كيف تنجز بحثا علميا
أولا : ما لمقصود بالبحث ؟
البحث هو عملية استكشافية تقوم على إعمال و بذل الجهد الذهني على موضوع معين و ذلك للتوصل إلى الحقائق العلمية و الأدبية .
ثانيا :التحضير لعملية البحث
حصر المراجع: ينبغي أن يكون لدى الباحث منهجا في ذلك كما يلي :ـ
1- أن يبدأ الباحث بالمراجع العامة ثم المراجع الخاصة , و العامة هي مثل الموسوعات و المطولات و الوسيط و الوجيز ثم الخاصة بأنواعها مثل الكتب المتخصصة و الأكثر تخصصا و الرسائل و الأطروحات و المقالات و التعليقات .
2- أن تعتمد المراجع الحديثة و لكن دون تجاهل إمكانية العودة إلى المراجع القديمة عندما يكون ذلك ضروريا و تتجلى الضرورة عند الاحتياج لمراجعة النصوص الشرعية كالأحاديث فعلى عكس الكتب التي تتناول العلوم الآلية كعلم الأصول الذي بدأ صغيرا ثم تطور عبر الزمن نجد أن كتب الحديث كلما رجعنا القهقرى للكتب القديمة كان المصادر أنقى و أكثر مصداقية و أكثر تعددا للنصوص .
3- أن تعتمد الطبعات الأحدث من المراجع المعتمدة دون تجاهل الطبعات السابقة عند الضرورة فالطبعة الأحدث تكون عادة منقحة و يضاف إليها ما استجد في ذات المجال .
4- أن تصنف المراجع بحسب أهميتها و بحسب أهمية واضعها فكما في الحياة تراتبية هناك أيضا تراتبية بين المؤلفين .
5- عند تعدد الكتب و الدراسات (العامة و الخاصة) و الاصطدام بضيق الوقت نختار الأحدث منها و الذي يتناول الموضوع -محل البحث- مباشرة أي نقوم بالبحث في المراجع الخاصة ثم إن أمكن الوقت نبحث في المراجع العامة .
6- ينبغي الاستعانة بالمعلوماتية و هي ( شبكة الانترنت) لضبط المراجع و حصرها فالمعلوماتية أصبحت الآن علما قائما بذاته و ضرورة ملحة لا بد منها .
ثالثا: طريقة التفتيش في المراجع
و فيه مسالتان
الأولى: هي التفتيش في المراجع و يقتضي ذلك التمييز بين الأنواع المذكورة من المراجع : المراجع التي تتعرض للموضوع المعالج ضمن مواضيع أخرى متصلة به وهذه عادة تكون الكتب العامة أو المراجع المتخصصة في حالة لم يكون موضوعها هو الموضوع المعالج و إنما تتطرق إليه استطرادا أو ضمن مواضيع أخرى و المراجع المتخصصة التي يكون موضوعها هو الموضوع المعالج و هذه تتعرض للموضوع محل البحث مباشرة و تكون عادة دراسات قانونية أو رسائل أو أطروحات جامعية :
1- في المراجع الأولى يقتضي العودة إلى الفهرس الهجائي الذي يضعه المؤلف في نهاية الكتاب و نقف على ما يرد تحت الكلمة التي ينطوي عليها الموضوع المعالج من أرقام للفقرات التي عالجت هذا الموضوع و ذلك بدلا من بذل الوقت و الجهد في قراءة كامل الكتاب و في ذلك توفيرا للوقت و الجهد .
2- في المراجع الثانية و هي التي يناول الكتاب فيها كامل الموضوع كالرسائل و الأطروحات الجامعية فانه لا بد من قراءة كامل الكتاب و إلا جاء البحث منقوصا و مبتورا و إذا كان الوقت ضيقا نختار الدراسة الأحدث و التي وضعت من قبل فقيه هام .
الثانية: في مسألة الاقتباس من المراجع : و يتم ذلك بتدوين الفقرات أو الجمل التي لها علاقة بالموضوع المعالج إما بالنقل الحرفي و إما بالاختصار و التلخيص و يمكن الاستغناء عن ذلك بالتصوير الفوتوغرافي أو النسخ (الكوبي) و الأفضل هو تدوين أو تلخيص الفقرة المطلوبة لأنه يتيح للباحث الاطلاع على الفكرة مباشرة و إعادة صياغتها بأسلوبه الشخصي و لا تتراكم الصفحات المصورة و المنسوخة في ملف البحث .
رابعاً: طريقة التدوين
و التدوين يتم بطريقتين:ـ
الطريقة الأولى: طريقة البطاقة و هي عبارة استخدام قطعة من الورق المقوى مستطيلة ومسطرة أو غير مسطرة أفقية احد أضلاعها 14 سم و الأخر 10 سم و ينبغي أن تكون جميع الأوراق المستعملة من ذات الحجم و يدون فيها اسم المؤلف كاملا و عنوان الكتاب المقتبس منه و اسم الناشر و مكان و تاريخ النشر و رقم الفقرة أو الصفحة المقتبسة و إذا كان مجلة أو دورية فنكتب اسمها و سنة إصدارها و شهره و يومه و رقم الصفحة و إذا كان الأمر يتعلق بدراسة منشورة بتلك المجلة أو الدورية فنكتب اسم واضع الدراسة و عنوان الدراسة و تحت أي باب وردت حيث أن المجلات و الدوريات تكون لها أبواب متعددة بالإضافة لما ذكرناه أولا و بعد التدوين نقوم بفرز البطاقات و نضع البطاقات التي تكون تحت عنوان موحد مع بعضها في مغلف واحد يستحضر لهذه الغاية و يكتب على ظهره عنوان البطاقات التي فيه .
الطريقة الثانية: طريقة الأوراق العادية فنستخدم أوراق عادية لتدوين المواضيع المقتبسة و تكون عادة بحجم ورق الفولسكاب و نجمع الأوراق في ملف (دوسيية- اضبارة) مع مراعاة الأمور المطلوب تدوينها من عنوان و تاريخ و أسماء و أرقام و قد نحتاج لعدة ملفات كل ملف مخصص لعنوان واحد من العناوين التي يتضمنها البحث و يدون الباحث في كل ورقة ماله علاقة بالموضوع الذي يبحثه و في النهاية يفرز الأوراق حسب العناوين ويدخلها في الملف الذي يكون عادة عبارة عن غلاف قوي تدخل فيه الأوراق مثقوبة لتثبيتها فيه و كلما عثر الباحث أثناء المطالعة و القراءة على فقرة جديدة تدخل تحت عنوان يضمه ملف من الملفات يدونها في ورقة جديدة و يضمها إلى ذات الملف الذي يحمل نفس العنوان و لكن تفضل طريقة البطاقات على طريقة الأوراق لأنها أكثر دقة و أيسر للتصنيف و لأنها لا تأخذ حجما كبيرا و بالأخص إذا رتبت ترتيبا جيدا و لأنه يسهل استعمالها أثناء الكتابة إذ يكفي الرجوع إلى المغلف الذي يحتوي على عنوان معين عند الكتابة تحت هذا العنوان و ذلك لعرض الآراء المطروحة في الموضوع لان البطاقات جاهزة بعناوينها و مراجعها و مضمونها في مغلف واحد .
خامسا: طريقة كتابة البحوث
لا بد أن يكتب البحث بطريقة و منهج معين و ذلك بمراعاة ركنين مهمين هما لغة الكتابة و طريقة عرض المراجع المقتبس منها :
أولا: لغة الكتابة :
1- يجب في لغة الكتابة أن تكون لغة اصطلاحية أي الألفاظ و المصطلحات التي تستخدم في نفس العلم المبحوث في احد أو بعض مواضيعه .
2- يجب أن تكون لغة سليمة : فيجب تجنب الأخطاء اللغوية أو النحوية أو الصرفية و بالأخص التي من الممكن أن تغير المعنى إلى معنى غير مراد للكاتب الباحث .
3-ينبغي التقليل من :الجمل المعترضة و من الاستطراد و الخروج عن صلب الموضوع .
4- يجب أن تكون الجمل واضحة تعبر بصورة مباشرة عن الفكرة دون زيادة و لا نقصان .
5- ينبغي أن تكون الجمل مبسطة فتحتوي كل جملة على فكرة واحدة فلا تحشر عدة أفكار أو عدة مسائل في جملة واحدة لان ذلك يزيد من تعقيد الموضوع محل البحث .
6- يجب أن تكون الجمل دقيقة فالكلمة المناسبة توضع في المكان المناسب و لا تستعمل كلمة إلا في محلها و لا مصطلحا إلا في موضعه .
7- يجب استعمال المصطلحات التخصصية لكل علم أثناء بحث مواضيعه فلا تستخدم مصطلحات علم أثناء بحث مواضيع علم آخر لان المصطلحات تختلف أما في دلالتها كما في مصطلح الإقرار – الإجازة فدلالة كل منها في الشرع تختلف عن دلالتهما في القانون و أما تختلف من حيث سعة مفهوم المصطلح فمثلا لفظة الزنا لها دلالة في الشرع أوسع من الدلالة التي لها في القانون فهي تشمل زنا احد الزوجين و الجماع غير المشروع حسب التعبير القانوني و أما اختلاف الدلالة فمثلا لفظة الجزاء تستعمل شرعا للثواب و العقاب بينما تستعمل في القانون في خصوص العقوبة المدنية أو الجنائية التي توقع على من يخالف قاعدة قانونية آمرة .
8- أن تكون الجمل المستعملة حية بمعنى أنها متداولة فينبغي الابتعاد عن الأسلوب و الألفاظ القديمة غير المستعملة أو غير المتعارف عليها و بالأخص غير الواضحة الدلالة .
9- أن لا يكون البحث جملة واحدة و إنما يقسم إلى جزئيين أو عنوانين أو أكثر و كل عنوان ينقسم إلى فقرات و مقاطع .
10- أن تستعمل أثناء كتابة البحث علامات الترقيم مثل النقطة – الفاصلة – و النزول على أول السطر عند طرح . فكرة جديدة أو بداية مقطع جديد و كذلك تمييز الألفاظ المهمة أو العبارات المحورية بخط تحتها أو تغليط الخط
11- يجب الكتابة باللغة التي تعبر عن الفكرة مباشرة و تتحدث عن نفسها بنفسها و عند الغموض في نقل الفكرة للقارئ يصار إلى إعطاء أمثلة توضيحية .
ثانيا: عرض المراجع المقتبس منها
1- الأمانة العلمية: فعندما نذكر فقرة أو نقتبس فقرة يجب ذكر المرجع المقتبس منه و في حالة النقل الحرفي يجب أن يوضع بين قوسين مزدوجين ليتضح انه منقول عن المرجع المذكور .
2- أن يكتب المرجع في الهامش .. و هذا خلافا لما يقوم البعض به من ذكره في المتن فالأفضل تخصيص المتن لصلب الموضوع و إيراد المراجع و التعليقات في الهامش .
3- من المتعارف عليه في حال ذكر المراجع أن يذكر اسم المؤلف – عنوان المؤلف – دار النشر – مركز النشر – تاريخ النشر- الفقرة أو الصفحة و إذا لم يكن للكتاب من دار نشر أو تاريخ فيذكر ذلك بين قوسين و إذا كان الكتاب صادر من قبل هيئة علمية فيذكر عنوان الكتاب ثم الهيئة العلمية ثم بقية المعلومات .
4- درجت العادة في الدول العربية أن يذكر إلى جانب اسم المؤلف لقبه العلمي برفسور – دكتور- رئيس – عميد – شيخ- لكن البعض لا يرى ذلك ضروريا لان الإشارة إلى المرجع لا يلزم الباحث بذكر صفة المؤلف إلا في حالة عبر الباحث عن اتجاه فكري أو فقهي لدي المؤلف .
5- تستعمل أحيانا اختصارات ترمز إلى المعلومات المذكورة كما نختصر نحن عنوان الشخص ب م للدلالة على رقم المنزل و ط للدلالة على رقم الطريق .
سادسا: طريقة البحث في النصوص
عندما نتعرض لنص ما بالبحث فإننا نقوم بما يلي :
1- تركيز النص ببيان أصله و مصدره بيان تاريخ النص و واضع النص المرجع الذي ورد فيه النص و عنوان النص
2- البحث في بنية النص و يكون بثلاثة أمور :ـ
1- البنية اللغوية: بالإشارة إلى العبارات و المصطلحات التي لها أهمية خاصة لفهم النص و معالجته .
2- البنية الطبوغرافية: ويقصد بها بيان ما إذا ورد النص في فقرة واحدة أو عدة فقرات فعادة الفقرة الواحد تدل على فكرة واحدة و الفقرات المتعددة تدل على أفكار متعددة كمثال يوضع في الفقرة الأولي الحكم ونطاقه و في الثانية شروطه و في الثالثة الاستثناءات الواردة عليه و حدود هذه الاستثناءات و فيه فقرة أخيرة الجزاء الذي يواجهه من يخالف مقتض ى الحكم المذكور .
3- البنية المنطقية: وهذا يكون في استعمال عبارات مثل الأوامر الصريحة و النواهي الصريحة وما يسمح به اضطرارا و ما لا يسمح به إطلاقا و الأوامر أو النواهي التي تستفاد ضمنا أو هي محل نقاش .
3- التقريب بين النصوص التي لها قاسم مشترك و ذلك للتوضيح أو التأكيد .
4- البحث عن غايات النص أي المصالح التي يهدف إلى تحقيقها أو حمايتها و نستفيد من عبارات المنع أو الأمر انه لا يسمح بمخالفة هذه الأوامر .
5- العبارات التي ينبغي الإشارة إليها و ذلك مثل العبارات التي تحتمل أكثر من معني أو تشمل أكثر من مصداق .
سابعا: القواعد التي تحكم البحث العلمي
1- الجدة و الابتكار فمن مقومات البحث الأساسية: أن يكون جديدا مبتكرا و يضيف معارف جديدة فلا يكون منقولا أو تقليدا أو ترجمة أو تكرارا لما سبق و أن كتب و لكن ذلك لا يعني أن لا يكون الموضوع قد عولج من قبل بل يعني أن يأتي البحث بمساهمة جديدة و ذلك من جهتين الأولى شكلية منهجية تتعلق بطريقة و أسلوب البحث
و الثانية موضوعية: تتعلق بالأسس التي قامت عليها هذه المعالجة فقد تعطي للموضوع أسس جديدة أو تعطي للأسس التي ارتكزت عليها المعالجات السابقة حججا جديدة تؤكد الموقف السابق و صوابيته أو العكس بحيث يصل الباحث إلى نتائج مغايرة تماما للحلول أو النتائج التي سبق و أن تم الوصول إليها أو يتوصل إلى تعديلات للحلول أو النتائج السابقة .
2- شخصية الباحث: فكلما كان الباحث يتمتع بذهن حر مرن حيوي وله خلفية علمية و ثقافية كان البحث الذي يقوم به متميزا فشخصية الباحث هي تعبير عن أصالة البحث فالبحث الأصيل لا يستند إلى مجرد سرد للآراء السابقة و الأفكار و إنما إلى أراء جديدة و أفكار مستحدثة .. وعلى الباحث ان يتجنب في البحث :
1-أن يكون مصطنع: بل يجب أن يبنى على أفكار وثيقة الصلة بالبحث و أن يكون تقسيماته مترابطة فيما بينها و فق تسلسل منطقي بحيث تترجم الفكرة أو المفهوم الذي يطرحه الباحث .
3- أن يكون وصفيا و حسب: إذ يقتضي أن يترك مجالا و مساحة واسعة للاستنتاجات الشخصية .
4- تجنب التكرار: فيجب تجنب تكرار العبارات و الاستدلالات و لو بصيغ مختلفة بل يكتفي بذكرها مرة واحد و ثم الإحالة إليها .
5- تجنب الاستنتاجات المفرطة: أو الاستنتاجات التي تنفي الطابع العلمي الموضوعي عن البحث .
6- و من المهم أن لا تكون مقدمة البحث مثقلة بالتفاصيل و الاستدلالات حتى لا تتغير وظيفتها بل لا بد من المحافظة على صفتها كمدخل إلى الموضوع محل البحث .
7- و الخاتمة يقتضي أن لا تكون ترديدا لمضمون البحث و إنما تتضمن ما يلي :
1- تحتوي على نتيجة البحث .
2- أن تطرح تساؤلات تفتح أبوابا جديدة لأبحاث جديدة في المستقبل .
كما يفضل أن تكون الخاتمة مختصرة وبين المقدمة والخاتمة يتم معالجة صلب الموضوع .
بقـــلم:
المحامي الشيخ /عبد الهادي خمدن
اترك تعليقاً