دور الأمن السيبراني في حماية الملكية الفكرية لدى الطباعة ثلاثية الأبعاد
د. بندر عبدالعزيز المنقور
انتشرت استخدامات الطباعة ثلاثية الأبعاد نظراً لكونها من الناحية التقنية مثالية لتصنيع قطع هندسية معقدة ومخصصة حسب الطلب، وقد كنت قد أسهبت في الحديث عن مزايا وتطبيقات التقنية في مقالة سابقة؛ ولكن في هذه المقالة أحببت أن أتطرق الى ضرورة الاهتمام بتحديات الأمن السيبراني المرتبطة بالطباعة ثلاثية الأبعاد ومعالجتها بشكل عاجل؛ فهي ليست مثل رقم بطاقة الائتمان المسروقة التي يمكنك تغييرها بسرعة لتجنب الضرر، إن الطباعة ثلاثية الأبعاد تحمل العديد من نقاط الضعف في الأمن السيبراني والتي ممكن أن تؤدي الى عيوب يُحتمل أن تكون خطرة و مدمرة وغير قابلة للكشف؛ حيث أن الضرر الاقتصادي الناجم عن سرقة الملكية الفكرية ضخم جداً؛ فعلى سبيل المثال اذا نظرنا الى صناعة الرعاية الصحية فسوف نجد أنها تتعرض باستمرار للهجوم السيبراني، ففي عام 2016 عانت هذه الصناعة من معدل اختراق يصل لواحد على الأقل كل يوم بسبب أنها فشلت في تنفيذ أحدث التدابير لمنع اقتحام المتسللين والبرامج الخبيثة، مما أثر على أكثر من 27 مليون سجل للمرضى؛ ولذا أحببت في هذه المقالة أن أسلط الضوء على خطر سرقة الملكية الفكرية على وجه الخصوص لدى الطباعة ثلاثية الأبعاد وماهو دور الأمن السيبراني في حمايتها.
يمكن اختراق الطابعات ثلاثية الأبعاد من خلال طرق متعددة، فلا يوجد شيء يمنع من إعادة طباعة المنتجات بجودة عالية بل ومطابقة للمنتج الأصلي مستخدمين ملفات الكاد ((CAD المسروقة، والاختراق ليس مقتصرا فقط على قرصنة البرمجيات؛ بل أيضا سرقة التصاميم، والتزييف، وانتهاكات العلامات التجارية، وغيرها من أشكال الملكية الفكرية المسروقة؛ ففي غياب طريقة أمنة لحماية هذه المعلومات قد تواجه شركات التصنيع مجموعة جديدة من المخاطر المتعلقة بإدارة ومراقبة البيانات- منها مخاطر الحصول على بيانات السرية (مثل معلومات الهوية أو الصحة الشخصية)، ومخاطر المسؤولية التي قد تزيد إذا كان تصميم المنتج غير أمن، مما يزيد من مخاطر تأثر سمعة العلامة التجارية بسبب وجود المنتجات المزيفة، إضافة الى التكاليف والمطالبات القانونية الهائلة.
فعلى سبيل المثال لقد نشر باحثون في الأمن السيبراني تحذيرات حول نقاط الضعف في الاجهزة الطبية القابلة للزرع -مثل الأطراف الاصطناعية- التي يمكن للقراصنة استغلالها لأصابه المرضى أو حتى قتلهم، وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى ضمان أن الوصول إلى الاجهزة الطبية والبيانات التي تنتج عنها لا يمكن أن تتعرض للخطر فضلاً عن عدم فتح الباب للمنتجات المزيفة؛ مثلاً قد يحتوي الجهاز الطبي الفردي على معلومات شخصية وقد يؤدي خرق البيانات إلى تعطيل قوانين الأمان والخصوصية، وهذا يؤكد وجود الحاجة إلى ضمان أن كل الاجهزة الطبية التي يتم تصنيعها وإطلاقها للبيع أصلية وتحوي جميع الضمانات التي وضعت فيه من قبل فريق الهندسة الأصلي، وقبل كل شي من الضروري أن تكون كافة المعلومات الرقمية التي تصف تصميم المنتج وتصنيعه محمية من السرقة أو التلف.
بناء على هذه التحديات نحتاج الى حلول جذرية لمعالجة هذه التهديدات السيبرانية، ومن أجل ردع التزوير ومنع الضربات العرضية فإننا نحتاج في البداية أن نفهم أن المشكلة تأتي من أصحاب الملكية الفكرية؛ إذ لا يمكن تمييز المنتج الأصلي من المسروق؛ ولذلك يجب أن يتم تأمين الطباعة ثلاثية الأبعاد من أجل حماية قيمة العلامة التجارية، أيضا لضمان الطباعة الأمثل هناك امكانية تطوير المواد التي لديها خصائص محددة جداً مثل عناصر التتبع حتى تتمكن من تحديد ما إذا كان قد تم استخدام المواد الصحيحة أو معرفة ما إذا كان جزء من القطعة هو المزيف، و لضمان ألا تتم سرقة ملفات الكاد ((CAD، يجب وضع الباركود حتى يتم التمييز بين القطع المزيفة من الأصلية، واقترح أيضا توسيع التكنولوجيا نفسها لتشمل طباعة رموز للهوية التي يمكن مسحها ضوئيا؛ مما يمكنك من معرفة ما اذا كان المنتج أصلياً أم لا، أحب أن أنوه أنه يجب أن تشمل الحماية سلسلة التوريد والتي تشكل أولوية رئيسية للصناعة أكثر من أي وقت مضى، بدءاً من الشركات المصنعة للطابعة أنفسهم ومهندسي التصميم التي تستخدمها حتى الشركات المصنعة، وليس لدي أدنى شك في أنه في غضون سنة أو سنتين سيكون كل هذا من بين الأولويات العليا للشركات المهتمة بالطباعة ثلاثية الأبعاد، إضافة الى طرق الحماية من الناحية الصناعية التي ذكرتها يجب أن لانغفل عن دور الحماية التشريعية عن طريق سن القوانين والأنظمة بالتعاون مع الهيئة السعودية للملكية الفكرية وهيئة الخبراء ومجلس الشورى ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وغيرها من الجهات المحلية ذات العلاقة بحماية الملكية الفكرية.
كما أسلفت الذكر؛ إن أحد أهم التحديات التي تواجه مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد هي فقدان السيطرة على الملكية الفكرية، وبما أن رقمنة التصنيع أصبحت ضرورية كما أن الطباعة ثلاثية الأبعاد أصبحت أكثر انتشارا، فإن معظم الشركات سوف تضطر إلى النظر في الآثار المترتبة على فقدان السيطرة على رقمنة أصولها، ولذا تحتاج شركات التصنيع إلى اتخاذ حماية الملكية الفكرية بشكل خاص على محمل الجد لأنها تعتمد اعتماداً كبيرا على الابتكار والقيمة المضافة كجزء لا يتجزأ من منتجاتها؛ مما يجعل الصناعة عرضة لسرقة الملكية الفكرية، كذلك تنفق المصانع اليوم الملايين من البحوث والتصميم والاختبار والتطوير والتصنيع والتسويق…. إلخ، والتي من الممكن أن تستغرق سنوات للوصول إلى السوق، في طليعة الابتكار السريع يجب على شركات التصنيع تنفيذ تدابير صارمة لحماية مزاياها التنافسية، ففي كل عام يظهر منافسون جدد، وحلول جديدة، وإمكانات أكبر للسرقة؛ سواء دخول سوق جديدة، ودمج المنتجات المتصلة في حلولها القائمة، أو استكشاف عمليات التصنيع الجديدة، وفي الختام أرى أنه من الواجب على شركات التصنيع تطبيق تقنيات منيعة مقرونة بالاستراتيجيات القانونية والمخاطر من أعلى إلى أسفل مع زرع ثقافة التوعية التي تحمي الملكية الفكرية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً