كيف عاقب المشرع المصري الفاعل المعنوي في ارتكاب الجريمة؟
عرفت العديد من التشريعات المقارنة نظرية «الفاعل المعنوي» للجريمة، ومضمونها أن يسخر شخص آخر بأي طريقة كي يرتكب جريمة أعد أدواتها ورسم خطه تنفيذها دون أن يظهر علي مسرحها أو يتدخل في ارتكابها،من قبيل أن يقوم الفاعل بتنويم شخص مغناطيسا ويوجهه إلي قتل آخر أو سرقته أو يعطي شخص لمجنون أو طفل سلاح ناري ويحفزه لاستخدامه تجاه غريم له، ففي هذه الأحوال وما شابهها لم يساهم الشخص في جرائم القتل والسرقة ولم يظهر علي مسرحها، وإنما استخدم غيره كاداه لارتكاب جريمته، ومثله طبقا للقواعد العامة كان سوف ينجوا من العقاب لعدم إتيانه الجريمة بنفسه أو التدخل في ارتكاب جزء من ركنها المادي بل ارتكبت بواسطة غيره حال أن المسؤولية الجنائية شخصية.
«صوت الأمة» ترصد فى التقرير التالي الموقف التشريعي والقانوني للفاعل المعنوي أو ما يطلق عليه تحريض ومساعده عديم الأهلية علي ارتكاب الجريمة.
يقول الدكتور«ياسر فاروق الأمير»، المحامى وأستاذ القانون الجنائى، أنه لتفادي تلك النتيجة نصت التشريعات المقارنة كالقانون الإيطالي والألماني علي عقاب هذا الشخص بوصفه فاعل معنوي، أما القانون المصري فلم ينص علي نظرية الفاعل المعنوي ولهذا اختلف الفقه بشأنها بين مؤيد ومعارض.
يضيف«الأمير» فى تصريحات لـ«صوت الأمة» أنه سبق وأن عرضت علي القضاء واقعة حرض فيها شخص آخر عديم الأهلية علي ارتكاب الجريمة وساعده عليها، ووقعت الجريمة بناء علي هذا التحريض وتلك المساعدة، وحينما قدم للمحاكمة دفع بانتفاء الاشتراك في جانبه لأن الفاعل غير أهل للمسؤولية الجنائية ومن ثم لا يمكنه تحريضه أو مساعدته فمثله لا يتوافر لديه القصد الجنائي من العلم بعناصر الجريمة واتجاه إرادته إلي ارتكاب الفعل المكون لها، غير أن محكمة الجنايات إدانته فطعن بالنقض لذات السبب فرفضت محكمة النقض الطعن تأسيسا علي أن ما يدعيه الشريك من أنه لا يمكنه تحريض أو مساعدة متهمين غير مدركين لأفعالهما مردوداً بأن الاشتراك بطريق التحريض أو المساعدة – بخلاف الاشتراك بطريق الاتفاق – لا يستوجب انعقاد إرادتي الشريك و الفاعل الأصلي علي ارتكاب الجريمة فلا يستلزم أن يكون فاعل الجريمة أهلاً للمسئولية الجنائية أو متوافراً لديه القصد الجنائي بل يمكن أن يكون أداه مسخرة في يد الشريك يحركها كيف يشاء.
(الطعن رقم 820 لسنة 54 جلسة 1984/10/24 س 35 ص 685 ق 149) وتحاشت محكمة النقض وبحق وصف الشريك بانه فاعل معنوي.
ويوضح «الأمير» أن هذا التخريج من محكمة النقض محل نظر إذ التحريض يعني بث فكره الجريمة لدي الفاعل أو دعمها لديه إذا كانت غير راسخة أو حاسمه وهذا يقتض أن يكون الفاعل مدركا لدلالة الفعل الجرمي محل التحريض مما يقتض أن تكون أرادة الفاعل فاعله وليس معطله ولا شك أن المجنون لديه أراده وكذا الصغير ويعلم بشذوذ سلوكه ولكن دون الحد الذي يجعله أهلا في نظر المشرع لتحمل تبعه المسؤولية الجنائية، وهو ما تحسب معه القانون في المادة 42 عقوبات حينما قرر عقاب الشريك ولو امتنع عقاب الفاعل لعله تخصه كعدم أهليته، مؤكداَ أنه كان أحري بمحكمة النقض أن تؤسس رفض الطعن علي هدي من نص المادة 42 عقوبات بدلا من تبني مفهوم للتحريض والمساعدة قد يظلمه واقع الحال وغير مسلم.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً