
ثم جاءت الفرصة الآن لننتقل إلى خطوة أكبر وهي أن يكون جهاز التحقيق والادعاء العام جهازا قضائيا مستقلا، ليتحقق بذلك مستوى أعلى من ضمانات العدالة والاستقلالية، التي نص عليها الأمر الملكي بعبارة قوية، حيث جاء فيه: “ولأهمية وضرورة الفصل بين السلطة التنفيذية في الدولة والهيئة وأعمالها باعتبارها جزءا من السلطة القضائية، ومنحها الاستقلال التام في مزاولة مهامها؛ بما يضمن لها مباشرة عملها بكل حياد، ودون تأثير من أي جهة كانت”.
وبهذا سترتفع معايير العدالة بلا شك، حيث عندما تقع الواقعة الجنائية مثلا؛ فإن أجهزة الضبط الجنائي تباشر الحالة، ثم تنتقل إلى جهاز مستقل تماما وهو النيابة العامة حاليا، ليقوم بمهمة التحقيق ورصد الوقائع والتهم والبينات وخلافه، ومن ثم يقوم بمهمة الادعاء أمام القضاء أيضا، لتنتقل المهمة إلى جهاز ثالث مستقل أيضا وهو جهاز القضاء، وبالتالي فإن تعدد الأجهزة واستقلال بعضها عن بعض بشكل كلي؛ يضمن مزيدا من معايير العدالة والشفافية والاستقلالية.
علما أن هيئة التحقيق والادعاء العام كانت شبه مستقلة في الفترة الماضية، حيث كانت ترتبط بسمو وزير الداخلية شخصيا، ولا تتبع ديوان الوزارة نهائيا، بل كانت مستقلة تماما وترتبط فقط بشخص سمو وزير الداخلية حسب المادة الأولى من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام، الأمر الذي كان حينها مهما جدا كون الجهة التي كانت تمارس نفس العمل تابعة لوزارة الداخلية أيضا.
وقد ختم الأمر الملكي توجيه هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بالاشتراك مع من تراه من الجهات ذات العلاقة، لتقوم بمراجعة نظام هيئة التحقيق والادعاء العام، ونظام الإجراءات الجزائية، والأنظمة الأخرى ذات العلاقة لتقوم بتعديلها وتحديثها بما يتوافق مع هذا الأمر، حيث يتطلب هذا التوجيه تعديل كثير من الأنظمة بما فيها نظام القضاء أيضا.
هذه التوجه نحو تطوير وتحديث المنظومة العدلية يجعلنا نتفاءل بمستوى عدالة أفضل بإذن الله، وبشكل يتوافق ويستفيد من الخبرة الدولية المتراكمة عبر العصور للحفاظ على مستويات العدالة والحفاظ على الحقوق بين المواطنين، وكلنا أمل وتفاؤل بقيادة خادم الحرمين الشريفين أيده الله.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً