مقال في محاولات التوحيد الدولي للقواعد القانونية والتفريق بين النظم القانونية المختلفة
ابتداءً لابد لنا من التنويه الى ان محاولات توحيد القواعد القانونية بين النظم القانونية المختلفة قد انصبت على توحيد قواعد القانون الخاص دون القانون العام ذلك لأرتباط الاخير بسيادات الدول والتصاقه بالنظام العام في كل منها وارتباطه بمصالحها الاساسية وقد ابتعدت جهود توحيد القانون العام عن دوائر الاهتمام بها .
وعلى العكس من ذلك فان قواعد القانون الخاص التي تنظم المصالح الخاصة بين الافراد المتعاملين بها فهي الاولى بتوجيه الجهود والسعي الى توحيدها والعمل على التقريب بينها وتنسيق احكامها على المستوى الدولي والدوافع لهذه الجهود يبرزها السعي لحماية هذه المصالح اي الخاصة ، وضماناً للتواصل الانساني بين بني البشر واحتراماً للتوقعات المشروعة للأفراد عبر الحدود ، وان هذا السعي وهذه الجهود التي بدأت منذ القرن التاسع عشر من خلال الهيئات والمجاميع العلمية . اذ كانت البداية في مجمع القانون الدولي الذي أنشئ عام 1873 بمدينة Gand في بلجيكا ويقوم منذ أنشائه بدور خلاق في تحقيق التنسيق بين النظم القانونية وتطور القانون الدولي والتوحيد التدريجي لأحكامه من خلال وضع المبادئ التي تصلح لأن تكون أساساً لمعاهدات دولية يتم بمقتضاها توحيد المسائل التي تنصب عليها هذه هي بداية الجهود وتطورت تاسيس جمعية تسمى لاهاي للقانون الدولي التي أنشئت في بريطانيا عام 1873 بهدف تشجيع دراسة وتجليه احكام القانون الدولي العام والخاص ودراسة القانون المقارن واعداد المقترحات التي تهدف الى تسوية تنازع القوانين وتوحيد القانون وتعزيز التفاهم بين الامم وفي ذلك تنص المادة الثالثة من دستور الجمعية وفق اخر التعديلات التي ادخلت عليه في المؤتمر الثامن والستين للجمعية عام 1998 على ان لايترجم النص من الفرنسية ………….)
اما مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص الذي عقد اولى دوراته عام 1893 بمبادرة من الاستاذ الهولندي Asser وعقد العديد من دوراته سبع دورات غير المنتظمة في بداية الامر كما اصبح منظمة حكومية اعتباراً من (15/ تموز 1955) بعد دخول نظامه الاساسي الذي تم اقراره في دورة ( 1951) حيزالنفاذ وانشأ له مكتب واتم Bureau Pomemnt منذ هذا التاريخ وهذه المنظمة مؤسسة قائمة بصفة مستديمة ويعقد جلساتها منذ عام 1955 بصفة دورية ومنتظمة كل اربع سنوات بهدف التفاوض حول الاتفاقيات واقرار ما انتهى التفاوض بشأنها واتخاذ القرارات بشأن الاعمال المستقبلية وذلك على الرغم مما يوحى به ظاهر اسمها من انه مؤتمر ينعقد لمناقشة مسألة بعينها او بعض مسائل ثم ينفض وقد بات مؤتمر لاهاي منذ التاريخ المذكوراعلاه منظمة حكومية عالمية يزيد عدد اعضائها عن ستين دولة من جميع قارات العالم فضلاً عن الدول غير الاعضاء التي تنظم كاطراف في اتفاقيات لاهاي مما جعل اعمال المؤتمر تشمل ما لايقل عن مائة وعشرين دولة على مستوى العالم ويعتبر المؤتمر من ابرز هيئات التعاون القانوني والقضائي الاوليين في العالم وهمزة وصل بين النظم القانونية المختلفة ووسيلة فاعلة للتقريب بين هذه النظم تحقيقاً للامان القانوني على الصعيد العالمي ويقوم بدور حيوي في توحيد احكام القانون الخاص بصفة عامة وتلك المتعلقة بالقانون الدولي الخاص بصفة خاصة وهذا ما صرحت به المادة الثانية من نظامه الاساسي حيث نصت على ان هدف المؤتمر العمل على التوحيد التدريجي لقواعد القانون الدولي الخاص ولعل اهم وسائل تحقيق هذا الهدف هو ما يعده المؤتمر من اتفاقيات دولية تدخل حيز النفاذ بعد تصديق عدد معين من الاعضاء عليها وحتى اذا لم تدخل حيز النفاذ فيظل لها تأثير كبير وقيمة ادبية غير مذكورة في مختلف النظم القانونية وتمثل مصدراً هام للجمهور الرامية الى توحيد القانون الخاص على مستويات اقليمية كما هو الشأن في الاتحاد الاوربي ومنظمة الدول الامريكية وغيرها .
اللجنة البحرية الدولية : انشأت عام 1897 بقصد المساهمة بكل الوسائل والانشطة الملائمة والتعاون مع غيرها من الهيئات والمنظمات الوطنية والدولية في سبيل توحيد احكام القانون البحري ، وفي ذلك تنص المادة الاولى من النظام الاساسي للجنة على ان :
The comite Maritime International is a: non governmental international organization, the object of which is to contnbute by all appropriate means and achuities to the unification of the maritime law in all its aspects . To this end it shall promote the establishment of national associations of law.
منظمة العمل الدولية Organisation International de Traual
أنشأت عام 1919 وتقوم بدور فاعل في توحيد تشريعات العمل على المستوى الدولي .
غرفة التجارة الدولية La chamber de commerce Intermatand
أنشأت عام 1920 وتقوم بدور بارز في تنسيق وتوحيد الاحكام المتعلقة بالتجارة والاستثمارات الدولية ، من خلال عدة وسائل منها :
شرح وتوحيد المقصود بمصطلحات التجارة الدولية باصدارها للانكوترمز اختصار لعبارةInternational commercial Terms
التي صدرت للمرة الاولى عام 1936 وثم مراجعتها والاضافة اليها مرات كثيرة كان اخرها عام 2000.
1- اصدار القواعد الموحدة .
2- اعداد نماذج العقود التجارية الدولية التي تتعهدها بالمراجعة الدورية للتتواكب مع التطورات الحديثة .
3- تؤدي دوراً فاعلاً في مجال تسوية منازعات التجارة والاستثمارات الدولية .
اكاديمية لاهاي للقانون الدولي انشأت عام 1923 والتي تقوم سنوياً بتنظيم ورعاية العديد من الفعاليات والدراسات المقارنة الهامة في مجال القانون الدولي بشقيه العام والخاص .
معهد القانون الامريكي : انشئ عام 1923 على خلفية شعور عام ساد لدى اكثرية العاملين في الحقل القانوني الامريكي بأن النظام القانوني لديهم يمر بازمة حقيقية يجب التصدي لها ومعالجة اثارها وقد تنادى لذلك مشاهير الفقهاء والقضاة والمحامين الامريكيين وانشأوا لهذا الغرض لجنة دائمة للتباحث حول اوضاع النظام القانوني الامريكي دراسة مشكلاته واقتراح الحلول الملائمة لها . ونجحت اللجنة في ان تضع يدها على مكمن الداء ، حيث توصلت الى جذور الازمة تكمن في سببين رئيسيين هما :-
1- فيما يكتنف النصوص والمصطلحات القانونية من غموض وعدم تحديد Uncertainty
2- تتسم الاجراءات القانون بشئ من التعقيد Completity
ورأت اللجنة ان السببين اعلاه يتعارضان مع مقتضيات العدالة ويعوقان حسن ادارة مرفق القضاء وخلصت اللجنة الى ان الحل الناجح للوضع الماثل يتمثل في انشاء معهد للقانون تكون مهمته توضيح وتبسيط القانون الامريكي المشترك. او قانون العموم الامريكي (American commn law) والعمل على ان يكون متجاوباً مع تطور الحاجات الاجتماعية Social needs وبالفعل فقد انشئ معهد القانون الامريكي اوائل عام 1923 وحددت مهمته في العمل على تعزيز تبسيط وتوضيح القانون وكفالة تناغمه مع الحاجات الاجتماعية باستمرار و ضمان حسن سير العدالة وتشجيع ودعم التثقيف والبحث العلمي في المجال القانوني .
-المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص : انشئ عام 1926 ويعرف بـ ( اليونيدروا) وهو منظمة حكومية يبلغ عدد اعضاءها في الوقت الحالي ستون دولة ومن ضمنها (العراق) تمثل بمندوبين لها في المعهد ومقره مدينة روما بايطاليا وهو عند انشاءه كان جهازاً تابعاً لعصبة الامم المتحدة وللمعهد مهمة نصت عليها المادة الاولى من نظامه الاساسي من ان ((هداف المعهد هو دراسة وسائل تنسيق وتوافق احكام القانون الخاص بين الدول او بين مجموعات الدول والعمل تدريجياً على تبني تشريع موحد للقانون الخاص من قبل مختلف الدول .
لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي (Unictral)
أنشأت هذه اللجنة بمقتضى قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم (2205) في دورتها الحادية والعشرين بتاريخ (16/11/1966) بهدف ( لعب دور فعال في تقليل وازلة العقبات القانونية التي تعرقل التجارة الدولية أو العمل على تشجيع التناسق والتوحيد التدريبي للقانون التجاري الدولي ) وذلك وفقاً لما جاء بقرار أنشائها المذكور وتتكون اللجنة من ستين دولة عضواً تنتجها الجمعية العامة ، وقد نظمت العضوية بحيث تكون مختلة للأقاليم الجغرافية المختلفة في العالم ومجسدة لنظمه الاقتصادية والقانونية المختلفة أو ينتخب اعضاء اللجنة لفترة ولاية ست سنوات أو تنتهي فترة ولاية نصف الاعضاء كل ثلاث سنوات .
ومنذ انشائها عملت اللجنة على تحقيق الهدف الذي جاء في قرار انشائها من خلال رصد الانشطة والتطورات في مجال القانون التجاري الدولي ، وعقد اجتماعات سنوية فضلاً عن الاجتماعات نصف السنوية التي يعقدها كل فريق عمل من تلك المشكلة في رحاب اللجنة يدعى اليها فضلاً عن الدول اعضاء اللجنة البقية اعضاء الامم المتحدة ، والمنظمات الدولية المهتمة بالمسائل محل المناقشة ، ويكون لكل منها صفة مراقب ويسمح لهم بالمشاركة في المناقشات بنفس القدر المسموح به للاعضاء.
وعادة ما تتمخض المناقشات عن عقد الاتفاقيات الدولية بشأن المسائل محل المنافسة كأتفاقية الامم المتحدة بشأن النقل البحري للبضائع واتفاقية الامم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع ، وأتفاقية الامم المتحدة بشأن الضمانات المستقلة وخطابات الاعتماد الصناعية – أو اصدار القوانين النموذجية بشأن التوفيق التجاري الدولي ، والقانون النموذجي بشأن التحكيم التجاري الدولي أو القانون النموذجي بشأن التجارة الالكترونية _ او اعداد الدلائل التشريعية كالدليل التشريعي بشأن مشاريع البنية التحتية الممولة عن طريق القطاع الخاص ، ودليل صياغة العقود الدولية المتعلقة بتشييد المنشآت الصناعية ، ودليل الاشتراك التشريعي بشأن قانون الاعسار وغير ذلك .
المنظمة العالمية للملكية الفكرية : ويرمز لها اختصاراً بمنظمة استناداً الى الحروف الاولى باللغة الانكليزية والتي أنشأت عام 1967 وظلت تحت اشراف الحكومة الفيدرالية السويسرية حتى عام 1974 حيث اصبحت احد الوكالات التابعة للأمم المتحدة أعتباراً وتقوم بدور هام في تنسيق وتوحيد كثير من أحكام الملكية الفكرية .
الاتحاد الاوربي : البرلمان الاوربي مجلس أوربا ولها دور حيوي في توحيد القواعد القانونية داخل كافة دول الاتحاد الاوربي وتكريس المطابع الفيدرالي للأتحاد وذلك من خلال عقد الاتفاقيات conventions التي تدخل حيز النفاذ وتسري بين اطرافها متى توافر العدد المطلوب من التصديقات وعليها ويكون في امكان الدول اعضاء الاتحاد الاخرى وكذلك الجدد التي تنضم اليها واصدار التعليمات التي تكون ملزمة بجميع عناصرها لجميع الدول والاعضاء . كما تكون واجبة التطبيق في كل منها بمجرد صدورها والقرارات التي تكون ملزمة بكل ما فيها للدول والاعضاء التي يتم تحديدها في القرارات والتوجيهات Directives التي تلتزم الدول الاعضاء لتحقيق النتيجة المتوخاة من ورائها بيد انه يترك لكل منها حرية اختيار وسيلة وشكل تحقيق ذلك .
منظمة تنسيق قانون الاعمال في افريقيا : ويرمز لها اختصاراً OHADA التي أنشأت عام 1993 وحددت المادة الاولى الهدف من انشائها العمل على توحيد وتناسق قوانين الاعمال في الدول الاطراف من خلال اعداد واعتماد قواعد ميسرة وحديثة وتلائم الظروف الاقتصادية لتلك الدول واقرار الاجراءات القضائية الملائمة وتشجيع اللجوء الى التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات وعلى الرغم من حداثة عهدها فقد اصدرت العديد من الوثائق الموحدة التي تسري في الدول الاعضاء بشأن كثير من الموضات الهامة كالقانون التجاري بصفة عامة والشركات التجارية التحكيم . اندماج الشركات وعقود النقل البري للبضائع وغيرذلك . وفي سبيل اضفاء الفاعلية على الوثائق الموحدة التي تصدرها OHADA وضمان حسن تطبيقها وتوحيد تفسيرها في جميع الدول الاعضاء فقد نصت المادة 14 من الاتفاقية المنشئة للمنظمة على انشاء المحكمة المشتركة للعدالة والتحكيم كما أنشأت المدرسة الاقليمية للقضاة .
منظمة دول امريكا اللاتينية / لقد تبنت منذ المؤتمر الدولي السادس للجنة القانونية التابعة لها الذي عقد في هافانا عام 1928 مجموعة أو مدونة موحدة للقانون الدولي الخاص تتضمن 437 مادة تعرف بقانون بوستامنت – نسبة الى واضعها الفقيه والسياسي الكوبي الاستاذ Antonio Sanchoz de Baustanto (1865- 1951 ) وعضو الجماعة الدائمة للعدل الدولي وعضو المحكمة الدائمة للتحكيم والذي ترأس هذا المؤتمر جلسته المذكورة – تضمن احكاماً موحدة لتنازع القوانين والمرافعات المدنية بما يتضمن الاختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الاحكام والقانون التجاري الدولي .
مجلس التعاون لدول الخليج العربي : وهو المنظمة العربية التي اهتمت بتوحيد كثير من المسائل القانونية والذي ينص نظامه الاساسي على ان بين اهدافه (( وضع انظمة متماثلة في مختلف الميادين )) ومن ثم فقد اتفقت دول المجلس عام 1982 على ان تكون مصادر التشريع واسس القضاء مستمدة من الشريعة الاسلامية لما عملت على توثيق الصلة بين هيئاتها التشريعية وتعميق الروابط بين هيئاتها القضائية .
وتوصلت دول المجلس عام 1995 الى ابرام اتفاقية تنفيذ الاحكام والانابات والاعلانات القضائية او اقرت عام 1997 وثيقة الكويت للنظام (القانون ) المدني الموحد لدول مجلس التعاون كما اعتمدت وثيقة ابو ظبي للنظام الموحد للاحداث عام 2001 ووثيقة الدوحة للنظام (القانون) للاجراءات الجزائية لدول مجلس التعاون كما اعتمدت وثيقة ابو ظبي للنظام (القانون) الموحد للاحداث عام 2001 ووثيقة المنامة للنظام (القانون) الموحد للمحاماة ، ووثيقة المنامة للنظام (القانون) الموحد للاجراءات المدنية ، ووثيقة مسقط للنظام (القانون) الموحد للاثبات وفي عام 2002 تم اقرار وثيقة الدوحة للنظام (القانون) الموحد لأعمال كتاب العدل ووثيقة ابو ظبي للنظام (القانون) الموحد للتوفيق والمصالحة والنموذج الاسترشادي لأتفاقيات التعان القانوني والارشادي وفي عام 2004 تم اقرار وثيقة الكويت للنظام (القانون) الموحد لرعاية اموال القاصرين ومن في حكمهم ، واخيراً فقد اقر المجلس وثيقة الرياض للنظام (القانون) الموحد للاجراءات الجزائية بصيغتها المعدلة عام 2005 وتجدر الاشارة الى ان جميع تلك القوانين الموحدة التي اعتمدها مجلس التعان الخليجي ما زالت موحدة على الورق ولم تعرف طريقها الى الاعتماد من قبل مشرعي الدول الاعضاء ، حيث ما زالت تشريعاتها في المسائل التي صدرت بشأنها القوانين الموحدة المذكورة في اعلاه متباينه لاتوحيد بشأنها ولاتناسق بينها .
م.د.غسان عبيد المعموري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
4 أغسطس، 2019 at 11:07 ص
مقال رائع